في 29 كانون الأول 2025، تصدّر نشر مجموعة الهاكرز الإيرانية المعروفة باسم "حنظلة" المشهد الإعلامي في إسرائيل بعد إعلانها عن نجاحها في اختراق الهاتف الشخصي لـتساحي برافرمان، رئيس طاقم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسفير المعين في بريطانيا مؤخراً، حيث ادّعت المجموعة أنها تمكنت من الوصول إلى الهاتف الشخصي الخاص لبرافرمان والسيطرة على كمية كبيرة من المعلومات الحساسة تشمل: مراسلات مشفّرة، وثائق، قوائم جهات اتصال تضم مسؤولين سياسيين وأمنيين وصحافيين، ومحتويات متعددة الوسائط، ووصفت المجموعة برافرمان بأنه "حارس البوابة" و"خزّان الأسرار" في محيط نتنياهو، معتبرة أن ما يُحتفظ به من أسرار في جهازه يمثل "أكبر نقطة ضعف للنظام". في المقابل، عكست ردود الفعل الإسرائيلية حتى اللحظة الحذر الرسمي في الاعتراف بأي خرق أمني واسع النطاق في منصب بهذا الحساسية.
من هو برافرمان؟
يعد تساحي برافرمان(Tzachi Braverman) واحداً من أبرز الشخصيات الإدارية- السياسية التي برزت في إسرائيل خلال العقد الأخير، لا سيما في محيط رئاسة الحكومة ومراكز اتخاذ القرار، ورغم غياب حضوره العلني الواسع مقارنة بشخصيات سياسية معروفة في الأوساط الإعلامية بكثرة، فإن موقعه الوظيفي، وطبيعة المهام التي اضطلع بها، ومستوى القرب الذي حظي به من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، جعلته لاعباً مركزياً في إدارة شؤون الدولة، وفي التفاعل بين المستويات السياسية، الإدارية، والأمنية داخل إسرائيل، ومعروف بأنه "رجل الظل الكلاسيكي" لبنيامين نتنياهو، حيث يعمل في الكواليس لضمان تنفيذ ما يريده الأخير على كافة المستويات.
ولد برافرمان عام 1959 في تل أبيب، وتلقّى تعليمه الأكاديمي في جامعة بار إيلان، حيث حصل على شهادة في القانون، وهي خلفية تعليمية لعبت دوراً مهماً في تشكيل أدواته المهنية لاحقاً، خصوصاً في التعامل مع الأنظمة الإدارية، الصلاحيات القانونية، وآليات عمل الحكومة. ينتمي برافرمان إلى جيل من البيروقراطيين الإسرائيليين الذين جمعوا بين التأهيل القانوني والخبرة التنظيمية، من دون أن يمروا بالضرورة عبر المسار العسكري القتالي التقليدي الذي يميز كثيراً من النخب السياسية والأمنية في إسرائيل، وقد ساهم هذا المعطى في بلورة صورته كشخصية إدارية تنفيذية أكثر منها أمنية أو أيديولوجية صرفة.
من الإدارة المحلية إلى الحقل الحزبي
بدأ برافرمان مسيرته في الحيز العام من خلال العمل في الإدارة المحلية، وتحديداً في بلدية "نس تسيونا". في هذا الإطار، شغل وظائف تنظيمية وإدارية مكّنته من اكتساب خبرة عملية في إدارة المؤسسات العامة، والتعامل مع البيروقراطية، وبناء شبكات علاقات داخل النظام السياسي. خلال هذه المرحلة، تعرّف برافرمان على الأطر الحزبية المرتبطة بـحزب الليكود، ونجح في نسج علاقات مع شخصيات فاعلة داخل الحزب، ما مهّد لانتقاله التدريجي من المستوى المحلي إلى الساحة السياسية، وقد ساعده في ذلك طابعه التنفيذي، وقدرته على إدارة الملفات المعقدة، والالتزام الصارم بالتراتبية التنظيمية، وهي سمات تحظى بتقدير خاص داخل الأحزاب الحاكمة.
الانتقال إلى مركز السلطة: من سكرتارية الحكومة إلى ديوان رئيس الوزراء
شكّل انتقال برافرمان إلى العمل في سكرتارية الحكومة الإسرائيلية محطة مفصلية في مسيرته المهنية، حيث يُعد هذا المنصب من أكثر المواقع حساسية في الجهاز التنفيذي، إذ يتولى شاغله مسؤولية تنسيق عمل الحكومة، إعداد جداول أعمالها، توثيق قراراتها، وضمان انسجام الإجراءات بين الوزارات المختلفة. من خلال هذا الدور، اكتسب برافرمان معرفة دقيقة بآليات صنع القرار داخل الحكومة، وبالتفاعلات بين المستويات السياسية والمهنية، كما أتاح له ذلك بناء شبكة علاقات واسعة مع الوزراء، كبار الموظفين، ومستشاري الأمن والقانون. لاحقاً، شغل منصب القائم بأعمال المدير العام لمكتب رئيس الوزراء لفترة، قبل أن يُعيَّن في أحد أهم المواقع الإدارية في الدولة، وهو رئيس طاقم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ويُعتبر هذا المنصب عملياً مركز الثقل التنظيمي في مكتب رئاسة الحكومة، إذ يتحكّم في تدفق المعلومات، تنسيق الاجتماعات، إدارة الطواقم، وضبط العلاقة بين رئيس الحكومة وبقية المؤسسات.
في موقعه كرئيس لطاقم رئيس الوزراء، مارس برافرمان نفوذاً واسعاً، وإن كان في الغالب بعيداً عن الأضواء، فقد كان مسؤولاً عن: 1) إدارة اليوميات السياسية والتنفيذية لرئيس الحكومة؛ 2) تنسيق العمل بين مكتب رئيس الحكومة والوزارات المختلفة؛ 3) الإشراف على طواقم المستشارين، بمن في ذلك المستشارون السياسيون والإعلاميون؛ 4) المشاركة في التحضير لاجتماعات أمنية وسياسية رفيعة المستوى؛ 5) لعب دور الوسيط بين القيادة السياسية ومؤسسات الدولة المختلفة. هذا الدور جعله أقرب إلى ما يُعرف في الأدبيات السياسية بـ "رجل الظل"، أي الشخصية التي لا تظهر في الواجهة، لكنها تؤثّر بعمق في مسار القرار السياسي، عبر التحكّم في القنوات الإجرائية والتنظيمية.
الجدل القانوني والإعلامي حول برافرمان
ارتبط اسم برافرمان خلال السنوات الأخيرة بعدد من القضايا الجدلية، عكست حساسية موقعه داخل النظام السياسي، من أبرز هذه القضايا التحقيقات التي أُجريت حول شبهات تتعلّق بتعديل بروتوكولات رسمية خلال أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وترتبت على ذلك شبهات التحايل على الإجراءات الرسمية أو إساءة استخدام السلطة، وقد تم استجوابه من قبل وحدة "لاهف 433" التابعة للشرطة في نهاية العام 2024، حيث كان الاشتباه الرئيس حينها هو تغيير موعد محادثة جرت صباح يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول بين نتنياهو وسكرتيره العسكري آنذاك آفي جيل، وبعد أن أنهت الشرطة التحقيقات في هذه القضية وأحالت الملف إلى النيابة العامة، يبدو من المبكّر الحديث عن إمكانية توجيه لوائح اتهام. ورغم ذلك، سلّطت هذه القضية الضوء على التداخل المعقّد بين العمل الإداري، الولاء السياسي، وحدود المسؤولية القانونية داخل مكتب رئيس الوزراء.
بالإضافة لذلك، واجه برافرمان انتقادات إعلامية تتعلق بمحاولات التأثير على التغطية الصحافية، واستخدام أدوات قانونية للرد على تقارير اعتُبرت مسيئة أو غير دقيقة من وجهة نظره، وقد رأى منتقدوه في ذلك مساساً بحرية الإعلام، بينما اعتبره أنصاره في اليمين دفاعاً مشروعاً عن نزاهة العمل الحكومي، فقد أثيرت ضده شبهات بقيامه بدفع بعض قنوات الإعلام المقربة من نتنياهو إلى رفع دعاوى أو طلبات تعويض من بعض الصحافيين، متهماً إياهم بنشر معلومات غير دقيقة، بينما رفض الإعلام هذا الادعاء واعتبره محاولة "لشل حرية التعبير".
من ناحية أخرى، ارتبط اسم برافرمان في الاتهامات الإعلامية التي أشارت إلى تورطه في محاولة التأثير على ضابط كبير في الجيش من خلال معلومات شخصية حساسة (ابتزاز)- وهو ما نفاه برافرمان بشكلٍ قاطع، وقد عمّقت هذه القضية الخلافات السياسية التي كانت قائمة بين رئيس هيئة أركان الجيش السابق هرتسي هليفي ومكتب نتنياهو.
خلال الأيام الماضية، عاد اسم برافرمان للتداول الإعلامي حول شبهات أثارها ضدّه المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء نتنياهو إيلي فيلدشتاين الذي ظهر في تحقيق أعدّته قناة كان 11 حول واحدة من أصعب القضايا التي عصفت بدولة إسرائيل، والمعروفة باسم "قطر- غيت"، حيث اتهم الأخير برافرمان بعرقلة التحقيق وتهديده بشكل غير مباشر (وهذه روايته التي قدّمها لجهاز "الشاباك" منذ أكثر من عام)، علماً أن فيلدشتاين متورّط في القضية ويرفض نتنياهو وحزبه الإقرار بمنصبه كمتحدث، وقد دفع هذا الاعتراف المستشارة القانونية للحكومة إلى فحص إمكانية التحقيق في هذه الجزئية وصحّة تورّط برافرمان فيها، لا سيّما بحكم منصبه الحسّاس والشبهات المثارة حول نتنياهو ومكتبه في هذه القضية.
سفير إسرائيل في بريطانيا؟
في أواخر هذا العام (2025) صادقت الحكومة الإسرائيلية على تعيين برافرمان في منصب سفير إسرائيل لدى المملكة المتحدة، وهو تعيين أثار نقاشاً واسعاً داخل إسرائيل، حيث تُعد بريطانيا من الساحات الدبلوماسية الحساسة بالنسبة لإسرائيل، في ظل تصاعد الانتقادات الدولية والحراك المناهض لها هناك خلال حرب الإبادة. من جهة، رأى مؤيدو التعيين أن خبرة برافرمان الإدارية وقربه من رئيس الوزراء يؤهلانه لتمثيل السياسات الإسرائيلية بدقة وانضباط، في حين اعتبر معارضوه أن التعيين يعكس تسييس السلك الدبلوماسي، وتحويله إلى امتداد للدوائر الحزبية الضيقة ودائرة الولاء لبنيامين نتنياهو شخصياً، وكجزء من حالة الانقلاب المؤسساتي التي ينفذها اليمين منذ عدّة سنوات.
في الدلالة البنيوية
تمثل سيرة برافرمان نموذجاً لتحولات الحكم في إسرائيل، وتعاظم أدوار الشخصيات الإدارية غير المنتخبة، والاعتماد على دوائر ضيقة من المقرّبين لرئيس الحكومة، كما تعكس تآكل الحدود التقليدية بين الإدارة المهنية والسياسة الحزبية، خصوصاً في ظل أزمات متلاحقة تضرب النظام السياسي والقانوني الإسرائيلي منذ عدّة سنوات وتعمّقت خلال حرب الإبادة على غزة. من هذا المنظور، لا يمكن فهم برافرمان كشخصية فردية فقط، بل كجزء من بنية سلطوية أوسع، تقوم على مركزية القرار، وتكثيف النفوذ داخل مكتب رئيس الحكومة نسبة لاعتبارات الولاء والطاعة على حساب المؤسسات الرقابية والتوازنات التقليدية التي حكمت العمل السياسي في إسرائيل على مدار سنوات طويلة.