المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة أرشيفية لنتنياهو يصافح زعيم حزب يهدوت هتوراة يتسحاق غولدكنوبف في الكنست. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 12
  • برهوم جرايسي

أظهرت تطورات الأيام الأخيرة، على صعيد عمل حكومة بنيامين نتنياهو، أن الأخير استطاع تجاوز عقبتي قانون تجنيد شبان الحريديم، بشكل يرضي كتلتي شاس ويهدوت هتوراه، وميزانية العام المقبل، حتى وإن هذه الميزانية ستكون متأخرة، ولكن في إطار ما يسمح به القانون، لمنع حل الكنيست مبكرا، وهذا ما يجعل نتنياهو قادرا على إتمام ولايته البرلمانية كاملة، لأول مرة منذ العام 1988، وليكسر كل الرهانات على انتخابات مبكرة، التي انطلقت بعد أشهر قليلة من تشكيل حكومته، في نهاية العام 2022، ما يعني أن الانتخابات البرلمانية ستجري في موعدها القانوني، نهاية تشرين الأول 2026، إلا إذا قرر نتنياهو تقديم موعدها، لحسابات الربح والخسارة، لتجري بين حزيران ومطلع تموز المقبلين، لكن كما يتضح من الوضع القائم، فإن القرار والخيوط ما تزال بيد نتنياهو. 

وهذا كان السيناريو الأقوى، من بين السيناريوهات التي عرضناها مؤخرا، فحتى وإن لم يصل الأمران بعد إلى خط النهاية، إلا أن الطريق لإتمامهما تبدو سالكة، وهذا ما يدل عليه أداء كتلتي الحريديم في الكنيست، بعودتهما للتصويت إلى جانب مبادرات الحكومة والائتلاف الحاكم.

قانون التجنيد

توصل حزب الليكود مع كتلتي الحريديم إلى صيغة توافقية، بما يتعلق بفرض الخدمة العسكرية على الشبان الحريديم، ونلفت النظر هنا إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بمعظمها، تستخدم تسمية "قانون إعفاء الحريديم" من الخدمة العسكرية، إلا أن هذه تسمية احتجاجية، كتعبير عن موقف رافض لتقديم تسهيلات في فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم.

وعلى الرغم من هذا، ما تزال نقاط ضعف واعتراضات في صفوف حزب الليكود، وأيضا كتلتي اليمين الاستيطاني المتطرفتين، "الصهيونية الدينية" بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، و"قوة يهودية" بزعامة الوزير إيتمار بن غفير، اللتين تلمحان لتحفظات، لكن هاتين الكتلتين بحاجة مستقبلية لدعم كتلتي الحريديم، في مشاريعهما السياسية، والاستيطانية خاصة.

أما الاعتراضات بين نواب حزب الليكود، فمنها ما هو مرشح للتراجع، سعيا لعدم الدخول في مواجهة مع زعيم الحزب، نتنياهو، وليدفع ثمنا في الانتخابات المقبلة، بأن يكون خارج قائمة مرشحي الحزب للانتخابات؛ ومن هذه الاعتراضات ما سيستمر، ويبدو لتسليم أصحابها بحقيقة أن استمرار عضويتهم البرلمانية تحت علامة سؤال كبيرة، ونذكر منهم يولي إدلشتاين، الذي أطاح نتنياهو به من رئاسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، كي يسهّل تمرير قانون تجنيد شبان الحريديم.

ويستدل من التقارير الصحافية، التي تنشر تباعا، وأيضا مما يصدر عن المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف- ميارا، أن صيغة مشروع القانون شبه النهائية، تتناقض مع ما طلبته المحكمة العليا في هذا الخصوص، وهو اعتماد المساواة في مسألة التجنيد، مع باقي شرائح الجمهور الإسرائيلي.

ولهذا، فإن السيناريو الذي طرحناه من قبل، يقول إن نتنياهو وفريقه الحاكم يعرفان أن صيغة القانون النهائية ستلقى اعتراضات شديدة، وستنتقل بعد إقرار القانون نهائيا، إلى المحكمة العليا، وهنا يأتي العامل الزمني ليلعب دورا في هذا الأمر، وباتفاق ضمني مع كتلتي الحريديم. 

فإذا ما أقر القانون في الكنيست، في الأسابيع القليلة المقبلة، ولنقل في بحر الشهر الأول من العام المقبل، أو الشهر الذي يليه، فإن انتقال الأمر إلى المحكمة العليا، والمداولات بشأن الالتماسات، ورد الحكومة، سيحتاج وقتا هو الآخر، وقد يمتد الأمر لأسابيع. 

ونشير هنا، استنادا إلى التقارير الصحافية، وقرارات سابقة للمحكمة العليا، أن مطلب المساواة في التجنيد هو أيضا موقف غالبية القضاة، الذين يتم تصنيفهم في خانة اليمين واليمين المتشدد، بمعنى أن مسعى حكومة نتنياهو لتغيير تركيبة هيئة القضاة، لا يساعد كثيرا في هذا الملف.

وعادة فإن قرارات المحكمة العليا التي تنقض قانونا، أو بعض بنوده، تعطي الكنيست وقتا للمراجعة، وإعادة الصياغة، وبعد كل هذا مجتمعا، يكون الكنيست على مشارف الخروج إلى العطلة الصيفية، في النصف الثاني من شهر تموز المقبل، وهي في ذات الوقت ستكون عطلة انتخابات، في حال ثبت التوقع بأن تجري الانتخابات في موعدها القانوني، يوم 27 تشرين الأول 2026.

وفي هذه الحالة، يكون نتنياهو قد نقل هذه الكرة الملتهبة للولاية البرلمانية التالية، والحكومة المقبلة. 

الميزانية العامة

أما الميزانية العامة للدولة، التي أقرت الحكومة مسودتها، يوم الرابع من كانون الأول الجاري، فإن وضعيتها، من جهة التعقيدات، هي أكثر سهولة، مقارنة بقانون التجنيد، وأصلا خلال عمل هذه الحكومة، لم تكن الميزانية العامة عقبة أمام الائتلاف، في أي وقت، في سنوات حكمها الثلاث الأخيرة، لأن كل طرف حصل على ما يريد، وبسخاء شديد، قاد إلى ضجة في الأوساط الإعلامية، ولدى قطاعات في الجمهور. وبشكل خاص كتلتي الحريديم، اللتين حصلتا على ميزانيات غير مسبوقة لجمهوريهما، ومؤسساتهما الدينية، والتعليمية، والمجتمعية. فحتى لو ظهرت تعقيدات في قانون التجنيد فإنهما لن تخاطرا بعرقلة الميزانية، من باب المثل الشعبي: "إضمن ما في الجيب، لأنك لا تعلم ماذا في الغيب"، بمعنى أن الحريديم يعرفون أنهم حاليا في الحكومة المثالية بالنسبة لهم، وأن أي انتخابات مقبلة لا تضمن لهم ذات النتيجة، ولا حكومة بثبات كهذه، وسخاء تجاه الحريديم.

وقد أقرت الحكومة الموازنة العامة، بغياب كتلتي الحريديم، اللتين خرجتا من الحكومة قبل ستة أشهر، بسبب عدم التقدم بقانون التجنيد، لكنهما لم تنضما إلى المعارضة البرلمانية، وبات واضحا أنهما ستؤيدان مشروع الموازنة العامة، لدى طرحه على الهيئة العامة للكنيست، في مطلع الشهر المقبل، كانون الثاني 2026.

وقد مرّ قانون الموازنة في جلسة الحكومة بسلاسة، باستثناء ميزانية الجيش، التي طلبت وزارة المالية أن تكون 96 مليار شيكل، بينما طالب الجيش بميزانية مقدارها 144 مليار شيكل، وتم التوصل إلى ميزانية بقيمة 112 مليار شيكل، وهي تعادل قرابة 35 مليار دولار، وفق سعر الصرف الحالي للدولار.

ومعنى أن مشروع الموازنة يمر بهذه السلاسة في الحكومة، هو أن كتل الائتلاف الحاكم سترص صفوفها لدى طرح المشروع على الكنيست، للتصويت عليه بالقراءة الأولى في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني المقبل، وفق ما أعلنته الحكومة، لينتقل إلى مرحلة التشريع للقراءة النهائية، وهو أمر قد يستغرق ما بين شهر إلى شهرين، إذ أن القانون يجيز للحكومة والكنيست إقرار الموازنة حتى اليوم الأخير من شهر آذار من العام الجديد، وإلا يتم حل الكنيست تلقائيا.

ويبلغ حجم الميزانية الفعلية حوالي 662 مليار شيكل، بعجز كان مخططا ليكون قدره 3.2%، لكن خلال جلسة الحكومة تم رفعه إلى 3.9%، وحسب التقديرات سوف يتجاوز العجز نسبة 4% من الناتج العام، أي حوالي 85 مليار شيكل، وحسب المتبع، فإن ما بين 30% إلى 32% من هذه الميزانية، يذهب للصرف على تسديد الديون والفوائد.

ويحمل مشروع الموازنة تخفيفا ضريبيا، خاصة على الشرائح الوسطى، ووصفت الصحافة الاقتصادية الأمر بأنها ميزانية انتخابات.

هل يفاجئ نتنياهو؟

على الرغم مما تقدم، وهو السيناريو الأقوى، إلا أن نتنياهو، كما علمت التجربة، يعتمد عامل المفاجأة لخصومه ومنافسيه، وقد يقرر في لحظة ما الهروب إلى الأمام، معلنا حل حكومته والاتجاه نحو انتخابات مبكرة، لكن مؤشرات هذه لا تظهر حاليا في الأفق، ومن مسببات هذه الحالة الافتراضية أنه يريد التخلص من حسم قانون تجنيد شبان الحريديم، الذي يلقى اعتراضات في أوساط اليمين المتشدد والاستيطاني، أيضا.

لكن في المقابل، تظهر أمام نتنياهو تعقيدات في محاكمته، تأججت حول طلبه العفو من رئيس الدولة، إلا أنه يرفض مقومات "العفو الرئاسي"، الذي يعتمد عادة على الاعتراف بالذنب، أو بجزء منه، ودفع ثمن ما، إلا أن نتنياهو يرفض كل هذا، ويسند طلب العفو إلى ما يسميه "مصلحة الدولة".

الأمر الآخر هو أن نتنياهو يحتاج إلى أطول وقت يبعده عن آثار الحرب الاقتصادية على جيوب المواطنين، ولهذا رأينا أن مشروع الميزانية العامة يحمل في طياته تخفيفا ضريبيا على الشرائح الوسطى، خاصة الشرائح الوسطى العليا، وسيلمسون هذا، إذا بقي التدريج الضريبي على حاله، كما يظهر في مسودة مشروع الميزانية العامة.

كذلك فإن كل التقديرات الاقتصادية، الرسمية والخاصة، الإسرائيلية والعالمية، تشير إلى لجم التضخم المالي (الغلاء وارتفاع كلفة المعيشة) في العام الجديد، وهو ما بدأ يظهر بقوة في النصف الثاني من هذا العام، الذي يشارف على الانتهاء. 

ونضيف إلى هذا أن استطلاعات الرأي العام التي ظهرت في نهاية الأسبوع الماضي، بدأت تشير إلى ارتفاع ملحوظ في قوة الليكود، وبفجوة جدية عن القائمة الافتراضية المعارضة له، التي سيترأسها رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، إلا أن مجموع مقاعد فريق الليكود الحاكم ما يزال بعيدا جدا عن الأغلبية المطلقة، وأقل بشكل كبير، نسبيا، عن مجموع مقاعد المعارضة الصهيونية.

على أي حال، إذا قرر نتنياهو المفاجأة بانتخابات مبكرة، وحسب التوقيت الحالي، فإن انتخابات كهذه لا يمكنها أن تكون إلا في نهايات شهر أيار، وحتى أوائل تموز المقبل، ما يعني بالمعدل 4 أشهر لا أكثر قبل الموعد القانوني للانتخابات. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات