شهدت العلاقات بين إسرائيل ومصر خلال الحرب الإبادية على غزة تحولات ملحوظة، ووصفت بعض التقارير الإسرائيلية هذا التحول بأنه انتقال من حالة "السلام البارد" إلى حالة "التهديد الكامن". وعلى الرغم من أن القراءات الإسرائيلية في العام 2025 لمستقبل اتفاقية السلام مع مصر لا تشير إلى انهيار معاهدة السلام (على الأقل في المدى القريب)، فإنها ترى أن هناك مؤشرات على "تآكل" الأسس التي بنيت عليها، بسبب تطورات: 1) أمنية مرتبطة بتعاظم التواجد العسكري المصري في سيناء، و2) سياسية متعلقة بملف تهجير سكان غزة، وسيطرة إسرائيل على معبر رفح، والمصير السياسي لقطاع غزة، و3) اقتصادية تخص الاعتماد المتزايد لمصر على الغاز الإسرائيلي. تستعرض ورقة تقدير الموقف الحالية هذه التحولات التي طرأت خلال الحرب، وتقدّم قراءة للكيفية التي تقيّم بها إسرائيل تداعيات هذه التحولات ومساراتها المحتملة في المستقبل.
تقتطع إسرائيل شهريًا مبلغًا يتراوح بين 40 و50 مليون شيكل من أموال المقاصة الفلسطينية (أي ما يعادل 6٪ إلى 8٪ من قيمتها الشهرية)، وذلك بموجب "قانون تجميد أموال السلطة الفلسطينية المرتبطة بالإرهاب" الصادر عام 2018، وهو ما تستعرضه هذه الورقة وتقرأ في تداعياته.
يشكل هذا القانون الإسرائيلي أداة مركزية في يد الكنيست الحالي للتأثير على السلطة الفلسطينية، وتوجهاتها السياسية، وعلاقتها مع المجتمع الفلسطيني. بين 2023-2025، تم تقديم نحو 19 مشروع تعديل على هذا القانون، وتسعى جميعها إلى توسيع نطاقه ليشمل، إلى جانب خصم مخصصات الأسرى، قضايا مثل سرقة سيارات إسرائيلية، علاج أسرى فلسطينيين، وتعويضات إضافية لعائلات إسرائيلية.
في تطوّر لافت وغير مألوف في السياق الإسرائيلي، خلال الأسابيع الماضية، نشر مئات الطيارين العسكريين، وما يزيد عن 1500 جندي وضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي -تجنّدوا في الخدمة العسكرية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزة- عرائض علنية عبّروا فيها عن احتجاجهم العميق على استمرار العمليات العسكرية دون تحقيق التقدّم الكافي في قضية إعادة الأسرى والمحتجزين من خلال صفقة تبادل مع حركة حماس.
منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في نهاية 2022، يشهد النظام السياسي تحوّلًا نحو نمط سلطوي مغلق، ويتم خلاله المصادقة على تشريعات جديدة تُقيد الرقابة الدولية، وتُقنن حصانة الجيش والمستوطنين، وتستهدف المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي الحقوقي. الهامش المحدود الذي أُتيح سابقًا للفلسطينيين للتوجه إلى الحماية الدولية أو المحكمة العليا الإسرائيلية يتآكل تدريجيًا، ويُستبدل بتشريعات تُجرّم الرقابة الدولية وتمنع أي مساءلة، مما يُنتج نظامًا يعزل الفلسطينيين كـ "حالة استثناء" خارجة عن القانون.
الصفحة 1 من 20