هذه المساهمة هي الجزء الثاني والأخير من عرض تقرير موسّع أعده راز تسيمت وتامير هايمن لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب (هو عبارة عن ورقة سياسات) بعنوان: "بين التسوية والإنفاذ: إسرائيل والبرنامج النووي الإيراني بعد الحرب"، حيث تم استعراض الجزء الأول منه في ملحق سابق من "المشهد الإسرائيلي".
الجزء الأول، استعرض بالتفصيل التقديرات الإسرائيلية لوضع برنامج إيران النووي بعد الحرب الإسرائيلية- الأميركية على إيران التي استمرّت 12 يوماً، بالإضافة إلى البدائل المتاحة أمام إيران في أعقاب الواضع الناشئ بعد الحرب. هذا الجزء، يتناول التوصيات التي يقدّمها التقرير كخيارات إسرائيلية في مواجهة "مخاطر" استئناف إيران لبرنامجها النووي والصاروخي، سواءً توصلت إيران إلى تسوية/ اتفاق حول البرنامج النووي، أو في حال اندلعت المواجهة العسكرية المباشرة معها مرة أخرى. جدير بالذكر هنا أن الأفكار والمصطلحات الواردة أدناه لا تُعبّر عن وجهة نظر مركز مدار أو كاتب المساهمة.
توصيات يجب على إسرائيل الأخذ بها
يؤكّد التقرير أن الخيارات أمام إسرائيل قبل الحرب التي شنّتها على إيران كانت تتراوح بين دعم الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية بين إيران والولايات المتحدة، وبين تفعيل الخيار العسكري، وبما أنه قد تم اتخاذ قرار بالهجوم العسكري، فإن هناك حاجة إلى سياسة إسرائيلية توازن بين السعي إلى إطار اتفاقي مقيّد، يتضمن رقابة مشددة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبين الحفاظ على القدرة على الإنفاذ والتدخّل لإحباط أي محاولة لامتلاك إيران سلاحاً نووياً.
يُشير التقرير إلى أن عملية التقييم واستخلاص العِبَر والدروس في إيران ما تزال في بدايتها، لذلك ينبغي على إسرائيل اعتماد فرضيات صارمة بخصوص القرارات التي ستتخذها القيادة الإيرانية (التي تقودها شخصيات محافظة وراديكالية) خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. علاوةً على ذلك، يؤكّد التقرير أنه من المتوقع أن تستخلص إيران دروساً أيضاً بشأن القدرات الإسرائيلية التي تم استخدامها خلال الحرب، وأن تحسّن أنظمة أسلحتها، ربّما بدعم خارجي، لا سيما من الصين. من ناحية أخرى، من المتوقع أن تضع إيران استراتيجية جديدة تعتمد على إظهار القوة لأغراض الردع، بما في ذلك في المجال النووي. في ضوء ذلك، يؤكّد التقرير أن على إسرائيل تطوير قدرات عمل مرنة من خلال استخدام أدوات متنوعة حسب الظروف المتغيرة، والقرارات التي ستتخذ في طهران، والتغييرات المحتملة في الاستراتيجية الإيرانية خلال الفترة المقبلة.
البدائل والسيناريوهات المتوقعة
- اتفاق سياسي بين واشنطن وطهران
يؤكّد التقرير أن الاتفاق، والذي يعتمد بالأساس على القرارات التي ستُتخذ في الفترة القريبة في واشنطن وطهران، هو على الأرجح الطريق الوحيد الذي يتيح تجديد إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بل وتحسينه مقارنة بالاتفاق النووي السابق (2015)، إذ أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديهم الخبرة والاختصاص، والقدرة (حتى وإن لم تكن محكمة تماماً) لمحاولة اكتشاف ما آلت إليه المادة الانشطارية التي كانت لدى الإيرانيين قبل شنّ الحرب، وكذلك الوصول إلى المادة المتبقية. في المقابل، وفي ظل غياب اتفاق، سيكون من الضروري لإسرائيل الاعتماد بشكل حصري على الاستخبارات، كما أن آلية الإشراف التابعة للوكالة تتيح ختماً سياسياً من "الشرعية" وتضفي مشروعية على شنّ هجوم إسرائيلي آخر في حال رفض إيران منح المفتشين إمكانية الدخول إلى "مواقع مشبوهة".
يؤكّد التقرير أن الاتفاق النووي (بافتراض أنه لا يُستخدم كخدعة إيرانية للتقدم سراً في المسار العسكري) يرسّخ التزام المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بمنع إيران من حيازة سلاح نووي على المدى الطويل، وقد يشتري وقتاً حتى تنضج عمليات تغيير سياسي داخلي في إيران، أو على الأقل حتى وفاة المرشد الإيراني خامنئي البالغ من العمر 86 عاماً.
يُشير التقرير إلى أن الهجمات التي تم تنفيذها ضد إيران خلال الحرب قد تمهّد الطريق لتنظيم برنامجها النووي بشروط محسّنة من ناحية إسرائيل والولايات المتحدة، لكن من المشكوك فيه أن تتنازل إيران عن حقها في تخصيب اليورانيوم (حتى لمستوى منخفض 3.67%) داخل أراضيها، حتى في ظل الشروط الجديدة الناشئة بعد الحرب. ومع ذلك، فإن إخراج منشآت التخصيب من الخدمة قد يشجع طهران على قبول حل إبداعي (مثل فكرة الكونسورتيوم النووي الإقليمي)، الذي يُجسّر بين موقف الولايات المتحدة الذي يرفض التخصيب في الأراضي الإيرانية، وموقف إيران في الوقت نفسه.
من جهة أخرى، يؤكّد التقرير أن الاتفاق بحد ذاته لا يضمن التزام إيران بتنفيذه على المدى البعيد، كما أنه لا يمنع التقدم السري في مسار عسكري باستخدام القدرات المتبقية لدى إيران. علاوةً على ذلك، فإن اتفاقاً من المتوقع أن يؤدي إلى رفع (أو تخفيف كبير) في العقوبات الاقتصادية سيمنح شريان حياة للنظام ويحسّن من قدراته على الاستمرار في أنشطته المعادية لإسرائيل في مجالات متعددة، كما أنه قد يقيّد حرية العمل العسكري الإسرائيلي تجاه إيران، إلا إذا تم الحفاظ عليها ضمن تفاهمات غير رسمية بين إسرائيل والولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تعرقل الهجمات العسكرية قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تنفيذ "ميزان المواد" بشكل فعّال لتحديد المادة الانشطارية المتبقية في إيران، ومن المشكوك فيه أن توافق إيران على آلية إشراف تدخلية حتى في سيناريو تسوية سياسية.
وعليه، توجد مزايا لإسرائيل أيضاً في واقع لا يتضمن تسوية (اتفاق)، بشرط أن يُتاح إشراف صارم حتى في غياب اتفاق استناداً إلى التزام إيران بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي (NPT)، وقدرة إسرائيلية على فرض التنفيذ. لذا، فإن المنظور الإسرائيلي يفرض أن يشمل أي اتفاق نووي جديد:
- مسافة لا تقل عن سنة واحدة قبل "اختراق نووي" لإتاحة التدخل العسكري.
- إشراف دقيق وتدخلي، بما يشمل مصادقة إيرانية على البروتوكول الإضافي في إطار الـ NPT، توسيع صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحل الغموض القائم في اتفاق 2015 حول بنود الرقابة في مواقع عسكرية مشبوهة.
- عدم وجود "بنود انقضاء" (Sunset Clauses)، أو على الأقل إمكانية تمديد القيود على البرنامج النووي بعد انتهاء مدة الاتفاق.
كما توجد حاجة إلى تعزيز الرقابة على المكونات المحتملة لتسليح السلاح النووي والتي يشملها البند T في اتفاق 2015، بما في ذلك: 1) حظر إنتاج اليورانيوم المعدني؛ 2) الأنشطة المتعلقة بتطوير واستخدام نماذج حاسوبية قد تُستخدم في أبحاث وتطوير سلاح نووي؛ 3) تجارب على "مشعل النيوترونات"، وهو مكون حاسم يُستخدم كصاعق في القنبلة النووية.
- هجوم عسكري جديد على إيران
يشير التقرير إلى أن إسرائيل قد تنفذ ضربة في إيران من منطلق "عمل وقائي"، أي في سيناريو تحدّد فيه إسرائيل تهديداً مباشراً أو في حال توفرت فرصة مناسبة، في هذه الحالة، ينبغي على إسرائيل التخطيط لحملة جديدة تستند إلى الدروس التي استخلصها الطرفان من الحرب الأخيرة ("شعب كالأسد"). في هذه المرحلة، من المبكر مناقشة طريقة تنفيذ مثل هذه الحملة، ومن غير المناسب الخوض في نقاش علني حولها، ومع ذلك، من الممكن الافتراض أن الحملة ستستند إلى عدة مبادئ أساسية: 1) تنسيق عميق مع الولايات المتحدة؛ 2) مفاجآت تكنولوجية واستخباراتية؛ 3) بدء مفاجئ للحرب؛ 4) تدمير قدرات عسكرية لمنع قدرة إيران على مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وكذلك تحييد منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؛ 5) ضرب أهداف تهدف إلى زعزعة أسس النظام (بناءً على تحليل عميق للعمليات الإسرائيلية في هذا السياق خلال الحرب الأخيرة).
- وضع لا حرب ولا اتفاق، مع تدحرج إيراني تدريجي نحو العتبة النووية من دون تجاوز عتبة الرد الإسرائيلي
يؤكد التقرير أنه سواءً تم التوصل إلى اتفاق أم لا، يجب على إسرائيل أن تطور وتحافظ على قدرة فرض وتنفيذ تعطّل "الاختراق إلى سلاح نووي عسكري". مثل هذه القدرة (هجمات حركية إلى جانب أنشطة إحباط سرية، مع أفضلية لفرض التنفيذ تحت عتبة الرد الإيراني) تتطلب: 1) استخبارات نوعية؛ 2) تفعيل قدرات عملياتية مستمرة؛ 3) تنسيق وتعاون دائمين مع الولايات المتحدة. وفي كل الأحوال، فإن هناك حاجة إلى تحقيق استخباراتي معمّق بشأن الـ 408 كغم من المادة الانشطارية، إلى جانب جمع معلومات استخباراتية بوسائل متنوعة لرصد أي نشاط يهدف إلى: 1) تخصيب اليورانيوم إلى 90%؛ 2) تحويله إلى يورانيوم معدني؛ 3) تصنيع سلاح نووي. إن بعض هذه الأنشطة، بحسب التقرير، من المتوقع أن تترك "أدلة مميزة"، لكن يجب الافتراض بأن القدرة على اكتشافها عبر الوسائل الاستخباراتية الإسرائيلية ليست محكمة تماماً.
من ناحية أخرى، لا يمكن الجزم بأن القدرات الاستخباراتية والعملياتية البارزة التي تم استعراضها خلال الحرب ستبقى محفوظة في المستقبل، خصوصاً في ضوء التقدير بأن إيران ستستخلص الدروس، وتطور فهماً أعمق لقدرات الهجوم من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وستعزز قدراتها في الدفاع والتمويه لمواجهة التهديد العسكري. علاوةً على ذلك، فإن تنفيذ عمليات "فرض تنفيذ" قد يؤدي إلى تجدد القتال بل وربما إلى استنزاف طويل الأمد، مما يفرض قيوداً كبيرة على روتين الحياة في إسرائيل، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة سيستمر مع مرور الوقت، أو ما إذا كانت المواقف الأميركية تجاه حرية العمل الإسرائيلي ستبقى كما هي، خاصة في ظل تغيرات سياسية محتملة في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة أو تغيّرات في أولوياتها الدولية.
لذلك، يقترح التقرير أنه في كل سيناريو، يجب أن تضمن إسرائيل إنشاء تهديد موثوق ضد بقاء النظام الإيراني ذاته، بما يردع إيران عن التقدم نحو السلاح النووي، حيث يمكن ردع إيران عن قرار إعادة بناء برنامجها النووي، وخاصة "الاختراق النووي"، إذا تم توضيح أن مثل هذه الخطوة ستقود حتماً إلى ضرب أهداف بنية تحتية، أهداف عسكرية، ورموز النظام، مما قد يهدد استقرار النظام ذاته، وينبغي أن تستمر إسرائيل (ومن الأفضل أن تكون الولايات المتحدة معها أيضاً) بالتوضيح علناً بأنها لن تسمح بوجود نظام إيراني يمتلك سلاحاً نووياً، وأن القوة التي استُخدمت خلال الحرب ضد البرنامج النووي والصاروخي ستوجَّه، في حال حصول اختراق، ضد أصول النظام الحيوية والبنية التحتية الحساسة، وذلك لأن القرار الإيراني سيتأثر بعوامل متعددة، منها تقديرها لقدرتها على إعادة بناء البرنامج من دون كشفه، وتقديرها لحزم إسرائيل والولايات المتحدة في تنفيذ هجمات متكررة وطويلة الأمد.
الضغط السياسي والاقتصادي الدولي
يقترح التقرير ضرورة الاستمرار في ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي الدولي على إيران (حتى في ظل واقع تسوية أو اتفاق) وذلك بهدف إضعاف النظام، وعزل الجمهورية الإسلامية، واستنزافها اقتصادياً ودبلوماسياً، وذلك مع معالجة كافة القضايا التي تشكّل فيها إيران تحدياً للمجتمع الدولي، مثل: برنامج الصواريخ؛ نشاطها الإقليمي؛ تورطها في "الإرهاب"؛ أنشطة التأثير عبر الشبكات و"انتهاكات حقوق الإنسان". من ناحية أخرى، يؤكّد التقرير في نهايته أنه في حال عدم وجود تسوية سياسية خلال الأسابيع القريبة، يجب تشجيع بريطانيا وفرنسا وألمانيا على تفعيل آلية "سناب- باك" قبل موعد انتهائها في تشرين الأول 2025، خاصة في ضوء أن الخوف من رد فعل إيراني في المجال النووي (مثل تخصيب اليورانيوم إلى 90%) لم يعد ذا صلة بسبب نتائج الحرب، وأن انسحاب إيران من الـNPT قد يعرّض النظام الإيراني في الوقت الراهن للخطر أكثر من الماضي.
خلاصات نهائية يجب على إسرائيل الأخذ بها:
- الولايات المتحدة لاعب مركزي في كل سيناريو، لذلك، يجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار الجدول الزمني السياسي الأميركي، بما في ذلك انتخابات منتصف الولاية في 2026، وانتخابات الرئاسة في 2028.
- يجب استخدام أدوات إعلامية لتغيير التصور السائد في إيران بعد الحرب، الذي يرى في إسرائيل وكيلاً لأميركا والغرب، والذي تعتبره القيادة الإيرانية في حالة انحدار.
- الحفاظ أو السعي لإطار اتفاقي يقيّد إيران ويتيح رقابة دقيقة مع الحفاظ على الشرعية لتنفيذ العمليات هو مصلحة إسرائيلية – لكن ينبغي التمسك بالخطوط الحمراء كما تم تفصيلها أعلاه.
- يجب العمل دبلوماسياً مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لإخراجهم من الاتفاق النووي وتفعيل آلية "سناب- باك" قبل انتهاء صلاحية استخدامها.
- تطوير قدرات التنفيذ (استخباراتية وعملياتية) أهم في المدى القريب من اتخاذ قرار حول استراتيجية واحدة طويلة الأجل، لأن المنظومة الإيرانية لا تزال في حالة تغيّر، ومن المبكر صياغة استراتيجية تدخل في منظومة لم تستقر بعد.
- التوتر المركزي في تصميم الاستراتيجية هو بين التنفيذ والتسوية، ويجب بناء قدرة تتيح مرونة لصانعي القرار وتفعيل أدوات متنوعة في آن واحد.