بدأ في الأيام القليلة الأخيرة، جدل حاد، وفق وصف الصحافة الإسرائيلية، بين قيادة الجيش الاسرائيلي، ووزارة المالية، حول الميزانية الاستثنائية التي يطلبها الجيش في أعقاب الحرب على غزة، إذ يطالب حاليا بأكثر من 17 مليار دولار، نصفها للعام الجاري، في حين تطالب وزارة المالية الجيش بإعادة هيكلة ميزانيته، في أعقاب ما تراه بـ "زوال التهديد الإيراني". وفي خضم هذا، ما زالت التقارير الإسرائيلية متباينة، بشأن حجم الخسائر الاقتصادية والمالية، الناجمة عن الحرب على إيران، وتكبد الجبهة الداخلية حجم دمار لم تعرفه إسرائيل من قبل. ورغم هذا، تشير التقارير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر من هذه الحرب القصيرة زمنيا، لا بل شجعت أسواق المال الإسرائيلية، في حين واصل الشيكل تعزيز مكانته أمام الدولار، وسائر العملات العالمية.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع اندلاع أطول الحروب الإسرائيلية وأكثرها عنفًا على الفلسطينيين وإرهاقًا على الإسرائيليين، حافظ الشيكل الإسرائيلي على استقرار نسبي في أسواق المال، في سلوك يُخالف ما تفترضه الأدبيات الاقتصادية الكلاسيكية بشأن مصير العملات في أزمنة الحرب. فعادةً ما تكون العملة الوطنية للدولة أولى ضحايا الحرب: تهرب رؤوس الأموال، تتراجع الاستثمارات، تنخفض الثقة، وتتسارع وتيرة التضخم. وفي حال كانت الحرب مصنّفة كحرب إبادة، فإن التوقع الأكثر منطقيا هو فرض عقوبات اقتصادية بحق الدولة. لكن في إسرائيل لم ينهَر الشيكل، بل واصل أداءه المستقر، ما يستدعي وقفة تحليلية لفهم ما إذا كان هذا استثناءً أم أمرًا طبيعيًا بسبب خصوصية إسرائيل.
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على إيران يوم 13 حزيران 2025، والتي استمرت لمدة 12 يوماً وانتهت بوقف لإطلاق النار من دون اتفاق واضح، أجرت الكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية، وكذلك مراكز الأبحاث، استطلاعات دورية لقياس مواقف الرأي العام الإسرائيلي حيال القضية الأبرز التي شكّلت محور الخطاب السياسي الإسرائيلي على مدار السنوات الماضية. في هذا السياق، أجرى معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب استطلاعين للرأي العام منذ بداية الحرب، حيث يُمكن من خلالهما فهم التوجهات العامة في إسرائيل من هذه المواجهة غير المسبوقة. هذه المساهمة، تستعرض أبرز نتائج الاستطلاعين في محاولة لقياس الفرق في التوجه العام من الحرب على إيران، الشعور بالأمن الشخصي والعام، بالإضافة إلى استمرار حرب الإبادة على غزة في ظل المستجدات المرتبطة بقرار الحرب على إيران، مع أهمية الإشارة إلى أن الأفكار الواردة أدناه مصدرها الاستطلاعات ولا تُعبّر عن معدّ المساهمة أو مركز مدار.
مع انطلاق الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر يوم الجمعة 13 حزيران 2025، برزت مجموعة من السيناريوهات المحتملة لتطورات الحرب، كان أبرزها احتمال قيام إيران باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. وهذا ما تحقق بالفعل بعد أن استهدفت إيران قاعدة "العديد" الأميركية في قطر يوم 23 حزيران 2025 في أعقاب الهجوم الأميركي فجر الأحد 22 حزيران على المفاعلات النووية الإيرانية. هذا السيناريو الذي لطالما حذّرت منه الولايات المتحدة في حال انخراطها المباشر في أي مواجهة مع طهران. وتجدر الإشارة إلى أن إيران سبق لها أن استهدفت سابقاً قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، رداً على اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في 3 كانون الثاني 2020 في العراق بضربة جوية نفذتها الولايات المتحدة.
تتضح من خلال تقارير صحافية نُشرت ما بعد وقف الحرب بين إسرائيل وإيران، صورة الأضرار التي تعرّضت لها المباني السكنية والتجارية الاقتصادية بسبب إصابتها بالصواريخ الإيرانية. وهذاً علماً بأن الصورة غير مكتملة من حيث الصورة الشاملة للأضرار إذ ما زالت الرقابة العسكرية تمنع كشف معلومات عن مواقع أخرى أصيبت. وفي هذا السياق قال الصحافي رفيف دروكر في "القناة 13" إن هناك الكثير من الإصابات التي طاولت مواقع استراتيجية والتي لا نتحدّث عنها حتى اليوم، وهناك سبب لهذا يفهمه كل واحد من المشاهدين في البيت، كما نوّه، مضيفاً أن هناك مواقع أخرى لا نعرف عنها.
حظي شنّ الحرب الإسرائيلية على إيران بشبه إجماع إسرائيلي، خاصة من المعارضة البرلمانية الإسرائيلية، من دون أي تحفظ، ما يدل مجدداً على شبه الإجماع حول سياسة الحرب، التي تقودها الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي خلافا لما يراه البعض، فإنه مع حكومته، لا يواجهان مأزقا سياسيا، لا داخليا، يتمثل بثبات الأغلبية المطلقة في الكنيست، ولا عالميا، خاصة من الولايات المتحدة، ودول أوروبية كبرى. وبلغت ذروة الدعم الدولي بانضمام الولايات المتحدة للحرب، في اليوم العاشر لها، فجر الأحد 22 حزيران الجاري؛ إلا أنه في الوقت نفسه، فإن هذه الحرب التي تراها إسرائيل الرسمية أنها استراتيجية للمدى البعيد، ستكون فاتورتها باهظة جدا، خاصة من حيث الدمار، الذي تخلفه صواريخ الرد الإيرانية.
الصفحة 1 من 345