المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 9
  • هشام نفاع

يلاحظ في الفترة الأخيرة وجود ما يشبه حملة متسارعة، بل يمكن وصفها بـ "اللاهثة"، من قوى اليمين الاستيطاني لتشريع قوانين وتعديل أخرى تحت مسمى يشكل قاسماً مشتركاً لها، هو بث الخوف من "البناء غير القانوني". فيوصف تارة بأنه "مناورة سياسية واضحة لتغيير طابع دولة إسرائيل"، وتارة أخرى يسَوّق كأنه "يقرّبنا من حملة حارس الأسوار القادمة"، والمقصود أحداث أيار 2021 في عدد من المدن التاريخية "المختلطة"، أي التي يقطن فيها يهود وعرب.

وقد تمت ترجمة هذه الحملة بتعديل قانون صادقت عليه الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية، الأسبوع الفائت، يقضي "بمنح امتيازات ضريبية للبلدات في منطقة يهودا والسامرة والتي تقع تحت مستوى التهديد من 2 إلى 5"، وهذا "وفقا لتصنيف وضعته وزارة الدفاع، على نحو مماثل للامتيازات الضريبية الممنوحة للبلدات المجاورة للحدود". والمقصود طبعاً المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة طبعاً. وسيُحال الاقتراح إلى لجنة المالية (التي يتولاها الزعيم الاستيطاني بتسلئيل سموتريتش!) من أجل بحثه وإعداده. وكالمتوقع لم يخلُ شرح وتفسير الاقتراح من تلك اللغة الضحوية الرائجة، فجاء فيه: "لقد وقف المشروع الاستيطاني في يهودا والسامرة، لسنوات عديدة، ببطولة ضد الإرهاب المستمر داخل البلدات وعلى الطرق، ويجب تشجيعه من خلال منح الامتيازات الضريبية، من بين أمور أخرى".

تجميد للتراخيص ثم اتهامات بالبناء غير المرخص لمآرب سياسية

بالتزامن مع ما سلف، عقدت لجنة الداخلية وحماية البيئة البرلمانية جلسة تناولت "البناء غير القانوني في المناطق المفتوحة حول القدس" استناداً إلى "دراسة" أجرتها منظمة "ريغافيم"، شارك فيها أيضاً ممثلون عن بلدية القدس، وحدة إنفاذ الأراضي، شرطة إسرائيل، سجل المقاولين ووزارة شؤون القدس والتراث. للتذكير: "ريغافيم" هي منظمة يمينية إسرائيلية تأسست العام 2006 بهدف تحديد "جدول أعمال يهودي وصهيوني لدولة إسرائيل في جوانب الأرض والبيئة من أجل الحفاظ على أراضي الشعب اليهودي وعلى ثروات الطبيعة والمناظر الطبيعية لأرض إسرائيل"، كما جاء في موسوعة "ويكيبيديا". وهي "توثق أعمال بناء الفلسطينيين داخل وخارج الخط الأخضر، وتكافح البناء المخالف لقوانين التخطيط والبناء، والذي تعتبره استيلاءً غير قانوني على أراضي الدولة وثروات الطبيعة والمناظر الطبيعية في جميع أنحاء البلاد... وأحد مؤسسيها هو عضو الكنيست والوزير بتسلئيل سموتريتش"..

تدّعي الدراسة تضرُّر أكثر من 3500 دونم من المناطق المفتوحة حول القدس نتيجة البناء غير القانوني، وأن 97% من البناء غير القانوني يقع في شرق المدينة. وبحسبها، فإن الفجوات في إنفاذ القانون بين القدس الشرقية والغربية تُلحق الضرر بالحوكمة والبنية التحتية والبيئة.

رئيس لجنة الداخلية وضع القضية في السياق الذي يلائم أجندة اليمين الاستيطاني، متجاهلا تماماً أي جانب آخر. فقال: "هذه ليست مشكلة تتعلق بتراخيص البناء أو حاجة وجودية لسكان القدس للتطور والنمو، بل هي مناورة سياسية واضحة لتغيير طابع دولة إسرائيل وتحديد الحقائق على الأرض تحت ستار أهداف أخرى. الأرض التي يُقام عليها بناء غير قانوني تُثقل كاهل البنية التحتية والتعليم والصرف الصحي، وتُلحق الضرر بالمناطق المفتوحة التي لا تنتمي إلى طرف سياسي أو آخر. علينا أن نخلق توازناً دقيقاً بين الحفاظ على الطبيعة وبين التطوير والخدمات التي تقدمها البلدية للسكان".

 لكن الحقائق على الأرض مختلفة. فتصوير البناء بدون ترخيص إسرائيلي في منطقة محتلة وكأنه "مناورة سياسية"، يصبح مختلفاً تماماً أمام ما يلي: كشف تقرير بعنوان "من مائة إلى صفر"، أصدرته منظمة تخطيط وحقوق الإنسان "بمكوم" ومنظمة "عير عميم"، عن تراجع دراماتيكي في قدرة الفلسطينيين على الدفع باتجاه تبني خطط بناء خاصة بالقدس الشرقية، وذلك في إثر دخول إجراء تخطيط جديد حيّز التنفيذ في بداية العام 2023. وهكذا، فقد أدّى الإجراء الجديد، الذي جاء ليحل محل إجراء سابق "كان يتيح للفلسطينيين في القدس الشرقية الدفع قدما بمشاريع بناء خاصة على أراضٍ غير مسجلة وغير منظمة، إلى توقف تام للتخطيط على هذا النوع من الأراضي، التي تشكل غالبية الأراضي في القدس الشرقية".

وقال التقرير: "يفرض الإجراء الجديد سلسلة من المتطلبات المستحيلة التي تمنع فعليا التخطيط في الأحياء الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، يُطلب من الساعين للموافقة على مخططاتهم تقديم مستندات جديدة لأول مرة، مثل شهادات ضريبة الأملاك الأردنية من ستينيات القرن الماضي وسلسلة حقوق تاريخية، وهي متطلبات تُطلب عادةً في إطار تسوية الأراضي وليس التخطيط. وعلاوة على ذلك، تم تعريف مسؤول التسوية كجهة حاسمة ذات حق (فيتو) في عملية التخطيط، وهو إجراء يتضمن تدخل الوصي على أملاك الغائبين، ما قد يؤدي ليس فقط إلى إفشال التخطيط، بل أيضا إلى مصادرة أراضٍ فلسطينية".

خلط بين مشاكل البناء وتفشي الجريمة وتعميم للتحريض

التهويل باسم الأمن للتحريض بمزاعم "البناء غير المرخص" لغايات سياسية مزعومة في القدس، يتخذ رواية مختلفة بدون أن تخرج من السياق، داخل "الخط الأخضر". فقد اجتمعت "لجنة الأمن القومي" في الكنيست لبحث موضوع "المخاطر الأمنية والبناء غير القانوني في منطقة ليف هشارون المحاذية للبلدات العربية في منطقة المثلث".

لكن هذه المرة لم تأتِ المبادرة من قوى اليمين وحدها، بل من أعضاء كنيست في الائتلاف الحاكمة والمعارضة: الليكود، "أزرق أبيض"، "يوجد مستقبل" و"إسرائيل بيتنا". وجاء في طلب عقد الجلسة أن سكان كل من بلدتي عزريئيل وكفار يعبتس الواقعتين في منطقة نفوذ "المجلس الإقليمي ليف هشارون" هي بمثابة "جيب" بسبب موقعها الاستراتيجي بالقرب من قرى المثلث. ووفقاً للمقترح: يعاني السكان كل ليلة من إطلاق النار بالقرب من السياج الأمني للبلدتين وقد تحوّل ذلك إلى ظاهرة ثابتة تمس الشعور بالأمن، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك توجها إجراميا بتحويل المخازن الزراعية إلى بيوت سكنية ومساحات تجارية وبناء غير قانوني في مسطحات غير مخصصة لهذا الغرض.

هذا الخلط بين ادعاءات البناء غير المرخص وبين تفشي الإجرام، يبعد الضوء عن التقاعس الحكومي المنهجي أمام الجريمة، ويفتح هامشاً يفوق المتن للتحريض التعميمي على المواطنين العرب.

فرئيس اللجنة من حزب "عوتسما يهوديت"، قال إن البلدات اليهودية في هذه المنطقة هي بمثابة "منطقة فاصلة بين الشارون وبلدات يهودا والسامرة. حيث يعاني السكان من ظاهرة إطلاق النار والحرائق والبناء غير المرخص ولا يشعر السكان بالأمن". عضو كنيست آخر من الحزب نفسه سأل ممثلي مكتب المدعي العام في الجلسة "حول الذي يجري مع جميع ملفات حوادث إطلاق النار غير القانونية في المنطقة؟ ما الذي يجري مع المحكمة التي تقوم بإطلاق سراح مطلقي النار مرة تلو الأخرى؟ يجب أن تتوفر آلية من دون أي تسهيلات ومن دون أي تنازل، وذات الأمر مع البناء غير القانوني، وكيف تتعامل السلطات مع هذه الظاهرة".

رئيس المجلس الإقليمي ليف هشارون: "هناك مضايقات يومية لسكان ليف هشارون والخطر ملموس. صحيح أنه يوجد اليوم استثمار جدي في وسائل الأمن من قبل وزارة الأمن القومي في البلدات الثلاث، لكن يوجد مشكلة عامة وهي الحوكمة في الدولة. كل حكومة يجب أن تأخذ هذا الموضوع كمشروع لعقد كامل". أما نائبه فقد أضاف: "ليس هناك حلول ونحن بلا حول ولا قوة. هناك كميات كبيرة من الأسلحة على بعد عشرات الأمتار من البلدات. إذا لم تدخل القوات بشكل مكثف ولم يتم القضاء على هذا التهديد، فسوف تكون هناك كارثة أسوأ مما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023".

 لكن ما قالته مواطنة من سكان كفار يعبتس وضع الأمر في سياقه، فالجريمة هناك حكومة مسؤولة عنها، وليس المواطنين العرب. وقد تحدثت عن طفولتها "وحسن الجوار مع المجتمع المحيط، لكن اليوم، يسود العداء في الأجواء مع بناء الجدران وإطلاق النيران بشكل غير قانوني. لقد أطلقت النار على منزلنا برشاش، واضطررنا للهرب. على بعد مئات الأمتار من منزلي، تقام حفلات الزفاف بأصوات عالية، ولا أحد يوقفها. لا يوجد تنسيق بين مراكز الشرطة، وعندما أتصل، لا يحضرون. أنا لا أغادر المنزل إلا برفقة "جليسة أطفال" تحمل سلاحا". وقال مواطن آخر من بلدة عزريئيل أنه "بالإضافة إلى الحوادث الإجرامية، هناك تزايد وارتفاع في منسوب الحوادث الإرهابية في المنطقة. العلاقة بين الجريمة والأمن معروفة جيدا، والدليل واضح جدا".

ممثل الشرطة قال إن الوضع سيتغيّر "في اللحظة التي سنحصل فيها على قوى بشرية أكثر، وسائل وصلاحيات ضمن التشريعات. حاليا نقوم بإرسال المزيد من القوات ضمن الدوريات ونحقق حضورا أكبر في الميدان". ولخّص رئيس اللجنة: "هناك مشكلة في القوى البشرية، وهذا واضح والدولة أهملت الأمن الداخلي في السنوات الأخيرة. لن نتجاهل هذا ويجب التعامل معه. أنا لا أحب منطق دعونا نحصن أنفسنا. ليحصنونا هم. فأي تنازل نقوم به يقرّبنا من حملة حارس الأسوار القادمة".

بالمقابل: قرار بتهجير كامل لقرية عربية في النقب

أمام هذه الحملة يتواصل، ليس فقط هدم البيوت في البلدات العربية، بل خطر التهجير التام أيضاً. إذ أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، الأسبوع الفائت، قراراً برفض استئناف أهالي قرية راس جرابة (النقب)، ضد قرار المحكمة المركزية في بئر السبع، لتصادق بذلك على تهجير نحو 500 مواطن بدوي فلسطيني من قريتهم الواقعة شرقي مدينة ديمونا وذلك خلال مهلة 90 يوماً.

ووفقاً للمركز القانوني "عدالة"، يأتي هذا القرار على الرغم من أن محكمة الشؤون الإدارية في بئر السبع كانت قد ألغت، في 24 حزيران الماضي، المخطط ذاته الذي يهدد بإخلاء القرية، بعد أن تبيّن أنه يعاني من عيوب جوهرية خطيرة، بينها تجاهل دراسة الأثر البيئي وعدم بحث إمكانية دمج سكان رأس جرابة في المخطط. أي أنه بالرغم من أن الدولة التي لطالما برّرت الدعاوى بحاجتها "لتوسيع مدينة ديمونا"، فإن القرار يُظهر أن المحكمة العليا منحت شرعية لعملية تهجير لا تستند حتى إلى مخطط نافذ. وبذلك، تكون قد منحت الدولة تخويلاً قانونياً بترحيل السكان من أراضيهم من دون هدف واضح أو حاجة مبررة، سوى تثبيت مبدأ سيادة الدولة على أراضي النقب.

وعقّب مركز "عدالة" على القرار بالقول: "تتحول المحكمة العليا مجدداً إلى أداة قانونية في يد النظام الاستعماري الإسرائيلي. فهي تشرعن مبدأ الفصل العنصري بشكل علني، وتحوّل الوجود العربي البدوي في أرضه إلى جريمة، بحيث يمكن للدولة أن تُهجر الناس متى شاءت وتحت أي ذريعة. فحتى بعد أن تمت إعادة مخطط توسيع ديمونا للجنة اللوائية للنظر به وفحص إمكانية دمج سكان راس جرابة ضمنه، قامت المحكمة العليا بالمصادقة على تهجيرهم. ما تقوم به المحكمة هو شرعنة لسياسات الهدم والاقتلاع والتهويد".

وأضاف "عدالة": "يعكس القرار بوضوح كيف تتبنى المحكمة العليا المنطق الاستيطاني نفسه الذي تقوده مؤسسات التخطيط الإسرائيلية وسلطة أراضي إسرائيل، والذي يقوم على مبدأ الإقصاء الكامل للسكان العرب البدو من أي تصور للتخطيط داخل المدن اليهودية. المحكمة لا ترى في البدو سكاناً متجذرين في أرضهم، بل عائقاً أمام التوسع الاستيطاني. إضافة إلى ذلك، وعلى عكس ما ورد في قرار المحكمة الذي يدّعي وجود حلول بديلة للسكان، فإن الدولة لم تُشر إلى أي حلّ ملائم، ومتاح بشكل فوري، بل إن ممثليها خلال الجلسة تحدثوا عن سكن مؤقت ومساعدة في استئجار شقق داخل ديمونة".

 

** ملاحظة: لتفاصيل ذات صلة، أنظروا تقريراً سابقاً في "المشهد الإسرائيلي" بعنوان:

أحزاب ومنظمات يمينية إسرائيلية تجتمع في لجنة برلمانية بحجة "التمييز ضد اليهود" في مناقصات الأرض بل و"تعريضهم لترانسفير"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات