رفعت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي العالمية، OECD، الأسبوع الماضي، تقديراتها للنمو الاقتصادي الإسرائيلي في العام الجاري، إلى 3.3%، في مقابل أقل من 3% بتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، والبنك المركزي الإسرائيلي، وكان اللافت تقديرات المنظمة لنمو الاقتصاد الإسرائيلي في العام المقبل 2026، إلى 4.9%. ويأتي هذا في ظل احتدام الجدل حول حجم ميزانية الجيش الإسرائيلي المستقبلية، التي يطالب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو برفعها بما يقارب 11 مليار دولار، في كل واحدة من السنوات العشر المقبلة، الأمر الذي يواجه معارضة في الأوساط الاقتصادية الرسمية والخاصة، بما فيها وزارة المالية، لما ستفرضه هذه الزيادة من أعباء على الميزانية الإسرائيلية العامة على مدى السنوات المقبلة.
تقرير OECD
وكما ذكر، فإن منظمة OECD، وضمن تقريرها الدوري العام بشأن اقتصاد الدول الأعضاء، توقعت أن يسجل الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام ارتفاعا في النمو بنسبة 3.3%، مقابل أقل من 3% في تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، وبنك إسرائيل المركزي، كما تُقدّر المنظمة أن النمو في عامي 2026 و2027 سيصل إلى 4.9% و4.6% على التوالي. وهذا مُعدّل نمو أقل بقليل مُقارنة بتوقعات وزارة المالية الإسرائيلية وبنك إسرائيل، والتي تُقدّر أن النمو في العام 2026 سيكون أكثر حدة ويصل إلى 5.2%.
وتُشير OECD إلى أن التوقعات الحالية تأتي في ظل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعودة الرهائن الأحياء والأموات، ما سيؤدي إلى توسيع النشاط الاقتصادي، بحسب التقديرات. كما تشير OECD إلى أن النمو الاقتصادي الحاد في الربع الثالث من العام الجاري 2025 بنسبة سنوية 3%، نتج بعد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني، عقب الحرب مع إيران.
إلا أن OECD تقدّر أن التضخم المالي سيظل مرتفعا نسبيا في نهاية العام 2026 بنسبة 2.4%. في حين أن تقديرات بنك إسرائيل في أحدث بياناته تتوقع أن يصل متوسط التضخم في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المقبل 2026 إلى 2.2%.
أما بالنسبة للعجز المالي في الميزانية الإسرائيلية، فإن OECD تقدم بيانات العجز بشكل مختلف عن بيانات الحكومة الإسرائيلية، وتشمل أيضا نفقات مثل صندوق التعويضات. ووفقا للمنظمة، فإن العجز، الذي بلغ 8.1% في العام 2024، سيظل مرتفعا بنسبة 5.4% في العام الجاري 2025، بينما سينكمش في العام المقبل 2026 إلى 4.1%، وهو معدل لا يزال مرتفعا في ضوء الإنفاق المرتفع على العسكرة، ونذكر هنا أن مخطط وزارة المالية الإسرائيلية للعجز في العام المقبل هو 3.2%.
وكان النمو الاقتصادي الإسرائيلي في الربع الثالث من العام الجاري (تموز- أيلول)، قد فاجأ الأوساط الاقتصادية، الرسمية والخاصة، إذ سجل ارتفاعا حادا، نسبيا، بنسبة تزيد عن 3%، وبمعدل سنوي 12.4%، لكن التفاصيل التي ساهمت في هذا الارتفاع تدل على أن هذه النتيجة كانت تقليدية لفترة ما بعد الحرب على إيران، التي على الرغم من أنها لم تستمر لأكثر من 12 يوما في شهر حزيران الماضي، إلا أن الأجواء التي سبقتها، ثم تلتها لفترة قصيرة، ساهمت في لجم النمو الاقتصادي، وفي الأساس لجم الصرف الفردي والعائلي الاستهلاكي والحياتي، وهو رد فعل تقليدي في زمن الحروب، إذ أن الجمهور يقل في الصرف، تحسبا لما هو أسوأ.
ومن ضمن هذا، أن الجمهور يؤجل مشتريات حياتية، مثل معدات بيتية، وما يمكن تأجيله، حتى تتضح الأوضاع أمامه. وهذا انعكس في الارتفاع الحاد بالاستهلاك العائلي الحياتي، في الربع الثالث من العام الجاري، بعد الحرب على إيران، بنسبة لامست 11%.
يقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن تقرير التوقعات نصف السنوي، لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، مليء بالأمل، في ما يتعلق بالاقتصاد الإسرائيلي: نمو مرتفع، صادرات مرتفعة، انخفاض في البطالة، وتراجع في التضخم، ومستوى فائدة معتدل- إنها جنة اقتصادية كلية. إلا أن المسؤول عن ذلك على الأرجح هو قطاع الأعمال، إلى جانب بنك إسرائيل، وليس الحكومة.
وتابع الكاتب أن التقرير يؤكد أنه بخلاف العامين الماضيين، اللذين قاد فيهما الإنفاق الحكومي النمو، فإن النمو هذه المرة سيعتمد على استثمارات وصادرات التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، نجح بنك إسرائيل، من خلال سياسته الصارمة، وبمساعدة ارتفاع قيمة الشيكل، نتيجة انتهاء الحرب وقوة قطاع الأعمال، في السيطرة على التضخم، وبالتالي يمكنه أيضا خفض مستوى الفائدة.
الميزانية العامة والجدل حول ميزانية الجيش
أقرت الحكومة الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، مسودة ميزانية العام المقبل 2026، وعلى الرغم من أن هذا الاجراء متأخر بأكثر من 4 أشهر، بحسب المعتاد، لإنجاز الميزانية حتى نهاية العام الجاري، إلا أن القانون يجيز للحكومة والكنيست إنجاز إقرار الميزانية العامة كليا، حتى اليوم من الأخير من شهر آذار، في العام الجديد ذاته.
وقرار بنيامين نتنياهو بحث الميزانية، يدل على أن احتمالات إقرارها كليا حتى الموعد القانوني، ومنع حل الكنيست كبيرة جدا، إذا لم نقل مؤكدة، لأن "كلمة السر" موجودة لدى كتلتي الحريديم، شاس ويهدوت هتوراه، اللتين رسميا هما خارج الحكومة، لكنهما ليستا في صفوف المعارضة البرلمانية، وفي حال تلقيتا الميزانيات المطلوبة لهما، فإن الطريق سهلة جدا لإقرار الميزانية، حتى لو تعثّر إقرار قانون تجنيد شبان الحريديم في الجيش، بصيغته "المتساهلة" وفق التقييمات الإسرائيلية، لأن المنطق يقول: ضمان هذه الميزانيات أفضل من مغامرة انتخابات جديدة، قد تأتي بحكومة جديدة لن تكون سخية معهم، وحتى قد تسن قانون تجنيد أكثر تشدّداً تجاه الحريديم.
وبحسب تخطيط الحكومة، فإن صيغة الميزانية للقراءة الأولى في الكنيست، ستكون جاهزة في الأسبوع الأول من العام الجديد المقبل، ومع إقرارها، تبدأ المداولات للقراءة النهائية، وسيكون مع الحكومة أقل بقليل من 3 أشهر، وهذا موعد كبير وكاف، لعبور بعض الأزمات إن وجدت.
ومن المتوقع أن يبلغ حجم الميزانية الفعلية حوالي 662 مليار شيكل، بعجز كان مخططا ليكون قدره 3.2%، لكن خلال جلسة الحكومة تم رفعه إلى 3.9%، وحسب التقديرات سوف يتجاوز العجز نسبة 4% من الناتج العام، أي حوالي 85 مليار شيكل، وحسب المتبع، فإن ما بين 30% إلى 32% من هذه الميزانية، يذهب للصرف على تسديد الديون والفوائد.
لكن أحد مواطن الخلاف في إعداد الميزانية دار حول ميزانية الجيش للعام المقبل، مع تطلعات لتمويل الجيش في السنوات العشر المقبلة، من أجل إعادة ملء المخزون، الذي تم إنفاقه على الحرب، وتحديث مستمر للأسلحة والذخيرة والمعدات.
فالجيش طالب بميزانية 144 مليار شيكل، بضمنها ميزانية الدعم الأميركي السنوية بقيمة 3.8 مليار دولار، وهي تعادل حاليا حوالي 12.5 مليار شيكل، إلا أن وزارة المالية عرضت ميزانية 93 مليار شيكل للعام المقبل، وهذا يعني فارقاً بأكثر من 50 مليار شيكل، ولاحقا تم الاتفاق بين وزير الدفاع (الأمن)، يسرائيل كاتس، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على أن تكون الميزانية 112 مليار شيكل في العام المقبل، إذ قرر كاتس خفض عدد جنود الاحتياط الذين من المرشح استدعاؤهم في العام المقبل بنسبة الثلث، أي ستتم دعوة 40 ألفا، وكل هذا خلافا لموقف رئيس هيئة أركان الجيش، إيال زمير، بالإضافة الى خفض نفقات أخرى في الجيش.
لكن هذا الاتفاق يعني زيادة 19 مليار شيكل عن مخطط وزارة المالية، ما سيعني حاجة إلى تغطية الميزانية الزائدة، التي ستكون من خلال تقليص ميزانيات اجتماعية لا يؤثر تقليصها على مكانة أطراف الحكومة في الانتخابات المقبلة، وأيضا زيادة العجز في الموازنة.
كما يطالب الجيش بزيادة ميزانيته بنحو 412 مليار شيكل، توزع على السنوات العشر المقبلة، وهو أيضا ما تعترض عليه وزارة المالية.
ويقف رئيس الحكومة نتنياهو إلى جانب الجيش، لكنه طلب زيادة 350 مليار شيكل إضافية، يتم صرفها على الجيش من العام ما بعد المقبل، أي 2027 وحتى العام 2036، وهذا ليس صدفة، لأن نتنياهو يريد تحرير الميزانية العامة في العام المقبل، من عبء زيادة ضخمة للجيش، كونه عام انتخابات، والحكومة تعد العدّة لتسهيلات ضريبية على المواطنين، هي عمليا تخفيف مما فرض عليهم في العامين الماضي والجاري، بكلمات أخرى، يريد نتنياهو نقل هذه الكرة الملتهبة إلى الحكومة المقبلة، وبعد الانتخابات، حتى لو عاد هو شخصيا رئيسا للحكومة.
وبحسب التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، فإن 350 مليار شيكل ليس بالضرورة أن توزع بقدر متساو على السنوات العشر، وتقول مصادر في وزارة المالية إن الحفاظ على هذا المبلغ، من دون زيادته بموجب نسب التضخم المالي، قد يجعل قيمته من حجم الميزانية العامة، سنويا، أقل مما يبدو الآن، في ختام الفترة المحددة.
الجانب الذي لم يتم طرقه في الحديث عن ميزانية الجيش في السنوات العشر المقبلة، هو الدعم العسكري الأميركي، فالاتفاقية القائمة تنتهي في العام 2028، وهي تنص على دعم إسرائيل سنويا بالمعدل، بقيمة 3.8 مليار دولار، لكن حسب تقارير سابقة، فإن الخزينة الأميركية أنفقت على الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والحروب الأخرى، خاصة إيران، حوالي 7 مليارات دولار، منها ما تم دفعه مباشرة لإسرائيل، والباقي إنفاق عسكري أميركي داعم، مثل تحريك أساطيل حربية، والهجمات الأميركية على اليمن وغيرها.
وحينما نقول 2028، فهذا يعني أن المفاوضات الإسرائيلية الأميركية حول الدعم العسكري المقبل، ستبدأ في موعد مبكر، وقد تبدأ في مطلع العام 2027، كما كان لدى إبرام الاتفاق الحالي، الذي بدأت المفاوضات حوله قبل عامين من بدئه. وهذا يعني أن المفاوضات ستبدأ وتنتهي في فترة رئاسة دونالد ترامب، الذي على الرغم من دعمه اللا محدود لإسرائيل، وخاصة بنيامين نتنياهو، إلا أنه سعى لتقليص ميزانيات الدعم الأميركي الخارجي، وليس واضحا كيف سيكون موقفه بالشأن الإسرائيلي، وهذا ما سينعكس على مستقبل ميزانية الجيش الإسرائيلي.
المصطلحات المستخدمة:
بتسلئيل, الشيكل, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يسرائيل كاتس