تتوالى الهزّات على حكومة بنيامين نتنياهو، بمصدرها الوحيد، كتلتا اليهود الحريديم، وبقضية واحدة وحيدة: قانون فرض الخدمة العسكرية على الشبان الحريديم. فرغم إعلان كتلة يهدوت هتوراة الانسحاب من الحكومة والائتلاف، وإعلان شاس لاحقا، الانسحاب من الحكومة، وليس الائتلاف، إلا أن الكتلتين، وبالذات يهدوت هتوراة، لم تعلنا نيتهما التوجه لانتخابات مبكرة، إلا أن أعمال الائتلاف، من باب سن القوانين التي يسعى لها، معطّلة، تقريباً، منذ بدء الدورة الصيفية. وحالة الضبابية تتكثف في الحلبة البرلمانية، ونتنياهو آخر من يريد انتخابات مبكرة، نظراً لسلسلة مخاطرها عليه، إلا أنه في ذات الوقت أمامه معارضة ليست منتظمة، حتى الآن، فهل يستغل الوضع القائم، ويبادر بنفسه لحل الحكومة والكنيست؟ رغم ضُعف هذه الفرضية حاليا، لكنها تبقى عامل مفاجأة وارداً.
فقد كان واضحا منذ بدء الدورة الصيفية البرلمانية في منتصف أيار الماضي، وستنتهي هذا الأسبوع، 23 تموز الجاري، أن كتلتي الحريديم، وبالذات يهدوت هتوراة رأت أن هذه الدورة الصيفية البرلمانية الأخيرة بالنسبة لها، لتضمن سن قانون تجنيد لشبان الحريديم، بالصيغة التي تريدها وتضمن: حدّاً أدنى من التجنيد، وإعفاء كليا لطلبة المعاهد الدينية، وعدم فرض عقوبات على الرافضين. وبالتأكيد فإنها تطرح شروط الحد الأقصى، رغم معرفتها بأن تحقيق 100% من هذه الشروط سيثير ضجة شعبية، كما سترفضها المحكمة العليا.
أما كتلة شاس، التي تمثل الحريديم الشرقيين (السفاراديم) فهي أقل تشددا من كتلة يهدوت هتوراة للحريديم الغربيين (الأشكناز)، لكن يوجد اتفاق ضمني بين الكتلتين، لحماية مصالحهما، وإسناد الواحدة للأخرى، لذلك رأينا شاس تخطو خطوة واحدة نحو الكتلة "الزميلة"، وتنسحب من الحكومة، لكن تبقى حامية للائتلاف حتى الآن.
إلا أنه لم يعد واضحا مدى جدية حركة شاس في قرارها، على ضوء تلكؤ وزيرين من أصل 4 وزراء للحركة، في الاستقالة من الحكومة، ولم تظهر أي علامات تمرّد لدى الاثنين، ما يدعم الاستنتاج أن قرارهما كان منسقا مع الزعيم السياسي للحركة آرييه درعي، والقيادة الدينية للحركة، التي حسب ما يشاع تنصت جيدا لدرعي وتتماشى مع توصياته.
فقد أعلن وزير الداخلية، من حركة شاس، موشيه أربيل، في اليوم التالي لقرار الانسحاب من الحكومة، عن تراجعه عن الاستقالة، بموجب قرار الحركة الانسحاب من الحكومة والبقاء في الائتلاف، بادعاء أن هناك عدة مهمات داخل الوزارة عليه أن يستكملها، فيما قالت جهات إعلامية إن أربيل يريد ضمان تعيين مدير عام للوزارة من المقربين لحركة شاس، قبل أن يغادر المنصب، علما أن منصب المدير العام يكون دائما مرتبطا بقرار الوزير، بغض النظر عن الفترة التي كان يشغل فيها المنصب، حتى دخول الوزير الجديد، ما يعني أن هذا السبب المعلن لا يتلاءم مع منطق الأنظمة القائمة، إلا أن أربيل عاد، واستقال مساء الأحد، بعد 4 أيام من تراجعه عنها.
أما وزير الشؤون الدينية، ميخائيل ملكيئيلي، فهو أصلا لم يقدم استقالته، وأعلن للصحافة أنه لا يريد الاستقالة قبل إقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، رغم أن قرار إقالتها يحظى بإجماع الحكومة، وصوته ليس مقررا.
وكما ذكر، فإن يهدوت هتوراة، على الأقل حتى مطلع الأسبوع الجاري، لم تدع لحل الكنيست، ولم تنضم إلى فريق المعارضة البرلمانية؛ وفي هذا الشأن، كانت شاس أوضح بقولها في إعلان الانسحاب من الحكومة، إنها لن تنضم الى ما أسمتها "كتل اليسار"، وتقصد كتل المعارضة البرلمانية، التي من ضمنها كتلة ونواب في كتل أخرى من اليمين الاستيطاني.
وعلى الرغم من هذا، فإنه في الأداء الضمني، ما زال للائتلاف إسناد من 69 نائبا من أصل 120 نائبا، رغم أن الائتلاف بات يرتكز، رسميا، على 60 نائبا، لكن يوجد نائبان ليسا معنيين بانتخابات مبكرة، لأن فرص عودتهما للكنيست معدومة إذا لم يجدا "مأوى سياسيا"، وهما: آفي ماعوز، نائب الوزير السابق، ودخل الى الكنيست بتحالف مع حزبي "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش، و"قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، وهو يتزعم حزب "نوعم" الأشد تطرفا بين المتطرفين، وتطرفه يحتد في أمور مجتمعية وحياتية للجمهور اليهودي. وقد انسحب من الائتلاف لعدم التجاوب مع سلسلة مطالب تتعلق بالإكراه الديني، لكنه لم ينضم لصفوف المعارضة.
والنائب الثاني منشق عن كتلة "يوجد مستقبل" المعارضة، ويُدعى عيدان رول، وهو في عداد كتلة برلمانية من نائب واحد، ليست لها حقوق برلمانية، لذا فهو يتكئ على "حسنات" الليكود في التحرك البرلماني، ولهذا فهو ليس من المعنيين بحل الكنيست. وهذا يعني أن للائتلاف 62 نائبا، ويضاف لهم النواب الـ 7 لكتلة يهدوت هتوراة.
فرضيات المرحلة المقبلة
هذا الأسبوع الأخير للدورة الصيفية، وسيكون من الصعب على الحكومة تمرير كل القوانين المعنية بها، وبضمنها قوانين يسعى لها الفريق الحاكم بقوة، فإذا لم يتم حل مسألة قانون التجنيد، والتوصل الى اتفاق بشأنه، فإن حصاد هذه الدورة التشريعي سيكون هشا، نسبيا، وسيخرج الكنيست لعطلة صيفية تدوم ثلاثة أشهر كاملة، إذ ستعود الهيئة العامة للعمل، يوم 20 تشرين الأول المقبل.
وحسب الأنظمة فإنه لا يمكن حجب الثقة عن الحكومة، والشروع بمسار حل الكنيست، خلال العطلة، إن كانت الصيفية، أو عطلة الربيع، لكن يوجد بند استثنائي يقضي بأن يطلب 61 نائبا من رئيس الكنيست عقد جلسة لحجب الثقة عن الحكومة، أو لحل الكنيست، وأيضا هناك حق للحكومة بأن تعلن عن حل نفسها، وطلب حل الكنيست، لكن هذين البندين لا نذكر أنه تم تطبيقهما خلال السنوات الـ 77 الماضية.
وأمام هذا الواقع، فإن الكنيست أمام عدة فرضيات، ونطرح أبرزها هنا:
- أن تحدث مفاجأة ويطلب 61 نائبا، على الأقل، حل الكنيست، في جلسة يوم الأربعاء من هذا الأسبوع الأخير للدورة الصيفية، لأنه بموجب الأنظمة، لا يمكن طرح قانون حل الكنيست، إلا في أوائل شهر كانون الأول المقبل، بعد مرور 6 أشهر على فشل هذا القانون في الهيئة العامة. وهذه فرضية ضعيفة.
- سيستغل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أشهر العطلة البرلمانية الثلاثة لترتيب قانون التجنيد، لكن الفجوات هنا كبيرة، إلا إذا فكك نتنياهو المعارضة الصغيرة داخل كتلته البرلمانية، الليكود، وفي مركزها رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، رغم أن الأخير لا وزن سياسياً له في الحزب، ولاحقا تزايد الحديث عن احتمال أن يقرر نتنياهو إقالة إدلشتاين من منصبه، وتعيين نائب بارز من الليكود، ليقود سن القانون، وفق رغبة الائتلاف الحاكم.
وفي حال تم التوصل لاتفاق لصيغة قانون فإنه سيتم طرحه مع بدء الدورة الشتوية، وفي هذه الحالة من الممكن أن تستمر الحكومة حتى انتهاء ولايتها القانونية، وتجري الانتخابات في موعدها القانوني، في نهاية تشرين الأول 2026.
لكن هنا يوجد أمر آخر، وهو احتمال التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة، فهو يواجه معارضة من كتلتي اليمين الاستيطاني المتطرف، حتى ولو أن الاتفاق مؤقت، إلا أن نتنياهو سيراهن حينها على أنه لا يمكن اسقاط الحكومة خلال العطلة، ومن ناحية أخرى، لا بديل سياسيا لهاتين الكتلتين، سوى هذه الحكومة، وهذا الفريق الحاكم.
- الفرضية الأخرى، هو أن تستمر حالة التخبط في فريق المعارضة لشخص نتنياهو، وهو التعريف الأشمل لكتل المعارضة الصهيونية، التي تسعى لاستبدال حكمه. وهذا التخبط ينعكس في نتائج غالبية استطلاعات الرأي العام، إذ لا تظهر ثقة كاملة، أو تمسكا بخيارات المستطلعين لأحزاب المعارضة، لهذا نرى تقلب نتائج كبيرة، خاصة إذا ظهر اسم حزب جديد، كفرضية في الاستطلاعات.
وإذا ما استمرت هذه الحال، فقد يسارع نتنياهو لانتخابات مبكرة سريعة، كي لا يعطي فرصة للمعارضة بأن تنظم أمرها، وهذه تبقى فرضية، حتى لو بدت ضعيفة.
يكمن ضُعف الفرضية الأخيرة في أن الانتخابات المبكرة لا تخدم نتنياهو، طالما استمر الوضع القائم، خاصة:
- عدم التوصل الى اتفاق يقضي باستعادة جميع الرهائن الأحياء في قطاع غزة، وأيضا جثث القتلى.
- عدم التوصل الى اتفاق بشأن مستقبل قطاع غزة.
- عدم سن قانون يفرض الخدمة العسكرية، بشكل واقعي، على شبان الحريديم، فهذا مطلب اليمين المتشدد الذي يرتكز عليه الليكود ونتنياهو.
- استمرار محاكمة نتنياهو، من دون أفق لنهايتها، وقد تستمر الى ما بعد الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية، خريف العام المقبل 2026.
في ظل كل هذا، تشتد الضبابية في كل ما يتعلّق بمستقبل الساحة البرلمانية الإسرائيلية، لفترة ليست قصيرة نسبياً.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, بتسلئيل, قانون حل الكنيست, لجنة الخارجية والأمن, الكتلة, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, آرييه درعي