بمرور نحو 22 شهرا على الحرب المستمرة بمختلف الاتجاهات، وفي مركزها الحرب الوحشية على غزة، تفيد التقارير الرسمية أن سلة الغذاء في إسرائيل اليوم ما زالت باهظة الثمن. وهي أغلى بنسبة 36% في المتوسط من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية . OECD ويؤكد بحثٌ جديد أن مؤشر ارتفاع الأسعار بدأ قبل الحرب، لكن هذه أدت إلى تفاقم الوضع أكثر فأكثر. بين الأسباب، قرارات حكومية أضرّت بالرقابة على الأسعار، وإعفاء المتاجر من التزامات عدة، بسبب النقص في الأيدي العاملة، سواء بسبب التجنيد الهائل لجيش الاحتياط في الحرب، أو حظر عمل الفلسطينيين في السوق الإسرائيلية.
ففي جلسة للجنة شؤون الشباب في الكنيست "لمتابعة ارتفاع غلاء المعيشة، وخاصة أسعار المواد الغذائية"، أشارت رئيسة اللجنة، عضو الكنيست نعاما لازيمي إلى أن "إسرائيل اليوم هي الأغلى من حيث أسعار المواد الغذائية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والأسعار في إسرائيل ترتفع، في حين أنها تنخفض في سائر دول العالم".
ورأت رئيسة اللجنة أن "الحكومة قصرت في واجبها بالحفاظ على جودة الحياة في البلاد. فمنذ تموز 2023، حلت إسرائيل في المرتبة الأولى في تكلفة المعيشة بين دول العالم المتقدم. وفي مجال الغذاء فإن الفجوات بينها وبين العالم كبيرة جداً: تصل الفجوة في المنتجات الغذائية الأساسية إلى 73%. لا يعود السبب في ذلك إلى تكاليف الإنتاج، بل إلى هيكل السوق المركزية وانعدام الرقابة الفعالة".
أما بات حين روتنبرغ، الباحثة في مركز المعلومات والأبحاث التابع للكنيست، فقالت في الجلسة إن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع خلال السنوات السبع الماضية بنسبة 18.9%، ومؤشر أسعار المواد الغذائية، باستثناء الفواكه والخضروات، ارتفع بنسبة 22.8%، ومؤشر أسعار الخضروات الطازجة بنسبة 32%، ومؤشر أسعار الفواكه الطازجة بنسبة 53.5%.
وأضافت الباحثة أن مؤشر أسعار المواد الغذائية "ظل مستقراً منذ العام 2018 إلى أوائل العام 2021، وبعد ذلك ارتفع، من بين أمور أخرى، بسبب قيود العرض الناجمة عن أزمة كورونا وبعدها حرب السيوف الحديدية، وارتفاع أسعار المواد المستوردة، مثل الحبوب والأعلاف الحيوانية الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا" كما قالت.
كما أشارت روتنبرغ إلى أنه منذ اندلاع الحرب، ارتفع مؤشر أسعار الغذاء بوتيرة أسرع من مؤشر أسعار المستهلك، وأن مؤشرات أسعار الفواكه والخضراوات الطازجة تشهد تقلبات حادة، وتتأثر بتأثيرات المناخ ونقص العمال. من كانون الثاني 2022 وحتى حزيران 2025، انخفض مؤشر أسعار السلع الغذائية العالمية بنحو 5.7%، مقارنةً بزيادة قدرها 13.2% في مؤشر أسعار منتجات صناعة الأغذية الإسرائيلية للمجموعات السكانية المحلية، وزيادة قدرها 16.3% في مؤشر أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية في إسرائيل، وزيادة قدرها 10% في مؤشر أسعار مستلزمات الإنتاج في قطاع الزراعة في إسرائيل. ونوهت الى أن مؤشر الغذاء العالمي يُحسب بالدولار، بينما تُحسب المؤشرات في إسرائيل بالشيكل، وبالتالي، قد يكون للتغيرات في سعر صرف الشيكل تأثير.
"إسرائيل كانت حتى ما قبل 15 عاماً أرخص من سائر الدول"
المحامي درور شتروم، المدير العام في المعهد الإسرائيلي للتخطيط الاقتصادي، قال في الجلسة إن إسرائيل كانت حتى ما قبل 15 عاماً أرخص من سائر الدول حول العالم، ومنذ ذلك الحين، يزداد غلاء المعيشة في إسرائيل ارتفاعا باستمرار مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وحتى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لا يمكنه أن يكون سبب ذلك. وأضاف أن السبب الرئيس لارتفاع تكاليف المعيشة يعود إلى المُصنِّعين وسلاسل التسويق التي تعمل كاحتكارات: "تعمل شركة شوفرسال كشركة احتكارية بالفعل، ولديها 300 فرع في جميع أنحاء البلاد، بينما يمتلك جميع منافسيها مجتمعين حوالي 70 فرعاً. شركة تنوفا لا تحتكر الحليب فحسب، بل أيضاً الخضراوات المجمدة من خلال شركتها الفرعية (صن فروست)". وأكد أن واردات المنتجات لم تُخفّض الأسعار، بل تركزت بسرعة لدى مستوردين عملاقين، هما (ديبلومات) و(شيستويتس)، اللذين يسيطران على الأسعار المحلية المرتفعة. واقترح شتروم إصدار إعلان عن هوية الاحتكارات الرئيسة العاملة في سوق منتجي الأغذية، وإلزامها باتباع الشفافية في تقاريرها المالية المتعلقة باحتكاراتها. كما اقترح الإقرار بأن الفجوة التي تزيد عن 20% فوق أسعار المنتجات المتطابقة أو المماثلة في الاتحاد الأوروبي تشكل سعراً غير عادل، بالإضافة إلى العمل على تفكيك الاحتكارات - الأمر الذي يتطلب انفصال الاحتكارات المتعددة عن بعض احتكاراتها، وفي بعض الحالات، التقسيم الأفقي.
أما البروفيسور آفي سيمحون، رئيس المجلس القومي للاقتصاد، فقد أكد في رده: "الحكومة تُكافح غلاء المعيشة بدون جدوى، ولم تحقق إصلاحات الاستيراد الجديدة أية نتائج بعد. إنها مهمة شاقة وطويلة ومتواصلة. نحن نؤمن بالمنافسة، وكلما خفّضنا حواجز المنافسة، انخفضت الأسعار"، فيما أكد أوري دورمان، الأمين العام لاتحاد المزارعين، أن فجوات الوساطة هي التي تُسبب ارتفاع الأسعار، ويجب التعامل معها.
هذا بينما دعا إيتمار أفيتان، رئيس قسم الاستراتيجية في الاتحاد العام للنقابات (الهستدروت)، في مداخلته إلى "اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتكارات"، وبالتالي السماح للسوق بالمنافسة.
تقرير: انعدام اهتمام الحكومة أدى إلى ارتفاع الأسعار مراراً
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "كلكاليست" الاقتصادية العبرية، فإن كبريات الشركات قد استغلت الحرب واستفادت منها لمضاعفة أرباحها. وقبل صدور المعطيات التي سبقت الإشارة إليها أعلاه، كتبت أن "انشغال الرأي العام الإسرائيلي بالجنود الذين يقاتلون في غزة، وبالمختطفين الذين يذوون في أنفاق حماس، وكذلك تخلّي الحكومة عن وعدها الانتخابي المركزي بالعمل على خفض أسعار المواد الغذائية، قد أتاح لشركات الأغذية والمشروبات، بالتعاون مع كبار تجار التجزئة، رفع الأسعار بنسب حادة، مرة بعد مرة خلال الحرب، من دون رادع".
وفي اتهام للحكومة، أكدت أن "المؤشر الأول على أن قضية أسعار المواد الغذائية لم تعد تحظى بالأهمية، جاء من وزير الاقتصاد نير بركات مع اندلاع الحرب؛ إذ كان أحد أول قراراته منح إعفاء لتجار التجزئة من إلزامية وضع وسوم الأسعار على السلع. وجاء ذلك في أعقاب النقص في الأيدي العاملة الذي سُجّل في الأيام الأولى للحرب، واستدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط".
وتابعت: "صحيح أن وزارة الاقتصاد أصدرت في بداية الحرب بياناً قالت فيه إن بركات تحدث مع رؤساء شركات الأغذية وحذرهم من رفع الأسعار، إلا أن المشاركين في النقاش أكدوا أن بركات لم يحضر أصلاً الاجتماع الذي دعاهم إليه، وأن من أدار الجلسة كان المدير العام للوزارة. الرسالة وصلت، وانعدام اهتمام الحكومة بموضوع الأسعار، إلى جانب وقف وضع بطاقات الأسعار لمدة تقارب الشهرين، أتاحا لتجار التجزئة رفع أسعار المنتجات، وحرم المستهلكين من القدرة على مقارنة الأسعار في المتجر واختيار المنتج الأكثر جدوى اقتصادياً".
"ولم يمضِ سوى نحو نصف عام على اندلاع الحرب"، واصل التقرير "حتى صادقت لجنة الاقتصاد في الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون يهدف إلى منع رفع أسعار المواد الغذائية في فترة الحرب وحالات الطوارئ الأخرى، من خلال فرض غرامة تصل إلى 10 ملايين شيكل على أي شركة يثبت أنها استغلت الحرب لزيادة الأسعار. غير أنه حتى الآن لم تُحدَّد بعد قائمة المنتجات التي ستسري عليها أحكام القانون. أما الشركات، التي أدركت أنه لا يُتوقع فرض أي عقوبة، فلم تنتظر طويلاً؛ فبعد نحو ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب بدأت بالفعل في رفع الأسعار. وقد استدعى بركات المديرين العامين لشركات تنوفا، شتراوس، أوسم، وغيرها، وطلب منهم تأجيل ارتفاع الاسعار لنصف عام، لكن النتيجة كانت أن معظمهم تجاهل الطلب ورفع الأسعار، بل كرروا ذلك مرة بعد أخرى كل ستة أشهر".
لجنة برلمانية تتّهم الحكومة بالإضرار بالمواطن وإثراء الشركات الضخمة
تم في الكنيست تشكيل "لجنة خاصة لمراقبة عمليات إزالة العوائق"، والمقصود تلك التي تعطّل الوصول إلى اهداف اقتصادية واجتماعية مختلفة بسبب بنى إدارية أو بيروقراطية. وعقدت قبل أسبوع جلسة لها لبحث العوائق في مواجهة غلاء المعيشة، مع تركيز على الإخفاق في إنفاذ إلزامية وسم الأسعار.
رئيس اللجنة، عضو الكنيست ميخائيل بيتان، قال في بداية الجلسة: "إن وضع شبكات الأغذية الكبرى، مستوردي المواد الغذائية، والموردين، هو وضع كارتيل خفي". وأكد كذلك أن وسم الأسعار على السلع أداة أساسية للشفافية، وللمنافسة العادلة، ولحماية المستهلكين، وخاصة بين الفئات التي لا تملك سبل وصول إلى الإنترنت أو هاتف ذكي. وأضاف أن موافقة وزارة الاقتصاد على التغاضي عن وسم الأسعار قد فتحت الباب أمام تلاعب متكرر بالأسعار، في سوق تهيمن عليه قلة من الشبكات والمستوردين وشركات الأغذية، وقد اتُّهم بعضهم في الماضي بالتنسيق بالأسعار وخرق قواعد المنافسة."
ووفقاً لمعطيات أوردها وكانت نُشرت خلال سنة الحرب، ارتفع مجمل أرباح شبكات الأغذية ليصل إلى 8.6% مقارنة بـ7.8% قبل الحرب، فيما ارتفع الربح التشغيلي بنسبة 50%: "هذه قفزات بعشرات النسب المئوية في الربحية، في الربح التشغيلي، في الربح الإجمالي، وفي صافي الربح. سنوات الكارثة الكبرى للدولة وللمواطنين – عمليات فصل من العمل، فقدان دخل جنود الاحتياط، وزيادة المصاريف المنزلية – هي بالذات السنوات التي تحقق فيها شبكات الغذاء والمستوردون والموردون أرباحاً قياسية".
وطالب وزارة الاقتصاد بالعودة إلى إنفاذ صارم لإلزامية وسم الأسعار، وإنزال أقصى العقوبات بمخالفي القانون، عبر فرض غرامات باهظة تصل إلى عشرات بل مئات ملايين الشواكل، تُوجَّه جزئياً لزيادة قوى الرقابة البشرية: "غرامات هزيلة بمليون ونصف مليون شيكل لا تساوي أكثر من مخالفة وقوف بالنسبة للشبكات. يجب فرض عقوبات تغيّر السلوك فعلياً. لا مال لديكم للرقابة على الأسعار والوسم؟ لا يوجد عدد كافٍ من المفتشين؟ فليأخذ وزارة المالية من هذه الغرامات ويوفر 20 وظيفة إضافية، وتكون الرقابة أشد صرامة"، قال بيتون.
المفوض على سلطة حماية المستهلك يعقوب زَرْيهَن، قال: "السلطة كلها تضم 50 موظفاً فقط، مقابل 3,500 سوبرماركت. في العام 2024 فرضنا غرامات بقيمة 16 مليون شيكل. يمكننا فرض غرامات بحسب حجم المخالفة، لكن ليس دائماً المبلغ هو ما يردع. كنا نود تأسيس شبكة من المتطوعين، 'حماة الاستهلاك العادل'". وأضاف أنه في 8 تشرين الأول الماضي صدرت تعليمات لموظفي السلطة من مدير عام وزارة الاقتصاد لتخفيف إجراءات الإنفاذ بسبب الوضع الأمني، وقد استمرت التسهيلات شهرين.
وقال تيران ساسون، نائب المدير العام للاقتصاد والتنظيم في اتحاد غرف التجارة: "سوق التجزئة في إسرائيل أقل تركّزاً مقارنة بالعالم. منذ اندلاع الحرب واجهت الشبكات نقصاً هائلاً في العمال الذين استُدعوا للخدمة الاحتياطية وفي العمال الفلسطينيين الذين توقفوا عن العمل".
اللجنة لخّصت البحث بالتأكيد على أنها "تنظر بخطورة إلى توجه وزارة الاقتصاد خلال الحرب لسلطة حماية المستهلك لتخفيف الإنفاذ، فهذا مخالف للقانون. الإجراء السليم كان التوجه إلى لجنة الاقتصاد وطلب تعليق وسم الأسعار عبر أمر مؤقت. لقد تصرفتم من تلقاء أنفسكم وألحقتم الضرر بالمواطنين. الشبكات لا تعاني، بل فقط تزداد ثراءً ونمواً. لقد أشفقتم على الأشخاص الخطأ". وانتقدت عدم حضور ممثل عن وزارة الاقتصاد للجلسة "فيما يُعد استخفافاً بالكنيست"، وطالبت الوزارة بإرسال ممثل لجلسة المتابعة التي ستُعقد الشهر المقبل.