المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • eBooks store
  • 41

رام الله: صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" كتاب موسوعي تحت عنوان "الاقتصاد الإسرائيلي -قصة نجاح وتكاليف" لجوزيف زعيرا، يجمع بين تناول الاقتصاد الإسرائيلي والتاريخ الاقتصادي لإسرائيل في الوقت نفسه، وقد ترجمه عن الإنكليزية ياسين السيد.

يضم الكتاب الموسوعي بين دفتيه أربعة أبواب وثلاثة عشر فصلا، تمتد على 552 صفحة، وتغطي فترةً تبدأ من العام 1950، وتختتم بالعام 2018، مقسمًا هذه الحقبة الطويلة إلى فترتين رئيستين، أولاهما فترة اللحاق بالركب (حتى أوائل السبعينيات)، حيث تحول اقتصاد دولة فقيرة إلى اقتصاد حديث متطور بفعل النمو الاقتصادي السريع. وثانيهما ترصد دمج الاقتصاد الإسرائيلي الحديث في الاقتصاد العالمي.

يشخص الكتاب المزدحم بالبيانات الاقتصادية أربعة قرارات حاسمة شكلت ملامح الاقتصاد الاسرائيلي. الأول: قبول التعويضات من ألمانيا الغربية التي بدأت في عام 1953، ما أتاح تمويلا خارجيا كان حاسمًا لتعزيز النمو الاقتصادي في فترة "اللحاق بالركب". أما القرار فيتمثل في البقاء في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وبالتالي تفاقم الصراع وانعكاس تكلفته على الصيرورة الاقتصادية.

القرار الثالث تلخص في إبرام اتفاقية السلام مع مصر في عام 1979، ما أدى بدوره إلى انخفاض النفقات العامة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. أما القرار الرابع فكان انتهاج سياسة الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية)، التي هدفت إلى الحفاظ على تقليل حجم القطاع العام ما أفضى إلى ارتفاع عدم المساواة في الدخل وزيادة الفجوات.

 يتضمن الباب الأول من الكتاب تحليلًا وافيًا للنمو الذي شهده اقتصاد إسرائيل، وملابسات صعوده من الهامش إلى مصاف أغنى ثلاثين بلدًا في العالم، فيما يضع الباب الثاني نصب عينيه على الآثار الاقتصادية التي يفرزها الصراع الإسرائيلي العربي وتكاليفه الباهظة، عبر مراقبة العلاقة بين المنحنيات الاقتصادية وما يوازيها من محطات مواجهات وحروب. 

أما الباب الثالث فيتبوأ جانبًا كبيرًا من الأهمية بالنسبة لخبراء الاقتصاد بالنظر إلى أنه يوظف تاريخ إسرائيل بخصوصيته والصدمات الخارجية القوية التي أصابته لكي يختبر بعض النظريات الاقتصادية المهمة، حيث "زادت العودة إلى الصراع الضيق الذي نشب بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عقد الثمانينيات من القرن الماضي من ضعف البلاد وانكشافها أمام الدورات الاقتصادية".

ويتناول الباب الرابع السياسات الاجتماعية والاقتصادية، ويتطرق بوجه أكبر من التحديد إلى التجربة التي خاضتها إسرائيل على صعيد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، معرجًا على تدخل القطاع العام في الاقتصاد على مرّ السنوات، ويوضح أن القطاع الخاص كان هو القطاع المهيمن على الدوام، حتى في السنوات الأولى من عمر الدولة، حينما كانت الحركة العمالية تتولى دفة قيادة البلاد، ما يكشف الأهمية التي اكتستها الأهداف الاستيطانية، حيث كانت هذه الأهداف هي الغايات الأسمى لدى الحركة العمالية التي كانت تقود المشروع الصهيوني وتقف على رأسه.

يركز هذا الباب أيضًا على إبرام السلام مع  مصر وانعكاساته العميقة وبعيدة المدى، ويبين كيف أن الحكومة الإسرائيلية عملت على تقليص نفقاتها تقليصًا جذريًا لاحقًا للاتفاقيات ووظفت هذا التقليص في التخفيف من العبء الضريبي.

راجَع الكتاب علميًا وقدّم له برفسور حسني ف. زعبي، ومما جاء في تقديمه:

"صحيح أن الكتاب ليس الأول من نوعه عن الاقتصاد الإسرائيلي، لكنه فريد في كيفية تعمقه في دراسة دور الصراع المستمر في فهم المسار الاقتصادي. يبين الكاتب كيف يترجم هذا الصراع المستمر إلى مخاطر عالية يواجهها المستثمرون، وبالتالي يؤثر على نسبة رأس المال إلى الإنتاج، وإنتاجية العمل، والإنتاج بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يقدم الكتاب تقييمات جديدة للتكلفة العسكرية المرتفعة إسرائيلياً من حيث رأس المال المادي ورأس المال البشري. كما يحلل الضغوط التي تفرضها هذه التكاليف على الميزانية العامة وتأثيرها على السياسات الاجتماعية. بهذا المعنى، يعد الكتاب حجر أساس في تغيير الطريقة التي يقرأ ويدرس بها الناس الاقتصاد الإسرائيلي وتأريخه.

عند التركيز على دور الصراع، نجد أن تاريخ إسرائيل يتميز بوجود صدمات كبيرة، مثل الحروب وحلقات العنف، ويحلل الكتاب أدوارها في الدورات الاقتصادية. وهذا يستوقفني كباحث فلسطيني، إذ أن بعضاً من هذه الحلقات أعتبرها مفصلية وتأسيسية، ليس فقط في تاريخ شعبي وإنما أيضا في تاريخ الاقتصاد الاسرائيلي، وأذكر منها تهجير الفلسطينيين في عام 1948 والعملية المنهجية لمأسسة الاحتلال التي أعقبت حرب عام 1967، وأطرح هنا سؤالاً قد لا يتسع المكان للخوض عميقاً فيه: هل لهذه الأحداث تأثيرات قصيرة المدى فقط تظهر في الدورات الاقتصادية التي يركّز عليها الكتاب، أم أنها قد تؤثر على مجمل البيئة الاقتصادية وبالتالي يكون لها تأثير جذري راسخ على الأداء الاقتصادي في المدى البعيد؟".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات