المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مخصصات الأولاد التي تدفع للولد الثاني وحتى الولد الرابع (القصد مخصصات اجتماعية للعائلة عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما)؛ التسهيلات المالية للعائلات كثيرة الأولاد؛ تسهيلات لحضانات الأولاد للزوجين العاملين- كل هذه رسائل مفادها أن "الأولاد بركة". وكل دول العالم تتخذ إجراءات لتغيير وتيرة الولادة، وفقط في إسرائيل التي فيها معدل الولادات هو 1ر3 ولد للأم الواحدة، لا أحد يبحث في هذه القضية.

المرأة الأوروبية الحاصلة على مؤهلات أكاديمية تلد بالمعدل 6ر1 ولد، بينما ذات المرأة في إسرائيل معدلها 4ر2 ولد، أي تقريبا بمعدل ولد إضافي. كذلك فإنه منذ العام 1996 وحتى العام 2016، قلصت النساء الحاصلات على مؤهلات في كل العالم معدلات الولادة، بسبب ضغوط ومتطلبات العمل، وأيضا بسبب ارتفاع كلفة المعيشة والسكن، ومن أجل ضمان تعليم ومعيشة بمستوى أعلى للأبناء، أما في إسرائيل فقد ارتفع المعدل في ذات الفترة بنحو 4ر0 ولد للأم الواحدة.

والنمو السكاني يرتفع سنويا في إسرائيل بنسبة 2%، مقابل 5ر0% بالمعدل في دول منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD. وهذا يشكل تحديا ديمغرافيا خارجا عن المألوف. ولا توجد أي دولة متطورة في العالم تواجه مثل هذا النمو السكاني العالي، في حين أن إسرائيل منذ الآن تواجه كثافة سكانية، ما ينعكس مباشرة على مستوى المعيشة.

كذلك فإن تحدي التكاثر السكاني له مزايا خاصة في إسرائيل، خاصة على ضوء عدم وجود تجربة، وتخوف من أن لا يكون بمقدور إسرائيل أن تواجه هذا التحدي بنجاح. وهذا ما يدفع طاقماً من الخبراء إلى طرح السؤال: هل على الدول أن تتبع سياسة لجم معدل الولادة؟ ويضم الطاقم البروفسور ألون طال وإيال روتنبرغ وإيتمار شاحر.

ويقول البروفسور موشيه حزان، من كلية الاقتصاد في جامعة تل أبيب، إنه توجد دول أخرى رفعت فيها النساء المؤهلات معدل الولادة لديهن، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي ارتفع معدل الولادة لدى هذه الشريحة من النساء، من 2ر1 ولد في العام 1980 إلى 9ر1 ولد في العام 2011. وهذا ليس مفاجئا في دول شهدت تقلصا في عدد السكان، وباتوا يرفعون فيها معدلات الولادة لإصلاح الوضع.

ويبيّن مركز الأبحاث "طاوب" أن كل دولة كان فيها معدل الولادات 5ر1 ولد للأم الواحدة، رفعت المعدل لاحقا. وحسب الأبحاث، فإنه من أجل أن تحافظ الدولة على عدد السكان لديها، يجب أن يكون معدل الولادات 1ر2 ولد للأم الواحدة على الأقل. بينما المعدل في الولايات المتحدة الأميركية هو 8ر1 ولد للأم الواحدة.

ويقول حزان في بحثه إن هذا الارتفاع في معدل الولادات في الولايات المتحدة نابع من محفزات مالية للنساء العاملات. وفي المقابل، فإن عدة أبحاث في إسرائيل سعت للبحث عن رابط بين القدرات الاقتصادية الاجتماعية للعائلة، وبين ارتفاع معدل الولادات، مثل رفع مخصصات الأولاد، كما جرى في العام 2001، حينما تم رفع المخصصات بشكل حاد للابن الخامس وما فوق، إلى أن جاء التقليص الحاد في مخصصات الأولاد في العام 2003.

وقد بيّن بحثان للبروفسورة ألما كوهين من جامعة هارفارد، والثاني جرى في مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية وأجراه د. دانييل غوطليف، وجود علاقة وطيدة بين مستوى مخصصات الأولاد ومعدلات الولادة، لكن العلاقة ليست متساوية بين شرائح الجمهور المختلفة. ورأى البحثان أن التقليص الحاد في مخصصات الأولاد انعكس على المجتمع العربي، وأقل على المجتمع الدرزي والعلماني (هذا استنتاج ليس صحيحا، إذ إن كل التقارير الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي تثبت أن معدلات الولادة بين العرب ككل في تراجع مستمر منذ مطلع التسعينيات دون أي علاقة بمستوى المخصصات- المحرّر).

أما في ما يتعلق بالمتدينين المتزمتين الحريديم، فإن الاستنتاجات كانت متضاربة، فكوهين لم تجد تأثيرا، بينما بحث مؤسسة الضمان وجد تأثيرا، وفي كل الأحوال فإن التأثير لم يكن كبيرا.

وقد برزت دول عدة في تخفيض معدلات الولادة، مثل سنغافورة من معدل 5ر6 ولد في العام 1960، إلى معدل 5ر1 ولد حاليا. وكذا بالنسبة للصين التي حددت ولدا واحدا للعائلة، لكنها الآن تشجع على ولادة ابن ثان. بينما اليابان تدفع محفزات مالية للنساء لدفعهن على ولادة أكثر. وفي فرنسا تم رفع إجازة الولادة إلى 16 أسبوعا للولد الأول و26 أسبوعا للولد الثالث. ما يعني أن دول العالم، المتطورة خاصة، توجه الولادة لتكون في محيط 1ر2 ولد للأم الواحدة، من أجل المحافظة على عدد السكان، وطالما أن هذا شرعي في دول العالم، فلا يوجد أي سبب لأن لا يكون شرعيا في إسرائيل، التي فيها معدل الولادات 1ر3 ولد للأم الواحدة.

ما الذي يمكن فعله؟ مثلا تغيير مبنى مخصصات الأولاد، فاليوم المبنى غريب، حينما تكون المخصصات للولد الأول 152 شيكلا شهريا (5ر41 دولار)، بينما يحصل كل من الولد الثاني والثالث والرابع، على 191 شيكلا (3ر52 دولار). ثم يعود الولد الخامس وأكثر إلى مخصصات 152 شيكلا لكل واحد منهم. بينما المطلوب أن يكون المبنى تنازليا، بمعنى المخصص الأعلى للولد الأول، ثم يتراجع لكل ولد إضافي، خاصة وأن الصرف الأعلى يكون على الولد الأول، ثم يبدأ معدل الصرف بالتراجع للأبناء الآخرين في العائلة.

كذلك هناك من يتحدث عن إلغاء التخفيضات في عدد من الخدمات للعائلات كثيرة الأولاد، وفي المقابل تقديم دعم مالي على وسائل منع الحمل. والضغوط بالأدوات الاقتصادية تؤتي ثمارها، مثل حينما تم اتخاذ إجراءات بحق رجال الحريديم لدفعهم على الخروج إلى العمل.

إلا أنهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي يعتقدون أن تأثيرات الأدوات الاقتصادية قليلة، على معدلات الولادة، خاصة في ما يتعلق بالحريديم، الذين يصل لديهم المعدل إلى 7 ولادات للأم الواحدة. وهذا معدل ولادة يشكل تحديا مستقبليا بالنسبة لإسرائيل. ورغم ذلك يجب عدم الاستخفاف بالأدوات الاقتصادية، لما فيها من رسائل تربوية.

ولا شك في أن توقف إسرائيل عن بث رسالة "الأولاد بركة"، والانتقال إلى بث رسائل تدعو لتربية أولاد مع تحصيل علمي ومؤهلات ليكونوا ناجحين ويتمتعون بمستوى معيشي عال، هما البركة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات