المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (موقع هآرتس)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 16
  • برهوم جرايسي

أظهرت معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، وتحليلات عديدة لها، أن الهجرة من إسرائيل سجلت في السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفاعا حادا، قياسا بالسنوات التي سبقت، في حين أن الهجرة إلى إسرائيل قد تراجعت، وعادت بموجب ما نشر، إلى المستويات التي سبقت العام 2022، إذ أنه في ذلك العام تم تسجيل ذروة 20 عاما، بفعل الحرب الروسية الأوكرانية. وتشير التحليلات إلى ارتفاع بنسبة 50% من أعداد المهاجرين من الذين ولدوا في إسرائيل، وهذه النسبة تقول عمليا إن إسرائيل عرفت طوال الوقت نسبة هجرة منها، أعلى بين الذين يهاجرون إليها، وحينما يتيقنون من الأوضاع القائمة يعودون غالبا إلى أوطانهم الأم، أو إلى دولة ثالثة. وانعكست هذه الهجرة على نسبة التكاثر السكاني السنوي في العامين 2023 و2024.

وكان مكتب الإحصاء المركزي قد أجرى قبل نحو ثلاث سنوات تعديلا لتعريف المهاجر، أو المرشّح للهجرة، إذ كان تعريف المهاجر هو من غادر البلاد ولم يعد اليها في الأشهر الـ 12 التي تسبق صدور التقرير، لكن قبل ثلاث سنوات بات التعريف لمن يغادر البلاد مع مؤشرات مكوث لفترة طويلة في الخارج، وهذا ما ترصده السلطات الإسرائيلية في المطار الدولي، مثل حجم الأمتعة التي تكون مع المغادرين، وأحيانا يتم توجيه سؤال كهذا للمغادرين.

ونشير إلى أن القانون الإسرائيلي لا يلزم بالتنازل عن الجنسية، حتى لو غادر المواطن البلاد عشرات السنين، بل يفقد فقط مخصصات اجتماعية، بينما اسم الشخص يبقى واردا في سجل الناخبين، ولا يسقط منه، إلا إذا قرر التنازل عن الجنسية الإسرائيلية، لكن أعداد هؤلاء قليلة جدا، بحسب تقارير سابقة.

لهذا فإن هناك اختلافا كبيرا جدا بين أعداد السكان في السجل السكاني، وبين أعداد السكان في حسابات مكتب الإحصاء المركزي، التي يُسقط منها من هم في عداد المهاجرين بحسب تعريفه للمهاجر من البلاد.

وبحسب التقرير الجديد، فإن عدد المغادرين لأمد طويل، أو مهاجرين، بالمعدل السنوي من العام 2010 إلى العام 2022، كان حوالي 40 ألفا سنويا بالمعدل، وقفز هذا العدد في العام 2023 إلى 60 ألفا، وفي العام 2024 تجاوز 86 ألفا، وحسب التقديرات الأولية، فإن عددهم في العام الجاري 2025، سيكون حوالي 80 ألفا؛ لكن في المقابل استمرت في السنوات الثلاث الأخيرة، الهجرة أو العودة إلى إسرائيل، بما بين 23 ألفا إلى 28 ألفا سنويا.

يقول تقرير لصحيفة "كالكاليست" إنه في العام الماضي 2024، بلغ ميزان الهجرة السلبي 56800 يهودي، من أصل 58 ألف نسمة، ومن هنا نستنتج أن ميزان الهجرة السلبي لدى العرب بلغ 1200 نسمة، لكن يتضح أنه ضمن احصائيات العرب يدخل قانون لم شمل العائلات، التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية المحتلة، بمعنى ما بين فرض مغادرة أحد الوالدين إلى الضفة، أو السماح لآخرين بالمكوث، وأحيانا كثيرة بضمن هذا الأبناء.

كذلك فإن التعريف الجديد للمهاجر (9 أشهر) قد يطاول، بقدر كبير، الطلاب الجامعيين في جامعات العالم، ونسبة العرب من هؤلاء عالية جدا، أكثر من نسبتهم من الشريحة العمرية.

وكان مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي قد نشر في منتصف شهر أيلول إحصائية السكان، بمناسبة رأس السنة العبرية، وبرز في الإحصائية الجديدة، مجددا، نسبة التكاثر السكان المتدنية، في الأشهر الـ 12 الأخيرة، بين رأس السنة السابق، أيلول 2024، وأيلول الأخير، بنسبة 1%، وهي أدنى نسبة تكاثر عرفتها إسرائيل منذ الإعلان عن قيامها، إذ أن نسبة التكاثر في العام 2023 الميلادي، بلغت 1.5%، وفي العام 2024 الميلادي نسبة 1.3%، وبحسب النسبة المعلنة في ذلك الشهر، يبدو أن نسبة التكاثر في نهاية العام الجاري 2025، قد تكون حول 1%.

تحليل المعطيات

يقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، "إن معطيات مكتب الإحصاء المركزي توفر فهما أعمق للاتجاهات التي أدت إلى الارتفاع الحاد في الهجرة من إسرائيل خلال العامين الماضيين، في ظل الحكومة الحالية. إذ كانت الزيادة في إجمالي هجرة المواطنين الإسرائيليين إلى الخارج أكثر من 50%، ولكن يُعزى جزء منها إلى أشخاص لم يولدوا في إسرائيل، وربما يكون العديد منهم من مواطني دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا في العام 2022، وقرروا مغادرتها بعد فترة وجيزة".

ويضيف: "تُظهر بيانات مكتب الإحصاء بوضوح زيادة كبيرة في الهجرة بين المواطنين المولودين في إسرائيل. فعلى سبيل المثال، في العام 2022، هاجر حوالي 19 ألف مواطن مولود في إسرائيل من إسرائيل. قد يبدو هذا عددًا كبيرا، لكن في الواقع، يُقارب عدد المهاجرين متوسط ​​الفترة 2010- 2022. ومع ذلك، بدءًا من العام 2023، سُجل تغيير حاد في هذا الرقم، وارتفع عدد الأشخاص المولودين في إسرائيل (وليس المواطنين الإسرائيليين على الإطلاق) الذين هاجروا من إسرائيل في العام 2023 إلى 22.5 ألفًا. وفي العام 2024، سُجِّلت بالفعل هجرة قياسية للأشخاص المولودين في إسرائيل إلى الخارج، حيث بلغ عددهم 30.2 ألف مهاجر، بزيادة قدرها حوالي 50% مقارنةً بالمتوسط ​​حتى العام 2022".

يرى طوكر "أن هذه القفزة في عدد المهاجرين المولودين في إسرائيل تُعزِز فرضية زيادة الهجرة إلى الخارج بعد الانقلاب والحرب. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الصورة العامة، وليس فقط إلى الأشخاص المولودين في إسرائيل، يبدو أن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على بيانات الهجرة كان أكثر أهمية. تُعزى معظم الزيادة في الهجرة من إسرائيل إلى الأشخاص الذين لم يولدوا في إسرائيل، بل إلى الأشخاص المولودين في الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا. وهكذا، تضاعف عدد المهاجرين المولودين في الاتحاد السوفياتي السابق بأكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 2022 و2024، ليصل إلى 36 ألف مهاجر في العام 2024. ومن بين المهاجرين المولودين في روسيا سابقًا، سُجِّلت قفزة أيضًا إلى حوالي 11 ألف مهاجر من إسرائيل في العام 2024، مقارنةً بحوالي 2000 مهاجر سنويًا في المتوسط ​​منذ العام 2010".

يقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن "كون ما يقرب من نصف المغادرين متزوجين، وكون ثلث العائدين فقط متزوجين، يشير إلى تغيير جذري في نمط الهجرة الإسرائيلية: لم تعد هجرة الشباب بعد الخدمة العسكرية سعياً وراء الخبرة، بل هجرة عائلات بأكملها، وهي ظاهرة يمكن أن تغير بنية المجتمع والاقتصاد والديموغرافيا في إسرائيل بمرور الوقت. عندما تغادر عائلات بأكملها، فإنها لا تقتصر على هجرة البالغين فحسب، بل تشمل أيضاً فقدان جيل شاب سيكبر ويتعلم ويتواصل مع بلد آخر. بعبارة أخرى، هذا هروب لشرائح كاملة من السكان المنتجين - فالآباء وأبناؤهم في المستقبل يغادرون دائرة العمل والاستهلاك والتجنيد في الجيش الإسرائيلي".

ويضيف: "يشكل الأزواج ركيزة اجتماعية ومجتمعية، وعندما تغادر العائلات، فإنها تضر بالنظام التعليمي على المدى الطويل (انخفاض في معدلات الالتحاق، وإغلاق الفصول الدراسية)؛ ​​وبقطاع الإسكان، مع انخفاض الطلب على البيوت، لا سيما في المناطق النائية، وكذلك بنظام الرعاية الاجتماعية، دفع رسوم الضمان الاجتماعي (التأمين الوطني) ورسوم الصحة. والأسوأ من ذلك كله: أن هذه الهجرة قد تُشير إلى انخفاض الثقة بالبلد ومؤسساته نتيجة لشعور بعدم الاستقرار، وانعدام الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي".

يتابع بايلوت: "بعبارةٍ بسيطة، فإن الأشخاص الذين يتمتعون بالقوة المالية والنفسية الكافية لبدء حياةٍ جديدةٍ في مكانٍ آخر، يفعلون ذلك لأنهم فقدوا ثقتهم بالمستقبل هنا. ومن النقاط المُقلقة الأخرى زيادةُ نسبة المهاجرين المُتعلمين: فقد بلغت نسبةُ حاملي شهادة البكالوريوس الذين غادروا البلاد العام 2023 حوالي 33% (مقارنةً بمتوسطٍ متعدد السنوات بلغ 30% في الفترة 2010- 2022)، وقفزت نسبةُ حاملي شهادة الماجستير إلى 24% مُقارنةً بـ 19% (متوسط متعدد السنوات 2010- 2022). ولم يُلاحظ أيُّ تغييرٍ يُذكر في نسبة حاملي شهادة الدكتوراه (الدرجة الثالثة) بين السنوات الأخيرة. كما أن البيانات مُتاحةٌ حتى العام 2023، ولا تشمل العام 2024، لأسبابٍ فنية".

مسببات مغادرة البلاد

استنادا لمعطيات مكتب الإحصاء المركزي، فقد عددت التحليلات الإسرائيلية ثلاثة أسباب مركزية لارتفاع الهجرة من البلاد، وتراجع أعداد الهجرة القادمة:

أولا (حسب التدريج الوارد): مبادرة الحكومة الحالية لسن قوانين وأنظمة تُعد "انقلابا سلطويا"، بحسب التعبير الإسرائيلي، وهو ما بدأ يتكشف في الشهر الأول من عمل هذه الحكومة، في مطلع العام 2023، إذ أن "الأمر أثار تخوفات لدى كثيرين"، بحسب تعبير المحلل ناتي طوكر، في صحيفة "ذي ماركر".

ثانيا: اندلاع الحرب في تشرين الأول العام 2023.

ثالثا: وهو السبب الأكبر، باعتراف الصحافة الإسرائيلية، عودة المهاجرين من أوكرانيا وروسيا، ابتداء من العام 2022 ولاحقا، مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ونشير هنا إلى أن العام 2022 سجل ذروة لم تعرفها إسرائيل منذ سنوات عديدة سبقت، في الهجرة اليها، إذ تجاوز عدد المهاجرين 74 ألفا، إضافة إلى آلاف كثيرة كانوا في حسابات زائرين، لأن قانون الهجرة الاسرائيلي لا يسري عليهم.

السبب الثالث لا يمكن أن يكون مفاجئا، لأنه كان متوقعا منذ هجرتهم في ذلك العام، لأن غالبيتهم العظمى كانت تعيش في وطنها، بظروف حياتية جيدة، ولم يختاروا الهجرة قبل ذلك، بل دفعتهم الحرب إلى الهروب، حين لاقوا حربا خطيرة تداهمهم.

تأثير الهجرة قد يطاول نتائج الانتخابات

كنا قد توقفنا في نشرة "المشهد الإسرائيلي" العدد 681، الصادرة يوم 29 أيلول الماضي، عند احتمال تأثير الهجرة على نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستجري في العام المقبل 2026. إذ أن استطلاعات الرأي العام تتعامل مع أشخاص مستطلعين متواجدين في البلاد بطبيعة الحال، وتعتمد في تحليلاتها على توزيعة الشرائح السكانية، لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار، حاليا، أولئك المغادرين حديثا؛ والاحتمال الأكبر أن لا يعودوا في السنة القريبة، بمعنى حتى الانتخابات المقبلة، وقد يلحق بهم آخرون.

جميع استطلاعات الرأي الإسرائيلية، التي تصدر تباعا منذ الانتخابات الأخيرة، لكن بالذات في العامين الأخيرين، تشير إلى أن الفارق بين مجموع ما تحصل عليه أحزاب المعارضة البرلمانية الصهيونية، بمعنى من دون المقاعد العشرة التي "تخصصها" استطلاعات الرأي لممثلي الجمهور العربي، وهذا أحد مواطن خلل الاستطلاعات، وبين مجموع مقاعد الفريق الحاكم حاليا، يتراوح ما بين 8 إلى 12 مقعدا، وهذا فارق ليس كبيرا نسبيا، بمعنى أنه قابل للجسر أو لتقليص الفارق.

بالإمكان التقدير، إلى درجة التأكد، أن الغالبية العظمى جدا من المغادرين هم من الجمهور الأقرب لفريق المعارضة البرلمانية. وهذه الفرضية ترتكز على الطابع الجماهيري للفريق الحاكم، الذي بغالبيته العظمى من الجمهور المتدين والمحافظ، إذ أن نصف المقاعد الـ 64 التي شكلت الائتلاف الحاكم حاليا، بعد الانتخابات الأخيرة، كانت لأحزاب دينية، من الحريديم والتيار الديني الصهيوني، ويضاف لهؤلاء جمهور من التيار الديني الصهيوني يمنح أصواته لحزب الليكود، وهذا جمهور أيديولوجي متزمت، أو قريب منه، ولا يسارع لهجرة "الوطن الموعود".

وعلى أساس أن مجموع من غادر في السنوات الأخيرة يتراوح ما بين 160 ألفا إلى 200 ألف، مع الأخذ بعين الاعتبار الأطفال من بينهم، فيمكن التقدير أن فريق المعارضة البرلمانية سيخسر ما بين مقعدين إلى 4 مقاعد برلمانية افتراضية، وهذا من شأنه أن يقلص الفارق في نتائج التصويت الظاهرة حاليا.

من الواضح أن عوامل كثيرة ستلعب دورا في النتائج النهائية للانتخابات الأخيرة، ومن ضمنها العامل الديمغرافي هذا، وأيضا الظروف السياسية والعسكرية، التي ستكون في فترة الانتخابات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات