المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 12
  • هشام نفاع

نشرت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية نتائج ما وصفته بأنه تحقيق استقصائي داخلي، لفحص أداء الوزارة خلال الحرب. وجاء في ملخص التقرير الداخلي الذي سيتم تقديمه إلى مراقب الدولة، أن "الوثيقة الحالية، التي بادر إليها الوزير، هي وثيقة تلخيصية لعملية تعلّم واستخلاص دروس في أعقاب التعامل مع حرب "السيوف الحديدية"، والتي تُعدّ حدثاً متواصلاً وغير مسبوق من حيث حجمه، ووضعت جهاز التعليم أمام تحديات تنظيمية، تشغيلية، بيداغوجية ونفسية، ولا يزال يواجهها منذ شهور طويلة".

شارك في استخلاص العِبر أكثر من 2,258 مشاركاً، بينهم موظفو الوزارة، مديرون، معلمون وغيرهم، وذلك عبر ثلاثة مستويات: تقييم داخلي مستقل على مستوى المناطق والوحدات المختلفة، عرض النتائج على طاقم توجيه خاص بقيادة مدير عام الوزارة، وصياغة النتائج واستنتاج التوصيات والقرارات التنفيذية.

المجالات التي يُوصي التقرير بالمحافظة عليها

يقول وزير التربية والتعليم يوآف كيش: "التقرير يؤكّد أن جهاز التعليم أدّى المهمة الوطنية التي حُددت له، وهي الحفاظ على استمرارية التعليم حتى في وقت القتال. وبصفتي خدمت كطيار مقاتل، فإنني أؤمن أن ثقافة التحقيق واستخلاص العِبر الجيد هي حجر أساس في أي مؤسسة قوية. لا نبحث عن المذنبين– بل نبحث عن سُبل التحسّن. وهذا ما فعلناه هنا أيضاً".

يتحدث تقرير وزارة التربية والتعليم عن "نماذج إدارية مخصّصة" وأنه "تم إنشاء إدارات خاصة (مثل إدارة المخطوفين والمتضررين) لتقديم استجابة مخصصة للمتضررين المباشرين من القتال، سواء من الطلاب أو المعلمين أو عائلاتهم، عبر خدمات دعم اجتماعي، نفسي وتعليمي، بما في ذلك إقامة مراكز استيعاب مؤقتة".

ويشير إلى "إقامة مراكز ’معاً’، وكبديل للخطة الأصلية لإيواء المتضررين في المدارس، أنشأت الوزارة نحو 390 مركز استيعاب تعليمي داخل الفنادق، قدمت للطلاب بيئة تعليمية واجتماعية داعمة ووفرت لهم شعوراً بالاستقرار خلال فترة اللجوء". وهنا، لاحظ تحليل نشرته الصحيفة الاقتصادية "كلكاليست" أن وزارة التعليم تفخر بإنشاء 390 مركز تعليم في فنادق الإخلاء– لكن في الواقع، من قام بتشغيل تلك المراكز في بداية الحرب على الأقل، هم متطوعون كُثُر ومنظمات من القطاع الثالث، بينما انضمت الوزارة لاحقاً فقط.

ضمن النقاط الموصى بالمحافظة عليها أيضاً يذكر التقرير "نموذج مرن لفتح مؤسسات تعليمية مؤقتة؛ إذ أنشأت الوزارة نموذجاً سريعاً ومرناً لفتح مؤسسات تعليمية في حالات الطوارئ، بما في ذلك تبسيط الإجراءات البيروقراطية لتقليص زمن الإنشاء". وكذلك "تشغيل غرفة طوارئ مركزية وإقليمية، حيث أُنشئت غرف طوارئ وفق "ساعة طوارئ" لإدارة الوضع، عقدت اجتماعات تقييم يومية، وفعّلت آليات سريعة لاتخاذ القرارات وتكييف السياسات وفقاً للتطورات الميدانية".

 المجالات التي تشير الوزارة إلى أنها تتطلب تحسيناً

عدّد التقرير مجالات تتطلّب التحسين، كالتالي:

نظام إدارة المعلومات: عانت الوزارة من غياب منظومة معلومات مخصصة للطوارئ، ما أدى إلى صعوبات كبيرة في تحديد أماكن الطلاب وملاءمة الاستجابات. ولذا يوصى بإنشاء نظام معلومات مرئي ومتكامل مع السلطات المحلية.

إنشاء قاعدة بيانات وطنية للموارد البشرية: برز نقص كبير في الكوادر، نتيجة استدعاء المعلمين للخدمة العسكرية أو نزوحهم. ويوصى بإنشاء قاعدة بيانات تشمل معلمين متقاعدين، متطوعين، طالبات خدمة وطنية وغيرهم، لضمان استجابة سريعة وفعالة.

إدارة المتطوعين: لم تكن هناك بنية تحتية وطنية لإدارة المتطوعين، ما أعاق تجنيدهم واستخدامهم بفعالية. ويُقترح تطوير منصة رقمية وطنية لإدارة المتطوعين بالتعاون مع القطاع المدني.

التعلم عن بُعد في حالات الطوارئ الطويلة: رغم تجربة أزمة كورونا، لم تستعد وزارة التعليم لحالة طوارئ طويلة الأمد، بل لحالة طارئة قصيرة فقط. كانت الخطط معدّة لحالات طوارئ قصيرة فقط. أما في الواقع، فقد طالت الأزمة، ما أدى إلى فجوات تعليمية وشعور بعدم الملاءمة في ساعات التعلم بين المراحل المختلفة. يُقترح وضع برنامج بيداغوجي متكامل للتعلم عن بُعد، يأخذ في الاعتبار الفروق العمرية، ويوازن بين التعليم الأكاديمي والدعم العاطفي- الاجتماعي.

التنسيق المؤسسي بين الأقاليم والسلطات: كشفت الحرب عن ضعف التنسيق بين المناطق المرسِلة والمستقبِلة وبين الوزارة وشركائها. ويوصى بإنشاء آلية تنسيق منظمة تشمل منتدى دائما بين الأطراف الحكومية والمحلية لتوضيح الصلاحيات وضمان العمل المنسّق.

يمكن إيراد مثال على أداء الوزارة، من تعاطيها مع أزمة المدارس في المنطقة الشمالية. فقبل نحو عام التقى الوزير كيش مع رؤساء مركز الحكم المحلي والمجالس الإقليمية والسلطات المحليّة في الشمال حيث عبّر الحاضرون عن "المخاوف والفجوات الكبيرة التي تشير إليها السلطات المحليّة منذ عدّة شهور والمتعلقة  بسلامة وأمن الطلاب، ومسألة الفجوات الكبيرة في الميزانية في ظل الوضع الأمني السّائد. كما عرض رئيس الحكم المحلي مع رؤساء السلطات المحليّة موضوع التعليم الخاص في ظل وجود أطر في السلطات المحلية التي استوعبت الطلاب في ضوء نقص في القوى البشريّة العاملة واستنزاف الكادر التدريسي الذي يطالب بشكل عاجل بالحصول على الدعم والمساعدة"، وهذا وفقاً لبيان رسمي للوزارة.

كذلك، عرضت الوزارة عليهم "نظام ونموذج المدارس الذي أنشأته وزارة التربية والتعليم في شمال البلاد، بميزانية تقدر بحوالي 152 مليون شيكل لتمكين عودة الطلاب الذين تم إخلاؤهم من منازلهم ومجتمعاتهم وبيئتهم الطبيعية، إلى ذلك، أشار الوزير إلى أن الوزارة خصّصت ميزانية قدرها 5 ملايين شيكل لتعزيز كلّ المواضيع المتعلّقة بالأمن والسلامة في المدارس ورياض الأطفال في بلدات خط المواجهة في الشمال".

تحليلات انتقدت غياب التطبيق الفعلي من قِبل الوزارة

التقت عدة تحليلات في انتقادها لتقرير وزارة التربية والتعليم في عدد من النقاط، منها أنها تفاخر بـ"إقامة 390 مركزاً تعليمياً في الفنادق"، ولكن في الحقيقة أغلب المراكز لم تشغّلها الوزارة بشكل مباشر. بل من قام بإدارتها فعلياً كانوا متطوعين، منظمات أهلية، وحتى أحياناً الأهالي والمعلمون أنفسهم بمبادرة شخصية. مثلما كتب موقع "دفار".

وهناك أيضاً إخفاق في تشغيل خطة الطوارئ، والخطة الحكومية الأصلية (نزيل في فندق) لم تُفعّل أبداً. وإنما تم القفز إلى ترتيبات مرتجلة. وعدم الجاهزية للسيناريو طويل الأمد رغم تجربة الكورونا. والنقص في قاعدة بيانات مركزية ومحدثة، حيث فشلت الوزارة في تتبّع مكان وجود الطلاب والأهالي في الزمن الحقيقي. ولم يتم رصد التلاميذ الذين تم إجلاؤهم مع عائلاتهم بفاعلية، وهو ما أثّر على قدرتهم على تلقي استجابات تربوية أو نفسية.

كما نوّه الموقع إلى وجود تضارب في الأدوار بين المناطق والجهات الرسمية، فلم يكن هناك تنسيق فعّال بين الألوية ولا بين الوزارة والسلطات المحلية، أو "الجبهة الداخلية".

تحليل موقع "كلكاليست" الذي سبقت الإشارة إليه، قال إن الوزارة لم تكن جاهزة لحالة طوارئ طويلة، وظنّت أن الحرب ستكون قصيرة الأمد، واستعدّت فقط لشهر. لكن الواقع كان أشد وأطول. ولوحظ غياب تعليم عن بُعد بشكل لائق، ولم تفعّل الوزارة أدوات التعليم الرقمي. التلاميذ في الفنادق أو الذين تم إجلاؤهم لم يحصلوا على منظومة تعليمية منهجية عن بُعد، ولم تكن هناك ملاءمة بين المراحل العمرية المختلفة.

كذلك، فإن إذاعة القناة العامة "كان" أشارت إلى أن الوزارة ادّعت أن مراكز التعلم المُقامة في الفنادق خلال الحرب أنشأتها الوزارة، في حين أنها في الواقع كانت تُدار ميدانياً من قبل متطوعين ومنظمات المجتمع المدني، والوزارة انضمت لاحقاً فقط.

بالإضافة إلى ذلك، وُجدت ثغرات في إدارة الميزانية: لم تكن لمنظومة (المرونة التربوية) ميزانية إضافية فعلية، بل مجرد إعادة توزيع لما هو قائم. وتم اتباع إجراءات معقدة أدّت إلى تأخيرات في دفع رواتب المعلمين البديلين أو المتطوعين.

موقع "العين السابعة" العبري نوّه إلى أن تصريحات الوزارة بأنها جهّزت 70% من المنشآت التعليمية المختلفة للتزوّد بالملاجئ أو المساحات المحمية لا تعكس الواقع، فالتقييم العملي للمعطيات وجد أن أقل من نصف هذه المرافق فقط مؤمّنة بالفعل، ولم تشمل الحضانات ومرافق التعليم المبكر.

مراقب الدولة انتقد الوزارة بخصوص علاجات الصحة النفسية

لغرض وضع التقييم الذاتي للوزارة في نصاب النقد العام، يمكن إيراد ما جاء في تقرير مركَّز لمراقب الدولة الإسرائيلية عن أن وزارة التربية والتعليم لم تلبّ جميع احتياجات الخدمات النفسية المخصصة للأطفال والفتية. وكتب المراقب في التقرير أن الصحة النفسية والعاطفية للأطفال واليافعين تشكل أساساً لتطورهم الأمثل ولتحصيلهم التعليمي بجوانبه العاطفية والمعرفية والسلوكية والاجتماعية. وتضطلع وزارة التربية والتعليم، من خلال "الخدمة النفسية- التربوية" التابعة للسلطات المحلية، بدور مركزي في دعم الرفاه النفسي للتلاميذ، إذ تعمل هذه الخدمة في المدارس ورياض الأطفال على اكتشاف الصعوبات النفسية والعاطفية مبكراً، وتشخيص الاحتياجات، وتقديم الدعم النفسي للأهل والتلاميذ، والاستشارة للكوادر التربوية، والتدخل في الأزمات.

ويتابع أنه رغم أهمية هذه المنظومة، أظهر استطلاع للرأي العام أجراه مكتب مراقب الدولة أن 61.4% من الأهالي الذين لديهم أطفال يعانون صعوبات لم يتوجهوا إلى تلك الخدمة، وكان السبب الرئيسي لذلك (44.6%) هو عدم معرفتهم بخدماتها. كما برزت أسباب أخرى مثل عدم إحالة الطفل من الطاقم التربوي (18%) أو طول فترة الانتظار (12.5%). وهو يؤكد أن وزارة التربية والتعليم هي المسؤولة عن تخصيص وظائف الأخصائيين النفسيين للسلطات المحلية وفق معيار للتوظيف، لكن الفجوة بين الاحتياجات والموارد كبيرة:

في كانون الأول 2023 بلغ العدد المطلوب وفق المعيار 3,343 وظيفة، بينما خُصص فعلياً 2,429 وظيفة فقط. ورغم علم الوزارة منذ 2010 بتزايد حجم العمل وبالنقص القائم، لم تُحدّث المعيار منذ أكثر من 35 عاماً، واكتفت بفحص محدود في سلطتين محليتين العام 2018 خلص إلى عدم تغيير المعيار بسبب نقص الأخصائيين، وهو سبب معروف سلفاً. كما أن تخصيص الوظائف للطلاب في التعليم الخاص المدمج لا يتم وفق المعيار، ما يحجب صورة النقص الحقيقية.

شمل التقرير الأخير أيضاً فحص جاهزية الوزارة و"الخدمة النفسية- التربوية" من حيث: معايير القوى العاملة، الاعتراف بمراكز الخدمة كمؤسسات تدريب في علم النفس التربوي، منع تشغيل مرتكبي جرائم جنسية، تأثير تعديلات قانون التعليم الخاص، خطط العمل، وعلاقات العمل مع السلطات المحلية.

في سياق حرب "السيوف الحديدية"، كما يقول المراقب، تم فحص أداء الوزارة في جمع وإدارة بيانات "الخدمة النفسية- التربوية"، وتزويدها بالقوى البشرية اللازمة لمواجهة الزيادة في الطلب على الخدمات النفسية، والاستجابة لاحتياجات الأخصائيين الذين تعاملوا مع تحديات مهنية معقدة في أعقاب الحرب. كما تمت متابعة التقدم في معالجة أوجه القصور التي وردت في تقرير العام 2021 بشأن جاهزية السلطات المحلية للتعامل مع المصابين بالهلع في الطوارئ، بما في ذلك فحص إنشاء نظام محوسب لإدارة عمل "الخدمة النفسية- التربوية".

وكشفت هذه النتائج عن مسؤولية مباشرة تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم في ضمان توفر الموارد البشرية الكافية، وتحديث معايير التوظيف، وتعزيز الوعي بـ"الخدمة النفسية- التربوية"، وذلك إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية والتنسيق مع السلطات المحلية، بما يضمن استجابة سريعة وفعّالة لاحتياجات الصحة النفسية للأطفال واليافعين، خاصة في أوقات الأزمات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات