في 26 كانون الأول 2025، اعترفت إسرائيل رسمياً بجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) دولةً مستقلة ذات سيادة، لتصبح أول دولة عضو في الأمم المتحدة تقدم على هذه الخطوة. ومنذ تشرين الأول 2025، تشير تقارير متعددة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب دول أخرى، تدرس مسألة الاعتراف بأرض الصومال. لم يكن هذا الإعلان مفاجئاً في السياق الإقليمي؛ إذ تنظر كيانات سياسية انشقاقية، أو ذات تطلعات انفصالية، في دول عربية أخرى مثل ليبيا وسورية والجزائر والسودان، إلى نيل الاعتراف الدولي باستقلالها بوصفه هدفاً مركزياً، وترى في الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل مساراً أكثر سلاسة وسرعة لتحقيق ذلك. تستعرض هذه المقالة كيف تبلور هذا المسار في حالة أرض الصومال.
من أين جاءت جمهورية أرض الصومال؟
تعود جذور جمهورية أرض الصومال إلى مجتمع قبلي رعوي تقوده العشائر، وعلى رأسها عشيرة إسحاق في الشمال الغربي، حيث اعتمد السكان على الرعي والتجارة عبر موانئ تاريخية مثل بربرة (Berbera) وزيلا (Zayla) المرتبطة بشبكات المحيط الهندي. تقليديا، كان يحكم المجتمع الشيوخ والسلاطين، بناء على قانون عرفي متفق عليه. التدخل الاستعماري الأول كان عندما حولت بريطانيا هذه المنطقة الى محمية العام 1884 للحفاظ على طرق الملاحة، وساعدت في تنصيب مخاتير وعشائر للحكم غير المباشر على السكان. واجه الاستعمار مقاومة شرسة قادتها حركة الدراويش (1899–1920) الصوفية بقيادة محمد عبد الله حسن، وانتهت بهزيمتها عام 1920 بعد أن نفذ البريطانيون إبادة عبر القصف الجوي المكثف. مع انتهاء الاستعمار البريطاني، نالت أرض الصومال (الجزء الشمالي من دولة الصومال التي نعرفها) استقلالها في 26 حزيران 1960، لكنها اتحدت بعد خمسة أيام مع الصومال (الجزء الأوسط والجنوبي من الصومال التي نعرفها) التي كانت سابقا تحت الاستعمار الإيطالي، وشكلا معاً الجمهورية الصومالية.
لا بد هنا من الإشارة الى أمرين: أولًا، إسرائيل اعترفت بدولة "أرض الصومال" خلال فترة استقلالها القصيرة التي استمرت خمسة أيام. وبعد أن اتحدت مع الصومال، في 1 تموز 1960، انقطع أي مسار علاقات محتمل مع إسرائيل. ثانياً، الاتحاد بين أرض الصومال والصومال تم على عجل ومن دون ترتيبات دستورية واضحة، ما أدى إلى تهميش الشمال سياسياً وإدارياً، وظهور توترات سرعان ما تفاقمت في عهد الديكتاتور الاشتراكي محمد سياد بري، خصوصاً في أواخر الثمانينيات، مع قمع دموي استهدف مدن الشمال وحركة "المؤتمر الوطني الصومالي"، وأسفر عن تدمير هرجيسا (Hargeisa)، التي تعتبر حاليا عاصمة أرض الصومال، وتسبب بنزوح واسع. مع سقوط نظام بري عام 1991، أعلنت القيادات العشائرية والحركة الوطنية في أرض الصومال عن استعادة استقلال أرض الصومال ضمن حدودها السابقة، وكان ذلك في 18 أيار 1991.
لماذا لا يعترف أحد بأرض الصومال؟
بعد استقلالها من طرف واحد، وبدون تنسيق دولي أو أفريقي، بدأت أرض الصومال البحث عن اعترافات دولية، وكانت تنظر الى إسرائيل باعتبارها "جواز السفر" للوصول إلى البيت الأبيض ونيل اعتراف الولايات المتحدة. في 2 كانون الأول 1995، وجه إبراهيم عقال، رئيس أرض الصومال، رسالة رسمية إلى رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين وطلب إقامة علاقات دبلوماسية وتعاون أمني في مواجهة ما وصفه بـ "التهديد الإسلامي المتطرف"، لكن من دون أي خطوات عملية من قبل الطرفين.
تعد أرض الصومال دولة بحكم الأمر الواقع (de facto) لأنها تستوفي العناصر الأساسية لقيام الدولة، لكن لا أحد يعترف بها كدولة سوى إسرائيل.
لكن، من المهم الإشارة إلى أن أرض الصومال لديها حكومة فعّالة، تتبنى مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة، وتنجح في ذلك منذ العام 1991 دون انقطاع، ولديها عاصمة، ومؤسسات تنفيذية وتشريعية، وقضاء، وجيش وشرطة، إضافة إلى عملة وطنية مستقلة.
سياسياً، طوّرت أرض الصومال نموذج حكم هجين يجمع بين المؤسسات الديمقراطية ودور الشيوخ والزعامات العشائرية، ما أتاح تنظيم انتخابات تعددية وانتقالات سلمية للسلطة، في سابقة نادرة في القرن الأفريقي. وتوجد لأرض الصومال وزارة خارجية قادرة على إقامة علاقات دولية من خلال اتفاقات تجارية وبنيوية، تشمل الولايات المتحدة، بريطانيا، بعض دول الاتحاد الأوروبي، أثيوبيا، الإمارات، وجميعهم بدون أن يعلنوا بشكل رسمي اعترافهم باستقلال أرض الصومال.
الاقتصاد هو تعبير مكثف عن السياسة
يعتبر عدم الاعتراف الدولي الرسمي بأرض الصومال، سبباً في ضعف الدولة اقتصادياً، وعدم وصول تبرعات أو منح أو دعم دولي واسع. وعلى الرغم من ذلك، لا بد من التأكيد على أن الدول الأهم التي تقوم بمساعدة أرض الصومال هي:
- الإمارات العربية المتحدة: في العام 2016، أبرمت أرض الصومال اتفاقاً مع شركة DP World، وهي شركة حكومية إماراتية تقع في دبي، وذلك لتطوير وإدارة ميناء بربرة في أرض الصومال، ضمن مشروع مشترك يُتوقع أن يدرّ على أرض الصومال ملايين الدولارات سنوياً. وبعد عامين، انضمت أثيوبيا، الدولة غير الساحلية، إلى مشروع تطوير الميناء بهدف توسيع منفذها إلى البحر.
- السعودية: في كانون الأول 2025، وقبيل اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، طلبت السعودية رسمياً من أرض الصومال البدء بتصدير الأسماك لها، في ظل توقف وارداتها من اليمن بسبب الحرب. تمثل الخطوة فرصة اقتصادية مهمة لأرض الصومال. وقد اشترطت السعودية إنشاء مختبر صحي لفحص الأسماك واعتمادها وفق المعايير الدولية، ما يتطلب استثمارات تقنية وبنيوية، بحيث أن الاتفاق سيدر دخلاً كبيراً بالعملة الأجنبية، وسوف يوفر فرص عمل في الصيد والتصنيع والنقل، ويعزز دور ميناء بربرة كمحور تجاري إقليمي.
- أثيوبيا: في كانون الثاني 2024، وافقت أرض الصومال على تأجير أثيوبيا حقوقا تمتد لنحو اثني عشر ميلاً من ساحلها، إضافة إلى السماح لها بالوصول إلى ميناء بربرة لأغراض تجارية وعسكرية مدة خمسين عاماً، في مقابل الاعتراف الرسمي بها وحصولها على حصة ملكية في الخطوط الجوية الأثيوبية، الناقل الوطني الأثيوبي. أثارت هذه الاتفاقية أزمة دبلوماسية جديدة مع الصومال.
التعاون مع إسرائيل: متى بدأ؟ وما هي تداعياته الاستراتيجية؟
تفيد التقارير بأن التعاون بين إسرائيل وأرض الصومال يمتد إلى أكثر من عقدين، وكان متأثراً بموازين القوى الجيوسياسية. مثلا، بعد أن حظرت السعودية استيراد المواشي من أرض الصومال في 2000-2001، بدأت أرض الصومال النظر إلى إسرائيل باعتبارها شريكاً اقتصادياً محتملاً. في شباط 2001، أفادت تقارير بأن رجال أعمال إسرائيليين كانوا يتواجدون بشكل متواتر في العاصمة هرجيسا.
ومع أن العلاقة بين إسرائيل وأرض الصومال كانت جيدة، بدون إعلانات رسمية أو مشاريع تعاونية واضحة، فإن التحول الرسمي الأول كان في 14 آب 2020 عندما أعلنت أرض الصومال دعمها لاتفاق التطبيع الابراهيمي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، في إشارة إلى أنها "تتمنى" أن تكون جزءاً من هذه الاتفاقيات. وبالفعل، تطورت العلاقات بين البلدين بعد هذه الإعلان بشكل يوحي بأنهما بالفعل يتجهان نحو تطبيع كامل للعلاقات. ففي شباط 2022، وصلت قوة إسرائيلية إلى أرض الصومال لمعاينة وإعادة إعمار مدرجات طيران حربية ومدنية أقيمت في الحقبة السوفياتية. كما كشفت تقارير إسرائيلية عن أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الموساد وأرض الصومال في أفضل حالاته، وعلى مستوى عال.
بعد إعلان ترامب نيته تهجير سكان قطاع غزة، قامت أرض الصومال بمغازلته عبر فتح قنوات حديث مع الإسرائيليين حول استعدادها الأولي لقبول توطين الغزيين داخل أراضيها، قبل أن تنفي هذه النيات لاحقا. في 19 آذار 2025، صرح وزير خارجية أرض الصومال لوسائل إعلام إسرائيلية بأن أي نقاشات حول التوطين تتطلب أولاً إقامة علاقات دبلوماسية وفتح بعثات بين البلدين.
تُعدّ العلاقة بين أرض الصومال وإسرائيل ذات طابع استراتيجي بالدرجة الأولى، انطلاقاً من الموقع الجغرافي الفريد لأرض الصومال عند مدخل خليج عدن، في مقابل اليمن، وعلى مسافة قريبة نسبياً من مناطق سيطرة الحوثيين. هذا الموقع يمنح أهمية خاصة لإسرائيل بوصفها منصة محتملة لجمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة النشاط الحوثي، ودعم عمليات اعتراض الهجمات البحرية والجوية، إضافة إلى توفير عمق عملياتي قريب من مسرح الصراع في البحر الأحمر.
في هذا السياق، تُقارن القيمة الاستراتيجية المحتملة لأرض الصومال من ناحية إسرائيل بالدور الذي تؤديه أذربيجان في الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة إيران. كما تتميز أرض الصومال عن بدائل إقليمية أخرى؛ فإريتريا، رغم قربها الجغرافي، تُعد معادية للغرب ومتحالفة مع إيران، بينما تحافظ جيبوتي على موقف حيادي، وتفتقر أثيوبيا إلى منفذ بحري. إلى جانب ذلك، لا تقتصر أهمية أرض الصومال على موقعها فقط، بل تشمل أيضاً استعدادها السياسي والأمني للتعاون مع إسرائيل، إذ تتبنى قيادتها موقفاً إيجابياً تجاه الأخيرة حتى خلال حرب غزة، وتبدي انفتاحاً واضحاً على تطوير تعاون أمني، وعلى الانخراط في مبادرات موالية لإسرائيل، بل والنظر في الانضمام إلى مسار توسيع "اتفاقيات أبراهام".