المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو وسموتريتش في حديث في الكنيست يوم التصويت على الإعلان المطالب بضم الضفة الغربية. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 23
  • وليد حباس

في 23 تموز 2025، صوّت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية على إعلان يدعو الحكومة إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، في خطوة تُعدّ تصعيداً غير مسبوق ضمن مسار طويل من السياسات الاستيطانية والضم الزاحف. هذا الإعلان، رغم طابعه غير الملزم قانونياً، يحمل دلالات سياسية عميقة ويشكل محطة جديدة في مسعى إلغاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. هذه المقالة تحلل تداعيات ومعاني هذا الإعلان بطريقة سؤال وجواب.

  1. كيف نفهم التصويت داخل الكنيست على ضم الضفة الغربية؟

هذا ليس مشروع قانون (بمعنى أنه لن يمر في قراءات ثم يتحول إلى قانون ملزم)، وإنما يمكن وصفه بأنه أشبه بـ "استفتاء" داخل الكنيست، حيث عبّر نواب "شعب إسرائيل"، من خلال التصويت، عن موقف يعتبر الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من "الوطن القومي الإسرائيلي"، وجزءاً من "أرض إسرائيل".

يتضمن الإعلان الذي صوّت عليه الكنيست مقدّمة تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من مضمونه. وجاء في هذه المقدمة أن "يهودا والسامرة وغور الأردن هي أجزاء لا تتجزأ من أرض إسرائيل، ومن الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي". كما نصّت المقدّمة على أن "فرض السيادة على يهودا والسامرة هو جزء من تحقيق المشروع الصهيوني والرؤية الوطنية للشعب اليهودي العائد إلى وطنه".

أما في صلب القرار، فقد ورد ما يلي: "تدعو الكنيست حكومة إسرائيل إلى التحرك في أسرع وقت ممكن لتطبيق السيادة الإسرائيلية—بما يشمل القانون والقضاء والإدارة—على جميع مناطق الاستيطان اليهودي، بجميع أشكاله، في يهودا والسامرة وغور الأردن". وبهذا، فإن الكنيست يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى وضع قضية "الضم" على جدول أعمالها والشروع باتخاذ خطوات عملية بهذا الاتجاه.

  1. ومع ذلك، هل يعني التصويت الجديد نقطة تحول؟

يمثل تصويت الكنيست الإسرائيلي في العام 2025 خطوة رمزية تعبّر عن وحدة سياسية داخل المؤسسة التشريعية في دعم فكرة ضم الضفة الغربية، وذلك بدعم واسع من الائتلاف الحاكم وبعض أطراف المعارضة.

 

التصويت على إعلان الضم-

تموز 2025

التصويت على رفض دولة فلسطينية- تموز 2024

مع

ضد

غياب

مع

ضد

غياب

الليكود (32 مقعدا)

32

   

27

 

5

الصهيونية الدينية (7)

7

   

7

   

قوة يهودية (6)

6

   

6

   

نوعام (1)

1

       

1

شاس (11)

10

 

1

9

 

2

يهدوت هتوراه (7)

4

 

3

4

 

3

يوجد مستقبل (23)

   

23

   

24

المعسكر الوطني (8)

   

8

5

 

3

إسرائيل بيتنا (6)

6

   

6

   

العربية الموحدة (5)

 

5

   

4

1

القائمة المشتركة (5)

 

5

   

5

 

اليمين الرسمي (4)

4

   

4

   

العمل (4)

 

3

1

   

4

مستقلون (1)

1

         

مجموع

71

13

 

68

9

 

 

ملاحظة: اعتبار أن عضواً واحداً من شاس غاب عن تصويت تموز 2025 ما هو سوى تقدير. في الواقع غاب عضو واحد إما من بين أعضاء الائتلاف أو من حزب "إسرائيل بيتنا"، ولا يمكن معرفة اسم العضو سوى بعد أن ينشر الكنيست رسمياً نتائج التصويت التفصيلية. وفي ما يخص حزب "يوجد مستقبل"، فكان عددهم 24 عضوا في العام 2024، قبل أن ينشق عضو واحد في كانون الثاني 2025 ويبقى في الكنيست كمستقل.

ينظر إلى هذا التصويت بوصفه تصعيداً في مسار "الضم الزاحف"، لا سيما في ظل تصاعد النشاط الاستيطاني منذ أكثر من عقد، وبشكل خاص وحثيث منذ تأسيس الحكومة الحالية. لا بد من ربط التصويت على ضم الضفة الغربية (بتاريخ 23 تموز 2025) مع التصويت برفض إقامة دولة فلسطينية (بتاريخ 18 تموز 2024).

مع ذلك، لا يحمل التصويت طابعاً ملزماً قانونياً، بل هو إعلان رمزي لا يغيّر الوضع القانوني للضفة الغربية بشكل فوري، ولا يُجبر الحكومة على اتخاذ خطوات تنفيذية. يختلف تأويل التصويت بين الأطراف: فالمؤيدون من اليمين الإسرائيلي يرونه خطوة رمزية تعزز الادعاءات التاريخية والدينية، وتمهّد لضم قانوني لاحق، بينما يعتبره الفلسطينيون والمجتمع الدولي تصعيداً خطيراً يتجاوز الخطوط الحمراء، ويقوّض بشكل متعمد إمكانية حل الدولتين ويخالف القانون الدولي.

  1. ما هو الفرق بين الوضع القائم حالياً والوضع المترتب على سيناريو ضم الضفة الغربية؟

الفرق الجوهري بين الوضع القائم حالياً والوضع المترتب على سيناريو ضم الضفة الغربية يكمن في الانتقال من السيطرة العسكرية إلى السيادة القانونية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. في الوضع القائم، تُدار الضفة الغربية من قبل الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، وتُعتبر – وفق القانون الدولي – أراضي محتلة، تخضع لقوانين الاحتلال ومبادئ القانون الدولي الإنساني. أما في حال الضم، فإن إسرائيل ستسعى إلى فرض قوانينها وإدارتها وقضائها على الضفة الغربية، مما يعني دمجها رسمياً في المجال السيادي الإسرائيلي، كما فعلت سابقاً في القدس (العام 1967) والجولان (العام 1981).

  1. كيف سيؤثر الأمر على الاستيطان في الضفة الغربية؟

منذ العام 1967، وخصوصاً بشكل منهجي بعد العام 1977، أنشأت إسرائيل مئات المستوطنات في الضفة الغربية. بحلول العام 2025، بلغ عدد المستوطنات نحو 350 مستوطنة، من بينها نحو 200 تُصنَّف كبؤر استيطانية لم تُشرعنها الحكومة الإسرائيلية رسمياً بعد. كما تضم الضفة الغربية حوالي 35 منطقة صناعية، وشبكة طرق استيطانية حديثة، ومئات آلاف الدونمات المصنفة كأراضٍ عسكرية مغلقة، بالإضافة إلى نحو 540 ألف مستوطن (لا يشمل القدس). وبالرغم من هذا الانتشار، تُدار الضفة الغربية في ظل الوضع القائم من قبل سلطة عسكرية تطبّق مزيجاً من القانون الأردني والقانون العثماني والأوامر العسكرية، بينما تراعي المحكمة العليا الإسرائيلية بعض معايير القانون الدولي والإنساني. هذه التوليفة القانونية تعيق قدرة إسرائيل على توسيع وتطوير الاستيطان بحرّية تامة، ما يفسر عجزها عن تنظيم وإدارة مئات البؤر الاستيطانية، والمزارع الرعوية، والمواقع التي تعتبرها "تراثية". لهذا، يسمى المستوطن (في الخطاب العام وليس الرسمي) "متناحيل" (من الجذر العبري ن. ح. ل، ويعني: من يرث أرض الأجداد) وليس "مواطن"، وهو مصطلح قانوني يشير إلى علاقة مباشرة بدولة ذات سيادة. أما في حال تنفيذ الضم، فإن إسرائيل ستُدخل الضفة الغربية ضمن سيادتها الرسمية، ويُطبَّق عليها القانون الإسرائيلي، فيتحوّل المستوطنون إلى مواطنين يعيشون داخل حدود دولتهم المعترف بها ذاتياً.

  1. هل سبق أن قامت إسرائيل بضم أجزاء من الأراضي المحتلة؟

نعم، قامت إسرائيل بضم أراضٍ في الماضي في سياقات مختلفة، وذلك على الرغم من معارضة المجتمع الدولي. أولى هذه الحالات كانت ضم القدس الشرقية العام 1980 بعد احتلالها في حرب 1967، حيث سن الكنيست "قانون أساس: القدس" الذي أعلن المدينة "عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل"، رغم أن هذا الضم لم يُعترف به دولياً. الحالة الثانية كانت في العام 1981، عندما تم فرض القانون والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة من خلال "قانون الجولان"، ما اعتُبر ضماً رسمياً للمنطقة. ورغم اعتراض الأمم المتحدة على كلا القرارين، لم تُفرض عقوبات جدية على إسرائيل، وظلت السيادة الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع قائمة.

هذه السوابق تُظهر كيف أن إسرائيل تمضي في فرض سيادتها على الأراضي المحتلة من خلال الضم القانوني (de jure) بعد مرحلة طويلة من السيطرة الفعلية (de facto). واليوم، يبدو أن الضفة الغربية باتت في صلب مشروع الضم القادم، في ظل صمت دولي متزايد وتواطؤ ضمني من بعض القوى الكبرى.

  1. وماذا بخصوص الضفة الغربية؟ هل مشروع الضم جدي؟

نعم، مشروع ضم الضفة الغربية جدي للغاية وليس مجرد خطاب سياسي. منذ تشكيل حكومة اليمين برئاسة نتنياهو في كانون الأول 2022، وبتعاون وثيق مع حزب بتسلئيل سموتريتش اليميني المتطرف، ارتبطت أجندتهما بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (منطقة ج) بشكل مباشر، بمنهجية "ضم زاحف ثم ضم قانوني". والسياسة على الأرض منذ تشرين الأول 2023 تجاوزت السرّية، إذ أصبحت تصريحات الحكومة تتباهى بسياسات ضم فعلية، عبر توسيع المستوطنات، وتصعيد العنف الاستيطاني المدعوم عسكرياً، وشرعنة عشرات المستوطنات وتوسيعها بأسرع وتيرة منذ عقود.

وبشكل عام، تعود محاولات ضم الأراضي الفلسطينية إلى السنوات الأولى بعد احتلال 1967. ليفي أشكول، رئيس الحكومة آنذاك، عبّر بوضوح عن الموقف الإسرائيلي حين قال: "نريد العروس بدون المهر"، في إشارة إلى الرغبة في الأرض من دون سكانها الفلسطينيين. هذا التوجه عكس نية إسرائيلية مبكرة لضم الضفة الغربية من دون منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية. في العام 1968، غُيّر الاسم الرسمي للضفة إلى "يهودا والسامرة"، كجزء من تأطير رمزي لتبعيتها التاريخية المفترضة لإسرائيل. في العام 1979، صرح مناحيم بيغن بأن لإسرائيل "الحق الطبيعي والتاريخي" في السيادة على كل المناطق المحتلة. وفي 1980 و1981، جاء ضم القدس الشرقية والجولان كمحطات قانونية رسمية. نفتالي بينيت اقترح في العام 2012 ضم مناطق "ج"، التي تشكل 60% من الضفة. وفي 2019، أعلن نتنياهو نيته ضم الأغوار، بدعم من إدارة ترامب. اليوم، بعد تصويت الكنيست في 2025، تتجلى سياسة الضم كمسار مستمر ومتصاعد، بدأ منذ عقود ويتجه نحو استكمال فرض السيادة الكاملة على الضفة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات