المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مع احتلال الجيش الإسرائيلي أراضي 1967 يتكرر في الخطاب العام الحديث عن الـ"ستاتوس كو" في الحرم القدسي الشريف، وفيما يدعو المجتمع الدولي والعربي والإسلامي إلى الحفاظ على الـ"ستاتوس كو" تدعي إسرائيل أنها تحافظ عليه ولا تغيره. فما هو الـ"ستاتوس كو"؟ وهل فعلاً يتم الحفاظ عليه من قبل إسرائيل؟ وهل فعلا يوجد شيء اليوم اسمه "ستاتوس كو" في الحرم الشريف؟ وما هو دور التيارات الاستيطانية واليمينية القومية في الدفع نحو قلب الأوضاع في الحرم الشريف؟ هذه بعض الأسئلة التي يتطرق إليها هذا المقال.

"ستاتوس كو status quo" كلمة لاتينية مأخوذة من عبارة (status quo ante  bellum)  التي تعني الوضع القائم قبل الحرب لاحقاً، وأصبحت تشير إلى الوضع القائم الذي يجب الحفاظ عليه. وفي السياق المحدد المرتبط بالحرم الشريف وإدارته بعد الاحتلال الإسرائيلي، يشير "ستاتوس كو" في الخطاب الإسرائيلي إلى التزام الحكومة التي ترأسها في حينه ليفي أشكول بالحفاظ على الوضع القائم في الحرم الشريف قبل احتلال عام 1967 وبقاء إدارة المكان بأيدي الأوقاف الإسلامية إضافة إلى منع دخول المصلين اليهود واقتصار الزيارات على زيارات سياحية. 

استفاد القرار الإسرائيلي في حينه من وجود موقف ديني عام وصارم وقطعي يحرم دخول منطقة الحرم الشريف على اليهود. وينبع هذا التحريم من الاعتقاد بأن "الهيكل" الذي يعتبر أكثر الأماكن قداسة لليهود موجود في هذه المنطقة وفي قلبه في أعلى درجات القداسة (قدس الأقداس) والذي يعتقد أنه المكان الذي حفظ فيه سابقاً "تابوت العهد"، ونظرا لقداسته لا يجوز دخوله إلا للكاهن الأكبر ومرة واحدة في العام- في يوم الغفران- من أجل تقديم القرابين. دينياً يخضع دخول منطقة الحرم لعدة درجات من التحريم إجمالاً، ويحتاج الدخول إلى طقوس تطهر متشددة جداً لا يمكن حاليا وفي الوقت الراهن ضمانها. وبحسب أغلب الاجتهادات الدينية اليهودية فإنه نظراً لعدم إمكانية ضمان الطهارة من جهة ومن جهة أخرى لعدم إمكانية تحديد موقع الهيكل الدقيق وبالتالي عدم إمكانية تحديد مكان قدس الأقداس، يمنع على اليهود دخول ساحات الحرم. يشار إلى أنه وبحسب التشريعات توجد أسباب كثيرة تؤدي إلى النجاسة، من بينها لمس الميت، وبما أن أغلب اليهود لامسوا أجساداً ميتة أو لامسوا من لامسها فقد تنجسوا. وللتطهر من النجاسة بما فيها النجاسة من لمس الميت، يجب التطهر ببودرة بقرة حمراء ممزوجة بماء نبع، ولأنه لم يتم حتى اليوم العثور على بقرة حمراء صافية الحمرة فإن التحريم ما زال قائماً على حاله، بمعنى آخر فإن التحريم لا يرتبط بسؤال الاعتقاد حول الحق اليهودي المطلق على الحرم بل باشتراط الدخول بالتطهر الذي لا يمكن تحقيقه حاليا. 

تاريخيا، لا يعرف متى بدأ التحريم وكيف، لكن الاعتقاد بالتحريم تحول إلى جزء من العقيدة الدينية واعتبر بمثابة شأن مفروغ منه. لم يتم تجاوز هذا التحريم إلا في حالات نادرة في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وقوبل هذا التجاوز باستنكار وبغضب شعبي وديني شديد.  فمثلا في العام 1855 خلال زيارته لفلسطين، قام السير موشيه مونتفيوري، وهو متبرع يهودي شهير، برفقة زوجته والقنصل البريطاني جيمس فن بالدخول إلى ساحة الحرم والتجوال فيه. هذه الزيارة أثارت غضب الجالية اليهودية في البلاد، وأعلنت عدة كنس عن مقاطعته وفرضت الحرمان عليه، ولم يتم فك هذا الحرمان إلا بعد أن تم توبيخ مونتفيوري وتحذيره بأن لا يكرر ذلك[1]. المرة الثانية هي زيارة البارون روتشيلد في ربيع 1887، والتي أيضا أثارت الغضب والاستنكار، وقد عبر يهودا هكوك، الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي المؤسس للصهيونية الدينية الاستيطانية والحاخام الأكبر للمستعمرات الصهيونية، عن حزنه وغضبه من هذه الزيارة وكتب عن ذلك في 1914: "لقد سُحق قلبي بسبب تدنيس اسم الرب في الهيكل، وبالأخص عدم تحذير أحد له (يقصد روتشيلد) من أن ذلك ممنوع. إن عيباً واحداً يمس قدسية البيت (الهيكل) يفوق بالنسبة لنا أهمية ملايين المستوطنات العملية[2]". وكان كوك توجه في 1913 برسالة خاصة إلى إدارة مدرسة "جمنسيا هرتسليا" يدعوهم فيها إلى ضرورة الالتزام بالتقييدات عند زيارتهم القدس، وجاء من ضمنها: "أن لا يتم تدنيس حرمة الدين وكل مقدس، مثلا تدنيس السبت خاصة بالعلن، ومنع الدخول لمكان الهيكل".[3]

وجاء قرار إسرائيل الحفاظ على الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، في إثر المخاوف الإسرائيلية حينها من تفجر الأوضاع حوله، خاصة في ظل سكرة القوة ونشوة الانتصار التي اجتاحت الجمهور العلماني والديني معا، وظهور مساع أولية لبناء الهيكل مكان الحرم، باعتبار ذلك تتويجا للسيادة اليهودية التي تدعي أن "جبل الهيكل" درة التاج والذي تظل السيادة اليهودية منقوصة بدون تشييده. ويشار إلى أنه كان من بين الشخصيات التي رافقت كتيبة المظليين التي احتلت البلدة القديمة داخل أسوار القدس الحاخام العسكري للجيش شلومو غورن الذي تردد وتخبط، بحسب عدة شهادات، في كيفية التصرف تجاه الحرم الشريف وراودته حينها أفكار حول كيفية السيطرة على الحرم وإقامة الهيكل. وبحسب عوزي بنزيمان، الصحافي الإسرائيلي، فقد خبر الحاخام غورن تخبطات شديدة مع دخوله أسوار البلدة القديمة حول سؤال بناء الهيكل وسؤال السماح لليهود بدخول باحات الأقصى وحتى سؤال تفجير المسجد في باحاته. ونقل نداف شرغاي في كتابه "جبل الخصومة" شهادات عن أن الحاخام فكر جديا بإمكانية تفجير المساجد كخطوة في سبيل تشييد الهيكل، بل إن غورن شارك أفكاره مع قيادات الجيش حول ذلك. من ناحية غورن، فإن تحقيق بناء الهيكل هو خلاصة تحقيق الخلاص المسياني كما جاء في سفر إشعياء، الإصحاح الثاني 2.3.4 "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة، ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب، فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله. لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفا، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد".

مع دخول جيش الاحتلال باحات الحرم الشريف قام الجنود المحتلون برفع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة وبقي عليها عدة ساعات، قبل أن يأمر موشيه ديان، وزير الدفاع حينها، بإنزاله. عن أسباب ذلك كتب ديان لاحقا: "إن كان هناك شيء يجب ألا نفعله في القدس فهو رفع أعلام إسرائيلية على مسجد عمر وقبر المسيح"، وأضاف "علينا أن نعتبر جبل الهيكل بمثابة موقع تاريخي، وعدم مضايقة العرب في التصرف فيه كما هو الآن- مسجد صلاة إسلامي". وأعلن ليفي أشكول في حزيران 1967 استمرار الوضع القائم الذي يدير بموجبه الوقف الحرم الشريف، وفي آب 1967 اتخذت اللجنة الوزارية للحفاظ على الأمكنة المقدسة التي عينتها الحكومة قراراً أوعزت بموجبه للحاخام شلومو غورن بـ "الامتناع عن أي نشاط لتنظيم صلوات من قياسات وما شابه على جبل الهيكل"، وأمرت في حال قيام يهود بالدخول للصلاة في باحات الحرم بإخراجهم من قبل الجيش. وكان موقف موشيه ديان ومن ثم موقف حكومة ليفي أشكول مبنياً على حسابات مرتبطة بالعلاقات الدولية، وعلى مخاوف من تفجر الأوضاع مع العالم الإسلامي في حال تغيير الوضع القائم، وعلى قلق من أن يؤدي أي تغيير إلى ضغط دولي على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها. وفي هذا السياق كتب البروفسور أفيغدور ليفونتين، مختص بالقانون الدولي: "توجد مخاوف من أن تقوم جماعات متطرفة بالادعاء أنه وبما أن جبل الهيكل في أيدينا، فقد آن الأوان للقيام بعمل متطرف: بدءا من إقامة الهيكل في طرف الطيف ووصولا إلى توسيع أو تشديد مادي للسور الغربي لجبل الهيكل على حساب أقسامه الأخرى غير اليهودية".

كانت أولى الحركات التي أقيمت بعد الاحتلال من أجل "تهويد الحرم" وبناء الهيكل، هي حركة أمناء الهيكل التي أقامها غرشون سلومون (1935-2022) الذي كان عضواً في حركة حيروت ولاحقا في حزب تحيا اليميني العلماني المتطرف، وكان أكثر الداعمين للحركة نشطاء من قدامى الليحي والإيتسل فيما أدينت من قبل أغلبية المؤسسة الدينية والحاخامات. وعلى خلاف الحركات التي ستأتي لاحقا تميزت حركة أمناء الهيكل ببعدها القومي وليس الديني. واظبت حركة أمناء الهيكل على القيام بنشاطات لتغيير الوضع القائم واقتحام ساحات الحرم، وفي تشرين الأول 1990 أعلنت الجماعة عن نيتها وضع حجر الأساس للهيكل في ساحة الحرم ما أدى إلى اندلاع مواجهات شديدة في الحرم واقتحام القوات الإسرائيلية لساحة الحرم واستشهاد 17 فلسطينيا[4].  وفي منتصف الثمانينيات ظهرت أول حركة دينية يتزعمها راف من الصهيونية الدينية (معهد الهيكل)، وكانت هذه الحركات في بدايتها هامشية وصغيرة ولم تحظ بدعم شعبي، واستمرت الحاخامية الرسمية والتيارات الدينية المركزية في اعتبار دخول باحات الأقصى بمثابة خطيئة كبرى. 

ولكن التحريم الذي بدأ شبه شامل أصبح يتفكك تدريجياً بضغط العامل القومي، وبفعل التحول المستمر في الصهيونية الدينية نحو القومية الاستيطانية المسيانية، ويمكن تتبع بذور هذا التفكك في التنظيم الإرهابي الذي انتمى أغلب أفراده إلى الصهيونية الدينية في نهاية السبعينيات، فهذا التنظيم نفذ عدة تفجيرات استهدفت رؤساء بلديات منتخبين في الضفة، إضافة إلى هجمات إرهابية على طلبة الكلية الإسلامية في الخليل، وتم الكشف عن أنه خطط لتفجير قبة الصخرة في 1984 من أجل تسريع تحقيق الخلاص الرباني، ومن بين قياداته الصهيونية الدينية الصحافي حجاي سيغل، الذي يشغل حاليا منصب المحرر الرئيسي لصحيفة "مكور ريشون" الاستيطانية، والحاخام يهودا عتصيون المعروف بنشاطه الاستيطاني وبسعيه من أجل تحقيق تهويد الحرم. على الرغم من ذلك ظل التحريم على دخول الحرم هو الموقف الرئيس في الصهيونية الدينية والدينية الحريدية والمؤسسة الدينية الرسمية. لكن موقف الصهيونية الدينية بدأ يتخلخل بشدة على خلفية اتفاقيات أوسلو ورفض هذه الجماعات لأي انسحاب من الأراضي المحتلة، ووصل هذا الموقف إلى نقطة غير مسبوقة في 26 كانون الثاني 1997[5] عندما أصدرت لجنة حاخامات "ييشع" (يهودا والسامرة) منشوراً رسمياً تضمن فتوى تسمح بالدخول إلى الحرم الشريف وفيه دعت الجمهور لـ "الصعود إلى جبل الهيكل" ووضعت مجموعة إرشادات دينية عن كيفية التحضر والتطهر من أجل ذلك. ومن بين الذين تبنوا الموقف الجديد الذي يسمح بالدخول للحرم بعد "التطهر" مجموعة من الصف الأول المؤثر في الصهيونية الدينية مثل الراف حاييم دروكمان، الراف دوف ليئور، الراف ناحوم إليعازر رابينوفيتش، الراف إليعازر فيلدمان، إضافة الى الراف يسرائيل أريئيل رئيس "معهد الهيكل"[6]،[7]".

ولخص يهودا غليك الآثار التي ترتبت على الانتقال من التحريم إلى القبول من قبل حاخامات الاستيطان خلال مقابلة تلفزيونية معه في 7 أيار 2012: حين صعدت أول مرة إلى جبل الهيكل في العام 1990، كنا ندخل واحدا واحداً. اليوم ندخل بمجموعات من خمسين. حينها كان بصعوبة يوجد عدد من اليهود (الذي يمكن عبره إقامة صلاة) بسبب الأحكام الشرائعية. اليوم يوجد أكثر وأكثر[...] لقد حققنا خطوات عظيمة [....] إن موضوع الهيكل وجبل الهيكل أصبح اليوم موقفا مركزيا عاما في التيار القومي[8]".

وتعد "جماعات الهيكل" اليوم بالعشرات ومن بينها جماعات تدفع إلى بناء الهيكل  على خرائب الحرم الشريف  مثل  "معهد الهيكل"، "الحركة من  أجل إنشاء الهيكل"، "الوقف- كنوز الهيكل" و"نساء الهيكل" وحركة "أمناء الهيكل" التي وصل عدد المتطوعين في صفوفها في 2012 الى 957 متطوعاً وصرفت في حينه 250 ألف شيكل في مشاريع الترويج والنشاطات المختلفة التي تقودها، وكذلك جمعية "إلى جبل موريا (إل هار همور)" إضافة الى حركات تعمل على تحضير أدوات الطقوس المطلوبة من أجل العبادة بالهيكل مثل "معهد الهيكل- بيت الفنان العبري" وغيرها[9].

وتصل التحضيرات من أجل تحقيق المشاريع المسيانية في بعض الجمعيات إلى درجات عالية من التخطيطالحثيث ومتابعة كل التفاصيل المرتبطة بالهيكل المرجو مثل: مخطط المعبد وغرفه، والأواني، والملابس، والنباتات، والألوان، وحجارة الصدرة. ونظرا لارتباط الطقوس بالتطهر واشتراطها كما أشرت أعلاه بالتطهر برماد بقرة حمراء فقد أطلق معهد الهيكل في تموز 2015 مشروعا جديدا لتحقيق ذلك من خلال: "إخصاب مخبري بهدف توليد بقرة حمراء"،[10] وأعلنت الجمعية من على صفحتها تحت عنوان "خبر سار":  

"لقد عمل معهد الهيكل بهدوء ومواظبة منذ إنشاء الصندوق من أجل البقرة الحمراء. بمساعدة بقارة محليين، أسس معهد الهيكل عدة أماكن ممكنة في أرجاء الدولة من أجل تربية أبقار حمراء محتملة. مؤخرا، يراقب المعهد عن كثب ولادة أبقار من صنف أنجوس في مكان محروس، منها يأمل في إيجاد أبقار حمراء صالحة للاستخدام في المعبد"![11]

بالإضافة الى ذلك فقد تم تحضير وتوفير الملابس الخاصة للكهنة وعرضها للبيع على الموقع حيث يبلغ سعر اللباس الكامل 5000 ش[12].

Picture1

ناهيك عن انهيار التحريم الديني وتوسع دائرة المقتحمين للحرم من التيارات الصهيونية الدينية إضافة للقومية العلمانية، والمساعي المحمومة لتهويد الحرم الشريف وصولا لبناء الهيكل، فقد عملت قيادات اليمين التي تتوافق والصهيونية الدينية على فكرة أرض إسرائيل والسيادة على الحرم الشريف وتهويده، على الدفع نحو تغيير الوضع القائم. فقد انهار التزام إسرائيل (الشفوي) بالـ "ستاتوس كو" الذي وضعته حكومة أشكول في 1996 مع قيام حكومة بنيامين نتنياهو الأولى بافتتاح نفق أسفل المسجد الأقصى، وانهار بشكل كامل مع اقتحام أريئيل شارون، زعيم الليكود، في 2000 للحرم ومن ثم تفجر الانتفاضة الثانية وفي أعقاب ذلك أغلقت ساحات الحرم أمام اليهود لمدة ثلاثة أعوام، واستؤنفت من جديد في 2003 على أساس جديد بموجبه تقوم الشرطة الإسرائيلية بتحديد عدد ونوع الزوار الذين يدخلون باحات الأقصى من اليهود. وفي إطار هذا التغيير أصبح يتاح لمجموعات أيديولوجية مسيانية كبيرة بالدخول لباحات الحرم بأعداد تصل إلى 50 ثم تزايدت الأعداد لاحقاً، فمثلاً في آب 2003 اقتحم 150 مستوطناً باحات المسجد الأقصى وحاولوا أداء طقوس "دينية" بداخله، كما تزايد باضطراد عدد قوات الأمن التي تتجول في باحات الحرم، وأصبحت الشرطة تتدخل بشكل أوسع في إغلاق ساحات الحرم أمام المصلين، ناهيك عن منع الأوقاف من القيام بأي ترميم أو إصلاحات داخل مباني المساجد ومنع دخول المصلين من الأراضي المحتلة من الضفة الغربية وقطاع غزة. 

 ومنذ 2009 أصبحت الاقتحامات تتم بمرافقة وزراء وسياسيين منهم أعضاء في الليكود مثل موشيه فيغلينويهودا غليك، وأصبحت هذه الاقتحامات محل منافسة واستعراض بين اليمين، ففي تشرين الثاني 2014 نشر الوزير أوري أريئيل فيديو له وهو يقف بجانب قبة الصخرة ويتلو بركة الكهان. في أيلول 2015 فتح الحرم لأول مرة أمام يهود في يوم الغفران وقام 37 مستوطناً بدخوله، وصلى 60 يهوديا في الكنيس المتاخم في بناية المحكمة، والذي يتم التعامل معه من قبل الحاخامات كمكان مقدس اذ يعتقدون أن نصفه مبني في باحات الحرم[13].  

وتظهر متابعة الاحصائيات التصاعد المثابر والمستمر للاقتحامات الجماعية التي أصبحت تتكرر يوميا تقريبا، وبحسب الإحصائيات المتوفرة اقتحم 37708 مستوطن باحات الأقصى في العام 2019 وفي العام 2020 وبسبب تشديدات كورونا انخفض العدد إلى 19814 ثم ارتفع مجددا إلى 34779 في العام 2021[14] ووصل إلى رقم غير مسبوق في العام 2022 حيث اقتحم المكان بحسب الأوقاف الإسلامية 48238 مستوطناً.

ويمكن القول إن تحوّل موقف الصهيونية الدينية من المنع المطلق على دخول الأقصى نحو التقبل الواسع، يظهره بشكل جليّ الاستطلاع الذي أجري في 2014 بين جمهور المتدينين الصهيونيين حيث أجاب 75.4% بأنهم يدعمون دخول اليهود إلى باحات الحرم وفقط 24% أعلنوا معارضتهم وأجاب 19.6% بأنهم قد دخلوا الحرم وأشار 35.7 % إلى أنهم لم يقوموا بذلك لكنهم ينوون القيام به[15]. وبذا أصبح الـ "ستاتوس كو" مجرد مقولة لزجة في الفعل السياسي والممارسة على أرض الواقع بعد أن أصبح يتم تغييره وفق ما تريده الشرطة الإسرائيلية ومن فوقها الحكومة القائمة.

على الصعيد الديني، وبالرغم من التحول المتصاعد في اتجاه الصهيونية القومية واتساع دائرة الحاخامات من الخلفيات القومية التي تدعم اقتحامات الهيكل وتسعى لإقامة الهيكل على خرائب الأقصى، من المهم الإشارة إلى أن موقف الحاخامات الحريديين من التيارين الأشكنازي والشرقي وموقف الحاخام الأكبر في إسرائيل ما زال يحرم بشكل قطعي الدخول إلى باحات الأقصى. وقد نشرت الحاخامية المركزية في إسرائيل في 2004 بيانا يكرر موقف التحريم الديني القاطع من دخول باحات الحرم الشريف على اليهود، ووقع على البيان كل من عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة شاس، والحاخام الأكبر في إسرائيل يونا متسيغر، وشلومو عمار الحاخام الأكبر للسفارديين. وفي هذا الإطار جاء تصريح موشيه غفني من يهدوت هتوراه الذي عبر عن استيائه من قيام إيتمار بن غفير باقتحام الأقصى متسللاً، واعتبره مناقضا للشرائع اليهودية، وكذلك موقف الحاخام الأكبر لإسرائيل إسحق يوسف الذي وجه رسالة احتجاج شديدة لبن غفير كررت الموقف الديني الذي يحرم دخول باحات الحرم. أما في الصهيونية الدينية التي يتبعها بتسلئيل سموتريتش فالمواقف حتى اللحظة غير محسومة اذ هناك من يعارضون بشدة فيما دعم ذلك حاييم دروكمان المتوفي حديثاً. 

ضمن هذا المشهد من المتوقع أن يشكل الموقف من الحرم واقتحاماته إحدى نقاط الخلاف في حكومة نتنياهو الحالية بين التيار الحريدي المعارض والتيار القومي اليميني الذي يمثله بن غفير مع توقعات بأن تتوسع في صفوف الصهيونية الدينية الحردلية باضطراد دائرة الدعم نحو تبني موقف بن غفير. 

 

[1] دوتان غورن، الصعود إلى جبل الهيكل قبل إقامة الدولة، 16.6.2007. انظر/ي الرابط التالي: https://www.e-mago.co.il/Editor/history-1728.htm

[2] المصدر نفسه

[3] المصدر نفسه

[4] موطي عنباري، الأصولية اليهودية وجبل الهيكل، 2008، إصدار ماغنس، القدس. 

[5] من المهم التوضيح أن عدة إصدارات مركزية أشارت إلى أن قرار لجنة حاخامات يهودا والسامرة كان في بداية 1996 لكن الصحيح كما يوضح الباحث عيران تصدقياهو كان في 26.1.1997 

[6]  قائمة الأسماء على الموقع الاستيطاني جبل الهيكل بأيدينا: shorturl.at/IJMS7

[7] عير عاميم،علاقة خطرة: دينامية تزايد قوة جماعات الهيكل في إسرائيل ومعنى ذلك، 2013، إصدار جمعية عير عاميم، ص12: shorturl.at/pN379

[8] عير عاميم، مصدر سابق.

[9] المصدر نفسه

[10] انظر/ي الرابط التالي: https://bit.ly/3CzOAw9

[11] انظر/ي الرابط التالي: https://www.temple.org.il/research-institute

[12] المصدر نفسه.

[13] إسحق رايتر، ستاتوس كو في وضع متغير، معهد القدس لدراسة إسرائيل، 2016، ص76: shorturl.at/muB03   

 

[15] تومر برسيكو، لماذا لا تستطيع الصهيونية أن تكون مع ولا بدون جبل الهيكل، موقع لولئات هئيل  accessed September 20, 2022, shorturl.at/oWX23

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات