المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سعى وزيرا التربية والتعليم الإسرائيليان، غدعون ساعر وشاي بيرون، خلال ولايتي حكومتي بنيامين نتنياهو المنتهية والسابقة، إلى تعزيز تعليم "التعاليم والتراث اليهودي" من وجهة النظر القومية في جهاز التعليم، من روضات الأطفال وحتى المرحلة الثانوية العليا. ورصدت وزارة التربية والتعليم لهذه الغاية ميزانيات كبيرة جدا، وازدادت باستمرار. وفي موازاة ذلك، رصدت الوزارة ميزانيات ضئيلة جدا لإرساء قيم الديمقراطية والتعددية الفكرية ومحاربة العنصرية المستشرية في المجتمع الإسرائيلي. ومن شأن هذه السياسة "التربوية" أن تشكل أحد أسباب انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين السياسي والتعصب القومي، من أجل ضمان استمرار حكم اليمين في إسرائيل.

ورغم أن وزيري التربية والتعليم المذكورين ينتميان لحزبين مختلفين، إذ ينتمي ساعر لحزب الليكود اليميني وبيرون لحزب "يش عتيد" ("يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد) الوسطي، إلا أن هذا لم يمنع الأخير من مواصلة درب سلفه. وتجدر الإشارة إلى أن الحاخام بيرون، لدى توليه منصبه في نيسان العام 2013، تنكر لتوقيعه على فتوى عنصرية، قبل ذلك بعشر سنوات، تقضي بعدم تأجير وبيع بيوت وعقارات للعرب.

"ميزانية الوزارة ليست شفافة ولا واضحة أو مفهومة"

عشية الانتخابات التمهيدية التي جرت في حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، قبل أسبوعين، أعلن نائب وزير التربية والتعليم، أفي فورتسمان، عن "إنجازاته" وبينها رصد 30 مليون شيكل لبرنامج "الثقافة التوراتية" في المدارس في أنحاء البلاد، 17 مليون شيكل لمراكز "الهوية اليهودية" التي تعمل داخل المدارس الحكومية، 17 مليون شيكل لنحو 60 "نواة توراتية" وهي مدارس دينية في قلب أحياء يهودية علمانية أو أحياء عربية، 18 مليون شيكل لمعاهد تنظم رحلات ودورات في موضوع اليهودية. وقال إن هناك 100 ألف تلميذ يشاركون في برنامج "سبت إسرائيلي" بإشراف منظمة يهودية أرثوذكسية، تنبذ اليهود من المذاهب الأخرى، مثل الإصلاحي والمحافظ.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، في 16 كانون الثاني الحالي، بأنه خلال العام 2014 الفائت ارتبطت وزارة التربية والتعليم، بقيادة بيرون، مع مجموعة من المنظمات والجمعيات التي تعمل في مجال تعزيز اليهودية في المدارس، ومنحتها الوزارة 34 مليون شيكل. وفي موازاة ذلك، تم تمويل أنشطة في مجال تعزيز الديمقراطية والحياة المشتركة بين اليهود والعرب بمبلغ 3 ملايين شيكل فقط.

وأشارت الصحيفة إلى أن "ميزانية الوزارة ليست شفافة، ولا واضحة أو مفهومة". وقدرت مصادر في وزارة التربية والتعليم ومن خارجها، أن تمويل برامج اليهودية في المدارس الحكومية، التي نفذتها منظمات وجمعيات من خارج الوزارة وبواسطة أنظمة دعم متنوعة، بلغ خلال العام الماضي ما بين 50 – 60 مليون شيكل، مقابل 5 – 6 ملايين شيكل لتمويل برامج في مجال الديمقراطية والتعايش المشترك بين اليهود والعرب.

لكن هذه التقديرات جاءت ناقصة. فهي لا تشمل مبلغ 80 مليون شيكل أضيف العام الفائت إلى ميزانية "الثقافة اليهودية"، الذي تحصل عليها منظمات تنشط في جهاز التعليم الحكومي. ولا يشمل توسيع برنامج "الثقافة اليهودية – الإسرائيلية" في المدارس الابتدائية والإعدادية، ولا يشمل المتطوعات المتدينات في "الخدمة الوطنية" اللاتي يمررن دروسا في "التراث" أو أنشطة "لاستقبال يوم السبت" في المدارس ويحصل هذا المشروع على تمويل من وزارتي التربية والتعليم والإسكان.

كذلك لا تشمل تلك التقديرات المشروع الكبير الذي بادر إليه فورتسمان وبيرون لتقريب الجمهور من التوراة وبلغت ميزانيته 45 شيكل لخمس سنوات. كما أنها لم تشمل ميزانية "مديرية الهوية اليهودية" في وزارة الأديان والتي تعمل بالأساس بين الشبان العلمانيين.

ويضاف إلى ذلك برامج بتمويل مشترك بين الوزارة والمنظمات والجمعيات، وكان تمويل الوزارة كالتالي: 500 ألف شيكل لبرنامج "مكان" الذي يحاول "جعل المدرسة مركزا لتجدد الحياة اليهودية الحرة بالنسبة لمجتمع المدرسة ومحيطه"، و850 ألف شيكل لبرنامج يهدف إلى "تنمية العلاقة بالتراث لدى كافة أجزاء المجتمع وتشجيع التفهم والتقدير للتراث اليهودي وثقافته وأحكامه وعاداته وقيمه".

كذلك موّلت وزارة التربية والتعليم، العام الماضي، بمبلغ مليون شيكل دروسا في موضوع "ثقافة (شعب) إسرائيل وتراثه"، وهو موضوع بادر إليه ساعر وقرر بيرون توسيعه بشكل كبير. كما رصدت الوزارة ميزانية بمبلغ 4ر2 مليون شيكل لمشروع "بئيري". وقد ارتفع الدعم بشكل كبير لهذا المشروع الذي ينفذ في المدارس فوق الابتدائية ويهدف إلى "بلورة وغرس قيم ثقافة إسرائيل بروح يهودية تعددية". ويمرر الدروس في هذا المشروع معلمو المدارس وليس منظمات من خارج الوزارة.

عالم المتدينين أفضل من التجربة العلمانية "الجوفاء"!

يتفاخر نائب وزير التربية والتعليم، فورتسمان، بمبادرته إلى برنامج آخر يُنفذ في المدارس الحكومية، وهو برنامج "سبت إسرائيلي". والرسالة الأساسية التي يوجهها هذا البرنامج إلى التلاميذ هي "تقوية الروابط الأسرية" بواسطة "تعزيز دراسة وتجربة مأدبة يوم السبت التقليدية وعاداتها وقيمها". ويصور هذا البرنامج العالم المتدين على أنه مفضل على الحياة العلمانية "الجوفاء"، ويتم تمريره في 300 مدرسة ابتدائية، من الصف الثالث وحتى السادس.

وفي نهاية العام 2013، سلمت وزارة التربية والتعليم هذا البرنامج إلى "الهستدروت الصهيونية العالمية" لكي تنفذه في المدارس، من دون مناقصة. وبعد شهور قليلة، سلمت "الهستدروت الصهيونية العالمية" البرنامج إلى جمعية "منذ التكوين"، التي بين أهدافها "غرس القيم الأساسية للتراث اليهودي لدى الأولاد وأبناء الشبيبة". وقد أشغل فورتسمان منصب المدير العام لهذه الجمعية بين السنوات 2002 – 2008. واحتج نشطاء في منظمات "التجدد اليهودي" على هذا البرنامج، وقال أحدهم إن "التلاميذ في جهاز التعليم اليهودي يأتون من خلفية متنوعة. ولا يوجد مبرر لأن تعلمهم جهة أرثوذكسية عن يوم السبت".

ويشار إلى أن جمعية "منذ التكوين" تنفذ برنامج "رحلة إسرائيلية"، المخصص لصفوف الحادي عشر، منذ قرابة عشر سنين. وقد وسّعت الوزارة هذا البرنامج مرتين خلال ولايتي ساعر وبيرون. وجاء في الموقع الالكتروني لهذا البرنامج أنه "تجربة مؤسسة ولا تُنسى، وتعاظم شعور الانتماء والالتزام للشعب، البلاد ودولة إسرائيل". وحصلت الجمعية، منذ العام 2009، على ما لا يقل عن ثلاثين مليون شيكل من وزارة التربية والتعليم. وبلغ حجم تمويل الجمعية 4ر11 مليون شيكل في العام الماضي. وهذه المبالغ لا تشمل تمويلا سنويا آخر تحوله الوزارة إلى الجمعية بواسطة دعم "الثقافة اليهودية" بمبلغ يتراوح ما بين 200 – 300 ألف شيكل سنويا.

كذلك تمول وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية جمعية "أضواء، قيم، توراة وتراث" من خلال عقدين. العقد الأول مقابل إعطاء دروس في مجال اليهودية والإثراء في المدارس الحكومية، وغالبيتها في البلدات الواقعة في أطراف إسرائيل. وبلغ حجم التمويل في السنتين الماضيتين 5ر8 مليون شيكل. والعقد الثاني يقضي بتمرير دورات في كليات إعداد المعلمين، وهذا البرنامج جديد ويتوقع المصادقة عليه قريبا.

وتنص أهداف هذه الجمعية على "إعطاء دروس إثراء في التوراة لتلاميذ المدارس" و"إعطاء منح لطلاب المدارس الدينية والمعاهد الدينية" التي يتعلم فيها الحريديم. إلى جانب ذلك، تشمل أهداف الجمعية "غرس القيم الأساسية للتراث اليهودي لدى الأولاد وأبناء الشبيبة في جهاز التعليم الحكومي". وينفي مسؤولون في هذه الجمعية أنها تعمل من أجل دفع التلاميذ إلى التدين، لكنهم اعتبروا أن "ثمة أمورا يتفق حولها الجميع، مثل التوراة. وهي الكوشان بالنسبة لنا هنا. وبدونها فإن الجميع سيهاجرون من البلاد".

وعقدت الوزارة اتفاقا آخر مع "صندوق غرينسبان" لصالح برنامج "مكتبة بيجاما"، ويحصل أطفال الروضات في إطار هذا البرنامج على ثمانية كتب اختيرت بالتعاون مع الوزارة، بهدف "تربية الأولاد على حب القراءة وتشجيع النقاش حول القيم اليهودية في حضن الأسرة وروضة الأطفال". ويتم تفعيل هذا البرنامج في معظم أنحاء إسرائيل وشمل قرابة 235 ألف طفل في العام الماضي. وبين الكتب التي تُمنح للأطفال، كتاب يتحدث عن مكتشفات أثرية منذ فترة "الهيكل"، بصورة يسهل على الأطفال فهمه، "ويدعو الجيل الصغير إلى التعرف على الفترات التاريخية في أرض إسرائيل والشعور بها".

يهودية أكثر، ديمقراطية أقل

وفقا لمعطيات الوزارة، فإنها أبرمت عشر اتفاقيات مع جهات من خارج الوزارة بمبلغ 8ر33 مليون شيكل. ومن جانبها رصدت الجمعيات والهيئات ميزانيات بحجم 20 مليون شيكل. ويضاف إلى ذلك تمويل الوزارة لبرامج يهودية في المدارس الحكومية، بحجم سبعة ملايين شيكل، ودعم حكومي لتعميق التعليم اليهودي في الكليات التي تدرس موضوع "تاريخ أرض إسرائيل" بمبلغ 15 مليون شيكل. ويصل حجم الميزانيات التي تحصل عليها هذه المنظمات إلى حوالي 56 مليون شيكل في السنة.

وتدل قائمة المنظمات والجمعيات التي اتفقت معها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية على سلم أولوياتها. ففي الفترة نفسها وقعت الوزارة على سبع اتفاقيات في مجال الديمقراطية والعلاقات بين اليهود والعرب، بميزانية إجمالية بمبلغ ثلاثة ملايين شيكل تقريبا. وشملت هذه البرامج لقاءات بين معلمين وأولياء أمور وتلاميذ من مجموعات مختلفة في متحف الآثار في كيبوتس "عين دور"، بميزانية حجمها 200 ألف شيكل؛ برنامج "الحياة المشتركة" بميزانية لجمعيتين حجمها 550 ألف شيكل، وتمويل برنامج ثالث مشابه لمؤسسة "غفعات حبيبا" بمبلغ 500 ألف شيكل؛ برنامج التربية على الديمقراطية والتسامح ومواجهة ظاهرة العنصرية في "كلية آدم" يحصل على 250 ألف شيكل في السنة؛ وتدعم الوزارة مشروعا لمعلمين عرب يعلمون في مدارس يهودية بمبلغ 2ر1 مليون شيكل؛ كما تدعم الوزارة مشروعا يتعلم فيه تلاميذ يهود وعرب سوية بمبلغ مليوني شيكل، ودعم جزئي للقاءات بين تلاميذ من مجموعات سكانية مختلفة بمبلغ مليون شيكل. ولا يتجاوز تمويل الوزارة لهذه الوزارة مبلغ 5 – 6 ملايين شيكل، مقابل 56 مليون شيكل لبرامج ترسيخ اليهودية.

ووفقا لتقرير "هآرتس"، فإن المعطيات تعكس صورة تمييزية بين تعليم القيم اليهودية وتعليم القيم الديمقراطية أكبر بكثير. وفيما تبقى المعطيات لتمويل المجال الأخير على حالها، ما بين 5 – 6 ملايين شيكل، فإن الميزانية التي خصصتها الوزارة للبرامج في مجال "الثقافة اليهودية بلغت 1ر29 مليون شيكل في بداية العام 2013، وارتفعت في نهاية العام نفسه إلى 6ر97 مليون شيكل. كذلك ارتفعت هذه الميزانية من 6ر37 مليون شيكل في بداية العام 2014 إلى 3ر120 مليون شيكل في نهاية العام.

ويشار إلى أن قسما من زيادة هذه الميزانية في نهاية العام الفائت، صادقت عليه لجنة المالية في الكنيست، برئاسة النائب اليميني المتطرف نيسان سلوميانسكي، من حزب "البيت اليهودي". وجاءت هذه المصادقة بعد الإعلان عن تقديم الانتخابات العامة في إسرائيل. كذلك فإن الأغلبية العظمى من ميزانية برامج "الثقافة اليهودية" تمنح إلى منظمات من المذهب اليهودي الأرثوذكسي المتشددة جدا في تدريس تعاليم يهودية ترفض الآخر والمختلف بشكل قاطع.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات