المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
المخاطر الاقتصادية لاحتلال غزة (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية)
  • كلمة في البداية
  • 59
  • أنطوان شلحت

بالتوازي مع توجّه الأنظار أكثر فأكثر نحو قرار "الكابينيت" الإسرائيلي احتلال غزة، تؤكد تحليلات إسرائيلية كثيرة، خصوصاً من جانب أوساط اليمين الإسرائيلي الشريك في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، أن هذا القرار مرتهن في أفق السياسة التي تتمسك بها الحكومة برؤية محدّدة مؤداها تفكيك فكرة حركة حماس، والبنية التحتية الفكرية والدينية والتعليمية التي تغذي صراعها ضد الاحتلال وإسرائيل.

وإذا ما تركز المرء في ما ينشر ضمن منابر هذا اليمين، بما في ذلك على لسان محللين وكتاب مقربين من اليمين ومن نتنياهو، فإن أول ما يصادفه من ملاحظات هو ما يلي:

أولاً، أن الهدف من وراء هذا الموقف الإسرائيلي هو الوصول إلى ما يوصف بأنه "حسم سياسي" فيما يتعلق بـ "اليوم التالي" في قطاع غزة، ومثل هذا الحسم يتحقّق في رؤية إسرائيل إذا ما تمت تلبية شروطها لإنهاء الحرب، وفي مقدمها نزع سلاح حماس، وتجريد القطاع من السلاح، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكم مدني بديل فيه، ليس حماس ولا السلطة الفلسطينية. 

ثانياً، يسعى نتنياهو من خلال هذا الموقف إلى كسب مزيدٍ من الوقت، مثلما يؤكد المحلل العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور (19/8/2025).

ويؤكد المحلل نفسه أن هذا الوقت، الذي يسعى نتنياهو لكسبه، لن يكون طويلاً، لكون هذا الأخير في خضم أزمة متعدّدة ليست بسيطة، بين شركائه الائتلافيين الذين يهددون بتفكيك حكومته من جهة، وبين ضغط شعبي من القاع الإسرائيلي تعاظم جداً في الأسبوع الأخير وتكمن غايته الرئيسة في إطلاق سرح الأسرى الإسرائيليين، من جهة أخرى. ناهيك عن وجود ضغط موازٍ يجري في الساحة الدولية. وهذا من شأنه أن يفسّر تخوّفه من أن هدنة طويلة الآن ستعزّز حكم حماس، وقد تكسبها شرعية دولية على خلفية عملية التجويع التي يشهدها القطاع. وبناء على ذلك يخلص ليمور إلى أن ما يحكم نهج نتنياهو الحالي هو أولاً التلويح بتهديد عسكري ذي صدقية بتوسيع الحرب ضد القطاع وحركة حماس، وثانياً، التطلع إلى زيادة الضغط الدولي على حماس والفصائل الفلسطينية.

ثالثاً، مع تكرار بيانات "الكابينيت" الإسرائيلي والتصريحات التي يدلي بها نتنياهو لعبارة أن "إسرائيل في مرحلة الحسم النهائي ضد حماس"، لفتت عدة تحليلات إسرائيلية إلى أنه من الصعب أن نحصي كم مرة وعد فيها نتنياهو بـ"أننا قريبون" أو "على شفا" أو "على مسافة لمسة" من النصر/ الحسم. غير أن الجديد الآن، فيما يتعلّق بهذا الحسم، هو إقرار أبواق اليمين الإسرائيلي المتطرّف بأن الحسم الأكثر أهمية من الحسم في ميدان القتال هو على صعيد الوعي. ومثل هذا الحسم الأخير يتطلب، قبل أي شيء، ضرب حركة حماس بدقة في نقاط مثل الوعي، والشرعية، والسياسة، ما قد يحقق الحسم الحقيقي المنشود. وبموجب ما أكد مثلاً المستشار الإستراتيجي بوعز ليبرمان في موقع "القناة 7" اليميني المتطرّف فإن غزة قبل أن تكون ساحة معركة عسكريّة هي ساحة معركة فكريّة (18/8/2025)، والإنجاز في هذه المعركة بالنسبة إلى حماس- في رؤية إسرائيل- يكمن بالأساس في مجرّد البقاء، وفي ترسيخ نهج المقاومة، ومن هنا تنبع أهمية "القضاء التام على فكرة حماس على مستوى الوعي، إلى ناحية جعلها غير شرعية وغير شعبية ومنبوذة حتى داخل المجتمع الفلسطيني نفسه".

في ضوء ما تروّج له منابر اليمين، في ما أوجزناه أعلاه، يبقى من الأهمية بمكان أن ننوّه إلى ما يلي:

أولاً، في مقابل هذه القراءات اليمينية وغيرها لقرار احتلال غزة، والتي من الجليّ أن همها الأرأس بقي محصوراً في نطاق تبرير هذا القرار سياسياً وعسكرياً، كان هناك سيل من التحليلات المضادة التي ارتأت بادئ ذي بدء أن تلفت إلى أن رئيس الحكومة مرّر القرار في جلسة الكابينيت خلافاً لموقف رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير. ومن هذه النقطة تحديداً انطلقت تلك التحليلات إلى قراءة ما وصفتها بأنها معان تدميرية على إسرائيل ومستقبلها، وهي مترتبة في الوقت عينه على استمرار الحرب في قطاع غزة. ومثلما لخّص الأمر الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ولـ"معهد أبحاث الأمن القومي" الجنرال احتياط عاموس يدلين فإن هذا القرار يكرّس الحرب، ويؤدي إلى موت الأسرى الإسرائيليين  وإمكان فقدان الاتصال بهم، وإلى إقامة حُكم عسكري، وإلى تحمُّل مسؤولية الحاجات المدنية لأكثر من مليونَي فلسطيني، وإلى استعباد إسرائيل للقطاع اقتصادياً وعسكرياً بثمن دموي باهظ، وأخيراً إلى تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 10/8/2025).

ثانياً، انشغلت هذه التحليلات أكثر من أي شيء آخر بموضوع تمرير القرار في الكابينيت خلافاً لموقف قائد الجيش الإسرائيلي، واستناداً إلى ما شدّدت عليه فإن نتنياهو لم يكن قلقاً من تحفظات قادة المنظومة الأمنية بقدر قلقه من انتقادات وزراء اليمين المتطرّف، الذين يهددون دائماً استقرار حكومته. كذلك أشير فيها إلى أن نتنياهو اشتبك مع رئيس هيئة الأركان العامة في الجلسة، بعدما قال هذا الأخير إن خطة نتنياهو (التي اعتُمدت في النهاية) يمكن أن تكون "فخاً مميتاً". وأكد عدة محللين أن زامير كان على حق، وهذا الفخّ لن يكون مميتاً فقط للأسرى الإسرائيليين، ولعدد كبير من الجنود، ولآلاف الفلسطينيين، بل أيضاً يمكن أن يكون مميتاً لدولة إسرائيل وأن يحوّلها إلى دولة منبوذة. وذهب البعض إلى أن خلفية الهجس بـ "الفخ المميت" كامنة بالأساس في أن وراء الجيش نحو عامَين من حرب أنهكته، بينما المجتمع الإسرائيلي منقسم على نفسه حيال موضوع الأسرى، وأمست الشرعية الدولية في أدنى مستوياتها على الإطلاق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات