المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قنابل JDAM أميركية في قاعدة جوية إسرائيلية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 35
  • برهوم جرايسي

فاجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مستمعيه في جلسة للجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست، بقوله إن على إسرائيل التخلي عن الدعم العسكري الأميركي، الذي يبلغ سنويا 3.8 مليار دولار، ولا يشمل الدعم الاستثنائي المتكرر، وآخره دعم الحرب العدوانيّة على الشعب الفلسطيني بأكثر من 14 مليار دولار، وقال تقرير صحافي إسرائيلي إن مسؤولين إسرائيليين صُدموا من تصريح نتنياهو هذا والذي جاء في وقت أشد ما تكون فيه إسرائيل بحاجة إلى هذا الدعم ولسنوات عديدة مستقبلا، وقالوا إن التخلي هو أمر شبه مستحيل في المستقبل المنظور. ويؤكد أحد المحللين أنه كان من الصعب على إسرائيل إدارة الحرب لولا الدعم الأميركي.

وكان نتنياهو قد صرّح في مطلع الأسبوع الماضي، خلال جلسة مع لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست، بأن على إسرائيل التخلي عن الدعم العسكري الأميركي مستقبلا، وقال إن "إسرائيل تحصل على أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة نحو 4 مليارات دولار، وأعتقد أننا سنصل إلى نقطة نتوقف فيها عن هذا، على غرار التوقف عن المساعدات الاقتصادية".

وجاء هذا خلال عرض شبه شامل للمستجدات، تطرق أيضا لقانون فرض الخدمة العسكرية على الشبان المتدينين المتزمتين - الحريديم، وهناك من رأى أن نتنياهو لم يتوسع في مجال التخلي عن الدعم العسكري، بل كان تصريحا عابرا.

تاريخ  الدعم وحجمه أيضا في الحرب

وحسب التقارير الإسرائيلية التي ظهرت في أعقاب هذا التصريح، يتبين أن إسرائيل تلقت منذ مطلع سنوات الخمسين من القرن الماضي، وحتى العام 2023، دعما ماليا إجماليا بقيمة 297 مليار دولار، من بينه 216 مليار دولار كدعم عسكري، وهذا لا يشمل مشاريع تطوير الأسلحة المشتركة بين الجانبين. وهو تعاون يشكل ركيزة أساسية في الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

كذلك من أصل 297 مليار دولار، تلقت إسرائيل 81 مليار دولار كدعم اقتصادي، لكن بنيامين نتنياهو، في ولاية حكومته الأولى، في النصف الثاني من سنوات التسعين، طلب وقف المساعدات الاقتصادية، لأنها كانت تقلل من المكانة الاقتصادية لإسرائيل أمام العالم، لكن هذا جاء في أوج فترة ازدهار اقتصادي إسرائيلي، كثمرة للانفراج السياسي في سنوات التسعين، في ظل المفاوضات والاتفاقيات، التي نسفها نتنياهو لاحقا بنهجه المتطرف.

وفي العام 2016، في السنة الأخيرة للرئيس باراك أوباما، تم التوقيع على اتفاقية دعم عسكري أميركي لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، توزع على عشر سنوات، وتنتهي مع نهاية العام 2028، إذ إن الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في العام 2019. وحسب تقارير ليست رسمية، سعى نتنياهو لاحقا، في ظل ولاية ترامب الأولى، إلى تحسين الاتفاقية وزيادة الدعم لكنه لم ينجح.

مع شن إسرائيل الحرب على الشعب الفلسطيني في 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام 2023، أقرت إدارة جو بايدن دعما عسكريا استثنائيا لإسرائيل بقيمة 14.2 مليار دولار. وهذا الدعم المباشر، لم يشمل الدعم اللوجستي العسكري الأميركي لإسرائيل، مثل تحريك قوات وأساطيل وحاملات سفن للمنطقة، والهجمات المتكررة على مدى عام ونصف العام على اليمن، ولهذا قدرت تقارير غير رسمية أن حجم الدعم العسكري الأميركي المباشر وغير المباشر لإسرائيل في حربها، تجاوز 23 مليار دولار، ولكن كما ذكر هذه تقديرات ليست رسمية.

إذ قال تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن الولايات المتحدة الأميركية صرفت بالمجمل، في السنة الأولى للحرب على قطاع غزة، 23 مليار دولار، وهذا تقريبا 6 أضعاف الدعم العسكري السنوي لإسرائيل. ولا يجري الحديث عن أموال مباشرة، بل إن مخازن الأسلحة الأميركية دعمت إسرائيل، حينما فتحت أبوابها أمام الجيش الإسرائيلي، وتم سحب أسلحة بقيمة لا تقل عن 4.4 مليار دولار. كما تم تزويد إسرائيل بمنظومات صاروخية دفاعية بما قيمته 4.5 مليار دولار، وغيرها من الذخيرة والأسلحة.

وحينما نقول إن الدعم الأميركي السنوي لإسرائيل 3.8 مليار دولار، فهذا كان يشكل حوالى 20% من ميزانية الجيش الإسرائيلي ووزارته حتى العام 2022، بمعنى قبل شن الحرب، وإذا عدنا إلى العام 2018 وبعده بقليل، تكون النسبة أعلى.

وأيضا دعم الحرب بقيمة 14.2 مليار شيكل، فهذا أيضا يقدر بنحو 20% من الكلفة الإجمالية للحرب، حتى الآن، وتقريبا نسبة 30% من حجم الإنفاق العسكري على الحرب حتى الآن.

تصريح نتنياهو، رغم احتمال عدم جديته، أو كما قدّر أحد المحللين بأنه قد يكون بفعل الضغط الذي يشعر به نتنياهو بسبب تشوش العلاقات مع الرئيس دونالد ترامب، بحسب ما تدعيه وسائل إعلام أميركية وعالمية كبرى، وأيضا إسرائيلية، صدر في أوج أزمة مالية إسرائيلية بفعل الصرف على الحرب، إذ أن المديونية تتفاقم، والصرف العسكري يتزايد، خاصة في أعقاب قرار الحكومة الإسرائيلية قبل أكثر من أسبوعين بتوسيع الحرب وتعميقها، واحتلال أجزاء من قطاع غزة، من دون سقف زمني للاحتلال ولاستمرار الحرب، وكل هذا يكلف الخزينة العامة مليارات كثيرة.

صدمة مسؤولين

ونشرت صحيفة "كالكاليست" تقريرا ليوفال أزولاي يقول فيه إن "كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والصناعات الأمنية أبدوا دهشتهم من تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بشأن استمرار المساعدات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل سنويا".

ويقول أزولاي إن هذا التصريح صدر "في الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل أطول وأصعب حرب في تاريخها، والتي استمرت لأكثر من عام ونصف العام، على ما لا يقل عن سبع جبهات، وإن كلمات رئيس الحكومة تتطلب مواجهة مع الواقع. فبالإضافة إلى الأسلحة التي تقدمها بموجب اتفاق المساعدة الأمنية، فقد تم تحويل 5.2 مليار دولار أخرى إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة وحدها، بناء على منحة خاصة قدمها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لتمكينها من الحصول على كميات هائلة من الصواريخ الدفاعية لأنظمة القبة الحديدية، ومقلاع داود، التابعة لشركة رافائيل، وتجهيز نفسها بنظام اعتراض الليزر الذي تطوره، ماغين أور".

وتابع مشيرا إلى أن تصريح نتنياهو صدر "في وقت حرج، وهو الوقت الذي من المفترض أن تبدأ فيه إسرائيل العمل على تنظيم مواقفها نحو إطار جديد مع الولايات المتحدة. لأن اتفاقية الدعم السارية حاليا تنتهي في نهاية العام 2028، وتنص على دعم سنوي بقيمة 3.8 مليار دولار بالمعدل".

ويقول التقرير الصحافي "إن المساعدات الأميركية تشكل عنصراً أساسياً في أمن إسرائيل، وهي تستخدم لتمويل استحواذها على أنظمة قتالية رئيسة مثل الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية، كما تنظم مشاركة دافعي الضرائب في برامج التطوير التي تقودها صناعات الدفاع المحلية لأنظمة الدفاع الصاروخي".

"ويتم شراء جميع الطائرات المقاتلة وقطع غيارها وجزء كبير من أنظمة الأسلحة التي تحملها، فضلاً عن طائرات النقل المروحية وطائرات التزود بالوقود جواً التي تجهزها إسرائيل، من شركات الأسلحة الأميركية العملاقة على أساس أموال المساعدات الأمنية".

ويقول أزولاي "في واقع الأمر، تحصل إسرائيل على هذا السلاح الباهظ الثمن من الولايات المتحدة مجاناً، في حين أن العديد من الدول الأخرى التي تشتري طائرات إف-35 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن أو النسخة الجديدة من طائرة إف-15 التي تصنعها شركة بوينغ لقواتها الجوية تفعل ذلك على حساب ميزانياتها الدفاعية".

ويشير إلى أن إسرائيل سوف تتسلم في العام 2031 من الولايات المتحدة أول طائرة مقاتلة جديدة طلبتها في الأشهر الأخيرة، وهي طائرة إف-15 إيه، بمعدل 4-6 طائرات سنويا. وهذه صفقة ضخمة تبلغ قيمتها 5.2 مليار دولار، تم تمويلها بالكامل من أموال المساعدات الأميركية. وقبل أشهر قليلة، وقعت إسرائيل مع الحكومة الأميركية اتفاقية شراء سرب ثالث من طائرات إف-35، ومن المقرر أن يبدأ تسليمها في العام 2028، ضمن صفقة تبلغ قيمتها نحو 3 مليارات دولار. وهذه نحو 25 طائرة مقاتلة ستضاف إلى 50 طائرة من هذا النوع اشترتها إسرائيل خلال العقد الماضي.

وتابع: "تفتخر إسرائيل بقدرة قواتها الجوية على ضرب إيران واليمن، ولكنها مدينة بذلك للمليارات من الدولارات التي تفتحها لها واشنطن كل عام". وفي حديث مع صحيفة "كالكاليست"، قال مسؤول كبير ذو خبرة واسعة في العلاقات بين القدس وواشنطن: "من الأفضل ألا نقفز فوق رؤوسنا. تبلغ قيمة المساعدات الأمنية 3.8 مليار دولار سنوياً، وبدونها، سيضطر أحد ما إلى إيجاد مصدر تمويل آخر لشراء الأسلحة الأميركية".

ويقول أزولاي: "تفسر المصادر تصريح نتنياهو بأنه تعبير عن الذعر والهستيريا، كما يصفونه، بشكل قد يلحق ضررا خطيرا بالعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد جاء هذا عشية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط والتحركات التي يقوم بها فوق رأس نتنياهو، بشكل مهين وبدون أن يطلعه عليها مسبقاً".

من دون الدعم سيكون العبء باهظاً

وقال الدكتور شاي هار تسفي، رئيس قسم الشؤون الدولية والشرق الأوسط في جامعة رايخمان، لصحيفة "كالكاليست"، إن "اتفاقية المساعدة الأمنية ستنتهي بعد ثلاث سنوات، وربما تتمكن إسرائيل من التنازل عنها، لكن هذا سيكون له آثار عميقة على التعاون بين البلدين". وأضاف: "ومن منظور استراتيجي أوسع، سيكون من المناسب والصحيح أن تبدأ إسرائيل مفاوضات مع الأميركيين بشأن إطار جديد لتلقي أموال المساعدات الأمنية اعتباراً من العام 2029 فصاعداً".

في نهاية العام الماضي، نشرت اللجنة الاسرائيلية المكلفة بدراسة ميزانية الجيش الإسرائيلي، وبناء القوات للسنوات المقبلة، برئاسة البروفيسور يعقوب ناغل، تقريرها. وفي الفصل الذي يتناول أموال المساعدات الأمنية من الولايات المتحدة، كتبت اللجنة أنه على الرغم من أن الاتفاق المقبل مع الأميركيين لم يتم توقيعه بعد، فقد تم "تعزيزه" بالفعل بنحو 50%، على افتراض أن النطاق السنوي للمساعدة سيكون مماثلاً للنطاق الحالي.

ويذكر تقرير ناغل في هذا السياق أنه "من المهم للغاية توقيع اتفاقية مساعدات جديدة مع إدارة ترامب، لأنها، بالإضافة إلى أهميتها السياسية والإعلانية، تشكل ركيزة مهمة في قدرة الجيش الإسرائيلي على الحصول على منصات رئيسة، مع التركيز على الطائرات والمروحيات والأسلحة".

وحذرت اللجنة أيضا من أنه "إذا لم يتم توقيع اتفاقية ميزانية الجيش، فإن إسرائيل ستضطر إلى تحمل التكلفة الباهظة للعقود التي تم توقيعها بالفعل على افتراض أنه سيكون هناك اتفاق جديد". وفيما يتعلق بالعقود التي تم توقيعها، من المفترض أن يتم تمويل جزء كبير من سرب طائرات إف-15 المطلوب من شركة بوينغ من أموال اتفاقية المساعدة الأمنية المقبلة.

الدعم الأميركي أساسي في الحرب الدائرة

ويقول المحلل الاقتصادي حجاي عميت في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، "إن الحجم الحالي للمساعدات الأميركية هو الذي سمح لإسرائيل بخوض الحرب لمدة عام ونصف العام، من دون السعي للتوصل إلى اتفاق، ومن دون الحديث عن مستقبل قطاع غزة على المدى الطويل. بل إنه سمح لإسرائيل بشن الحرب على عدة جبهات في وقت واحد، في حين أعلنت إسرائيل عن تطلعها إلى "النصر الكامل". وإذا ما أعدنا صياغة نظرية "الجدار الحديدي" التي طرحها زئيف جابوتنسكي، فإن الجدار الذي يرتكز عليه مفهوم الأمن الإسرائيلي اليوم هو في واقع الأمر جدار من الدولارات الأميركية".

وتابع: "ولو أرادت إسرائيل أن تخوض الحرب الحالية من دون هذه المساعدة، أي على حسابها الخاص، فإنها ستجد نفسها الآن غارقة في ديون هائلة، وهو ما قد يدفعها إلى أزمة اقتصادية عميقة، ويرفع الفوائد التي تدفعها على ديونها إلى عنان السماء وكذلك يستعبد اقتصادها لسنوات عديدة".

ونقل عميت عمن وصفها بـ "مصادر مطلعة على العلاقات الإسرائيلية الأميركية" قولها "إن التنازل عن المساعدات من جانبنا ليس واقعيا ولا صحيحا. يزعمون أن إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة لكي تعمل كحصن استراتيجي لها. وبحسبهم فإن حجم المساعدات الكبيرة التي تتلقاها البلاد من الولايات المتحدة يجعل الأميركيين يشعرون بالالتزام تجاه إسرائيل. ويزعمون أنه إذا توقفت الولايات المتحدة عن الاستثمار في إسرائيل، فإن اهتمامها بمصيرنا سوف يتضاءل أيضاً. وكما حددت تلك المصادر فإن الاستثمار في المساعدات هو ما يجعل الأميركيين

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات