المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تتبخر المعطيات الاحصائية بسرعة عندما تكون متعلقة بالفلسطينيين. هذا ما حصل عندما تحدثت التقارير عن عدد المواطنين الفلسطينيين الذين قتلهم جنود الجيش الاسرائيلي الشهر الماضي، وهو ماحصل ايضاً عندما اعلن عن حجم وابعاد الازمة الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى وان كانت الجهة المعلنة منظمة مثل البنك الدولي.في الاسبوع الماضي نشر البنك الدولي ملخصاً لتقرير مطول حول الازمة الاقتصادية الفلسطينية، من المزمع نشره كاملاً في القريب. وبحسب ما نشر فان الدخل القومي الخام للفرد أصبح تقريباً نصف ما كان عليه في العام 2000، في حين بلغت نسبة البطالة 53%. وهبطت مداخيل السلطة الفلسطينية من الضرائب والرسوم الجمركية من 91 مليون دولار شهرياً في اواخر العام 2000، الى 19 مليون دولار في اواسط العام 2002. واشار ملخص التقرير ذاته الى ان 60% من السكان الفلسطينيين (اي ما يعادل مليوني شخص) يعيشون تحت خط الفقر الذي يعني دولاران للفرد في اليوم، وهذا مقارنة مع 21% من السكان الذين عاشوا تحت خط الفقر نفسه في العام 2000.

وقد اضحى الفقراء حالياً اكثر فقرًا من الماضي، اذ بلغت قيمة الاستهلاك اليومي للفلسطيني العام 2002 مايعادل 1,32 دولار يوميا، مقارنة مع 1,47 دولار في العام 2000. ويعاني 13,3% من سكان قطاع غزة من حالة سوء تغذية متفاقمة وهي نسبة تماثل ما يعانيه سكان زيمبابوي والكونغو (في افريقيا). بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية نشرت جانبا من هذه المعطيات التي سرعان ما اسدل الستار عليها.

البروفيسور اريية ارنون، المحاضر في جامعة "بن غوريون" والذي يعنى منذ سنوات عديدة بتحليل ومتابعة الوضع الاقتصادي الفلسطيني في فترة اتفاق اوسلو وسنوات الاحتلال الاسرائيلي المباشرة، يلاقي صعوبة في تصور مغزى وابعاد هذه المعطيات الخطيرة على ارض الواقع. يقول البروفيسور ارنون: هذه الازمة (الازمة الاقتصادية الفلسطينية) تضاهي الازمة الكبرى التي اجتاحت اوروبا اواخر العشرينيات.

ويضيف: هذا يشبه الافترض بانحدار نصف المجتمع الاسرائيلي من مستوى دخل متوسط يبلغ 7000 شيكل للعائلة الى 3000 شيكل. ويشعر ارنون بالدهشة ازاء كون تلك المعطيات وانعكاساتها شديدة الخطورة لا تثير اي نقاش او اهتمام عام في اسرائيل.

فهذه المعطيات الاقتصادية تعتبر من حيث انعكاساتها المستقبلية، اكثر اهمية ومصيرية بما لا يقاس من صراع مراكز القوى والنفوذ في القيادة الفلسطينية.

من جهة اخرى، يحفل تقرير البنك الدولي بالمديح لاسرائيل ازاء اعادة جزء من عوائد الضرائب للسلطة الفلسطينية، وزيادة عدد تصاريح العمل في اسرائيل، وكذلك ازاء علاقات العمل الودية التي نشأت بين ممثلي المنظمات الانسانية الدولية وبين مكتب منسق الاعمال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية.

هذا المديح استهدف التمهيد للعبارة الواضحة التي تضمنها التقرير وجاء فيها: "ان لسياسة الحصار والاغلاق التي تتبعها اسرائيل – ولا سيما الاغلاق الداخلي والقيود الصارمة على التنقل وما يترتب عليها من اعاقة تامة لحركة الافراد والبضائع وعرقلة لأي امكانية لإيجاد مصادر دخل بديلة – مسؤولية مباشرة عن هذه الازمة الاقتصادية".

ويؤكد البنك الدولي: "ان اجراءات الحكومة الاسرائيلية هي المفتاح للاقتصاد الفلسطيني في العام 2003. إن لتطبيق وممارسة سياسة الاغلاق تأثيراً يفوق بأضعاف تأثير السياسة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية او نشاطات الدول المانحة".

ورغم ما أشار له التقرير من علاقات عمل جيدة بين المنظمات الانسانية ومكتب منسق الاعمال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية الا انه انعدام التنسيق بين مصدري الاوامر الاسرائيليين ومرؤوسيهم (الجنود) في المنطقة يضيف ويقلل من نجاعة الجهود الانسانية، كما انه يعرّض المساعدات والطواقم الاجنبية لخطر حقيقي. وفيما يتعلق بالتبريرات الامنية التي تعطيها اسرائيل لسياسة الاغلاق الداخلي، يكتفي البنك الدولي بالقول في تقريره: ان رفع الاغلاق الداخلي عامل ضروري من اجل الانتعاش الاقتصادي على المدى القصر، والحيلولة دون حصول كارثة.

البروفيسور ارنون يصف الاغلاق الداخلي على نحو مختلف بقوله: "هذه حرب اقتصادية. اسرائيل تستخدم عتلة ضغط اقتصادية على السكان المدنيين الفلسطينيين"، وذلك على امل ان تدفع بهم الضائقة الاقتصادية نحو الضغط لوقف العمليات المسلحة في الاراضي الفلسطينية والارهاب ضد المدنيين الاسرائيليين. غير ان الضغط الاقتصادي، كحال الضغوط العسكرية التي يتعرض لها الفلسطينيون، لايعطي النتيجة المرجوة (بالنسبة لاسرائيل). فأعداد الفلسطينيين الذين يقسمون على الانتقام من اسرائيل والاسرائيليين، لايستهان بها، كما ان اعداد المؤيدين لهؤلاء غير قليلة .. وعليه، يجب التكهن بان الاستنتاج الاسرائيلي سوف يدعو الى وجوب زيادة الضغط الاقتصادي وتشديد القيود المفروضة على حركة الافراد والمواد الخام والبضائع. والبقية تأتي في القرير القادم...

(هآرتس 13 اذار - الترجمة العربية: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات