منذ حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب الهجوم المباغت يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تواجه المؤسسة العسكرية أزمة غير مسبوقة في تاريخها، إذ لا تقتصر خسائرها البشرية على القتلى والجرحى فحسب؛ بل امتدت لتطاول النموذج التقليدي للجيش الإسرائيلي باعتباره "جيش الشعب"، الذي طالما حظي بشرعية سياسية وإجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث تحولت الخدمة العسكرية، وخدمة الاحتياط على وجه الخصوص، إلى موضع رفض وتململ. فيما يرى مراقبون اسرائيليون أن هذا الرفض يكشف عن تصدّع شامل في العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين إسرائيل ومواطنيها لعقود طويلة.
أعلنت المجر (هنغاريا) في الثالث من نيسان الجاري انسحابها من محكمة الجنايات الدولية وذلك بالتزامن مع بدء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو زيارة إلى العاصمة بودابست، وهو الذي كانت المحكمة ذاتها قد أصدرت مذكرة اعتقال بحقه في تشرين الثاني الماضي (سوية مع وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت) على خلفية دعوات لمحاكمة قادة إسرائيليين بشبهة ارتكابهم جرائم حرب خلال الحرب على قطاع غزة.
شهدت السنوات الماضية اهتماماً إسرائيلياً متزايداً بالعلاقة مع الصين على كافة المستويات، وقد تناولت مساهمات سابقة في ملحق "المشهد الإسرائيلي" العديد من هذه القراءات والتقارير، والتي ركّزت في غالبيتها على الجوانب السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدا وأن هناك موقفاً إسرائيلياً سلبياً من الموقف "المتزن" الذي أبدته الصين من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومن كافة مجريات الحرب والانتقادات الموجّهة لإسرائيل في هذا الصدد، حيث أشارت بعض التقارير في إسرائيل إلى أن الحرب قد أضرّت بمكانة الصين في الشرق الأوسط، في ما أكّدت أخرى على ضرورة الحفاظ على علاقات مستقرّة مع الصين باعتبار ذلك مصلحة إسرائيلية.
في يوم 23 آذار الحالي، اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي قراراً بالإجماع يقضي بالبدء بإجراءات حجب الثقة عن المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف- ميارا من قبل وزير العدل ياريف ليفين والذي قدّمه الوزير إلى مجلس الوزراء في 5 آذار 2025. يأتي هذا القرار بعد عدّة أيام من اتخاذ المجلس قراراً مشابها بإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار.
أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، رصّ ائتلافه الحاكم، مع عودة كتلة "قوة يهودية- (عوتسما يهوديت)- بزعامة إيتمار بن غفير، إلى الائتلاف، رغم أن انسحاب هذه الكتلة لم يُؤخذ على محمل الجد، واستمرت في كونها محسوبة على الائتلاف. يضاف إلى هذا، أن كتلة "اليمين الرسمي" بزعامة جدعون ساعر، أقدمت على ما كان متوقعا لها، بالاندماج في كتلة الليكود، في إثر استمرار تهاويها في استطلاعات الرأي العام، ما جعل ساعر يسارع في البحث عن "خشبة الخلاص"؛ وبهذا فإن نتنياهو يضرب، مرّة أخرى، كافة التكهنات بانتخابات مبكّرة، التي ستكون فقط في حالة أنها ستخدم مصلحة استمرار حكمه، إلا أن استطلاعات الرأي ما تزال تشير إلى خسارته الحكم، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.
اعتمدت العقيدة العسكرية الإسرائيلية على ثلاث ركائز: الردع، الإنذار المبكر، والانتصار الحاسم، ولاحقاً أضيفت إليها ركيزة رابعة هي "الدفاع الشامل". فشلت العقيدة الأمنية الإسرائيلية مرتين: في أكتوبر 1973 وأكتوبر 2023، حيث لم تتمكن إسرائيل من ردع أعدائها أو التنبؤ بالهجمات.
هذه المقالة تركز على الأبعاد الفلسفية والسوسيولوجية لمفهوم الردع في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وأسباب فشله، على ضوء التقييمات الإسرائيلية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة.
الصفحة 3 من 338