أكد تقرير رسمي وضعه قسم "المرافعة العامة" في وزارة العدل الإسرائيلية، أن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين تعرّضوا لممارسات قاسية جداً في مختلف السجون ومراكز الاعتقال بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما زال وضعهم سيئاً في عدد من الجوانب، كما فصّلت "المرافعة".
وجاء في مقدمة التقرير الذي تناول وضع المحتجزين في مختلف السجون وليس الأسرى فقط: "قبل عرض أوصاف الزنازين وظروف الاحتجاز، ترى المرافعة العامة أهمية في الإشارة إلى أن تقارير السنوات الأخيرة كشفت، مراراً وتكراراً، عن حدّة مشكلة الاكتظاظ في السجون الإسرائيلية. فقد أصبح الاكتظاظ عاملاً ملازماً لمعظم منشآت الاحتجاز، الأمر الذي يؤثر بصورة مباشرة على جودة الحياة الأساسية للنزلاء، وعلى قدرتهم على الحصول على الخدمات الصحية، وعلى الحفاظ على النظافة، وعلى التمتع بالحدّ الأدنى من الحقوق الأساسية في أثناء احتجازهم".
وتابع: "في العامين 2023–2024، تفاقمت هذه الظاهرة بصورة غير مسبوقة، وذلك نتيجة الارتفاع الحاد في أعداد المحتجزين بعد اندلاع حرب ’السيوف الحديدية’. وقد أظهرت الزيارات الميدانية التي أجرتها المرافعة العامة خلال هذه الفترة صورة شديدة الصعوبة، تبرز فيها الزنازين المكتظة، وانعدام المساحات الملائمة، وتدهور واضح في ظروف النظافة، والتهوية، والصحة، ونقص الخدمات الاجتماعية والطبية. وترى المرافعة العامة أن مجمل هذه الظروف، إلى جانب القيود الاستثنائية التي فرضت خلال حالة الطوارئ، أوجدت بيئة احتجاز قاسية تتطلب معالجة عاجلة وجذرية من الجهات المختصة".
ظروف الاحتجاز في الأقسام الأمنية كانت الأكثر صعوبة
يستند التقرير إلى زيارات ميدانية واسعة لمراكز الاعتقال في إسرائيل خلال عامَي 2023–2024. وقد شملت الزيارات سجوناً مركزية، مراكز اعتقال، وأقساماً مخصصة للأسرى الأمنيين والسجناء الجنائيين، إضافة إلى محطات الشرطة التي تُستخدم لتوقيف المحتجزين لفترات قصيرة.
بخصوص الأسرى الأمنيين، يؤكد التقرير أنه في بعض الأقسام، يصل المكوث داخل الغرف إلى 23 ساعة يومياً، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم حدة الصعوبات الجسدية والنفسية. فبعد أحداث 7 أكتوبر 2023 أعلنت سلطة السجون "أمر ساعة" يقضي بتقليص شبه شامل للأنشطة اليومية للأسرى الأمنيين وإلغاء الفعاليات التي تُعدّ جزءاً من الروتين. وقد شمل هذا القرار: منع زيارات العائلات والزيارات الدولية (مثل الصليب الأحمر)؛ تقييد الخروج إلى الساحة لساعة واحدة يومياً كحد أقصى؛ منع إدخال الكتب، الصور، أو المقتنيات الشخصية؛ إلغاء متابعة التلفزيون والراديو؛ تقليص كميات الطعام المقدمة؛ وتقليص الإضاءة داخل الغرف إلى حد كبير.
يشير التقرير إلى أن هذه القيود طُبِّقت على جميع الأسرى الأمنيين بلا تمييز، بما يشمل البالغين والقاصرين، والسجناء من إسرائيل أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، ومن دون أخذ المعطيات الفردية أو الوضع الصحي بعين الاعتبار. كما ذكر وقوع حالات فقدان وزن شديد بين محتجزين، وشعور بالضعف، وتكرار حالات الإغماء نتيجة نقص الغذاء، وفق ما أبلغه السجناء للوفود. وبيّن أن ظروف الاحتجاز في الأقسام الأمنية كانت الأكثر صعوبة، خاصة أنها تقترن باكتظاظ شديد وبقضاء معظم ساعات اليوم داخل الغرف من دون أي نشاط يُذكر.
وثّق التقرير حالات قاصرين في أقسام أمنية مغلقة، يخضعون للقيود ذاتها المفروضة على البالغين، بما في ذلك قضاء 23 ساعة يومياً داخل الغرف، ومنع الزيارات، وانعدام إشراف تربوي أو دعم نفسي منهجي. وأشار معدّو التقرير إلى أن مجموعة من الشكاوى الفردية بشأن سلوكيات عنيفة ضد القاصرين قد أرسلت إلى المستشارة القانونية للحكومة لمتابعتها وفق القانون.
تفاقم غير مسبوق في الاكتظاظ وتردّي ظروف النظافة
تشير نتائج الزيارات إلى تفاقم غير مسبوق في مشكلة الاكتظاظ مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك نتيجة الارتفاع الكبير في أعداد المعتقلين بعد الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فوفق مشاهدات الوفود، احتوت العديد من الغرف على عدد من المحتجزين يفوق قدرتها الاستيعابية؛ إذ بلغ في بعض الأقسام خمسة أسرّة لستة سجناء، واضطر بعضهم إلى النوم على الأرض لفترات وصلت إلى أسابيع أو أشهر. كما سجّلت حالات كان فيها السجناء مكدّسين على مساحات ضيقة بحيث يصعب الحركة داخل الغرفة، إلى جانب حالات كان الوصول إلى الحمّام أو المرافق الأساسية يتطلب المرور فوق نزلاء آخرين بسبب ضيق المكان.
عرض التقرير خلفية قانونية لخطورة هذه الظاهرة، مشيراً إلى قرار المحكمة العليا الصادر العام 2017، الذي ألزم الدولة بتوفير مساحة معيشية لا تقل عن 4.5 متر مربع لكل نزيل، بما يشمل الحمّام والمرافق. غير أنّ غالبية الأقسام التي زارتها المرافعة العامة خلال 2023–2024 لم تستوفِ هذا الحد الأدنى. ويؤكد التقرير أن ضيق المساحة مقروناً بطول مدة البقاء داخل الغرف — والتي تصل إلى 23 ساعة يومياً في أقسام الأسرى الأمنيين — يؤدي إلى تفاقم حدة الصعوبات الجسدية والنفسية.
أظهرت الزيارات الميدانية استمرار وجود مشكلات مرتبطة بمستوى النظافة في غرف عديدة. فقد عرض بعض المحتجزين على الوفود حشرات من نوع "البق" قاموا بجمعها من الأسرة، كما ظهرت آثار لدغات على أجساد بعض المحتجزين. وسُجِّلت هذه الملاحظات في سجون مثل "الشارون" و"ريمونيم" وفي مراكز اعتقال أخرى. كما أشير في بعض المنشآت إلى مشكلات متكررة في الصرف الصحي، أو رطوبة مزمنة، أو تهوية غير كافية، ما أدى إلى حالات من الرائحة الكريهة الشديدة والتلوث. وأفاد بعض السجناء أن هذه الأوضاع ترافقهم على نحو دائم، وأن محاولات المعالجة لم تؤدِّ إلى إنهاء المشكلة بالكامل.
مسؤولو سلطة السجون ادعوا أن أعمال ترميم أو معالجة جارية أو مخطط لها، وأن استبدال الأرضيات أو أنظمة التهوية أو الالتزام بإجراءات النظافة يجري بشكل تدريجي، غير أن التقرير رصد استمرار الإشكاليات خلال معظم العامين قيد البحث.
قضية الغذاء ما زالت من أكثر القضايا إشكالية في السجون
تشير الزيارات التي أجرتها طواقم المرافعة العامة خلال عامَي 2023–2024 إلى أن قضية الغذاء ما زالت من أكثر القضايا إشكالية في السجون ومراكز الاحتجاز. فقد سُجّلت شكاوى متكررة في 15 منشأة احتجاز على الأقل، تم خلالها الإشارة إلى أن جودة الطعام متدنية للغاية، وفي بعض الحالات وصفه السجناء بأنه "غير قابل للأكل"، وأن كميات الطعام غير كافية، خصوصاً في الأقسام المكتظة، ووجود نقص أو انعدام شبه كامل للمواد الطازجة، مثل الخضروات.
وبحسب ما وثّقه التقرير، ذكر العديد من السجناء أنهم يعتمدون بشكل كبير على الشراء من "الكانتينا" لتكميل حاجتهم الغذائية، وهو ما يشكّل عبئاً مالياً كبيراً على المحتجزين، خصوصاً أولئك الذين لا يملكون دعماً خارجياً.
أفاد السجناء في بعض المنشآت بأن الخضروات التي تُوزّع تأتي أحياناً من بقايا كميات لم تُستخدم في مطابخ السجن، وأن قائمة الطعام لا تتغير أسبوعياً كما يفترض أن تكون، وأن بعض الوجبات تصل باردة أو بعد أن تبقى مدة طويلة في عربات النقل، وأن نوعية الخبز أو مشتقات الحبوب لا تراعي احتياجات من لديهم أمراض مزمنة.
بخصوص الرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية، لاحظت وفود "المرافعة العامة" فجوات كبيرة في إتاحة الرعاية الطبية للمعتقلين، خصوصاً في محطات الشرطة التي لا تتوفر فيها خدمات طبية أساسية. وفي بعض الحالات، حسب ما نُقل للوفود، لم يحصل المعتقلون على متابعات تمريض منتظمة، أو عانوا من تأخير في تحويلهم للعلاج خارج المنشأة. وأفاد معتقلون بأن نقل الحالات الطبية الطارئة يتم أحياناً إلى مستشفى "أساف هروفيه" أو مستشفى "كابلان"، لكن من دون وجود طاقم طبي دائم داخل مراكز الشرطة.
بالنسبة للسجون، سجّل التقرير وجود نقص في التفاعل بين الأخصائيين الاجتماعيين والمحتجزين بسبب ضغط الاكتظاظ وكثرة المهام، الأمر الذي جعل من الصعب تلبية الطلبات أو متابعة الشكاوى الفردية في الوقت المناسب.
السجناء في عدة سجون لم يتمكّنوا من تقديم شكاوى بسهولة
أشار التقرير إلى أن السجناء في عدة سجون لم يتمكّنوا من تقديم شكاوى بسهولة، وخاصة في الأقسام الأمنية حيث تُطبّق مستويات عالية من القيود. وقد ذكرت إحدى الملاحظات أن المعتقلين قالوا إنهم شعروا "بأنهم متروكون"، إلى جانب عدم حصولهم على إطار تأهيلي أو دعم مهني خلال فترات الاحتجاز الطويلة.
وقد ردّت سلطة السجون بأن هناك قنوات قائمة لتقديم الشكاوى عبر وحدة التحقيق في شؤون السجّانين، وأن الإلمام بالتعليمات يجري بشكل مستمر بهدف تقليص المخاطر الأمنية من دون المساس بالحقوق القانونية للسجناء.
شمل التقرير قائمة تفصيلية بالزيارات الميدانية التي جرت في عشرات المنشآت بين آب 2023 وكانون الأول 2024، ومنها سجون: الشارون، جلبوع، ريشون لتسيون، كيشون، ريمونيم، سهرونيم، مجدو، عوفر، أيالون، الدامون، كتسيعوت، إضافة إلى مراكز توقيف مثل أوهلي عوز، أبو كبير، نيتسان، والمسكوبية في القدس.
وتكررت في العديد من هذه الزيارات ملاحظات حول الازدحام في الغرف، وضيق الساحات المخصصة للتنزه أو عدم استخدامها، ووجود أسرّة متهالكة أو فرشات مهترئة، ومحدودية الوصول إلى المياه الساخنة، وتهوية غير كافية في الأشهر الحارة، وتأخر أعمال الصيانة في بعض الأقسام. وأظهر التقرير أمثلة لتحسينات تم تنفيذها بعد بعض الزيارات، مثل تركيب ستائر للفصل بين المرحاض وغرفة النوم، وتغيير أنظمة التهوية أو إصلاح أنظمة التبريد، وزيادة توزيع مواد التنظيف، وتحسين تزويد المياه الصالحة للشرب، وتطبيق الفصل بين فئات المحتجزين (جنائيين/ موقوفين) في بعض المرافق.
وفقاً للتقرير، سجّلت زيارات محطات الشرطة مستويات متدنية جداً من المعيشة مقارنة بالسجون، نتيجة كونها غير معدّة أصلاً للاحتجاز المطوّل. وتضمّنت الملاحظات غرفاً صغيرة بدون تهوية كافية، ومراحيض غير معزولة داخل الغرفة، وعدم توفير فرشات للنوم رغم بقاء معتقلين داخلها طوال الليل، وغياباً كاملاً للطاقم الطبي والاجتماعي، وتقديم وجبات تقتصر على الساندويشات في أغلب الأحيان. وأشار التقرير إلى أن بعض هذه المحطات استخدمت خلال فترات سابقة لاحتجاز معتقلين لمدد تجاوزت ما هو مناسب لهذه البنى، وأن بعض التجهيزات الموجودة لا تتوافق مع بنية الاحتجاز الطويل.
خلاصة التقرير: أحياناً يعجز الوصف عن نقل قسوة تجارب السجناء!
وثّق التقرير أيضاً حالات قاصرين في أقسام أمنية مغلقة، يخضعون للقيود ذاتها المفروضة على البالغين، بما في ذلك قضاء 23 ساعة يومياً داخل الغرف، ومنع الزيارات، وانعدام إشراف تربوي أو دعم نفسي منهجي. وأشار معدّو التقرير إلى أن مجموعة من الشكاوى الفردية بشأن سلوكيات عنيفة ضد القاصرين قد أرسلت إلى المستشارة القانونية للحكومة لمتابعتها وفق القانون.
يخلص التقرير إلى أن "الفترة بين 2023–2024 شهدت تدهوراً ملحوظاً في ظروف الاحتجاز، خصوصاً في أقسام السجناء الأمنيين، نتيجة الارتفاع الكبير في عدد المحتجزين والإجراءات الاستثنائية التي فرضتها سلطة السجون بعد الحرب. ويرى معدّو التقرير أن معالجة هذه الظروف تتطلب خطوات فورية تشمل: خفض الاكتظاظ، وتحسين الإتاحة للرعاية الطبية والنفسية، وتحسين جودة الغذاء، وترميم البنى التحتية، ومراجعة القيود المفروضة على الأسرى الأمنيين، وتعزيز إمكانية تقديم الشكاوى ومتابعة تنفيذ الأنظمة".
كما دعا التقرير إلى "متابعة تنفيذ الإصلاحات التي باشرت بها سلطة السجون في عدد من المواقع، والتأكد من امتدادها إلى منشآت أخرى تعاني ظروفاً مشابهة. وإنّ وصف الظروف القائمة في عدد من منشآت الاحتجاز يعجز، في كثير من الأحيان، عن نقل شدّة التجربة التي يعيشها النزلاء يومياً — الشعور بالازدحام الخانق، الحرارة الشديدة أو البرد القارس، والأوضاع الصحية المتردية التي تسود في العديد من الأقسام. ومع ذلك، نأمل بأن يساهم تلخيص النتائج الوارد في هذا التقرير في دفع الجهات المسؤولة إلى اتخاذ خطوات ملموسة وفعّالة لمعالجة مواطن الخلل، خاصة تلك التي تُعدّ خطيرة وتتطلب استجابة فورية".