انعكست منهجية الحرب وديمومتها وتوسيعها، التي تقودها الحكومة الإسرائيلية، على كافة المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، من حيث مستوى النمو الاقتصادي، بتخفيض تقديراته للعام الجاري، وقرار بنك إسرائيل المركزي، المبكّر، قبل موعده المعلن سابقا، باستمرار الفائدة العالية، وقرار الحكومة بزيادة ميزانية الجيش بنحو 9 مليارات دولار، على حساب الميزانيات الاجتماعية الأساسية وزيادة العجز في الموازنة العامة، بمعنى زيادة المديونية، وإلى جانب هذا كله، تقول التحليلات الإسرائيلية إن نهج الحكومة، وقراراتها المتتالية، وتصريحات رئيسها وأبرز الوزراء، في اتجاه توسيع الحرب أكثر على قطاع غزة، من دون أي مؤشر لوقفها كليا، تخلق حالة من البلبلة بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
تلخّص هذه المقالة ملامح الحرب الإسرائيلية في الفضاءات البحرية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة وفي جبهات أخرى، مبيّنة التحديات التي واجهتها إسرائيل، والتأثيرات الإقليمية والعالمية التي تداخلت معها، والدروس التي خلصت إليها المؤسسة الأمنية والعسكرية.
منذ البداية، شكّلت حماية حرية الملاحة إلى إسرائيل ومنها التحدي الأبرز، إلى جانب تأمين الموانئ والمنشآت الاستراتيجية وضمان استمرار عمل البنية التحتية البحرية والطاقة. لكن الحرب ترافقت مع أزمة عالمية متصاعدة في التجارة الدولية، إذ جاءت بعد سنوات من اضطراب سلاسل التوريد بفعل جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، لتضيف حرب إسرائيل طبقة جديدة من التعطيل. كما أن الحوثيين فرضوا حصاراً عملياً على البحر الأحمر، ما أدى إلى انخفاض ثلثي حجم الشحن عبر قناة السويس، وهي التي تمر عبرها 25% من التجارة العالمية، و12% من تجارة الغاز الطبيعي المسال، و8% من تجارة الحبوب. ومجمل الخسائر من جراء ذلك كان فادحاً: قرابة 200 مليار دولار على المستوى العالمي، وأكثر من 7 مليارات دولار خسارة مباشرة لمصر في إيرادات القناة.
في صبيحة اليوم التالي لاغتيال ستة صحافيين في غزة يوم 10 آب 2025، كشف الصحافي الإسرائيلي الاستقصائي يوفال أبراهام في تغريدة له عبر منصة X أن إسرائيل كانت قد أسست في العام 2023، عقب أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وحدة سرية داخل جهازها الاستخباراتي العسكري تُعرف باسم "خلية إضفاء الشرعية". كان هدف هذه الخلية واضحاً: تبرير الحرب على قطاع غزة، وإضفاء شرعية على عمليات الجيش في غزة ومن بينها عمليات اغتيال الصحافيين، وآخرهم كان مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف والفريق العامل معه.[1] وبعد أيام، نشر أبراهام تحقيقاً صحافياً معمّقاً على موقع "+972"، استعرض فيه بالتفصيل عمل هذه الوحدة.[2]
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع ازدياد حدّة العنف والتطرّف داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، غابت الأصوات الإسرائيلية المعارضة لهذه السياسة، وتجنّد المجتمع الإسرائيلي بأكمله في حرب الإبادة على قطاع غزة، والحرب الصامتة في الضفة الغربية والقدس والداخل. وخلال الأشهر الأخيرة، ومع استمرار التعقيد المرافق لقضية "الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين"، برزت العديد من المبادرات والحراكات الإسرائيلية التي طالبت بإعادتهم بأي ثمن بما في ذلك وقف الحرب. إلى جانب حراك عائلات الأسرى والمحتجزين المناهض للحكومة الإسرائيلية، برز حراك منظمة "نقف معاً" والذي بدأ يحظى بأهمية متزايدة في المشهد الداخلي انطلاقاً من طرحه بديلاً سياسياً وأخلاقياً لمسار الحرب، حيث لم يقتصر دوره على النشاط السياسي، بل امتد ليشمل مبادرات ميدانية وإنسانية.
يظهر تقرير صادر عن قسم الممتلكات والشركات في وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، حول وضع الإسكان الشعبي للعام 2024، استنتاجات قاتمة، إذ أن مخزون الشقق في هذا الإطار آخذ بالتقلص أكثر فاكثر.
هذا التقرير، الذي يغطي بيانات حتى 31 كانون الأول 2024، يقدم صورة يصفها بالمقلقة عن تراجع مخزون المساكن الشعبية وتزايد الضغوط المالية والاجتماعية على المستحقين. والأبرز أنّ هذه الأزمة لم تعد مسألة إدارية أو تقنية فحسب، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بقرارات الحكومة وسياساتها الاقتصادية، وبالذات بتحويل الموارد إلى الجبهة العسكرية خلال الحرب المتواصلة وتغطية تكاليفها.
في السنوات الأخيرة أضحى منصب "المنسّق" [منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة 1967] بمثابة الجهة المركزية المسؤولة عن مختلف جوانب الحياة المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، متحكّماً في ملفات حيوية تشمل إصدار تصاريح العمل في إسرائيل، ومنح رخص التجارة، والموافقات على الحركة والتنقل، وتنظيم الأنشطة الاقتصادية. وعملياً، غدا أي نشاط مدني في هذه المناطق مرهوناً بموافقته، ما جعله صاحب تأثير بالغ على الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين. كذلك، الإشراف على قطاعات البنى التحتية كالكهرباء والمياه والاتصالات، إلى جانب إدارة سجل السكان وأنظمة التعليم والصحة، وهو ما جعل هذا المنصب أشبه بجهاز ذي صلاحيات شبه مطلقة.
الصفحة 1 من 350