المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سموتريتش متحدثاً في "مؤتمر قطيف". (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 13
  • وليد حباس

بعد عشرين عاماً على إخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة العام 2005، اجتمع المستوطنون مجدداً في 29 تموز 2025، ليس فقط لاستحضار ذكريات حياتهم السابقة (كما في شهر آب من كل عام)، بل للدعوة الى العودة للاستيطان في غزة بعد تهجير الفلسطينيين منها.

كان هذا "مؤتمر قطيف" المنعقد في قاعة الثقافة في "يد بنيامين"، والذي شارك فيه وزراء، شخصيات سياسية، وناشطون، بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي صرّح بأن "غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل"، مضيفاً أنه لا يريد العودة إلى "غوش قطيف" بحجمه السابق لأنه "صغير جداً" بل إلى مشروع استيطاني "أوسع وأكبر بكثير". تضمن المؤتمر جلسات وحوارات حول تأثير خطة الانفصال على الوضع الراهن، وخصصت إحدى الجلسات لمحاكاة خبراء حول "خطة ترامب".

تاريخ "غوش قطيف"

"غوش قطيف" كان كتلة استيطانية في جنوب قطاع غزة، سُمّيت على اسم أول مستوطنة فيه، "قطيف". قبل الانسحاب الإسرائيلي في إطار "خطة الانفصال" العام 2005، ضم التجمع الاستيطاني 16 مستوطنة بين رفح جنوباً ودير البلح شمالاً، إضافة إلى خمس مستوطنات أخرى في مناطق متفرقة من القطاع، ليبلغ المجموع 21 مستوطنة يهودية. على الرغم من أن عدد سكانها اليهود لم يتجاوز 8,600، فإن هذه الكتلة سيطرت على نحو ربع مساحة القطاع، وثلث ساحله البحري، أي أن 0.5 بالمائة من "سكان القطاع" كانوا يسيطرون على مساحات إستراتيجية من الأرض والمياه.

تعود بدايات التفكير في الاستيطان في هذه المنطقة إلى ما قبل النكبة، حين عرض البريطانيون العام 1925 على الصندوق القومي اليهودي شراء الكثبان الرملية جنوب غزة للاستيطان، لكن اليهود رفضوا المشروع لعدم صلاحية الأرض للزراعة في حينها. وفي 1946 أنشأ الصندوق مستوطنة "كفار داروم" ضمن خطة "إحدى عشرة مستوطنة" لتثبيت وجود يهودي في النقب وجنوب فلسطين، لكن المستوطنين انسحبوا أثناء النكبة بعدما سيطرت مصر على القطاع عام 1948-1949.

الاحتلال بعد 1967 وخطط التهجير

بعد 1967، تبنت الحكومة الإسرائيلية موقفاً يعتبر قطاع غزة جزءاً لا يتجزأ من "أرض إسرائيل" التاريخية، وشرعت في سياسات تهدف لتقليص عدد الفلسطينيين فيه، خاصة اللاجئين، عبر الإبقاء على مستوى معيشة منخفض، وخلق بطالة عالية، وتقديم حوافز للهجرة الطوعية إلى الأردن أو الخارج. في 9 أيار 1968، اقترح يغئال ألون إنشاء مستوطنتين أو نقاط ناحال بين غزة ورفح، ضمن "خطة ألون" (لصاحبها يغائل ألون) و"خطة الأصابع الخمس" (لصاحبها أريئيل شارون)، لتقسيم القطاع إلى مقاطع معزولة عبر كتل استيطانية، بما يعزز السيطرة الأمنية والسياسية و"يفصل جنوب القطاع عن مدينة غزة".

المستوطنة الأولى في "غوش قطيف" أُنشئت العام 1973 كنقطة ناحال (أي مستوطنة للجيش) باسم "جدِيش"، ثم تحولت إلى مستوطنة حملت اسم "نِتسَر حزاني" العام 1977. في حفل تحويلها لمستوطنة مدنية (أي نقلها من سيطرة الجيش الى مستوطنة سكانية)، قال إسحق رابين إن الخطوة تمثل "تثبيتاً لأمن إسرائيل وضم المنطقة كجزء لا يتجزأ من الدولة". تلا ذلك إنشاء مستوطنات "قطيف"، "غاني طال"، "جديد"، و"غان أور". في العام 1979، ومع توقيع اتفاقية السلام مع مصر، أنشئ "مجلس شاطئ غزة الإقليمي"، وبدأت توسعات جديدة شملت "بدولح"، "غان أور" و"جديد" كنواة لمركز إقليمي جديد هو "نفيه دكاليم"، الذي أصبح لاحقاً أكبر مستوطنة في القطاع.

كانت الزراعة العمود الفقري لـ"غوش قطيف" واعتمدت الحقول (خصوصاً البيوت البلاستيكية) على آلاف العمال الفلسطينيين ومئات العمال التايلانديين. بلغت المساحة المزروعة نحو 4,500 دونم، أنتجت 320 ألف طن سنوياً بقيمة نصف مليار شيكل، شكّلت 65% من صادرات الخضار العضوية الإسرائيلية، و90% من إنتاج الخضار الورقية الخالية من الحشرات. لكن هذه المعطيات الاقتصادية لا يمكن فصلها عن بعدها الاستعماري: السيطرة على الأرض والمياه، وحرمان الفلسطينيين من استغلالها بحرية، وتحويلهم إلى قوة عمل رخيصة في خدمة المستوطنات.

منذ الانتفاضة الأولى العام 1987، تعرضت المستوطنات لهجمات متكررة، بدءاً من الحجارة والزجاجات الحارقة وصولاً إلى إطلاق قذائف الهاون وصواريخ القسام. بين 2000 و2005، سقط على التجمع الاستيطاني أكثر من 5,900 قذيفة وصاروخ، فيما قُتل 97 جندياً إسرائيلياً في القطاع منذ بداية الانتفاضة الثانية وحتى حرب العام 2008-2009. حماية هذه المستوطنات فرضت على الجيش الإسرائيلي عبئاً أمنياً هائلاً، إذ كان "طريق كيسوفيم" مثلاً هدفاً دائماً للهجمات، وأدى إلى مقتل مستوطنين وجنود.

خطة الانفصال 2005: الإخلاء الذي يراه المستوطنون أنه "مؤقت"

في 2003، بدأ أرئيل شارون بلورة خطة "الانفصال الأحادي" عن غزة، وأعلنها في مؤتمر هرتسليا 2004. رغم المعارضة الشديدة، أُقر القانون، وبدأ الإخلاء في 15 آب 2005، وانتهى بعد أسبوع، لتنسحب آخر قوات الجيش في 12 أيلول 2005. أُخليت المستوطنات ومعها البنية التحتية الزراعية والتعليمية، وتُركت آلاف الدونمات فارغة. جزء من المباني استُخدم لاحقاً لأغراض مختلفة، منها مقرات لحماس، بينما تحولت بعض المناطق إلى منصات لإطلاق الصواريخ.

منذ الإخلاء، تحولت "غوش قطيف" إلى رمز سياسي في الخطاب اليميني الإسرائيلي، حيث تُقدَّم كمثال على "أخطاء" الانسحاب، وترتبط بتصاعد قوة حماس. أُنشئت متاحف ومراكز أبحاث لتخليد "تراث" المستوطنات، وتبنت وزارة التعليم يوماً سنوياً لإحياء ذكراها. بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع تصاعد الحرب على غزة، عاد خطاب العودة إلى الاستيطان كأحد المحاور المركزية في خطاب قوى اليمين الديني والقومي، مدعوماً باستطلاعات تشير إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين تؤيد تهجير سكان القطاع وإعادة الاستيطان.

وفي 2024-2025، تحوّل هذا الخطاب إلى برنامج عمل مُعلن في تجمعات عامة ضمت سياسيين وقيادات ميدانية، دعت صراحة إلى "استعادة" غزة عبر تهجير الفلسطينيين وإعادة بناء المستوطنات، بدءاً من مواقع "غوش قطيف" السابقة. ويعد المؤتمر المنعقد في 29 تموز 2025 ذا دلالة خاصة لأن الاستيطان اليهودي في غزة بات يشكل شبه إجماع في الشارع الإسرائيلي (كما يدعي سموتريتش؛ أنظر/ي أدناه). وعليه، نورد ترجمة لأهم الكلمات التي ألقيت خلال أعمال المؤتمر.

ترجمة كلمة سموتريتش، مؤتمر قطيف، 29 تموز 2025

سموتريتش هو وزير مالية ووزير ثان داخل وزارة الدفاع و"متعهد" التيار الاستيطاني في الحكومة الحالية

"صباح الخير للجميع. أعتقد أن مكاني اليوم يعود بدرجة كبيرة إلى النضال الذي خضته لمنع الانسحاب من ’غوش قطيف’، وإلى الاستنتاجات التي توصلت إليها بعد فشل ذلك النضال. أتذكر أسابيعي الثلاثة في الزنزانة في قسم 7 بسجن عسقلان، حيث كان لدي الكثير من الوقت للتفكير، واستخلاص العبر، واتخاذ قرارات لتحمّل المسؤولية. مسار حياتي في العشرين سنة الأخيرة كان على خلفية هذا الجرح والالتزام الذي نتشاركه جميعاً لتحويل هذا الانكسار إلى نمو كبير، ولتحمّل المسؤولية عن شعب إسرائيل في أرض إسرائيل، وفقاً لتوراة إسرائيل.

لذلك أقول إننا الآن، أكثر من أي وقت مضى، قريبون بإذن الله من العودة لبناء هذا الحيّز من جديد. قبل عشرين سنة كنا نقول ذلك كأمنية، أما اليوم فأراه خطة عمل واقعية. إذا كان بني غانتس نفسه قال في بداية الحرب إنه يجب إقامة المستوطنات الثلاث التي كانت هنا على الأقل، فهذا يعني أن الفكرة في نطاق الإجماع القومي: حيث لا توجد مستوطنة، لا يوجد جيش، وحيث لا يوجد جيش، لا يوجد أمن.

قلت في جلسة الكابينيت الأخيرة: بعد خمسين سنة، حين تُفتح البروتوكولات ويقرأها أحفادنا، أريدهم أن يعرفوا أن جدّهم الأكبر وقف في هذه الأيام وقال بوضوح إن غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وأننا لم ندفع كل هذه الأثمان لننقل غزة من عربي إلى عربي آخر. وكلما هربنا منها، ستلاحقنا. السؤال هو كيف نحول هذا إلى خطة عملية، وهذا يتطلب عملاً هادئاً ومدروساً حتى ننجح. وبالمناسبة، لست أريد العودة لـ’غوش قطيف’ بصيغتها السابقة؛ كانت صغيرة ومكتظة، نحتاج اليوم إلى مشروع أكبر بكثير وبمساحة أوسع.

أما بشأن المفاوضات لإطلاق الأسرى، فأنا أعارضها من حيث المبدأ. صفقات إطلاق الأسرى، وخاصة مع حماس، تشكّل ضرراً أمنياً وردعياً كبيراً، وتشجع على المزيد من عمليات الخطف. يجب أن تكون رسالتنا واضحة: نتحدث مع حماس فقط عبر فوهات الطائرات والدبابات والمدافع، وليس عبر التنازلات. لدينا دعم كامل من الرئيس ترامب وإدارته، لكن القيادة تُختبر بالقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة.

لقد حذرنا سابقاً من أن الانسحاب من غزة سيحوّلها إلى قاعدة إرهاب تحت سيطرة حماس، كما حذرنا من الانسحاب من لبنان، لكنهم سخروا منا. واليوم نرى أن كل ذلك تحقق حرفياً. لذلك أقول: لا نخاف من قول الحقيقة، حتى لو كنا أقلية، لأن الحق سينتصر في النهاية.

لي خطوط حمراء واضحة، وأهمها تحقيق نصر كامل في غزة، عبر القضاء التام على حماس عسكرياً وسياسياً. لا أؤمن بخرافة أنه لا يوجد حل عسكري للإرهاب؛ هناك حل، وهو مسألة إرادة وتصميم واستعداد لدفع الثمن.

نحن نؤثر كثيراً في الحكومة، ليس فقط في قضايا الأمن، بل أيضاً في الاقتصاد والتعليم والهوية اليهودية والاستيطان في الضفة والنقب والجليل. ما نفعله في الضفة الغربية اليوم هو جزء من الدروس المستفادة من الانسحاب ومن السابع من أكتوبر، وفهم أن الضفة هي منطقة الحماية لدولة إسرائيل.

أما قضية المساعدات إلى غزة، فأنا أعارض بشدة إدخال شاحنات المساعدات إلى مناطق تسيطر عليها حماس، لأنها تستولي عليها وتستفيد منها. هذه خطيئة كبيرة، وقلت علناً إنني لا أستطيع أن أكون جزءاً من حكومة تفعل ذلك. إذا بقيت في الحكومة، فهذا لأن لدي أساساً معقولاً للاعتقاد بأن أموراً جيدة ستحدث قريباً.

أخيراً، إذا قبل عشرين سنة، ونحن في قمة الألم، قال لنا أحد إننا سنصل إلى اليوم الذي نتحدث فيه عن العودة إلى غزة كأمر واقعي قريب، لما صدقناه. لكنني أؤمن أن هذا سيحدث قريباً، أسرع مما يتوقعه الكثيرون".

ترجمة كلمة جلعاد أردان، مؤتمر قطيف، 29 تموز 2025

أردان هو عضو بارز في قيادة الليكود، وكان وزيرا والممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة بين عامي 2020 و2024

"مرحباً بالجميع، يسعدني أن أكون معكم هنا. في فترة خطة الانسحاب العام 2005، كنت من قادة ما سُمّي حينها "مجموعة المتمرّدين" في الليكود، رغم أنني لا أحب هذا اللقب، لأنني اعتبرت نفسي أمثّل القيم والمبادئ التي انتُخبت من أجلها. كنا 13 عضو كنيست ووزير واحد فقط عارضنا خطة الانفصال، في حين أن معظم وزراء الليكود – ومن بينهم يسرائيل كاتس، ليمور ليفنات، وداني نافيه – أيّدوا الخطة.

رغم أن مؤتمر الليكود صوّت بأغلبية الثلثين ضد خطة الانسحاب، إلا أن أريئيل شارون استمر في تنفيذها بعناد، مخالفاً وعده العلني، وبقي هؤلاء الوزراء في حكومته. كانت وسائل الإعلام في معظمها مجنّدة لصالح الخطة، ولم يكن هناك منفذ لإسماع الصوت المعارض. كل الأنظمة في إسرائيل – خاصة عندما يتعلق الأمر بالانسحابات – تحركت في اتجاه واحد.

اليوم، بعد عشرين عاماً، نرى أن جميع تحذيراتنا تحققت: الانسحاب من ’غوش قطيف’ منح دفعة قوية لكل القوى الجهادية المحيطة بنا. الوجود العسكري والاستخباراتي في المستوطنات كان "عيوننا" التي تراقب العدو وتمنع نواياه، والانسحاب أزال هذه العيون.

أستذكر ما قاله دافيد بن غوريون عام 1955: "أوم شموم" [أوم- اختصار الأمم المتحدة باللغة العبرية، وشموم- لا شيء، بمعنى أنها بلا قيمة ولا يصدر عنها أي شأن مفيد]، لا يهم ما يقوله العالم، المهم ما نفعله نحن اليهود". دولة إسرائيل قامت بفضل تضحيات وشجاعة ملايين اليهود على مرّ الأجيال. أما اليوم، فالأمم المتحدة ووكالاتها أصبحت رهينة بيد حماس، وهي تروّج أكاذيبها، ومنها ملف ’الممرّ الإنساني’.

علينا أن نتعلم من التاريخ: كل مرة تنازلنا فيها عن أرض، عاد الإرهاب أقوى. لذلك، يجب أن تكون لدينا سياسة واضحة لا لبس فيها: أمن إسرائيل وسيادتها لا يُقرَّران في نيويورك أو بروكسل، بل هنا، على أرضنا".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات