في آب 1897 وقف ثيودور هرتسل خاطباً أمام جمهور المؤتمر الصهيونيّ الأول في مدينة بازل السويسرية مطالباً بوطنٍ قوميّ لليهود، وفي أيار 2025 استضافت المدينة مهرجان الأغنية الأوروبية "اليوروفيجن" لتعلو المنصة يوفال رفائيل ممثلة إسرائيل وتعيد التصوّر الأهم لهذه المدينة في الذهنيّة الفلسطينيّة والإسرائيليّة. لا يبدو الربط بين بازل الأولى وبازل الثانية غريباً لأن السنوات الطويلة الممتدة بينهما ما هي إلا خيط نارٍ ومسلسل فظائع بدأ بالإبادة وينتهي بإبادة أكثر توحشاً تحدث حين تقف مغنية في البقعة السويسرية التي تنظر إليها عيون أوروبا كلها وتصرخ "شعب إسرائيل حيّ".
تُعد المساعدات الإنسانية جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الإسرائيلية، لا باعتبارها عملاً إغاثياً بحتاً، بل كأداة سياسية وعسكرية متعددة الوظائف. وقد استخدمتها إسرائيل في سورية (2016-2018) لبناء تحالفات وتدخل ناعم. وفي غزة (الحرب المستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، تستخدم المساعدات ضمن استراتيجية حربية عنيفة، لفصل السكان عن المقاومة، وضبط سلوكهم، وتهيئة شروط السيطرة أو التهجير، وليس فقط لتسويق الحرب الأخلاقية أو الانصياع لشروط المجتمع الدولي. بهذا، تتحول المساعدة إلى وسيلة لإعادة تشكيل المجتمعات ضمن منطق القوة.
في 18 أيار 2025، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن إبرام اتفاق رسمي مع شركات أمنية أميركية لتتولى مهام توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة. جاء هذا الإعلان بعد أيام من تصريح للسفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكبي، خلال مؤتمر صحافي في مقر السفارة الأميركية، قال فيه: "بدأ تنفيذ الخطة الإنسانية في غزة وفق المبادئ التي حدّدها الرئيس ترامب، وسيُوزَّع الطعام بطريقة تضمن منع حركة حماس من السيطرة عليه، وبدون تعريض حياة أي إنسان للخطر".
انشغلت الأوساط والصحافة الاقتصادية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، بثلاثة تقارير، تؤكد أزمة الاقتصاد الإسرائيلي، بدءا من نسبة تضخم عالية جدا، نسبيا، في شهر نيسان الماضي، ناقضت كل التقديرات، وهناك من اتهم قرار توسيع الحرب بها، وأيضا تقرير النمو الاقتصادي في الربع الأول من العام الجاري، الذي جاء وفق تقديرات الحد الأدنى للعام الجاري التي تم تعديلها مرتين في الأشهر الـ 12 الأخيرة، من تقدير متفائل، مبني على أساس عدم ولوج الحرب الى العام الجاري، 5%، وحتى أدنى تقدير قبل نحو شهر بنسبة 3.5%.
شكّلت العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين مكسباً استراتيجياً مهماً للأولى، على الرغم من القلق المتزايد في ضوء التحديات والتعقيدات المختلفة التي تعتري العلاقة بينهما، ووفقاً لهذا التصور، فقد طوّرت إسرائيل علاقات تجارية مع الصين بشكلٍ لافت منذ مطلع الألفية الثالثة وبلغت ذروتها في العقد الثاني، حيث أصبحت الصين شريكاً تجارياً مركزياً لإسرائيل، وأسواقها باتت مصدراً مهماً لتنويع الصادرات الإسرائيلية وتوسيع نطاقها، خاصة في قطاعات التكنولوجيا، الزراعة، والمياه، بالإضافة إلى ما توفّره الواردات من الصين من حلول عملية لكبح غلاء المعيشة وتوفير بدائل أرخص للمستهلك الإسرائيلي.
وظّفت إسرائيل على مدار سنوات احتلالها العديد من الوسائل والأدوات ضمن استراتيجية "إدارة سكّان الأراضي المحتلّة"، وقد شهدت هذه الاستراتيجية في السنوات الأخيرة تضميناً متزايداً للتقنيات والوسائل التكنولوجية والرقمية، والتي باتت محوراً رئيساً في هذه الاستراتيجية ضمن مراقبة وتعقّب الفلسطينيين في فلسطين الانتدابية، حيث لم تعُد هذه التقنيات مجرّد أدوات ثانوية، أو مُساعدة، بل تحوّلت- في العديد من الحالات- إلى أداة رئيسة ضمن استراتيجية شاملة تجمع بين المراقبة السيبرانية، التعرّف البيومتري ("تقنيات التعرّف على الوجه")، الذكاء الاصطناعي كأنظمة لجمع وتحليل البيانات ومعالجتها وتحليل السلوكيات باستخدام خوارزميات متقدّمة، وكان الهدف منها هو تحويل المنظومة الاستعمارية إلى صاحبة اليد العليا في السيطرة الأمنية- العسكرية، السياسية والاجتماعية على الفلسطينيين.
الصفحة 1 من 342