المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يرتفع عدد سكان إسرائيل سنوياً بنسبة 2%. ومنذ العام 2005 ازداد العدد بمليوني نسمة، من 7 ملايين إلى 9 ملايين، وهذا ارتفاع إجمالي بنسبة 30%. والمعنى الاقتصادي لهذه الأعداد الديمغرافية في غاية البساطة. لكن كي لا يكون الانعكاس سلبيا، من خلال زيادة الاكتظاظ في المستشفيات والعيادات، وفي الصفوف المدرسية، وفي الشوارع وشبكة القطارات، كان يجب زيادة وتوسيع كل واحد من هذه الجوانب بنحو 30%. وهذا حساب بسيط، لكنه لم يتغلغل إلى أدمغة "متخذي

القرارات". من ناحيتهم، فإن عدد السكان ارتفع بمليوني نسمة، لكن احتياجاتهم لا. وهم لا يفهمون كيف أنه فجأة بات هناك اكتظاظ في المستشفيات والشوارع والقطارات والصفوف المدرسية.

ولننظر إلى الإحصائيات الطبية. في العام 2005 كان في البلاد، وبحسب التعريفات العالمية والمتعارف عليه، 25800 سرير لكل أنواع العلاجات؛ تقريبا 1ر2 سرير لكل ألف نسمة. وهذا من أقل النسب القائمة في الدول الغربية، ويدل أيضا على نقص غير مسبوق في نجاعة جهاز الصحة الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحين، ازداد عدد السكان بمليوني نسمة، ولذا كان من الضروري زيادة 7700 سرير في المستشفيات، فقط من أجل أن لا يشتد الاكتظاظ أكثر.

إلا أنه في واقع الأمر ازداد العدد بـ 1400 سرير فقط، ما يعني نقصاً إضافياً في المستشفيات بـ 6300 سرير منذ العام 2005، ويعني أن عدد الأسرّة لكل ألف نسمة انخفض إلى 8ر1 سرير، وهذا تراجع بنسبة 15%، وبذلك حلت إسرائيل في المكان الأدنى من حيث عدد الأسرّة العلاجية مقارنة بعدد السكان، من بين دول منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD.

وبحسب معطيات وزارة الصحة، فإنه في العام 2005 كان هناك 86 مستشفى أما اليوم فهي 85 مستشفى بمختلف التخصصات. واستنادا لعدد السكان، فإن في إسرائيل نقصاً بـ 20 مستشفى، أو بتوسيع مستشفيات قائمة. والميزانية المطلوبة لسد النقص في الخدمات الصحية، تلامس 100 مليار شيكل (حوالي 4ر27 مليار دولار). كذلك فإن عدد مؤسسات التمريض انخفض من 290 مؤسسة في العام 2005 إلى 250 ألفا اليوم.

في الماضي برزت إسرائيل بشكل جيد، من حيث عدد الأطباء لكل ألف مواطن، لكن هذا لم يعد قائما. فمن العام 2005 ولاحقا بشكل تدريجي، نشأ نقص في عدد الأطباء، أمام تزايد أعداد السكان. وأمام تزايد أعداد السكان انخفض عدد الأطباء العاملين بشكل عام، والأطباء الشباب بشكل خاص. وقد انخفض عددهم بنسبة 10%. والتركيبة العُمرية للأطباء في إسرائيل شاذة بشكل خاص عما هو قائم في الدول المتطورة، إذ إن 40% من الأطباء هم أكبر من 55 عاما، ونسبة قليلة منهم أنهوا تعليمهم في إسرائيل. فلا يوجد مكان ليتعلم فيه الأطباء، ولا مكان للعمل، ولا مكان لمساعدة المرضى.

أما عن الممرضات، فإنه منذ العام 2005 انخفض عدد الممرضات من 2ر5 ممرضة لكل ألف مواطن، إلى 5ر4 ممرضة في العام الماضي 2018. وهذا في حين أن المعدل القائم في دول منظمة OECD هو 5ر9 ممرضة لكل ألف مواطن، بمعنى ضعفي ما هو قائم عندنا. ومنذ العام 2005 نشأ نقص بنحو 5 آلاف ممرضة. لكن كي نصل إلى معدل دول OECD، فإن ما ينقص اليوم هو 35 ألف ممرضة. والممرضات والممرضون في إسرائيل أكثر مهنية بكثير جدا مقارنة مع زملائهم في الدول المتطورة، لكن إلى أي مدى يمكن زيادة ضغط العمل عليهم؟

أما في مجال المواصلات، فمنذ العام 2005 ارتفع عدد السيارات بنحو 66%، بمعنى بوتيرة أكثر بكثير من وتيرة التكاثر السكاني، ومستوى حركة السيارات ارتفع كما هو متوقع لدولة متطورة. لكن منذ ذلك العام فإن طول الشوارع ازداد بنسبة 11%، وتم توسيعها بنسبة 26%، والاكتظاظ اشتد بنسبة 32%. وبكلمات أخرى، فإنه في كل واحد من مقاطع الشوارع ازداد عدد السيارات بنحو 32% منذ العام 2005. وذات يوم كانت إسرائيل من حيث قلة الاكتظاظ في الشوارع في المراتب الأولى بين الدول المتطورة، أما اليوم فنحن في قمة لائحة الدول من حيث شدة الاكتظاظ في الشوارع.

وفيما يخصّ المواصلات العامة، فإنها تراوح مكانها في الأماكن المتأخرة، فوقت الوصول إلى العمل قفز بالمعدل من 15 دقيقة إلى 40 دقيقة. وعدد المسافرين في القطارات تضاعف منذ العام 2010. وعدد المقطورات في الخدمة ارتفع بنسبة الثلث. ومساحات المحطات ازدادت بصعوبة بنسبة 15%، فلا عجب من الاكتظاظ، ولا عجب من الأوساخ.

إن كل هذه الحسابات ليست مفاجئة. فمتخذو القرارات الحكومية كان بمقدورهم أن ينظروا إلى ما يحصل على مدى السنوات، لكن غالبيتهم لم تلتفت إلى هذا. ومسؤولو الوزارات الكبار، ليس فقط أنهم تجاهلوا، بل رفضوا أيضا فتح الأبواب أمام الخبراء. وهكذا وصلنا إلى هذه الوضعية، إلى درجة أن منظمة OECD، تقدّر بأن إسرائيل تنقصها بنى تحتية بما قيمته 250 مليار شيكل (ما يعادل 68 مليار دولار).

وكان هناك وزراء عملوا خارج المألوف على المستوى البعيد المدى، من بينهم على سبيل المثال يوفال شتاينيتس الذي برز في هذا المجال. لكن هؤلاء كانوا قلة. فالغالبية في الحكومات السابقة، وبشكل خاص في الحكومة الحالية، استهترت كليا بالمعلومات وبالمعرفة المهنية، القائمة خارج وزاراتهم.
وفي وتيرة التكاثر الحالية، سيزداد عدد سكان إسرائيل من دون المناطق (المحتلة)، بـ 3ر2 مليون نسمة، ومن أجل أن نلجم الأوضاع في المستشفيات ولا يكون الاكتظاظ أشد، هناك حاجة لإضافة 8 آلاف سرير، و12 ألف ممرضة، و7 آلاف طبيب، و22 مستشفى جديدا.

وهناك حاجة لإضافة آلاف الغرف المدرسية في المرحلة الابتدائية.

كما أن هذه الزيادة ستحتاج إلى شوارع جديدة بطول 6 آلاف كيلومتر، بمعنى إضافة مساحة شوارع بنحو 55 مليون متر مربع، من أجل ضمان حركة زاحفة، لنحو مليون أو حتى مليون وربع المليون سيارة إضافية. وسيكون مطلوبا أيضا 200 قاطرة إضافية لشبكة القطارات، دون أن يساهم هذا في الازدحام القائم حاليا.

ومن ناحية المياه، ومع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات البيئية، من المتوقع أن نواجه نقصا في مياه الشرب، إذا لم تقم ثلاث منشآت جديدة لتحلية مياه البحر.

وعلى المقاولين أن يشرعوا سنويا ببناء 72 ألف بيت جديد، ففي العام الماضي 2018، تم البدء ببناء 45 ألف بيت. وكل هذه معطيات جزئية عن الصورة العامة الكلية.

إسرائيل ليست الأكثر كثافة في السكان بين الدول المتطورة، فهولندا وكوريا الجنوبية أكثر كثافة، في حين أن مستوى الكثافة في بلجيكا واليابان تقريبا مساوية لإسرائيل. إلا أن إسرائيل هي الدولة التي حكوماتها تجاهلت عن سابق معرفة نسبة التكاثر السكاني. فالوزير يسرائيل كاتس اجتهد لتغيير الواقع السيء في قطاع المواصلات، وهذا يسجل لصالحه، إلا إنه في موقف ضعيف أمام وزارة المالية، والجالس على حنفيات المال.

وبدلا من أن تقرع وزارة المالية ناقوس الخطر، وتحرّر ميزانيات، وتستثمر في الإصلاحات، فقد عرضت الوزارة خطة متعددة السنوات مخيبة للآمال. فمثلا كل ما هو مطروح لوزارة الصحة إقامة مستشفى واحد فقط، وحتى من دون تحديد موعد للبدء بالتخطيط له. كذلك فإن لوزارة المواصلات مخططات، لكن حتى لو تم تنفيذها كلها، فإن هذا سيكون بمثابة تأجيل للأزمة، التي ستتصاعد أكثر في السنوات اللاحقة لتعم الفوضى أكثر فأكثر.

المصطلحات المستخدمة:

يسرائيل كاتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات