المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خفّ الوزير جدعون عزرا، الذي يطيب له أن يعرّف نفسه عادة بأنه من الزعماء السابقين لجهاز الأمن الاسرائيلي العام (شاباك)، إلى اعتبار " محاولة إطلاق النار على دورية لحرس الحدود، الأحد، عند مفترق قرية كفركنا الجليلية" والتي جرى إحباطها (صحف أمس الاثنين) "إرهابًا حقيقيًا" ضد الدولة من طرف المواطنين العرب في إسرائيل، لكي ينتقل من ثمّ مباشرة إلى التلميح الصريح بأن حكومته: أولا- لن "تتحمل من الآن فصاعدًا تواتر تصريحات من لدن القيادات العربية ضد سياسة الإغتيالات" التي تقترفها إسرائيل ضد قادة فلسطينيين. وثانيًا- ستضع على المحك مسألة "واجبات العرب في إسرائيل" في محاذاة "مسألة حقوقهم المهضومة". ولم يبق مجالاً لأي شك في أن ما ينبغي أن يتصدر هذه الواجبات، وقد يكون منحصرًا فيها فحسب، يتمثل في "الولاء المطلق"، حتى لا يقول الأعمى، لدولة إسرائيل، "اليهودية" طبعًا.

وطوال يوم أمس (الاثنين) عملت وسائل الإعلام الاسرائيلية دون كلل في استكناه أبعاد هذا النبأ وربطه بما قبله وبما سيكون بعده. وعملت كذلك- وهنا بيت القصيد- في تحميله الغموض المشتهى الذي يحيل، بصورة أوتوماتيكية، إلى خطورة وزخم الإتجاهات التقويضية القائمة بين صفوف المواطنين العرب. من ذلك مثلاً فرض المحكمة، تساوقًا مع الشرطة والأجهزة الأمنية كما يمكن الاستشفاف، حظرًا شاملا على نشر أية تفاصيل تتعلق "بالذخيرة التي تم ضبطها في حوزة الشابين العربيين اللذين أطلقا النار، وكذلك على مصدر الذخيرة ونوعيتها"، حسبما ورد في صحيفة "هآرتس". واكتفى الوزير عزرا، في هذا الصدد، بالإشارة إلى أن الأسلحة الموجودة في أيدي المدنيين، بمن في ذلك العرب و"عصابات الإجرام"، الذين اختار أن يخصّهم بالذكر، هي بكميات هائلة يصعب حصرها!

في ضوء ذلك فإن عودة الحديث عن فزاعة "تعمّق نزعة التطرف القومي لدى العرب في اسرائيل" في غضون الفترة القليلة المقبلة تصبح مسألة شبه حتمية، في وقت لا ينفك فيه هذا الحديث المترافق مع الإحالة إلى مستحقاته، جوهر سيل لا ينقطع من المقالات والأبحاث الأكاديمية الاسرائيلية في السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ اندلاع الانتفاضة الحالية وامتدادها ولو إلى حين، في قراءة إسرائيل، إلى داخل تخوم "الخط الأخضر" فيما عرف باسم "هبة أكتوبر 2000".

2- المستقبل الغامض ينسحب على حكومة شارون أيضًا

بمنأى عن المواقف المسبقة الأدلجة حيال المواطنين العرب، التي تطل من بين ثنايا تصريحات الوزير عزرا، فإن من شأن الشق المتعلق بالأسلحة السائبة في أيدي "المدنيين" في هذه التصريحات أن يكشف عن أمر بات مفضوحًا يرتبط ب"ترسانة" الذخيرة الموجودة في قبضة "عصابات الإجرام" الاسرائيلية.

وعلى هذه الأرضية (الإجرام)، لكن في الظلّ تمامًا، أعلن وزير البنى التحتية الاسرائيلي، يوسف بريتسكي، مؤخرًا، "حربًا" مخصوصة على الجهاز السياسي في اسرائيل الذي وصفه بأنه غير نظيف البتة، وبالذات نتيجة خضوعه لتأثير عالم الإجرام. وفي رأي بريتسكي فإن الفساد والجريمة قد وصلا كذلك إلى قمة الهرم السلطوي الاسرائيلي، وهو ما تعكسه لا على سبيل الحصر فضائح رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، ونجليه وبطانته كافتها.

صحيح أن حرب بريتسكي ، مقايسة بحروب ضارية أخرى سياسية وحزبية وقضائية، تدور رحاها في إسرائيل الآن،لا تزال في "منطقة الغسق" التي لا تراها العين المجردة بوضوح يستدعي التأمل فيها، لكن فيها، إذا ما شئنا تسييسها أو الغوص على دلالاتها السياسية- الحزبية، ما يشير إلى أزمة حزب "شينوي"، الذي ينتمي إلى قيادته الأولى، في ظل زعامة وزير العدل الاسرائيلي، يوسف لبيد، لهذا الحزب. فهذا الأخير ما زال يقدم الدليل تلو الدليل على جهوزيته المفرطة لالتزام الصمت المريب على الفساد المستشري في الجهاز السياسي، ثمنًا للسلطة التي يواصل استمراء طعم حلاوتها. ومما لا شك فيه أن هذه الأزمة مرشحة للتصعيد في المستقبل المنظور، إرتباطًا بالتطورات العامة في قضية شارون والشبهات الحائمة حوله وأيضًا بالصراع داخل "شينوي" على تركيبة المجلس العام للحزب، الذي ترجع إليه الصلاحية المطلقة في إقرار لائحته الانتخابية.

لكن الأهم من ذلك أن هذه الأزمة قد تكون توكيدًا آخر على أن مستقبل الحالة الاسرائيلية السياسية- الحزبية مفتوح على جميع الاحتمالات. لقد سبق أن أشير إلى المستقبل الغامض، الذي تقف أمامه حكومة شارون بخصوص خطة "فك الارتباط" الأحادية الجانب، على رغم نتائج زيارة شارون الأمريكية. وليس من قبيل المغامرة التفكير أيضًا بأن المستقبل الغامض ينسحب في الآن نفسه على مسألة بقاء الحكومة الحالية في سدة الحكم، لسبب أو لآخر ما زال تحديده في علم الغيب، لكن المؤشرات إليه قائمة منذ الآن.

المصطلحات المستخدمة:

عزرا, شاباك, هآرتس, الخط الأخضر, شينوي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات