المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وصل عدد مخالفات السير التي حررتها الشرطة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية في النصف الأول من العام 2021 (أي في مدة ستة أشهر فقط) إلى نحو 29283 مخالفة، علماً بأن معدل تكلفة المخالفة الواحدة يصل إلى نحو 500 شيكل. في تقرير نشره مكتب مراقب الدولة في إسرائيل أشار إلى أن حجم المخالفات المحررة بحق الفلسطينيين وحدهم، والتي عجزت الشرطة الإسرائيلية عن جبايتها، وصل إلى نحو 270 مليون شيكل بين العامين 2014 و2021. تستعرض هذه المقالة عمل جهاز الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتلخص التوصيات التي رفعها مكتب مراقب الدولة في العام 2022 بهذا الشأن.

من هو "لواء الضفة الغربية" في الشرطة الإسرائيلية؟

تعمل في مناطق الضفة الغربية عدة أجهزة إسرائيلية، على أن العلاقة بينها تتراوح بين التعاون من جهة والتجاذب وعدم الانسجام من جهة أخرى. أهم هذه الأجهزة هي: 1) لواء الوسط في الجيش الإسرائيلي بحيث أن قائد اللواء هو الحاكم العسكري للأرض المحتلة. 2) جهاز الإدارة المدنية المسؤول عن الجوانب المدنية والاقتصادية والبنى التحتية في الضفة الغربية. 3) جهاز المخابرات العامة أو الشاباك. 4) لواء "يهودا وشومرون" في الشرطة الإسرائيلية (لاحقاً: شرطة لواء الضفة الغربية). وتم استحداث هذا اللواء في العام 1994، ليصبح جهاز الشرطة الإسرائيلية مكونا من سبعة ألوية هي لواء تل أبيب، لواء القدس، لواء الشمال، لواء الجنوب، لواء المركز، لواء الساحل، ولواء يهودا وشومرون. عند تأسيسه، امتدت صلاحيات شرطة لواء الضفة الغربية على كامل أراضي الضفة الغربية. بموجب اتفاقيات أوسلو المرحلية في العام 1995، تم تقليص صلاحيات شرطة لواء الضفة الغربية لتغطي فقط مناطق "ج"، بما يشمل بطبيعة الحال القرى الفلسطينية فيها. في العام 2009، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي الأمر العسكري رقم 1651 لتنظيم سلطة وصلاحيات شرطة لواء الضفة الغربية. يتعامل هذا اللواء الشرطي مع الأحداث الأمنية والجنائية، وتوكل إليه مهمة تزويد الضفة بالسلاح وقت الحاجة. في كانون الثاني 2020، جرت إعادة هيكلة داخلية في شرطة لواء الضفة الغربية بحيث تم تقسيمها إلى منطقتين فرعيتين: منطقة "السامرة" (النصف الشمالي من الضفة الغربية) وتوجد فيها محطات شرطة أريئيل، وبنيامين، وموديعين عيليت. ومنطقة يهودا (النصف الجنوبي من الضفة الغربية) حيث توجد محطات شرطة الخليل، وعتصيون، ومعاليه أدوميم. بالإضافة إلى ذلك، هناك وحدتان إضافيتان تعملان في منطقة الضفة الغربية تتعلقان بأعمال التحقيق. أحد أهم مجالات تدخل شرطة الضفة الغربية هو السير و"السلامة على الطرق"، والتي تحولت إلى عصا غليظة لمعاقبة الفلسطينيين، أو سرقة أموالهم، من خلال تحرير مخالفات باهظة الثمن بحقهم. 

مخالفات السير كعقاب جماعي مستمر

بناء على المعطيات الواردة لدى شرطة لواء الضفة الغربية، في العام 2019 تم تحرير 45704 مخالفات سير في الضفة الغربية، من بينها 32663 مخالفة بحق الفلسطينيين (أي نحو 72%). في العام 2020، تم تحرير 48371 مخالفة، من بينها 36074 مخالفة بحق الفلسطينيين (أي 75%). أما في النصف الأول من العام 2021، أي من كانون الثاني حتى حزيران، فقد جرى ارتفاع حاد بحيث تم تحرير نحو 40927 مخالفة، من بينها 29283 مخالفة بحق الفلسطينيين (أي 72%). 

المخالفات التي تحررها شرطة لواء الضفة الغربية يتم إدخالها على النظام المحوسب للشرطة الإسرائيلية (الذي يسمى "دوتان"). بيد أن جباية هذه المخالفات تذهب إلى الإدارة المدنية في قسم المالية. وعليه، تقوم الشرطة الإسرائيلية بتحويل ملف "إكسل" (excel) يتضمن كل المخالفات المحررة إلى الإدارة المدنية. وهنا تكمن، ربما، الثغرة الأولى في التنسيق بين الشرطة الإسرائيلية والإدارة المدنية بحيث أن نقل الملفات بصيغة "إكسل" تحولها إلى بيانات "ميتة" يصعب التصرف بها من قبل الإدارة المدنية. في المقابل، يطالب مراقب الدولة بأن تتحول البيانات بموجب "تشبيك" أكثر تطورا بين المنظومة المحوسبة للشرطة الإسرائيلية والمنظومة المحوسبة للإدارة المدنية. ومهما يكن من أمر، بإمكان الفلسطيني أن يدفع مخالفات السير المفروضة عليه بثلاث طرق: من خلال فروع بريد إسرائيل في الضفة الغربية أو إسرائيل، ومن خلال بعض محطات الوقود الإسرائيلية في الضفة الغربية، أو من خلال استخدام بطاقة اعتماد بعد الدخول إلى موقع الشرطة الإسرائيلية. 

لكن إسرائيل كانت قد بدلت من قوانينها التي تجبر الفلسطيني على دفع المخالفات عدة مرات. مثلا، في قرار الحكومة الإسرائيلية رقم 3432 للعام 1998، قررت إسرائيل أن تمنع أي فلسطيني من إصدار تصريح دخول إلى إسرائيل في حال تبين أنه مدين إلى الشرطة الإسرائيلية بمخالفة سير. لكن في العام 2017، أصدرت الحكومة الإسرائيلية (لسبب غير معروف) القرار رقم 3316، والذي بموجبه صار ضابط القانون في الإدارة المدنية هو المخول في التقرير فيما إذا كان بإمكان الفلسطيني المحرر بحقه مخالفة سير إصدار تصريح أم لا. وبالفعل، تحولت الإدارة المدنية إلى مقرر نهائي في إمكانية إصدار تصريح على الرغم من وجود مخالفات سير. أدى الأمر، على ما يبدو، إلى تقليل نسبة دفع مخالفات السير بين الفلسطينيين. وعليه، وفي بداية العام 2022، نشرت الإدارة المدنية تقريرا أوضحت فيه نقطتين: 1) لا يمكن للإدارة المدنية أن تعرف نسبة المخالفات التي تم تسديدها من كامل المخالفات (وهي بيانات متوفرة لدى شرطة لواء الضفة الغربية)، 2) لكنها تقدر بأن حجم المخالفات غير المدفوعة، والتي تم تحريرها بين عاميّ 2014-2021، قد يصل إلى نحو 270 مليون شيكل.

في بداية العام 2022، قررت الإدارة المدنية العودة للعمل بالقرار القديم الذي بموجبه يمنع منعا باتا إصدار تصريح لكل فلسطيني محرر بحقه مخالفات سير. خلال الأسبوع الأول بعد اتخاذ هذا القرار، قفزت قيمة المخالفات المسددة من قبل الفلسطينيين لتصل إلى نحو 100 ألف شيكل خلال أسبوع واحد فقط. لكن، ومع ذلك، لا توجد أي منظومة إسرائيلية قادرة على إجبار الفلسطيني على تسديد مخالفاته إلى الشرطة الإسرائيلية. حتى لو أمسكت الشرطة الإسرائيلية بفلسطيني تم تحرير مخالفات سير سابقة بحقه، فإنها غير قادرة، بموجب القانون، على اتخاذ خطوات تنفيذية (كالاعتقال) لإجباره على تسديد مخالفاته السابقة. من هنا، أوصى مراقب الدولة الإسرائيلية في منتصف العام 2022 بضرورة "ابتداع" منظومة جديدة تجبر الفلسطينيين على تسديد مخالفاتهم إلى الشرطة الإسرائيلية. ولم يتم التطرق في تقرير مراقب الدولة إلى إمكانية خصم قيمة المخالفات من أموال المقاصة، لإجبار الشرطة الفلسطينية على ملاحقة الفلسطينيين الذي حصلوا على مخالفات إسرائيلية.

شرطة إسرائيل والإدارة المدنية: عدم تنسيق أم أجندات مختلفة؟

من المفترض أن يقوم قسم التكنولوجيا والمراقبة داخل شرطة لواء الضفة الغربية بتعميم قاعدة بيانات كل السائقين الفلسطينيين ومركباتهم على عناصر الشرطة المنتشرين في شوارع الضفة الغربية ليتمكنوا من القيام بعملهم. يشمل ذلك بيانات السائقين الفلسطينيين ومركباتهم التي بإمكانها الدخول إلى إسرائيل وليس فقط داخل الضفة الغربية. بيد أن المشكلة تكمن في أن قاعدة البيانات هذه متوفرة لدى الإدارة المدنية (والتي تحدثها بشكل دوري من خلال تنسيقها مع وزارة المواصلات الفلسطينية). وعلى العكس من بيانات الفلسطينيين المقيمين في القدس أو الداخل، والتي يتم إدخالها على النظام المحوسب لدولة إسرائيل وتوزيها بشكل لحظي على كافة أذرع الدولة (كالتأمين الوطني، الشرطة الإسرائيلية، سلطة المعابر والمطارات، المستشفيات، وغيرها...) فإن الإدارة المدنية تعتبر "دولة داخل دولة"، ولا تشارك قاعدة بياناتها بشكل لحظي مع باقي مؤسسات دولة إسرائيل. مثلا، في تقرير قديم لمراقب الدولة، يعود إلى العام 2013 (تقرير رقم 63 ب)، تبين أن البيانات المتوفرة لدى شرطة لواء الضفة الغربية والمتعلقة برخص سياقة الفلسطينيين (مدة سريانها، أو إذا كانت مسحوبة أو مزورة) لم تكن محدثة مما أعاق قدرة الشرطة على التعامل مع السائق الفلسطيني بشكل فعال. لكن في نفس الوقت، كانت لدى قسم المواصلات في الإدارة المدنية بيانات كاملة ومحدثة تتعلق برخص سياقة الفلسطينيين ومركباتهم، ولكن بسبب عدم وجود آلية تنسيق وتنظيم بين شرطة لواء الضفة الغربية والإدارة المدنية لم تتم مشاركة هذه البيانات. وقد تبين أن الشرطة الإسرائيلية تفتقد إلى بيانات معظم المركبات الفلسطينية التي تمر في شوارع منطقة "ج" (أي بين المدن الفلسطينية)، بسبب عدم وجود آلية تنسيق بين المنظومة المحوسبة للشرطة الإسرائيلية (التي تسمى "دوتان") والمنظومة المحوسبة للجيش والإدارة المدنية (والتي تسمى "الحجر المتدحرج").

بالإضافة إلى ذلك، في آب 2016، نقلت الإدارة المدنية إلى الشرطة الإسرائيلية البيانات الكاملة بشأن السائقين الفلسطينيين الذين ألغيت رخصهم أو بشأن المركبات الفلسطينية المشطوبة أو غير المصرح بها (والتي حصلت عليها من السلطة الوطنية الفلسطينية). لكن الشرطة الإسرائيلية رفضت استخدامها! في شباط 2021، بررت الشرطة الإسرائيلية رفضها استخدام هذه البيانات بأنها ناقصة، وتحتوي على تكرار، ومضللة، وتدل على عدم مهنية من وضعها، الأمر الذي قد يعرض الشرطة الإسرائيلية إلى دعاوى قضائية بسبب استخدام بيانات غير صحيحة.

في آذار 2017، وافقت الشرطة الإسرائيلية على ربط منظومة "دوتان" بمنظومة "الحجر المتدحرج" لتتدفق البيانات التي تصدرها الشرطة الإسرائيلية (مثل سحب رخصة سائق) من حواسيب الشرطة إلى حواسيب الإدارة المدنية، والتي يصبح بإمكانها بعد ذلك إرسالها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. على ما يبدو، تدفق المعلومات من الإدارة المدنية إلى الشرطة الإسرائيلية (التدفق المعاكس للبيانات) لم يتم بشكل فعال حتى ذلك الوقت. لكن في العام 2022، وصل التنسيق بين شرطة لواء الضفة الغربية والإدارة المدنية بخصوص تبادل البيانات إلى مرحلة متقدمة وفعالة، والتي قد ينجم عنها إنشاء منظومة محوسبة مشتركة جديدة (قد يكون اسمها "حجر الحكماء"). 

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, الإدارة المدنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات