المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ولَّد إعلان قيام حكومة الوحدة الفلسطينية في آذار الماضي آمالاً عريضة ولاقى تأييداً واسعاً في الشارع الفلسطيني. دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قررت في هذه الأثناء مواصلة الحصار الاقتصادي على الحكومة الفلسطينية والامتناع عن تحويل أية مساعدات مباشرة لميزانيتها، نظراً لعدم امتثالها حتى الآن لشروط اللجنة الرباعية الدولية (الاعتراف بإسرائيل، الالتزام بعدم استخدام العنف وقبول الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها م. ت. ف). مع ذلك هناك استعداد لإجراء اتصالات مع وزراء في الحكومة ليسوا محسوبين على حركة "حماس".

في المقابل قررت الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في مقاطعة حكومة الوحدة وعدم تحويل عوائد الضرائب إلى السلطة. كذلك فقد نصّ الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية على أن برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية يضع قيوداً على (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى "تقليص الإمكانيات وجملة المسائل التي يمكن لإسرائيل التباحث حولها مع رئيس السلطة الفلسطينية".

كذلك سارع المحللون الإسرائيليون بدورهم إلى الاستنتاج بأن برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية لا ينطوي عملياً على أي جديد ذي بال، وقالوا إن الأمر لا يعدو كونه، من ناحية عملية، خطوة تكتيكية تستهدف فقط رفع العقوبات الدولية عن حكومة السلطة الفلسطينية.

في ضوء كل ذلك، فإن غاية هذه الورقة هي إجراء تحليل نصّي لبرنامج حكومة الوحدة الفلسطينية وذلك بهدف معرفة وتفحص ما إذا كانت صيغة البرنامج تقيد حقاً "أبو مازن" في إدارة مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل.

الاستنتاج المركزي المنبثق عن هذا التحليل يقول إن البرنامج لا يفرض، عملياً، قيوداً على رئيس السلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بالاتصالات السياسية مع إسرائيل بشأن التسوية الدائمة. وبطبيعة الحال فإن ذلك لا يعني أن الظروف أصبحت ناضجة الآن لمفاوضات من هذا القبيل وأنه لا توجد قيود أخرى مفروضة على أبو مازن في هذه المسألة (على الصعد الميدانية والأمنية والتنظيمية الداخلية- داخل "فتح" وفي علاقاتها مع "حماس").

بعد تفحص برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية يمكن القول إن الوثيقة لا تستجيب لشروط الرباعية الدولية. فالبرنامج لا يتضمن التزاماً بالامتناع عن اللجوء للعنف، وهو، فضلاً عن ذلك، ينص صراحة على أن "مقاومة الاحتلال بكل أشكالها... هي حق مشروع للشعب الفلسطيني".

إلى ذلك، لا يتضمن البرنامج اعترافاً صريحاً ومباشراً بإسرائيل. كذلك فإن الصيغة القائلة بأن الحكومة ستحترم الاتفاقيات الموقعة من قبل م. ت. ف لا تعني ولا تتضمن استجابة لمطلب الاعتراف الصريح بالاتفاقيات التي وقعت عليها منظمة التحرير. غير أن برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية يحتوي في المقابل على عدة نقاط إيجابية تنطوي على تقدم معين باتجاه قبول جزء من شروط الرباعية الدولية. وبالقطع فإن البرنامج ذاته لا يُقيِّد رئيس السلطة الفلسطينية، وهو فضلاً عن ذلك، يمكن أن يتيح له (للرئيس عباس) مرونة نسبية في إدارة مفاوضات سياسية مستقبلية، وهذا على الرغم من أن رئيس حكومة الوحدة يعتبر من كبار قادة "حماس" في الأراضي الفلسطينية.

في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدة نقاط مهمة:

§ جاهزية لإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967:

يؤكد البرنامج في بنده الأول على أن الحكومة ستعمل من أجل "إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ... على جميع الأراضي التي احتلت في العام 1967، وعاصمتها القدس...". هذه العبارة هي الصيغة السياسية التي أقرت في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني والتي وردت في صلب اتفاقية السلام مع إسرائيل.

إن تضمين هذه الصيغة لبرنامج الحكومة يتيح عملياً إجراء مفاوضات مستقبلية على قاعدة حل الدولتين. حيز المناورة أو المرونة المتاح للرئيس عباس في هذا السياق واضح وجلي، خاصة إذا ما قارنا هذه الصيغة مع الموقف الرسمي لحركة "حماس" الذي ينص على أن فلسطين بأكملها هي "وقف إسلامي" لا يجوز التنازل عن أي جزء منه.

§ رفض فكرة "دولة في حدود مؤقتة":

ينص البند الرابع (في القسم الأول) على أن "الحكومة متمسكة برفضها لما يُسمى بالدولة ذات الحدود المؤقتة والتي يقترحها المشروع الأميركي- الإسرائيلي"، أي أن الحكومة تفضل إجراء مفاوضات حول التسوية الدائمة. هذا البند يرسم حداً آخر للمفاوضات المستقبلية، يتمثل برفض أي حل مؤقت (مرحلي) طويل المدى. هذا الرفض يعكس الموقف الرسمي للرئيس عباس منذ انتخابه للرئاسة أواخر العام 2004.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هذه الصيغة لا تنسجم مع موقف حركة "حماس" التي تُبدي استعدادها للتباحث حول "هدنة" محددة زمنياً، وهو ما يشكل عملياً بمثابة اتفاق مرحلي، كما اقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون خلال العام 2001.

§ قبول الاتفاقيات السابقة كأساس لمفاوضات مستقبلية:

ينص البند الثاني في القسم الأول من البرنامج على أن "الحكومة تحترم قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية". هذا البند لا يلبي في الحقيقة، بشكل تام، مطلب إسرائيل بالاعتراف بالاتفاقيات التي وقعت عليها م. ت. ف.

في الوقت ذاته فإن هذه الصيغة تتيح، من جهة، مطالبة الحكومة الفلسطينية بتطبيق الاتفاقيات، وتمكن من جهة أخرى الرئيس عباس من طرح الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل كأساس لمفاوضات مستقبلية. واضح أن هذه الصيغة لا تتضمن إقراراً كاملاً، وفعلياً باتفاقات أوسلو، لكنها تتضمن بالتأكيد اعترافاً واقعياً بهذه الاتفاقيات (مثلما عبر الأمر عن نفسه في مشاركة "حماس" في الانتخابات والحكومة).

§ إجراء مفاوضات على أساس المبادرة العربية:

إضافة إلى ذلك نص البند المذكور على أن الحكومة ستعمل من أجل "تحقيق الأهداف الوطنية..." و"قرارات القمم العربية".

هذه الصيغة تمكن من استخدام مبادرة السلام العربية التي اعتمدت في قمة بيروت في آذار 2002 كأساس لمفاوضات مستقبلية. يذكر أن الدول العربية اقترحت في نطاق هذه المبادرة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل والإعلان عن إنهاء الصراع، وذلك مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في حرب 1967 وإقامة دولة فلسطينية وحل مشكلة اللاجئين.

§ أبو مازن وم. ت. ف كجهة مخولة بإجراء المفاوضات:

ينص البند الثالث في القسم الثالث من البرنامج ("مواجهة الاحتلال") على أن "إدارة المفاوضات هي من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية" وأن "أي اتفاق سياسي يتم التوصل إليه سيعرض على المجلس الوطني الفلسطيني الجديد للتصديق عليه أو إجراء استفتاء عام للشعب الفلسطيني في الداخل (أي في الضفة والقطاع) والخارج (أي في الشتات)...". هذه الصيغة تعطي عملياً أبو مازن وم. ت. ف شرعية داخلية، بما في ذلك من جانب حركة "حماس"، لإجراء مفاوضات سلام مع إسرائيل. تجدر الإشارة إلى أن تصريحات بهذه الروحية كانت قد صدرت في الماضي عن متحدثين مختلفين باسم حركة "حماس" وعلى رأسهم إسماعيل هنية. إضافة إلى ذلك فإن صياغة هذه الأمور خطياً وتضمينها لوثيقة رسمية شاركت في صياغتها وتوقيعها حركة "حماس" يعطي هذه الصيغة (القرار) أهمية قصوى.

الجزء الأخير في هذا البند والذي يؤكد وجوب التصديق على الاتفاق (أيّ اتفاق سلام مع إسرائيل) من قبل المجلس الوطني الفلسطيني أو من قبل الشعب الفلسطيني نفسه، لا ينطوي على تجديد أو فرض قيود على إجراء مفاوضات مستقبلية. وبطبيعة الحال فإن أية تسوية سياسية، خاصة إذا كانت ذات أبعاد وطنية عميقة، أو مصيرية، كالتسوية الدائمة، تحتاج تلقائياً إلى تصديق أحد هذين المستويين (المجلس الوطني والشعب) أو كلاهما.

وفيما خلا شؤون المفاوضات المستقبلية، يتضمن برنامج حكومة الوحدة، نقطة مهمة أخرى لها صلة بموضوعنا:

§ توسيع ("التهدئة") وقف إطلاق النار:

تؤكد الحكومة الفلسطينية الجديدة، على الأقل حسب إعلانها (البند الثاني، القسم الثالث) على اعتزامها العمل من أجل "تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة...".

المطالب أو الشروط التي يضعها البرنامج لتوسيع وقف إطلاق النار كثيرة في الواقع وهي تعني عملياً وقف النشاطات العسكرية الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية. هذا بالإضافة إلى إزالة الحواجز ووقف "الحفريات في القدس" وتحديد جدول زمني لإطلاق سراح المعتقلين. إضافة إلى ذلك لا ريب في أن هذا البند يمكن أن يُشكل أساساً لمفاوضات حول سحب وقف إطلاق النار على مناطق الضفة الغربية أيضاً. وفي الحقيقة فإن وقف النشاطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية يمكن أن يشكل، حسبما تقول مصادر أمنية (إسرائيلية) مختلفة، وسيلة أو أداة في يد حركة "حماس" لتوطيد وتدعيم مكانتها. في الوقت ذاته يمكن القول أن هذه الخطوة يمكن أن تشكل رافعة لإيجاد ديناميكية مختلفة، أكثر إيجابية، بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا بالتأكيد إذا ما ترافق مع تسهيلات ملموسة (حرية التنقل وتسهيلات اقتصادية) إلى جانب الإفراج عن معتقلين (ربما كجزء من الصفقة لإطلاق سراح الجندي غلعاد شليط).

علاوة على ذلك، قد يكون من الممكن استخدام وقف إطلاق النار كمرحلة تحضيرية-تمهيدية- لاستئناف المفاوضات حول الحل الدائم. كذلك يمكن، بل هناك أهمية أيضاً لموضع هذا البند في النص. فقد أعلن الموقعون على البرنامج عن اعتزامهم العمل من أجل وقف إطلاق النار وذلك مباشرة بعد إعلانهم أن "مقاومة الاحتلال... حق مشروع للشعب الفلسطيني". إنّ ظهور هذين البندين بشكل متلازم، في إطار القسم المتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل، يمكن أن يدل على نوايا براغماتية... فمقاومة الاحتلال هي حق لنا، لكن نيتنا العملية هي تدعيم وتثبيت وقف إطلاق النار والسعي إلى إنهاء الاحتلال بواسطة المفاوضات.

على أية حال واضح أنه يمكن اعتبار برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية خطوة تكتيكية تستهدف رفع الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على الحكومة الفلسطينية. وكل ذلك دون أن تعترف حركة "حماس" أو الحكومة برئاستها بإسرائيل أو أن تنبذ طريق الإرهاب. في الوقت ذاته، يمكن النظر إلى هذه الوثيقة من زاوية أخرى ورؤيتها كجزء من عملية براغماتية تمر بها حركة "حماس".

إذا كان الأمر كذلك حقاً، فإن البرنامج يمكن أن يشكل أرضية للشروع في اتصالات مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. هذا الأمر ينبغي القيام به بطبيعة الحال بصورة بطيئة وتدريجية تبقي جزءاً من عتلة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارس على "حماس" وشركائها في الحكومة إلى أن تلبي بالكامل شروط "الرباعية الدولية".

بصرف النظر عن الإمكانية التي ستختارها حكومة إسرائيل، فإن من الواضح، استناداً لتحليل برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية، أن هذه الوثيقة لا تُقيِّد الرئيس عباس في مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل، بل تتيح له، رسمياً على الأقل، التقدم على الصعيد السياسي.

في ضوء كل ذلك، فإنه يجدر بقرار إجراء، أو عدم إجراء، مفاوضات مع الرئيس "أبو مازن" أن يرتكز إلى اعتبارات رحبة وجادة أكثر، من قبيل الوضع الداخلي والشعبي لحكومة إسرائيل أو قدرة "حماس" على إحباط مفاوضات مستقبلية، وليس استناداً لصيغة برنامج حكومة الوحدة الفلسطينية.

_______________________________

* أمير كوليك- باحث متخصص في الشؤون الفلسطينية في "معهد دراسات الأمن القومي"- جامعة تل أبيب. المقالة أعلاه ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات