المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 9
  • أنطوان شلحت

(1) قبل عقد من الأعوام، وتحديداً في خريف 2015، نشر ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، مقالة في مجلة "ذي ماركر" الشهرية، نشرنا ترجمتها الكاملة في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، شدّد فيها على أن تفكّك "النواة الصلبة" في المجتمع الإسرائيلي وارتفاع الوزن الديمغرافي لمن أسماهم "أقليات" أكثر تأثيراً على مستقبل إسرائيل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته في ذلك الوقت موشيه كحلون، وعائدات الغاز الطبيعي. وأشار إلى أن تزايد أعداد اليهود الحريديم (المتشددون دينياً) والمنتمين إلى الصهيونية الدينية في مقابل تراجع أعداد "العلمانيين" (*) يُعدّ أبرز التغييرات الديمغرافية في المجتمع الإسرائيلي وسوف يتعمق خلال الأعوام المقبلة ("المشهد الإسرائيلي"، 22/9/2015).

وقد ارتأيت أن أعيد التذكير بهذه المقالة الآن لأنها كشفت في حينه أمامنا زوايا مهمة قلّمـا يتم التطرّق إليها لدى تناول الواقع القائم في إسرائيل داخل حقل المعاني المستمد من استشراف إحالاته المستقبلية ولا سيما على المستوى الديمغرافي. وبرأي بن آنذاك، فإن هذا التطور يضع أمام إسرائيل تحديات كبيرة للغاية، ليس أبسطها أنه لن يكون هناك اتفاق حول "الطابع القومي" المشترك والموحِّد للدولة بين مختلف فئات المجتمع الإسرائيلي.

(2)

يمكن القول إن هذه المقالة كانت مقاربة مهمة استشرفت، بكيفية معينة، ما آلت إليه إسرائيل في الوقت الحالي. ولم تكن مقاربة وحيدة بل جاءت بالتزامن مع صدور عدد جديد (عدد 66) من سلسلة "أوراق إسرائيلية" عن "مركز مدار" بعنوان "ديمغرافيا إسرائيل 2015: دلالات جديدة"، أشير فيه من ضمن أمور أخرى إلى أن التقديرات الإحصائية الديمغرافية الإسرائيلية الرسميّة حول العقدين المقبلين تركّز على أنّ ثمّة تغيّرات جديّة متوقّعة وخصوصاً فيما يتعلّق بمصادر النمو السكاني، وبظاهرة تديّن المجتمع اليهوديّ التي تُقاس بأعداد المتدينين ونسبتهم من بين السكان عموماً، وبانخفاض معدلات الخصوبة، وغير ذلك من التطوّرات التي من المتوقع أن تتطلّب مزيداً من الإنفاق الحكومي على الرفاه الاجتماعي بدلاً من التقليصات في هذا المجال ومن اللجوء إلى الخصخصة. كما تم التوقف عند التغيّرات المتوقّعة في وجهة التطورات الديمغرافيّة الأساسيّة في مجال تشكيلة السكان، مثل نسبة العرب في مُقابل نسبة اليهود من المواطنين في إسرائيل في ذلك الوقت وفي المستقبل، ونسب المتدينين المتزمتين التي تدل على اتجاه المجتمع الإسرائيليّ نحو مزيد من التديّن والتشدّد في مقابل نسب "العلمانيين" من ناحية أخرى، وظاهرة الارتفاع في متوسط سنوات العمر للرجال والنساء مما يعني بحسب التقديرات الرسمية للعقدين المقبلين أن تغييرات جديّة ستطرأ على تركيبة القوى العاملة وعلى نسب المسنين المعتمدين على الدعم الحكومي وخدمات الرفاه الاجتماعي، وغير ذلك من تغيّرات ديمغرافية من شأنها أن تترك أثراً عميقاً على طبيعة المجتمع الإسرائيلي، وعلى وجهة تطوّر اقتصاده ومنعته الاجتماعية في الحاضر والمستقبل، وأساساً على ثقافته السياسية العامة.

وفي سياق تقديم تلك الورقة أشير، من ضمن أمور أخرى، إلى أن إسرائيل شهدت خلال الأعوام الأخيرة (قبل العام 2015) عدة بوادر تشي بإحالات هذه التغيرات الديمغرافية في المستقبل، وفي صلبها ازدياد قوة المجموعات الحريدية والدينية التقليدية، وهي تغيرات أدت وتؤدي إلى تحولات سياسية أيضاً. وأكدت اجتهادات كثيرة في هذا الشأن أنه يتعيّن تناول هذه التغيرات فيما يتجاوز الأرقام الجافّـة، إذ إنه في ظل الوضع الذي تزداد فيه قوة المجموعات الدينية ـ القوموية ويتصاعد نفوذها السياسي، من الطبيعي أن يحدث اصطدام مع القيم الديمقراطية وحُكم القانون. وبناء على ذلك لم يكن من المستغرب أن يتصاعد الجدل حول موضوع الدولة اليهودية وصراعها مع الدولة الديمقراطية في أوساط الجمهور الإسرائيلي في الآونة الأخيرة. وعلى هذه الخلفية تحديداً جرت في الكنيست الإسرائيلي على مدار الأعوام القليلة الفائتة محاولات متواترة لسن قوانين أقل ما يُقال فيها إنها غير ديمقراطية، وجميع هذه القوانين لها غاية مشتركة واحدة، هي إقصاء الآخر واضطهاد الأقليات. كما أنه حين تساءل بعض أصحاب هذه الاجتهادات: إلى أين ستصل إسرائيل مع التركيبة الديمغرافية هذه؟ سرعان ما أجابوا قائلين: "قد يكون من الصعب أن نعرف ومن الخطير أن نتنبأ، لكن الاتجاه هو نحو دولة دينية أكثر وديمقراطية أقل".

(3)

بعد نشر مقالة ألوف بن بأسبوعين نشرنا في ملحق "المشهد الإسرائيلي" (6/10/2015) ترجمة لمقاربة نظرية مطوّلة من جملة مقاربات تتداول نُخب إسرائيلية من خلالها في الآونة الأخيرة جدلاً مهمّاً بشأن "الواقع القائم" في محور الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وما قد يؤول إليه في المستقبل. وهي مقاربة للبروفسور زئيف شتيرنهيل (1935- 2020)، المؤرخ الإسرائيلي البارز، والذي تعرّض في 25 أيلول 2008 إلى محاولة اغتيال على خلفية الأفكار السياسية التي يتبنّاها. ولم تكن الأولى له، إذ إنه في سياق مقال خاص ظهر إلى جانب مقالات لآخرين غيره في كتاب بعنوان "الوضع الآن" (في إسرائيل) صدر العام 2003، أكد أن القيادة الصهيونية التي تولت عملية إقامة "الدولة" العام 1948 لم تفلح في أن تتفوّق على نفسها، وفي أن تتحرّر مما أسماه "قيود نجاحها"، فتبادر إلى تأسيس مجتمع سياسي ذي أجندة ليبرالية عامة، وفي ضوء ذلك فقد ظلت القيم القومية اليهودية من ناحية الأفضلية تحتل مرتبة متقدمة جداً على مرتبة القيم العالمية، وخصوصاً قيم حقوق الإنسان. وبسبب انقياد تلك القيادة وراء القيم القومية اليهودية أصبحت فاقدة القدرة على اعتبار العام 1949 (الذي وُقعت خلاله اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية المجاورة) بمثابة نهاية ما يسميه "مرحلة الاحتلال"، أو مرحلة التوسّع الإقليمي.

بناء على ذلك، كما يضيف مؤكداً، فإن "الحروب التي خاضتها إسرائيل حتى الآن لم تكن ناجمـة عن الرفض العربي المستمر للاعتراف بشرعية الصهيونية بصفتها حركة قومية يهودية فحسب، وإنما أيضاً كانت ناجمة عن عدم توفّر القدرة والرغبة في إسرائيل في تحديد الوجهة التي يتعين المضي فيها قدماً". ولذا، فإن "الانتصار الإسرائيلي في حرب 1967 اعتبر استمراراً للانتصار في حرب الاستقلال" (حرب 1948). بعد هذا أعاد إلى الأذهان أنه طبقاً للمفهوم الصهيوني التقليدي المُستحكم، فإن حدود الدولة الإسرائيلية هي نتاج الظروف المتغيّرة، التي تخضع بدورها إلى ميزان القوى وإلى القوة العسكرية. علاوة على ذلك فإنه في العام 1948 لم يتم حسم سؤال أساس كان لا بُدّ من حسمه، مرة واحدة وأخيرة، وهو: هل إقامة الدولة في جزء من "أرض إسرائيل" (فلسطين) تعني وضع حدّ نهائي لعملية احتلال البلد؟ كذلك لم يتم الهجس بجواب عن سؤال آخر كان مطروحاً بحدّة في ذلك الوقت، وفحواه: هل ستستند إسرائيل إلى تفوّقها العسكري والتكنولوجي من أجل السعي إلى السلام، على أساس الإنجازات (العسكرية) التي تمّ تحقيقها، أم أنها ستبقى راغبة في مواصلة عملية الاحتلال أو التوسع الإقليمي، كلما سنحت الفرصة للتوصل إلى سلام؟

وفي مقاربته التي كتبها قبل عقد من الأعوام توصّل هذا المؤرّخ الإسرائيلي إلى استنتاجات فكرية تنطوي على أهمية، على شاكلة ما يلي:

1- أن خرافة "الحق التاريخي اليهودي في فلسطين" أفقدت وما تزال تفقد أجزاء كبيرة من المجتمع الإسرائيلي رُشدها وصوابها؛

2- أن معسكر الوسط ـ اليسار الذي ورث العجز الفكري عن حزب العمل يقف الآن (قبل 10 أعوام) عاجزاً عن وضع وطرح بديل أيديولوجي للمستوطنات في الأراضي المحتلة منذ 1967؛

3- أن الاحتلال (منذ 1967) هو، برأيه، أساس وأصل الحرب مع الفلسطينيين، وطالما لم يعترف المجتمع الإسرائيلي بحقوق متساوية للشعب الآخر المقيم في هذا البلد فستستمر الحرب ويغرق أكثر فأكثر في واقع كولونيالي وفي واقع أبارتهايد مكشوف وصريح أصبحا قائمين في المناطق (المحتلة)، كما سيغرق في أوهام هدّامة أيضاً مثل وهم "القدس الموحدة"؛

4- أنه بعد العام 1948 كان ينبغي تدشين مرحلة جديدة لـ "الدولة" يكون الدستور رمزها الأبرز والأوضح على أساس ما وعدت به "وثيقة الاستقلال"، وكان إلزامياً أن يكون هذا دستوراً ديمقراطياً يقوم على أساس حقوق الإنسان ويضع مجمل المواطنين، لا جماعة إثنية أو دينية واحدة، في صلب الكينونتين السياسية والاجتماعية وفي مركزهما... إلخ.

واضح أن شتيرنهيل صهيونيّ حتى النُخاع، إنما من ذلك الطراز الذي "يؤمن" بـ "صهيونية الدولة" لا بـ "صهيونية الأرض"، والدولة في نظره تمثل الهدف، وليست الوسيلة، وذلك في مقابل صنف آخر "آمن" وما يزال بأن الصهيونية هي عبارة عن تجديد "الصلة التاريخية التي انقطعت" بين "شعب إسرائيل" و"أرض إسرائيل" في المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، والدولة ليست إلا وسيلة لإنجاز هذا التزاوج المتجدّد، فيما أن الأرض هي القيمة التي يجب عدم التنازل عنها بأي حال، وينبغي ألا تقف أمامها أي "خطوط خضراء". وحتى داخل هذا الطراز من الصهاينة، الذي ينتمي شتيرنهيل إليه، تجد أشخاصاً كثيرين متعاطفين مع الصنف الآخر وفكرة "أرض إسرائيل" التاريخية، ويشدّدون على "الجذور القومية" المزروعة في الضفة الغربية وليس داخل تخوم الخط الأخضر فقط. غير أنهم بموازاة ذلك يصرّون على أن المسألة التي يتعيّن مواجهتها ليست كامنة هنا، بل إنها كامنة في "حسم" الاختيار بين تجسيد "كل الحقوق التاريخية"، الذي سيكون ثمنه الحتمي استعباد أو طرد الشعب الآخر، وبين تجسيد جزء من هذه الحقوق التاريخية، بصورة تتيح إمكان إيجاد فرصة معينة لـ "حل وسط قومي". كما تجد بين هؤلاء أناساً يستفظعون قيام اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك اليمين الاستيطاني، بعرض كل مؤيدي تجسيد جزء من الحقوق التاريخية من خلال تطبيق مقاربة التقسيم على أنهم من "معسكر السلام". وهم يؤكدون أنه من الناحية العملية فإن الكثيرين منهم يؤيدون التقسيم بالذات بعد أن يئسوا من إمكان إحراز السلام، وأن هؤلاء يعتقدون أن التقسيم يشكل السبيل الوحيد لإنقاذ "المشروع الصهيوني" من التلاشي. ومن الواضح أن ثمة قاسماً مشتركاً يجمع بين الصنفين، وهو التمحور من الناحية العقائدية حول "الحقوق القومية لليهود" في فلسطين، غير أن الصنف المؤمن بـ "صهيونية الأرض" مستعد لأن "يجازف" بمسألة الحفاظ على الأغلبية اليهودية، من أجل مواصلة التمسك بالأرض التي وراء "الخط الأخضر"، في حين أن الطراز المؤمن بـ "صهيونية الدولة"- ومثلما كان أيضاً لدى صدور القرار الأممي بشأن تقسيم فلسطين من جانب الأمم المتحدة (1947)- على استعداد لأن يقسم الأرض لاعتقاده بأن ذلك من شأنه أن يحول دون اندثار "الدولة اليهودية" في وسط أغلبية عربية. وهو، بطبيعة الحال، استعداد غير ناجم أساساً عن قناعة أصحابه بضرورة تلبية الحقوق القومية الفلسطينية التي ما زالت تُنتهك منذ نكبة 1948.

(4)

لا بُدّ من أن نعيد تأكيد ما سبق أن أكدناه في أكثر من مقام في الماضي، وفحواه أن هذا "الجدل السياسي" في المجتمع الإسرائيلي بشأن مستقبل الأراضي المحتلة منذ 1967 الذي يرى البعض أنه مركزي، يبدو في الظاهر كما لو أنه جدل على السياسة العامة التي يتوجّب على المؤسسة السياسية أن تنتهجها إزاء القضية الفلسطينية، لكنه في الباطن جدل على "ما هي الصهيونية"، ويتسم بقدر كبير من التمحور الاستحواذي حول الذات. وحتى لو ترتبت على هذا الجدل مواقف تجاهر هنا وهناك بتأييد "تقسيم الأرض"، أو بدعم مقاربة الدولتين، فإن أصحاب هذه المواقف، على غرار شتيرنهيل، ما زال ينقصهم أمر جوهري، هو رؤية أن "دولة الصهيونية" نشأت بالخطيئة وإثم الاستعمار الإحلالي مع طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم، وأنه تبقى ثمة حاجة أولاً ودائماً للتكفير عن هذه الخطيئة، عبر الاعتراف باقترافها بداية، ومن ثم تحمّل المسؤولية الأخلاقية عن حلّ يعيد الحق القومي الفلسطيني إلى أصحابه. 

(5)- هامش:

(*) وضعت عبارة "العلمانيين" بين مزدوجين لأن طبيعة العلمانيين في إسرائيل ملتبسة وإشكالية، ذلك بأن جزءاً كبيراً من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يؤكدون أنهم يحافظون، بقدر معيّن، على العادات والتقاليد الدينية. فمثلاً بموجب النتائج التي أظهرها "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية"، قبل عدة أعوام، فإن 32 بالمائة فقط من هؤلاء العلمانيين قالوا إنهم لا يحافظون على هذه العادات والتقاليد مطلقاً. كما تبين أن ثلث المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق فقط قالوا إنهم لا يحافظون بتاتاً على العادات والتقاليد الدينية اليهودية. وكان تحليل شامل ومعمق لأنماط السلوك الدينية في إسرائيل، سبق أن أنجزه "مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي"، قبل أعوام عديدة، أظهر أن الأغلبية الساحقة من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يحافظون على تقليد واحد أو أكثر من العادات والتقاليد الدينية، مثل أكل الطعام الحلال (كاشير)، والامتناع عن السفر كليّاً في أيام السبت، والصوم في يوم الغفران أو في عيد الفصح اليهودي، وإضاءة الشموع في عيد الأنوار (حـانوكا). وتعتبر هذه الأغلبية مستقرة على مدار أعوام طويلة، حتى لدى توحيد السؤالين المتعلقين بمدى التدين، ومدى الحفاظ على العادات والتقاليد الدينية، ولدى توزيع الأجوبة على سبع فئات، مثلما حدث لأول مرة في الدراسة المشتركة لـ"مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي" المذكورة. أمّا الفئة الأكثر شيوعاً، وتشمل نحو ثلث عموم السكان اليهود الإسرائيليين، فهي للذين يعتبرون أنفسهم علمانيين ويلتزمون بتطبيق بعض الشرائع الدينية. ولعل الاستنتاج الأهم هو أن هناك تقسيماً قارّاً للجمهور اليهودي الإسرائيلي عماده ثلاث مجموعات رئيسية على النحو التالي: نصف الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين، ونحو 30 بالمائة يعتبرون أنفسهم محافظين، و20 بالمائة يعتبرون أنفسهم متدينين أو حريديم (أرثوذكس). غير أنه على الرغم من ذلك النصف الذي يجاهر بعلمانيته، فإن نحو خُمس اليهود الإسرائيليين فقط يعلنون أنهم لا يحافظون على العادات والتقاليد الدينية مع ما قد يعنيه هذا من التزام بيّن، وإن النمط السائد لدى هؤلاء هو المحافظة على بعض هذه العادات والتقاليد داخل مجموعة كبيرة من الإمكانيات. وهكذا، فإنّ "بروفايل" المجتمع اليهودي الإسرائيلي من ناحية أنماط علمانيته، بموجب هذا الاستطلاع، إنمّا يشفّ عن حال تبدو ملتبسة للغاية تحتل التقاليد والعادات الدينية فيها موقعاً حاسماً حتى لدى المجاهرين عياناً بياناً بأنهم علمانيون.

ولعلّ أهم ما يتعيّن الوقوف عنده هو أن معظم اليهود العلمانيين في إسرائيل وكذلك "معهد الديمقراطية" لا يبهظهم أن الدولة اليهودية تتخذ لنفسها رموزاً ذات خلفية دينية، أو أنها تضع قيوداً في مجالي الحرية الفردية والملكية العامة تنبع من قيمٍ دينية صرفة، وكل ما يركزون عليه هو أن تمتنع الدولة عن إجبار الفرد اليهوديّ على إتباع أنماط حياة وقواعد مأخوذة من العالم الديني فقط، ومعركتهم في هذا الشأن تتركز في المقام الأول على تحقيق هدف إلغاء حصرية النظام الديني الأرثوذكسي المُطبّق في إسرائيل وخصوصاً في ما يرتبط بشؤون الأحوال الشخصية، مثل تسليم الاحتكار فيما يتعلق بالزواج والطلاق إلى أيدي الحاخامية الرئيسية بدلاً من إتباع الزواج المدني. وقد تفاقمت هذه المشكلة بشكل كبير بعد موجة الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق في تسعينيات القرن العشرين الفائت، حيث عرّفت إسرائيل أكثر من 300 ألف مهاجر بأنهم "يفتقرون إلى ديانة"، ولذلك فإنهم لا يتمكنون من الزواج في حدود الدولة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات