المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعاد تأسيس حزب الجنرالات "أزرق أبيض" إلى الأضواء مجدّداً موضوع كون الجيش الإسرائيلي بمنزلة المعهد الأهم لتخريج القيادات السياسية والحزبية، والذي نتناوله في إحدى مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" عبر عرض الوقائع وإضاءة الدلالات التي أحالت إليها، سواء في الماضي أو في الوقت الراهن، وهي دلالات عديدة ليس أبسطها ظاهرة عسكرة الأحزاب أو لهاثها وراء العسكر، بوصفها ظاهرة عابرة لكل الأحزاب بغض النظر عن هويتها الأيديولوجية.

وعادة عندما يتم درس حالة المؤسسة السياسية الإسرائيلية وبشكل خاص مسألة من الذي يسيطر ويحكم في إسرائيل قولاً وعملاً، وهو ما لا يتم في فترات متقاربة، يشير معظم الدارسين إلى عدد من "الشبكات" غير الرسمية، وغير المنتخبة، وتعمل غالباً

في الخفاء، باعتبارها تحكم في إسرائيل، ويرتبط بها "زعماء أقوياء" وإلى حد ما يخضعون لسيطرتها أيضاً. ويشير بعضهم إلى أن العضوية في هذه الشبكات (المؤسسات) ليست ثابتة كما أن تركيبتها متغيرة، غير أن أعضاء هذه الشبكات لديهم أجندات من جهة، ولديهم أحياناً مصالح وطرق عمل مشتركة من جهة أخرى، ولديهم قدرة على التأثير في الرأي العام والسياسيين بطبيعة الحال من جهة ثالثة.

ويُشار في مقدمها إلى الشبكة الأمنية، التي تتألف من كبار الضباط العسكريين الحاليين والسابقين، ورؤساء الأجهزة الأمنية السرية والشرطة ومن أرباب عمل في مجالات الأمن. وبرأي أحد أساتذة العلوم السياسية، فإن أعضاء هذه الشبكة هم الذين قرروا ورسموا الخطوات السياسية والعسكرية في الطريق إلى جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل وفيما بينها، وهم شاركوا أيضاً في الخطوات السياسية المهمة وفي ما تُسمى "عمليات السلام". بالإضافة إلى ذلك، فإنهم متدخلون على نطاق واسع في ما يحدث حتى في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ذات الصلة بالمؤسسة الأمنية. وليس سراً أن الكثير من رؤساء الحكومة كانوا أعضاء في هذه الشبكة، ولم يكن هناك دائماً توافق بين هؤلاء وبين الذين يخدمون فعلياً في المؤسسة الأمنية، ولكنهم عملوا في نهاية المطاف بشكل مشترك، كما حدث في مواقف كثيرة لا داعي لتفصيلها.

ولا شك في أن هذا الموضوع يحتاج منّا إلى مزيد من المتابعة في الأعداد المقبلة.
وإلى أن يحين ذلك سنعيد إلى الأذهان مقاربة متميزة طرحها أحد الباحثين الإسرائيليين، المتخصص في العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري، وأكد في سياقها أن إشكالية هذه العلاقة لم تعد كامنة في التشخيص الذي يرى أن إسرائيل هي بمثابة "جيش لديه دولة" التي كانت رائجة لأعوام طويلة، إنما هي ماثلة في وجود فكر عسكري يعتبر أهم وأقوى مما يعبر عنه التنظيم العسكري المتمثل في الجيش. وأكد أنه عندما يكون هناك برنامج عسكري بشأن مشكلة كهذه أو تلك، في سياق العلاقات أو الاتصالات بين إسرائيل والدول المحيطة بها، يجب أن تمتلك في مواجهتها أيضاً بديلاً يقف في صلبه فكر مدني- سياسي لا عسكري، فكر يطوّر القدرة السياسية لإسرائيل على حساب الفكر العسكري، وجزم بأن الفكر السياسيّ- المدنيّ لا يزال ضعيفاً في إسرائيل. والفكر العسكري هو ليس فقط فكر الجيش، ولذا فهذا الفكر العسكري لا يعدّ قوياً ونافذاً لأن الجيش قوي وإنما العكس تماماً، بسبب وجود تلك القوة للفكر العسكري فإن للجيش قوة، وبناء على ذلك يظلّ التحدي الأهم هو كبح جماح هذا الفكر العسكري وليس الجيش.

علينا أن نشير كذلك إلى أن هذه المقاربة بصدد وهن الفكر السياسي- المدنيّ تم طرحها قبل أكثر من عقد من سن "قانون القومية الإسرائيلي" في تموز 2018، والذي رسّخ تنكّر إسرائيل لكون مضمون الدولة المدنيّ سابقاً لأي مضمون آخر، في إطار قانون دستوريّ.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات