كتب الصحافي المهتم في شؤون البيئة وعلاقتها بالسياسات والنظام العالمي، نير حسون، في جريدة "هآرتس" الشهر الفائت، أن سنة 2025 قد تسجّل تحديداً كسنةٍ "أعفت فيها حكومة إسرائيل نفسها كلياً من سياسة المناخ، بالرغم من كل إشارات التحذير الواضحة". وعدّد أمثلة على أحداث الطقس المتطرّف في الأشهر السابقة: مطر استثنائي جداً بالقرب من نهاريا بلغ 100 ملم خلال ساعتين؛ وهذا بعد موجة حرّ شديدة حطّمت أرقاماً قياسية تاريخية؛ سيول غير مسبوقة في أيار وهذا بعد أن اندلعت في نيسان حرائق هائلة؛ وهذا أيضاً بعدما انتهى في آذار أحد أكثر مواسم الأمطار جفافاً التي سُجّلت على الإطلاق.
هذا التقييم عن "إعفاء الحكومة نفسها" وجد ترجمة في الفصل المتعلق بالبيئة في ميزانية العام المقبل. ولتوضيح إشكاليات ذلك، يمكن الوقوف عند القراءة المفصلة التي قدمتها منظمة بيئية إسرائيلية ناشطة هي "إنسان وطبيعة وقانون" بعنوان: "تحت غطاء قانون تسويات الميزانية - يتم الاعتداء على مستقبلنا". وهي عبارة عن نقد مفصل ومحدد لكل واحد من البنود المتعلقة بالبيئة في مشروع الميزانية، نستعرض هنا أبرزها.
تقول المنظمة: "هذا العام تضاعفت المخاطر من حيث الكم والشدة: يشمل ذلك ليس فقط تشجيع الحكومة استخدام الوقود الملوث بدلاً من اتخاذ خطوات لإنهاء استخدامه، بل وأيضاً الإضرار الجسيم بالآليات التي تهدف إلى حماية الجمهور من التنمية غير المنظمة، والتلوث، والاستيلاء على الأراضي المفتوحة. هذا يُعد مأساة للأجيال القادمة، ومن الضروري إيقاف الإجراءات المدمرة المخطط لها فيه".
تركيز على الجوانب الاقتصادية وتجاهل للجوانب البيئية الجوهرية
وكتبت رداً على الفصل المتعلق بمعالجة النفايات: "يمكن أن تكون سلطة النفايات أداة مهمة، ولكن فقط كجزء من آلية شاملة ومتكاملة لقانون النفايات الموحد. في الصياغة المقترحة في قانون الترتيبات، لا توفر هذه السلطة حلولاً لمشاكل إدارة النفايات. الاقتراح سطحي ولاموضوعي، لا يضع أهدافاً بيئية توفر اليقين للقطاع، ولا يتطرق إلى الخطة الاستراتيجية لوزارة حماية البيئة – مثل الحد من المصدر، وتقليل الطمر، وفصل النفايات، وغيرها. كما أن محاولة التعامل مع جميع أنواع النفايات كوحدة واحدة غير واقعية، إذ لكل نوع خصائصه وتحدياته الخاصة. لا شك في أن هناك حاجة إلى قانون نفايات موحد لتنظيم القطاع، لكن ليس على نحو مستعجل وعشوائي، فهذا لن ينجح وقد يسبب ضرراً".
وتؤكد أن "الإجراءات المقترحة في قانون الترتيبات مدمرة للجمهور والبيئة، لأنها تعامل الحراس البيئيين كمجرد "عوائق". تحت عنوان "تعزيز البنى التحتية الوطنية"، يتم الدفع بمبادرات متطرفة تهدف إلى إضعاف الاعتبارات البيئية من خلال مصادرة الصلاحيات من الجهات المسؤولة عن حماية الجمهور والطبيعة – وزارة حماية البيئة، سلطة الطبيعة والحدائق، مأمور الغابات، لجنة حماية البيئة الساحلية، وتقارير تقييم الأثر البيئي".
في ردها على فصل "تسريع مشاريع البنى التحتية الوطنية" ذكرت أنه "على سبيل المثال، يُقترح إلغاء الحاجة إلى موافقة سلطة الطبيعة والحدائق لنقل البنى التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية أو خطوط النفط داخل المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية – وهو إجراء مدمر سيتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها للقيم الطبيعية والمناظر الطبيعية والتراث، بما في ذلك الأنواع المهددة بالانقراض. كما يُقترح مصادرة صلاحيات مأمور الغابات، الحارس المسؤول عن منح تصاريح القطع، وإضعاف سلطته في حالات البنى التحتية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن الاقتراح إجراءً يؤثر على نظام التخطيط بأكمله: مصادرة سلطة الفحص البيئي والصحي من خطط وزارة حماية البيئة ومنح إمكانية توظيف مستشارين خاصين. هؤلاء المستشارون قد يواجهون تضارب مصالح، ولا يمتلكون المعرفة والخبرة والتعاون المهني لموظفي الوزارة".
تشدد المنظمة على أن فصل "تحسين إجراءات التخطيط والبناء" فيه "اقتراح مثير للجدل بشكل خاص هو تغيير اللوائح المتعلقة بالفحص البيئي المطلوب للمخططات الكبيرة (تقرير تقييم الأثر البيئي)، بما في ذلك تحديد نطاق الفحوصات وإلغاء فصل دراسة البدائل للمخطط المقترح. هذا يمثل تدهوراً لنظام التخطيط بأكمله واستسلاماً للاعتبارات الاقتصادية على حساب مصلحة الجمهور والبيئة، مع تجاهل الالتزام بفحص كل خطة في ضوء أزمة المناخ والتوسع العمراني السريع في إسرائيل. فتحت شعار "تحسين الإجراءات" قد يحدث ضرر جسيم للبيئة الساحلية. الاقتراح بأن لجنة حماية البيئة الساحلية لن تناقش بعد الآن المخططات الوطنية والإقليمية يزيل الحمايات الأساسية للشواطئ والبحر الهامة للجميع. ليس من قبيل الصدفة أنه تم وضع حماية إضافية ضد التنمية غير الضرورية في البيئة الساحلية ولأجل ذلك تم إنشاء اللجنة. فقط في هذه اللجنة يوجد خبراء للشواطئ والبحر، كما أن لديهم رؤية شاملة للمنطقة الساحلية في البلاد، وهو ما لا توفره أي لجنة تخطيط أخرى. المخططات الوطنية والإقليمية لديها قدرة كبيرة على الإضرار بالبيئة الساحلية نظراً لاتساعها، وإزالة هذه الحمايات على خلفية أزمة المناخ التي تسبب تقلص الشواطئ من جهة وزيادة الطلب من جهة أخرى، لا يمكن اعتبارها "تحسيناً" للإجراءات، بل تهديداً".
طرح يفاقم المخاطر الناجمة عن استخدام الوقود الملوّث
يشمل مشروع الميزانية فصل "تحسين وتعزيز المنافسة في سوق الوقود". ووفقاً للنقد فإن "الاستعداد لحالات الطوارئ المستقبلية والحفاظ على استمرارية عمل سوق الوقود كجزء من دروس الحرب أمر مرحب به وصحيح. ومع ذلك، لا حاجة لبدء "سباق محموم" لإنشاء فائض من البنى التحتية غير الضرورية. لا ينبغي، كما يتجاهل الاقتراح الحالي، تجاهل التكاليف البيئية الثقيلة والآثار البيئية والصحية المحتملة لسوق الوقود على جميع بنياته بما في ذلك الإنتاج، والتكرير، والتخزين، والنقل، والتوزيع، وغيرها. هذه البنى التحتية قد تؤثر على جودة الهواء والمياه الطبيعية ومياه التحلية والبحر والشواطئ، والمساحات المفتوحة، والقيم الطبيعية، وصحة الجمهور، وما إلى ذلك".
وعلى الرغم من الترحيب "بقرار زيادة كمية الغاز المحفوظ للاقتصاد الإسرائيلي، فإن الغاز هو وقود أحفوري ملوث، وإنتاجه واستخدامه يخلق تلوثاً جوياً وغازات دفيئة، لذا نراه وقوداً انتقالياً فقط يتيح تقليل استخدام الوقود الأكثر تلويثاً مثل الفحم والديزل، وصولاً إلى اقتصاد طاقة مستدام يعتمد أساساً على مصادر الطاقة المتجددة".
للتذكير: ففي "التقرير الوطني الإسرائيلي الأول للشفافية المناخية"، المدمج مع التقرير الوطني الرابع والمقدَّم العام 2025 إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، في سياق التزامات إسرائيل بموجب اتفاق باريس، جاء أنه "يهدف إلى عرض صورة شاملة عن السياسات المناخية الداخلية، أوضاع الانبعاثات، والإجراءات الحكومية المتخذة أو المخطط لها حتى عامي 2030 و2050". وأقرّ التقرير أن المصدر الرئيس لهذه الانبعاثات ما يزال قطاع الطاقة، وخصوصاً توليد الكهرباء، يليه قطاع النقل البري الذي يشهد نمواً متواصلاً في الانبعاثات، ثم الصناعة وإدارة النفايات.
يعيد التقرير تثبيت الالتزامات الرسمية التي أعلنتها الحكومات الإسرائيلية، وأبرزها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 27% بحلول العام 2030 مقارنة بالعام 2015، مع تحديد سقف انبعاثات يقارب 58 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون. أما على المدى البعيد، فيعرض التقرير هدف خفض الانبعاثات بنسبة 85% بحلول العام 2050، إلى جانب التزام سياسي عام بالوصول إلى الحياد الكربوني في منتصف القرن.
غير أن التقرير، وعلى غير عادة وثائق حكومية سابقة، يعترف بوضوح بأن السياسات الحالية لا تكفي لتحقيق هدف 2030، وأن المسار القائم يقود، في أحسن الأحوال، إلى خفض أقل بكثير من الهدف المعلن.
إجراءات بعيدة عن التحولات البنيوية لخفض الانبعاثات
لقد خصص التقرير الحكومي الرئيسي في العام الذي يشارف على الانتهاء حيّزاً واسعاً لعرض السياسات والإجراءات الحكومية الداخلية، مركّزاً على خطة العمل الوطنية للمناخ للفترة 2022–2026، التي تضم أكثر من مائة إجراء موزعة على قطاعات الطاقة، النقل، الصناعة، إدارة النفايات، والتكيّف مع تغيّر المناخ. ويحرص التقرير على إبراز الطابع "العابر للوزارات" لهذه الخطة، مشدداً على أن تنفيذها يتم بتنسيق بين وزارة حماية البيئة ووزارات الطاقة والمواصلات والمالية وغيرها. إلا أن القراءة المتأنية للنص تكشف أن كثيراً من هذه الإجراءات ذات طابع تنظيمي أو تحفيزي محدود، ولا ترتقي إلى مستوى التحولات البنيوية المطلوبة لخفض الانبعاثات على نطاق واسع.
يفرد التقرير فصلاً خاصاً للتكيّف مع تغيّر المناخ، يركّز فيه على المخاطر المتزايدة لموجات الحر وتأثيرها على الصحة العامة، وشح المياه، والتهديدات التي تواجه الزراعة والأمن الغذائي، إضافة إلى مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية. ويؤكد أن السلطات المحلية مطالبة بدور محوري في تنفيذ سياسات التكيّف، مع تقديم دعم حكومي وإرشادات عامة، غير أن التقرير لا يضع إطاراً إلزامياً واضحاً يضمن تنفيذ هذه السياسات على نحو متساوٍ في جميع المناطق.
وفي تقييمه الذاتي للتقدم، يقدّم التقرير أحد أهم اعترافاته، إذ يشير إلى أن السياسات والإجراءات المعتمدة حتى الآن قد تقود إلى خفض يقارب 19% فقط في الانبعاثات بحلول العام 2030، أي أقل بكثير من الهدف الرسمي البالغ 27%. ويؤكد أن سد هذه الفجوة يتطلب إجراءات إضافية "في حال توفرت الإرادة السياسية والموارد"، في صيغة تعكس إدراكاً واضحاً للتحديات، لكنها تترك مسألة الحسم السياسي مفتوحة.
أما منظمة "إنسان وطبيعة وقانون" فتؤكد أن الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات الماضية أصدرت قرارات حكومية متكررة حول تغيّر المناخ من دون تحقيق تقدم حقيقي في الأهداف الوطنية، وأن غياب هيئة مركزية ذات صلاحيات واضحة وميزانية مخصّصة يجعل الدولة تتخلف حتى عن دول أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في التعامل مع الأزمة المناخية. وفق بياناتها، هناك نقص في أطر الإدارة والتخطيط لدى الوزارات المختلفة، وعدم تخصيص ميزانية وطنية واضحة للتعامل مع تغيّر المناخ، ما يجعل السياسات عرضة للتأجيل أو التراجع بحسب أولويات الحكومة.
وهي ترى أن غياب قانون مناخ فعّال لا يتناسب مع وضع إسرائيل باعتبارها منطقة شديدة التعرض لتأثيرات تغيّر المناخ (مثل موجات الحرارة، شح المياه، الفيضانات المفاجئة)، وترى أن التعامل مع الأزمة كمسألة بيئية فقط (بدل أن يُنظر إليها كأزمة وطنية اقتصادية وصحية وأمنية) يضعف قدرة الدولة على الاستجابة بفعالية ويهدد صحة السكان والاقتصاد والأمن الغذائي على المدى الطويل. كما أشار باحثون وناشطون إلى ثغرة أساسية في التقرير، تتمثل في تركيزه الحصري تقريباً على الانبعاثات والسياسات داخل الخط الأخضر، مع تجاهل شبه كامل للأبعاد البيئية لسياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك السيطرة على الموارد الطبيعية وتأثيرها على البيئة والمناخ. ويُعتبر هذا الغياب، في نظرهم، مساساً بمبدأ الشفافية الذي يفترض أن يشكل جوهر تقارير من هذا النوع.
في الخلاصة، يقدّم التقرير الحكومي الإسرائيلي للشفافية المناخية وثيقة تقنية مفصلة تعكس معرفة واضحة بالتحديات المناخية وبالأدوات المطلوبة من أجل معالجتها، ويتميّز باعتراف نادر نسبياً بالفجوة بين الأهداف والتنفيذ. غير أن مضمون التقرير، مقروناً بالانتقادات الرقابية والمدنية، يكشف أن المشكلة الأساسية لا تكمن في نقص المعرفة أو البيانات، بل في غياب قرارات سياسية واقتصادية حاسمة قادرة على إحداث التحول البنيوي المطلوب لمواجهة أزمة المناخ على نحو جدي وشامل.