المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في 31 كانون الأول 2022 صادقت الأمم المتحدة على طلب فلسطيني تم تقديمه للنظر في حالة الاحتلال. وطالب ممثل فلسطين في الأمم المتحدة بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لإبداء رأي قانوني في استمرارية الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، وفيما إذا كان الاحتلال "مؤقتا" أم "دائما". هذه المقالة تشرح معنى الاحتلال "المؤقت" و"الدائم" في القانون الدولي، وكيف تتعامل إسرائيل مع مسألة"الاحتلال" في القانون الدولي.

استنادا إلى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين (قرار 181 للعام 1947)، فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يعترفان بوجود دولة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطين، الأمر الذي ينقل النقاش من شرعية دولةإسرائيل ككيان مستعمِر ما بين البحر إلى النهر (وهو نقاش نجده أكثر في الدوائر الأكاديمية والسياسيةالنقدية) إلى نقاش حول الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة العام 1967. فيما يخص التواجد الإسرائيلي في الأرض المحتلة، خصوصا الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن المصطلح المتعارف عليه هو "الاحتلال" (Occupation). ولقد مر مفهوم "الاحتلال" بعدة تطورات في القاموس القانوني الدولي،ويمكن العثور على الإطار القانوني الأولي المقبول دولياً لتحديد معنى الاحتلال في لوائح لاهاي (لاهاي2) من العام 1899. في المادتين 42 و43 من تلك اللوائح، والتي تتطابق مع المادتين 42 و43 من لوائح لاهاي (لاهاي 4) للعام 1907، فإن تواجد قوى غريبة على الأرض سيعتبر احتلالاً في حال استوفى الشروط التالية:

أولاً، المنطقة باتت تحت السيطرة الفعلية لجيش معاد (في حالة فلسطين، يتساءل المجتمع الدولي فيما إذا كان الجيش الإسرائيلي جيشا معاديا؟). ثانياً، كانت المنطقة سابقاً منطقة ذات سيادة لدولة أخرى (في حالة فلسطين، يتساءل المجتمع الدولي فيما إذا كانت الأرض المحتلة، تحديدا الضفة الغربية والقدس الشرقية، تحت السيادة الأردنية، أو أن التواجد الأردني عليها ما بين 1948-1967 كان بالقوة أم إذا كانت الأرض المحتلة في تلك الفترة جزءا لا يتجزأ من حدود الأردن حسب القانون الدولي؟). ثالثاً، يحتفظ المحتل بالمنطقة التي يحتلها بغرض إعادتها إلى الدولة التي كانت تمارس السيادة السابقة. 

واستنادا إلى الشرط الثالث (إعادة الأرض المحتلة إلى الدولة التي كانت سابقا تحتلها)، يقول أوبنهايم (وهو أحد جهابذة القانون الدولي الألمان): "بما أن المحتل يمارس السلطة فعلياً [على الأرض المحتلة]، وتُمنع الحكومة الشرعية [التي كانت تحكم قبله] من ممارسة سلطتها، فإن [وجود] المحتل [على الأرض] يجب أن يحمل صفة الوجود المؤقت تجاه الأرض والسكان؛ وجميع الخطوات المشروعة التي يتخذها في ممارسة هذا الحق يجب أن تعترف بها الحكومة الشرعية بعد انتهاء الاحتلال ".[1] بحسب هذا الفهم، فإن إسرائيل عليها أن تحافظ على الأرض المحتلة بهدف إعادتها إلى الدولة التي كانت سابقا تمارس سيادتها عليها (الأردن)، وتبقى إسرائيل تمارس سلطتها باعتبارها قوة عسكرية محتلة طالما أن ما بين الدولتين (الدولة المحتلة والدولة التي كانت تسود قبل الاحتلال) هو حالة عداء. 

ظل هذا الفهم في القانون الدولي ساريا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما استكملت اتفاقيات جنيف الأربعة الرأي القانوني السابق الذي رشح عن اتفاقيات لاهاي (أنظر الفقرة السابقة). على ما يبدو، فإن اتفاقيات لاهاي (التي عرفت معنى الاحتلال قبل الحرب العالمية الثانية) ركزت على التزامات الدولة المحتلة (إسرائيل) تجاه الدولة التي تمتعت بالسيادة قبل الاحتلال (الأردن). لكن، اتفاقية جنيف (التي تشكل الأرضية للقانون الدولي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم) نقلت التركيز إلى التزامات الدولة المحتلة تجاه سكان الأراضي المحتلة (بدلاً من الالتزامات تجاه الأردن).[2] ومع ذلك، فإن اتفاقيات جنيف لم تلغ كليا معاهدات لاهاي السابقة، بل إن المقدمة التي صاغتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وأرفقتها مع اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن "الاتفاقية لا تبطل أحكام لوائح لاهاي للعام 1907 بشأن نفس الموضوعات، ولكنها مكملة لها" (أنظر المادة 154 من الاتفاقية).

لقد دار نقاش طويل سواء في الدوائر الدولية أو داخل إسرائيل حول ما إذا كان التواجد الإسرائيلي في الأرض المحتلة يعتبر "احتلالا" بموجب لوائح لاهاي واتفاقيات جنيف أم لا. أحد أهم مصادر الجدل يكمن في التساؤل الإسرائيلي حول ما إذا كانت الضفة الغربية والقدس جزءا من الدولة الأردنية الهاشمية أو ما إذا كان قطاع غزة جزءاً من الدولة المصرية قبل أن تنتزع إسرائيل السيادة من هاتين الدولتين؟ في نقاش إسرائيلي آخر، فإن اتفاقية السلام ما بين إسرائيل والأردن نصت في مادتها الثالثة على ترسيم الحدود مابين البلدين واعتبار نهر الأردن حدودا دولية، الأمر الذي يلغي أي حقوق قانونية للدولة السابقة على الاحتلال (أي الأردن) في المناطق المحتلة، الأمر الذي ينزع صفة الاحتلال عن التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس.[3]

ومهما يكن من أمر النقاشات الإسرائيلية الاحتيالية على القانون الدولي، فإن محكمة العدل العليا في لاهاي عادت، في العام 2004، وأكدت أنه وبموجب القانون الدولي العرفي، فإن "الأراضي الواقعة بين الخط الأخضر والحدود الشرقية السابقة لفلسطين ابان الانتداب البريطاني [أي نهر الأردن]... هي أراض محتلة وتصنف إسرائيل فيها كقوة محتلة" (أنظر فقرة 78).[4] وزيادة على ذلك، ولغرض ازالة أي سوء فهم، قالت المحكمة أيضا إن الأحداث السياسية التي جرت في المنطقة (ضم شرق القدس، والتوقيع في 1994 على معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، والاتفاقيات الموقعة منذ اتفاقية 1993 بين إسرائيل ومنظمةالتحرير الفلسطينية) لا تغير شيئا من تعريف إسرائيل كقرة محتلة، بل إنها تبقى حسب القانون الدولي دولة احتلال.[5]

وطالما أن الأمر كذلك، فإن النقاش الحالي ينبع من شروط الاحتلال حسب القانون الدولي وبالتحديد الشرط الذي يقول بأن أي احتلال هو احتلال مؤقت وليس دائم. هذا يعني أن المجتمع الدولي قد يقبل الرأي القائل بأن إسرائيل هي دولة محتلة، ويقبل كذلك الرأي القائل بأن الانسحاب من الأراضي المحتلة قد لا يكون متاحا حاليا لانعدام فرص سلام، أو لعدم توفر الظروف (بعض النظر عن صوابية هذا الاعتقاد)، إلا أن المجتمع الدولي قد لا يقبل أن يكون الاحتلال له صفة الديمومة. 

والاحتلال المؤقت يعني أمرين اثنين، هما ما يميزانه عن الاحتلال الدائم، وهذا ما ستنظر فيه المحكمةالدولية:

الاحتلال المؤقت يعمل على فرض سياسته، وسيادته، وقوانينه، بشكل مؤقت، إلى حين الانسحاب منالأراضي. وهنا فإن الانسحاب من الأراضي لا يقول شيئا عن الطرف الذي ستعاد له الأراضي المحتلة. في هذا السياق، فإن الفهم السائد في إسرائيل هو أن "الدولة [أي إسرائيل] لا يمكن ان تحتل أراضي تابعة لها". بمعنى أن إسرائيل تنظر إلى أراضي الضفة والقدس على أنها حق إلهي ممنوح لها، وأنها جزء أساسي من دولة إسرائيل اليهودية، وبالتالي لا يمكن أن تكون إسرائيل محتلة لأراضيها. بالنسبة لإسرائيل إذن، فإنها ترفض كلمة "احتلال" في عبارة "الاحتلال الدائم/المؤقت".

الأمر الآخر الذي ستنظر فيه المحكمة الدولية هو ما إذا كان الاحتلال، الذي سيصل عمره في صيف 2023 إلى 56 عاما (وهو عمر طويل جدا على الاعتقاد بأنه احتلال مؤقت)، قد اتخذ خطوات فعلية، لا رجعة عنها، في تغييره لطبيعة المكان، التركيبة الديمغرافية للسكان، البنى التحتية وغيرها. إن وجود أكثرمن 800 ألف مستوطن (500 ألف في الضفة و300 ألف في القدس) يعيشون في الأرض المحتلة، ويتناسلون، ويحولون الأرض المحتلة إلى "وطن" من خلال إقامة مدارس ومستشفيات وبني تحتية ومحال تجارية ومزارع، ينقل النقاش من احتلال عسكري مؤقت (حسب القانون الدولي) إلى استيطان دائم. 

ومن المتوقع أن تبدي المحكمة الدولية رأياً قانونياً بهذا الخصوص في وقت لاحق من العام. بيد أن الرأي القانوني للمحكمة سوف لن يكون ملزما قانونيا لإسرائيل. في المقابل، فإن اعتماد الأمم المتحدة للرأي القانوني للمحكمة، في حال انتقد إسرائيل باعتبارها منتهكة للقانون الدولي المتعلق بشروط الاحتلال، قد يكون له تبعات إيجابية فيما يخص مناصرة الدول الأخرى للقضية الفلسطينية. فقد يدفع هذا الرأي القانوني العديد من الدول إلى مقاطعة إسرائيل، أو إلى التراجع عن إقامة علاقات وطيدة معها باعتبارها قوة محتلة تسعى إلى "تأبيد" احتلالها. يضاف هذا التحول في الخطاب الحقوقي الدولي، وفي مواقف منظمات حقوقية ودولية، إلى العديد من القرارات والآراء التي صدرت خلال العامين 2021 و2022 عن منظمة العفو الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، بالإضافة إلى منظمات حقوقية دولية وفلسطينية وإسرائيلية والتي تصنف إسرائيل على الملأ كدولة أبارتهايد، أو دولة استعمار، أو دولة احتلال غير شرعي. 

 

المراجع

[1] Oppenheim, International Law, vol. II, H Lauterpacht ed., 6th ed. (1944), 341-42

[2] Sharon, Avinoam. Why is Israel's Presence in the Territories Still Called" occupation"?. Jerusalem Center for Public Affairs, 2009.

[3] Sharon, Avinoam. Why is Israel's Presence in the Territories Still Called" occupation”?

[4] https://casebook.icrc.org/case-study/icjisrael-separation-wallsecurity-fence-occupied-palestinian-territory

[5] nternational Law And Armed Conflict, Exploring the Faultlines

المصطلحات المستخدمة:

جيشا, الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات