تُظهر وثيقة صادرة عن مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست أن الفجوات البنيوية بين السلطات المحلية العربية وبين تلك اليهودية في إسرائيل ليست عرضية، بل ناتجة عن تداخل عميق بين التصنيف الاجتماعي- الاقتصادي المتدني لغالبية السلطات العربية، وضعف متانتها المالية.
وتبيّن معطيات الدراسة أن معظم السلطات العربية تقع في أدنى العناقيد الاجتماعية-الاقتصادية، وتفتقر إلى قواعد إيرادات مستقلة، ولا تمتلك متانة من حيث الميزانية تمكّنها من توفير خدمات متساوية في التعليم، والرفاه، والبنى التحتية. ورغم وجود ارتباط عام بين المستوى الاجتماعي- الاقتصادي والمتانة المالية، تكشف الوثيقة عن حالات عديدة لا يعكس فيها تصنيف السكان قوة السلطة ذاتها، ما يسلّط الضوء على محدودية المؤشرات المعتمدة حالياً في توزيع الموارد الحكومية. وتخلص الوثيقة إلى أن استمرار الاعتماد على هذه المؤشرات بصيغتها الحالية يكرّس حالة الضعف الهيكلي للسلطات العربية، ويعمّق عدم المساواة، ما يستدعي إعادة نظر شاملة في أدوات القياس وسياسات التمويل لضمان عدالة بلدية وتنموية حقيقية.
القوة البلدية المادية والوظيفية شرط أساسي لتقديم خدمات
وتركّز الوثيقة على معيارين أساسيين: الأول، "المؤشر الاجتماعي- الاقتصادي" الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، الذي يقيس مستوى معيشة السكان في كل سلطة محلية، والثاني، "مؤشر المتانة المالية" لوزارة الداخلية، الذي يقيس قوة الميزانية والقدرة على توفير خدمات مستقرة. وتبيّن الوثيقة أن القوة البلدية (المادية والوظيفية) شرط أساسي لتقديم خدمات التعليم، والرعاية الاجتماعية، والبنية التحتية، وأن الفجوات بين السلطات القوية والضعيفة تؤدي مباشرة إلى تفاوت في جودة الحياة وعدم المساواة بين المواطنين.
أما بخصوص وضع السلطات المحلية العربية في إسرائيل من خلال نتائج المؤشر الاجتماعي- الاقتصادي، فيظهر أن أكثر من نصف السلطات المحلية في إسرائيل عموماً قد صُنّفت في العناقيد 1–5 (منخفضة– متوسطة)، وأقل بقليل من نصفها في العناقيد 6–10 (متوسطة– مرتفعة). وعند فصل السلطات اليهودية عن العربية، تظهر صورة مختلفة للغاية: من بين 170 سلطة يهودية/ مختلطة، 57 سلطة في العناقيد 1–5 و113 في العناقيد 6–10، أي أن ثلثي السلطات اليهودية تقريباً في الجزء المتوسط- المرتفع من السلم الاجتماعي- الاقتصادي.
أما بالنسبة للسلطات العربية، فإن حوالي 69 سلطة عربية (نحو 80%) مُصنَّفة في العناقيد 1–4، أي في الأجزاء الأدنى من المؤشر، بينما 12 سلطة عربية إضافية في العنقود 5، و4 سلطات محلية فقط في العناقيد 6–7، ولا توجد أي سلطة عربية في العناقيد 8–10 (الأعلى اجتماعياً- اقتصادياً). وتعني هذه المعطيات أن غالبية المجتمع العربي يعيش في سلطات تُصنَّف في أسفل السلم الاجتماعي- الاقتصادي، ما ينعكس على قدرة هذه السلطات على تحصيل موارد مستقلة وعلى استحقاقها لمساعدات الدولة وطريقة توزيعها.
وبموجب الوثيقة، فإن هناك ارتباطاً إيجابياً واضحاً بين المؤشر الاجتماعي-الاقتصادي وبين مؤشر المتانة المالية: كلما ارتفع مستوى المتانة المالية للسلطة، يميل مستواها الاجتماعي- الاقتصادي إلى الارتفاع أيضاً. لكن مع ذلك، توجد سلطات ذات مستوى اجتماعي- اقتصادي مرتفع نسبياً، لكن متانتها المالية منخفضة، وسلطات بالعكس (والمخططات تتضمن سلطات عربية عديدة في هذه الفئة). فعلى سبيل المثال، فإن بلدة مثل الجش الموجودة في عنقود اجتماعي- اقتصادي عالٍ نسبياً (7)، لكنها في الثلث الأدنى من تصنيف المتانة المالية (المكان 74 من 256)، ما يوضح أن "قوة" السكان لا تضمن قوة ميزانية السلطة.
فجوة بنيوية مستمرة بين السلطات العربية ومعظم اليهودية
أما بالنسبة للسلطات العربية عموماً، فتشير الوثيقة إلى أن تدني المؤشر الاجتماعي-الاقتصادي يقترن غالباً بضعف في المتانة المالية والقدرة على أداء الخدمات، بسبب قلة المناطق الصناعية أو التجارية (أرنونا تجارية)، وحاجة أكبر لخدمات الرفاه والتعليم، إضافة إلى ضعف البنية الإدارية.
وبحسب الوثيقة، فإن نحو أربعة أخماس السلطات العربية محصورة في أسفل العناقيد الاجتماعية- الاقتصادية (1–4)، ولا توجد سلطات عربية في العناقيد العليا 8–10، ما يعني فجوة بنيوية مستمرة بين السلطات العربية ومعظم السلطات اليهودية. وبحسب الوثيقة، فإن الفجوة في التصنيف الاجتماعي- الاقتصادي تؤثر على حجم الموازنات الحكومية المحوَّلة (مثل "منحة التوازن")، وعلى قدرة السلطات العربية على استكمال ميزانيات التعليم والرفاه والبنى التحتية، وعلى مستوى الخدمات البلدية المتاحة للسكان.
وتخلص الوثيقة إلى أن الاعتماد المفرط على المؤشر الاجتماعي- الاقتصادي وحده في توزيع الموارد يمكن أن يُبقي سلطات عربية كثيرة في حالة "ضعف دائم"، وأنه توجد حاجة لمؤشر "متانة بلدية" أكثر شمولاً يأخذ بعين الاعتبار دخل الأرنونا غير السكنية، وهيكل المصروفات، واحتياجات السكان الفعلية في السلطات العربية وغيرها.
فالسلطات المحلية العربية في إسرائيل تواجه، وفقاً للدراسة، تحديات متعددة ومعقدة تتعلق بالموارد المالية والإدارية، والتمثيل السياسي، وتقديم الخدمات للسكان. وتشكل هذه السلطات جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي والسياسي، لكنها تعاني من محدودية الميزانيات والتدخلات الإدارية المركزية التي تؤثر على قدرتها على إدارة شؤونها بشكل فعّال. وعلى الرغم من كونها تمثل أغلبية السكان في مناطقها، إلا أن الهياكل القانونية والتنظيمية غالباً ما تحدّ من استقلالها الإداري، كما تواجه صعوبة في ممارسة دورها التنموي في ظل السياسات الحكومية التي تميل إلى التركيز على السلطات المحلية اليهودية في الحصول على تمويل أكبر وتسهيلات للبنية التحتية.
نقص حادّ في الميزانيات وتحديات إدارية وتوظيفية
أحد أبرز القضايا التي تواجه هذه السلطات هو النقص الحاد في الميزانيات، سواء فيما يتعلق بالإنفاق اليومي أو الاستثمارات طويلة الأمد. وتعتمد السلطات المحلية العربية بشكل رئيس على الميزانيات الحكومية المركزية، وغالباً ما تكون هذه الميزانيات أقل بكثير مقارنة بما تحصل عليه مثيلاتها اليهودية، مما يخلق فجوة كبيرة في جودة الخدمات والبنى التحتية. ويشمل هذا النقص قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والإسكان، والطرق، إضافة إلى صعوبة تمويل المشاريع التنموية الكبرى التي تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة أو جذب الاستثمارات. وفي المقابل، توجد فجوة أخرى متعلقة بالقدرة على تحصيل الإيرادات المحلية، حيث إن بعض السلطات تواجه صعوبات في تحصيل الضرائب والرسوم بسبب قلة الموارد الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر في المناطق العربية.
على صعيد الحوكمة والإدارة، تواجه السلطات المحلية العربية أيضاً تحديات مرتبطة بالقدرة على التوظيف وتطوير الكوادر البشرية. فكثير من البلديات تعاني من نقص الكفاءات المهنية، سواء في الإدارة المالية أو التخطيط العمراني أو تقديم الخدمات الاجتماعية، ما يؤدي إلى بطء في اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع. كما أن التدخلات الإدارية من قبل الحكومة المركزية في بعض الأحيان تحد من قدرة هذه السلطات على اتخاذ قرارات مستقلة تتماشى مع احتياجات المجتمع المحلي، ما يضعها في موقف صعب بين الالتزام بالقوانين واللوائح وبين محاولة تلبية تطلعات السكان.
قيود تنظيمية تؤخر منح التراخيص أو تنفيذ مشاريع البنى التحتية
تمثل السياسة المحلية عاملاً مركزياً في حياة السلطات العربية، إذ إن الارتباط الحزبي والصراعات الداخلية بين القوائم السياسية المحلية غالباً ما يؤثران على فاعلية المجالس المحلية. ويُلاحظ في بعض الحالات أن الانقسامات السياسية تقلل من قدرة السلطات على التوحد في مواجهة التحديات، وتعيق تنفيذ المشاريع الحيوية. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك جهوداً لتقوية التعاون بين السلطات العربية المختلفة عبر مبادرات مشتركة لتبادل الخبرات والضغط على الحكومة المركزية من أجل تحسين التمويل وتوسيع صلاحياتها الإدارية.
على المستوى المجتمعي، تلعب السلطات المحلية العربية دوراً مهماً في تقديم الخدمات اليومية لسكانها، بما يشمل التعليم، والثقافة، والصحة، والمواصلات، والنظافة العامة. غير أن محدودية الموارد والتفاوت في التمويل يؤديان إلى تفاوت كبير في جودة هذه الخدمات بين مناطق عربية مختلفة، ما يولد شعوراً بعدم المساواة بين المواطنين. إضافة إلى ذلك، تواجه هذه السلطات ضغوطاً اجتماعية متزايدة تتعلق بالتوظيف، والإسكان، والبنى التحتية، وتعليم الشباب، حيث إن الفجوة التنموية مع المدن اليهودية الكبيرة ما تزال واضحة.
تتعلق إحدى القضايا الأساسية بموضوع التخطيط العمراني والبناء، إذ إن السلطات المحلية العربية غالباً ما تواجه قيوداً تنظيمية تؤخر منح التراخيص أو تنفيذ مشاريع البنى التحتية، ما يعيق النمو السكاني والاقتصادي. كما أن نقص الأراضي المخصصة للبناء والتنمية الاقتصادية يحد من قدرة السلطات على استيعاب النمو السكاني الطبيعي وتطوير مناطق صناعية وتجارية جديدة. وهذه القيود، إلى جانب المنافسة على الموارد المحدودة، تزيد من الضغوط على المجالس المحلية وتجعل التخطيط الاستراتيجي صعب التنفيذ.
وتلاحظ الدراسة أنه في السنوات الأخيرة، بدأت بعض السلطات المحلية العربية تبادر بمشاريع تنموية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المحلي ودعم الشباب والمشاريع الصغيرة، بما في ذلك إقامة مراكز ثقافية وتعليمية، وتطوير مناطق تجارية، وتشجيع السياحة المحلية. وغالباً ما تعتمد هذه المبادرات على شراكات مع منظمات المجتمع المدني، وتمويل محدود من الحكومة، أو دعم من مؤسسات دولية. ومع ذلك، فإن حجم هذه المشاريع ما يزال ضئيلاً مقارنة بالاحتياجات الفعلية، ما يبرز الحاجة إلى دعم أكبر من الحكومة المركزية لتعزيز المساواة وتحقيق تنمية مستدامة في المجتمع العربي.
باختصار إحصائي: الوضع الاقتصادي للسلطات المحلية العربية
حصة الميزانية الحكومية:
السلطات المحلية العربية تتلقى ميزانيات أقل بكثير من السلطات المحلية اليهودية، بنسبة تصل إلى حوالي 50–60% من متوسط التمويل لكل مواطن مقارنة بالمناطق اليهودية. الاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة أقل بكثير، بما في ذلك الطرق، والمدارس، والمرافق الصحية.
الإيرادات المحلية:
غالبية السلطات المحلية العربية تعتمد بشكل أساسي على التمويل المركزي، مع قدرة محدودة على تحصيل ضرائب ورسوم محلية.
معدل تحصيل الضرائب المحلية منخفض نسبياً بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر بين السكان.
البطالة والدخل:
معدل البطالة في القرى والمدن العربية أعلى من المتوسط الوطني بنحو 3–5 نقاط مئوية. متوسط الدخل الفردي أقل بنسبة 30–40% مقارنة بالمواطنين في السلطات المحلية اليهودية.
التفاوت في التنمية الاقتصادية:
الاستثمار في المشاريع الاقتصادية والصناعية في السلطات العربية أقل بكثير، مما يؤدي إلى فجوة واضحة في فرص العمل بين المناطق العربية واليهودية. عدد المناطق الصناعية والمناطق التجارية محدود، وأحياناً غير متصل بالشبكات الاقتصادية الكبرى.
التحديات في التخطيط والبناء:
قيود التخطيط العمراني تعرقل زيادة المعروض من الأراضي للبناء والمشاريع الاستثمارية. تأخر إصدار التراخيص يحد من قدرة السلطات على جذب المستثمرين وتنمية الاقتصاد المحلي.
المبادرات التنموية المحدودة:
هناك محاولات لإطلاق مشاريع صغيرة لدعم الاقتصاد المحلي، مثل مراكز ثقافية، ومشاريع سياحية، ودعم للشباب، لكنها غالباً بتمويل محدود وبنطاق محلي ضيق. الشراكات مع منظمات المجتمع المدني أو مؤسسات دولية تمثل جزءاً من الاستراتيجية لتعويض نقص الموارد الحكومية.
الخلاصة الاقتصادية:
السلطات المحلية العربية في إسرائيل تقع في مرتبة اقتصادية أقل مقارنة بالسلطات المحلية اليهودية، وذلك مع محدودية التمويل الذاتي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، ونقص كبير في البنية التحتية والمشاريع التنموية. وتفرض الفجوة الاقتصادية قيوداً على النمو المحلي فضلاً عن أنها تقلل من فرص تحسين مستوى المعيشة، ما يجعل دعم الحكومة المركزي وإصلاح السياسات المالية والتنموية ضرورة لتعزيز المساواة الاقتصادية.