منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع ازدياد حدّة العنف والتطرّف داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، غابت الأصوات الإسرائيلية المعارضة لهذه السياسة، وتجنّد المجتمع الإسرائيلي بأكمله في حرب الإبادة على قطاع غزة، والحرب الصامتة في الضفة الغربية والقدس والداخل. وخلال الأشهر الأخيرة، ومع استمرار التعقيد المرافق لقضية "الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين"، برزت العديد من المبادرات والحراكات الإسرائيلية التي طالبت بإعادتهم بأي ثمن بما في ذلك وقف الحرب. إلى جانب حراك عائلات الأسرى والمحتجزين المناهض للحكومة الإسرائيلية، برز حراك منظمة "نقف معاً" والذي بدأ يحظى بأهمية متزايدة في المشهد الداخلي انطلاقاً من طرحه بديلاً سياسياً وأخلاقياً لمسار الحرب، حيث لم يقتصر دوره على النشاط السياسي، بل امتد ليشمل مبادرات ميدانية وإنسانية.
هذه المساهمة تُقدّم مادة تعريفية للحراك وأهم أفكاره وأهدافه، مع أهمية الإشارة إلى أن المادة تعريفية فقط، ولا تتضمن موقفا سياسيا أو أخلاقيا من الحراك أو قادته من قِبَل مُعد المساهمة أو مركز مدار.
يُعرّف حراك منظمة "نقف معاً" الإسرائيلي نفسه على أنه "حراك سياسي يهودي-عربي ذو قيم اشتراكية"، هدفه العمل على "بناء أكثرية جديدة في المجتمع الإسرائيلي من أجل تحقيق السلام، والمساواة، والعدالة الاجتماعية والبيئية". بحسب المعطيات المتوفرة، فإن الحركة تضم "أكثر من 6,000 عضو/ة مسجل/ة" ونشطاء الحركة "منظمون في دوائر محلية في جميع أنحاء دولة إسرائيل، وفي دوائر طلابية في الجامعات والكليات الإسرائيلية"، والتي تخوض "نضالات قُطرية ومحلية في جميع أنحاء دولة إسرائيل للمطالبة بالسلام وإنهاء الاحتلال، والمساواة في الحقوق لجميع مواطني الدولة، والعدالة الاجتماعية والبيئية".
ويضيف الحراك: إن حياتنا جميعاً، منذ السابع من أكتوبر، تحولت إلى كابوس مستمر. كلنا - فلسطينيون ويهود في جميع أنحاء إسرائيل وغزة والضفة الغربية، وكذلك سكان جنوب لبنان - عايشنا العنف والفقدان والرعب بشكل غير مسبوق. نحن جميعاً نشعر بألم عميق على فقدان الأرواح في جميع أنحاء المنطقة، سواء من الهجوم المروع لحماس في السابع من أكتوبر أو من الحرب المدمرة التي شنتها الحكومة الإسرائيلية بعد ذلك، كنوع من الانتقام. لا نزال جميعاً غاضبين من رفض قادتنا التوقيع على صفقة تُعيد المخطوفين وتنهي الحرب. نعلم جميعاً: كل حياة تُزهق هي مأساة، وفي الحرب التي نعيش في قلبها منذ السابع من أكتوبر، فإن المدنيين الأبرياء هم من يدفع الثمن.
برز عمل الحراك خلال الأشهر الأخيرة للحرب بعد تنظيم فعاليات جماهيرية للمطالبة بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، وكذلك تنظيم فعالية في مدينة القدس خلال قيام المستوطنين بتنظيم "مسيرة الأعلام" والتي شهدت اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وتدنيساً للأماكن المقدّسة. ولدى مراجعة الموقع الإلكتروني للحراك، فإنه يُشير إلى أن سكان قطاع غزة يعيشون منذ 7 أكتوبر "تحت قصف متواصل وأزمة إنسانية كارثية. في الضفة الغربية، زادت وتيرة عمليات الجيش وعنف المستوطنين، وتقلصت حرية الحركة، واعتُقل آلاف الفلسطينيين إدارياً من دون محاكمة، كما يعاني الفلسطينيون داخل إسرائيل من تصاعد في الاضطهاد السياسي منذ السابع من أكتوبر، حيث يتعرضون للفصل والملاحقة والتشهير بشكل متزايد".
لا ينشغل الحراك بهذا الجانب فقط، إذ يُركّز جلّ اهتمامه على قضية الأسرى والمحتجزين أسوةً ببقية الأصوات التي تطالب بوقف الحرب وإعادتهم (حراك عائلات الأسرى والمحتجزين)، كما ينشط في رفع مطالب النازحين الإسرائيليين من منطقتي الشمال (على الحدود اللبنانية) والجنوب (غلاف قطاع غزة)، حيث يُشير على صفحته الرسمية إلى أن هؤلاء "لا يزالون محتجزين في غزة ويموتون تحت الضغط العسكري".
أهداف الحراك
يُشير القائمون على الحراك إلى أن هذه الحرب ليست الحرب الأولى، وبالتالي، هي ليست المرة الأولى التي تُختبر فيها ويلات الحروب التي تنتهي على النحو ذاته، من دون أن تُحدث أي تغيير حقيقي في الواقع الذي تصبح فيه نهاية كل حرب مجرد بداية لمرحلة انتظار للحرب التالية، وعليه، يؤكّد الحراك أن العمليات العسكرية لم تحقق للإسرائيليين أمناً أو سلاماً مستداماً، بل أدت فقط إلى المزيد من الدمار والقمع وإلى تعميق معاناة الفلسطينيين، فهي لا تنتج سوى مزيد من الفقدان والحزن، وتغذي مشاعر الكراهية واليأس من إمكانية إيجاد مسار بديل.
بناءً على ذلك، يُشير الحراك إلى أن الخيار الآخر للحروب ممكن، حيث لا بد من إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية ورفع الحصار عن قطاع غزة، ليس فقط لما يترتب عليهما من قمع ومعاناة للفلسطينيين، وإنما أيضاً لأنهما يقوضان "الحاجة الإسرائيلية إلى أمن حقيقي طويل الأمد"، ما يجعل البديل للحروب "تسوية سياسية" قائمة على اتفاق متبادل جوهره السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، مؤكّداً أن هذا البديل هو الطريق الوحيد لضمان الحرية والمساواة والأمان للفلسطينيين والإسرائيليين.
يُشير قادة الحراك إلى أن نشاطه الميداني مهمّته ترسيخ الإرادة السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي من أجل التوصل إلى حل سلمي، وذلك من خلال العمل على بناء حركة جماهيرية تضم مواطنين يهوداً وفلسطينيين من داخل إسرائيل، يؤمنون بإمكانية "العيش في مستقبل مشترك"، وعليه، يُطالب الحراك في أنشطته وفعالياته الأخيرة خلال الحرب باتفاق فوري لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ولإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين وحماية أرواح المدنيين الأبرياء في غزة.
ضد سياسة التجويع، و"الحرس الإنساني"
يُشير الحراك إلى أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة أدّت إلى تفاقم أزمة إنسانية غير مسبوقة، تمثلت في انتشار الجوع والأمراض والمعاناة الواسعة بين الفلسطينيين، حيث أُجبر معظمهم على النزوح من منازلهم والعيش في خيام أو ترتيبات مؤقتة، والتنقل المتكرّر بحثاً عن ملاذ آمن، واستجابةً لهذا الوضع، أطلق الحراك خلال شهر آب حملة واسعة لجمع المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وقد جابت الحملة المدن والبلدات العربية الفلسطينية في الداخل، وحظيت باستجابة تفوق التوقعات؛ إذ شارك عشرات الآلاف بالتبرع والتعبئة والتطوع، في رسالة تضامن واضحة مع الفلسطينيين المتضرّرين، ورفضاً لمسار الحرب الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية. بحسب قادة الحراك، فإن هذه الاستجابة للحراك المذكور لم تقتصر على الفلسطينيين في الداخل، بل شارك فيه أيضاً عدد كبير من المواطنين اليهود، ما حوّله إلى حدث جماهيري يعكس إمكانية الشراكة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ تعبيرهم، وقد جاء ذلك في سياق تعرّض المواطنين الفلسطينيين في الداخل منذ اندلاع الحرب إلى ملاحقات سياسية مكثفة، ما حول الحملة المشار إليها- على حدّ تعبير قادة الحراك- إلى إطار آمن أتاح للفلسطينيين واليهود الانخراط في عمل ميداني ملموس يخفف من معاناة السكان المدنيين في غزة، ويعبر في الوقت ذاته عن رفض السياسات الحكومية المسبّبة للجوع والمعاناة، وقد تمكّنت الحملة في نهاية المطاف من جمع ما يزيد على 400 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية ومعدات الإغاثة.
من جانب آخر، يُشير قادة الحراك إلى أنه ومع بدء إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر الحدودية، برزت ظاهرة اعتراض الشاحنات المحملة بالمساعدات المتوجّهة للقطاع من قِبَل المستوطنين ونشطاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف في محاولة لمنع وصولها. إزاء ذلك، وفي إطار مواجهة هذه الظاهرة، اتخذ الحراك قراراً بإنشاء مبادرة أطلق عليها اسم "الحرس الإنساني" في أيار الماضي، حيث تولّى أعضاؤها مرافقة قوافل المساعدات يومياً عند "حاجز ترقوميا" لحمايتها وضمان مرورها الآمن، وقد أسهم هذا التحرّك في دفع الشرطة الإسرائيلية إلى التدخل لمنع الاعتداءات على الشاحنات، ما أتاح في نهاية المطاف وصول جميع القوافل المارة عبر "المعبر" المذكور إلى غزة، فضلاً عن رفع مستوى الوعي العام بخطورة الهجمات التي ينفذها المستوطنون، وكذلك، شارك جزء من هذا الطاقم في محاولة حماية الممتلكات والمواطنين الفلسطينيين في القدس من اعتداءات المستوطنين خلال اقتحام المدينة وتنظيم "مسيرة الأعلام" الاستفزازية، بالإضافة إلى دعم الطلاب الذين يتعرضّون إلى الفصل من العمل أو الطرد من المؤسسات التعليمية بسبب الهجمات العنصرية التي يتم شنّها ضدّهم.