المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تصويت الكنيست الإسرائيلي في 23 تموز 2025، بالأغلبية على دعوة الحكومة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 37
  • برهوم جرايسي

أنهى الكنيست الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، دورته الصيفية، لتبدأ عطلة صيفية تستمر 3 أشهر، حتى 20 تشرين الأول المقبل، لتكون فترة إعادة تنظيم صفوف الائتلاف، بإرضاء كتلتي الحريديم، بصيغة قانون تجنيد لشبانهم، يقبلون بها، ليعودوا إلى الحكومة، التي ستكون أمام عامها الرابع والأخير؛ وإذا لم تحدث مفاجآت، فإن الانتخابات ستجري لأول مرة منذ 38 عاما، في موعدها القانوني.

وتميّزت الدورة الصيفية، بما يمكن تسميته "صراع بقاء" الائتلاف الحاكم، الذي أفلت بالدقيقة التسعين من مشروع قانون حل الكنيست، وساعد في هذا شن الحرب على إيران، لكن هذا كان "بثمن" تجميد تشريعات سعى لها الائتلاف، منها ما يتعلق بتقويض جهاز القضاء، وإخضاع كبار مسؤولي الجهاز المهني في المؤسسة الحاكمة لإرادة الحكومة، من حيث التعيينات، وغيرها من القوانين.

وكان الأسبوع الأخير للدورة الصيفية أسبوع شلل شبه تام، وعادة ما يكون الأسبوع الأخير من كل دورة صيفية ما اصطلح على تسميته برلمانيا (أسبوع تنظيف الطاولة)، بمعنى إقرار نهائي للعديد من القوانين، أو إنجازها بالقراءة الأولى، إلا أن هذا لم يحدث، باستثناء القوانين "الضرورية" لاستمرار الحرب على الشعب الفلسطيني، وبشكل خاص سلسلة من قوانين الطوارئ، والاستثنائية، المتعلقة بسير الحرب والاعتقالات وغيرها.

ورغم ذلك فقد إلتم الائتلاف الحاكم، وقسم من المعارضة البرلمانية، حول مشروع قرار سياسي، يدعو لفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، إذ حصل القرار على دعم 71 نائبا، وعارضه 13 نائبا، من كتل المعارضة: "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة"، و"العمل"، فيما غادر غالبية نواب كتلتي المعارضة، "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، و"أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، جلسة التصويت.

ويشار إلى أن هذا القرار لا أثر فعلياً له على الأرض، لأن قرارا كهذا هو من صلاحية الحكومة، وكان الكنيست، بأغلبية عظمى، قد اتخذ في العام الماضي 2024، قرارين سياسيين، يدعوان لعدم إقامة دولة فلسطينية، أو في واحدة من الصياغتين أن الوقت ليس مناسبا لها.

خطوة في اتجاه حل الأزمة مع الحريديم

وشهد اليوم الأخير للدورة الصيفية، 23 تموز الجاري، خطوة من جانب كتلة الليكود الحاكم، باتجاه حل الأزمة مع كتلتي الحريديم، بشأن قانون فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وهو مشروع القانون العالق في لجان الكنيست منذ أربع سنوات، عند القراءة ما قبل النهائية، إذ أطاحت كتلة الليكود بنائبها، يولي إدلشتاين، من رئاسة لجنة الخارجية والأمن، المكلفة بإعداد القانون للقراءة النهائية، نظرا لموقفه الذي ترفضه كتلتا الحريديم، من الصيغة النهائية للقانون، وانتخبت الكتلة نائبها بوعز بيسموت لرئاسة اللجنة.

وأظهرت عملية الإطاحة بإدلشتاين من رئاسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، مدى سطوة بنيامين نتنياهو على حزبه، إذ لم يقف إلى جانب إدلشتاين سوى 3 نواب، وامتناع نائب كان يطمح للمنصب، بينما أيد تولي بوعز بيسموت رئاسة اللجنة 29 نائبا ووزيرا، لينتقل القرار إلى اللجنة البرلمانية.

وكما ذكر، فقد كان الهدف من الإطاحة بإدلشتاين، وهو أمر جرى الحديث عنه منذ عدة أشهر، من أجل الدفع بقانون تجنيد شبان الحريديم، بصيغة تقبل بها كتلتا الحريديم في الكنيست، وبشكل خاص كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز، التي غادرت الحكومة والائتلاف، وتساندها كتلة "شاس" للحريديم الشرقيين (السفاراديم)، التي خرجت من الحكومة، ولكن ليس من الائتلاف، إذ أن إدلشتاين تمسك بصيغة قانون أقرب إلى ما يطلبه الجيش، وأيضا المحكمة العليا، بتجنيد أعداد أكبر من شبان الحريديم، وفرض عقوبات فردية وأيضا جماعية على رافضي الخدمة العسكرية، وغالبا هي عقوبات مالية.أن

وتطالب كتلتا الحريديم بإعفاء طلاب المعاهد الدينية، أو تجنيد الحد الأدنى منهم، بعد انتهاء دراستهم، ومنح الحكومة حرية في تحديد أعداد المجندين سنويا، وهي مطالب في حال تحققت في القانون، المتوقع أن يُعرض على الكنيست بصيغته النهائية في بدايات الدورة الشتوية، التي ستفتتح رسميا يوم 20 تشرين الأول المقبل، فإن المحكمة العليا سترفضها أو تطلب تعديلها، لكن هذه عملية ستستمر عدة أشهر، منذ سن القانون رسميا في الكنيست، وحينها يكون الكنيست قد شارف على موعد الخروج إلى عطلة انتخابات برلمانية، التي حسب القانون من المفترض أن تجري في نهاية تشرين الأول من العام المقبل 2026. وكنا قد عرضنا هذا السيناريو لمسار تشريع القانون، في عدد "المشهد الإسرائيلي" الصادر يوم 16 حزيران الماضي.

وكان نتنياهو قد أيد بداية أن يتولى المنصب النائب حانوخ مليفتسكي، وهذا ما ظهر في الإعلام، وكان انتخابه شبه مؤكد، إلا أنه في اليومين الأخيرين من اجتماع كتلة الليكود، تبين أن كتلتي الحريديم تريدان انتخاب النائب بوعز بيسموت، وفي الحال غيّر نتنياهو موقفه، وقاد كتلته بحسب رغبة الحريديم، وهذا ما تم.

وبوعز بيسموت (61 عاما) هو صحافي سابق، وكانت له توجهات "سلامية" محدودة، وعينته حكومة حزب العمل في سنوات التسعين سفيرا في موريتانيا، خلال فترة التطبيع التي استمرت سنوات قليلة، وألغت موريتانيا الاتفاقية في مطلع سنوات الألفين، في فترة الانتفاضة الثانية، ثم بدأت تحولات لدى بيسموت، وبات مقربا جدا من نتنياهو، وهذا كما يبدو، جعله يتولى رئاسة تحرير صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية المتشددة، الموالية لنتنياهو، في العام 2017.

ودخل بيسموت إلى الكنيست لأول مرة، في الانتخابات الأخيرة، التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022، ضمن كتلة الليكود، وهو يحمل مواقف يمينية استيطانية متشددة.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

بموجب نظام عمل الكنيست، فإنه خلال العُطَل البرلمانية لا يجوز طرح مشاريع قوانين وقرارات خلافية، إلا ما يتم الاتفاق عليه بين الائتلاف والمعارضة، ما يعني أنه خلال العطلة الصيفية، التي تستمر 3 أشهر، لن تكون مبادرات لنزع الثقة عن الحكومة، أو لحل الكنيست، إلا أن هناك بندا استثنائيا، يجيز لـ 61 نائبا التوقيع على طلب من رئيس الكنيست لعقد جلسة بهذا الشأن؛ لكن وفق الظروف القائمة، ورغبة جميع أطراف الائتلاف، بمن فيهم الحريديم، استمرار هذه الحكومة النموذجية لها، فإن استخدام هذا البند ممكن القول إنه معدوم.

وفي هذه الحالة القائمة، ضمن رئيس الحكومة نتنياهو فترة أمان، تستمر ثلاثة أشهر، لكن المؤشرات تقول إن الفترة أطول، فخلال العطلة الصيفية يجوز للجان البرلمانية أن تواصل عملها في إعداد قوانين، وبضمنها لجنة الخارجية والأمن، التي تنظر بقانون تجنيد شبان الحريديم، ويأمل نتنياهو بالتوصل إلى صيغة نهائية للقانون، ترضي الحريديم، لكن بعد أن يعرضوا ليونة ولو جزئية، ليستطيع نتنياهو التجاوب مع تطلعات جمهور واسع من ناخبيه لقانون تجنيد، أقرب ليكون فعليا.

وفي حال تم انجاز هذا القانون، فإنه سيعرض على الهيئة العامة للكنيست في بدايات الدورة الشتوية. وحسب ما هو متوقع، فإن العديد من الجهات البرلمانية وخارج البرلمان ستعترض على قانون كهذا، وستتجه بالتماسات إلى المحكمة العليا ضده.

 وكما ذكر، فإن المحكمة ستنظر بالالتماسات بعد منح الحكومة والكنيست مهلة للرد عليها، وهذه عملية ستستغرق ربما بضعة أشهر، حتى يصدر قرار المحكمة، الذي سيطلب من الكنيست، حسب المتوقع، إعادة النظر ببعض بنوده، وفي هذه الحالة يكون الكنيست قد شارف على إنهاء دورته الشتوية، في نهايات آذار 2026، وكل عملية تشريع كهذه ستحتاج أشهراً أخرى، بمعنى إلى أن يخرج الكنيست إلى عطلة انتخابات برلمانية، في نهاية حزيران 2026، ما يعني أن نتنياهو يكون بذلك قد دحرج الأزمة إلى الحكومة التالية. 

لكن هذا ليس كل شيء، وكما ذكرنا في العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي"، فإن نتنياهو قد يبادر إلى حل الحكومة والكنيست والاتجاه نحو انتخابات مبكرة، في حال استمرت حالة التخبط في فريق المعارضة لشخص نتنياهو، وهو التعريف الأشمل لكتل المعارضة الصهيونية، التي تسعى لاستبدال حكمه، وهذا التخبط ينعكس في نتائج غالبية استطلاعات الرأي، إذ لا تُظهر ثقة كاملة، أو تمسكا بخيارات المستطلعين لأحزاب المعارضة، لهذا نرى تقلب نتائج كبيرة، خاصة إذا ظهر اسم حزب جديد، كفرضية في الاستطلاعات.

لكن على نتنياهو في هذه الحالة أن يكون قد انتهى من ملف الرهائن في قطاع غزة، وأن لا يكون ما يفاجئه، سلبا، في محاكمته الجارية منذ أربعة أعوام ونصف العام حتى الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات