المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الفلسطينيون في الداخل: محاولات التغيير تصطدم بالتمييز البنيوي الشامل. (أ.ف.ب)
الفلسطينيون في الداخل: محاولات التغيير تصطدم بالتمييز البنيوي الشامل. (أ.ف.ب)

يقول "بنك إسرائيل"، البنك المركزي، في تقرير حديث له تناول المجريات الاقتصادية في العام الماضي 2020، ونشرت أجزاء منه على موقعه الشبكي، إن المجتمع العربي في إسرائيل وعلى نحو خاص كان الأكثر تعرّضاً للأضرار الناجمة عن تفشي وباء الكورونا والأزمة التي رافقته. والسبب الذي يشدّد عليه التقرير هو خصائص سابقة لهذا المجتمع، اقتصاديّا، وقد جعلته أقل قدرة على مواجهة الظرف الطارئ. البنك يقول فعلياً إن التمييز المسبق المتجسّد في الفجوة بين العرب واليهود هو السبب، وهو يحيل إلى مقارنة بين المجتمعين، العربي واليهودي، في القدرة والمناعة الاقتصاديتين السابقتين للأزمة.

وهو يفتتح بالقول إن المجتمع العربي كان في وضع اقتصادي هشّ حتى قبل ظهور الأزمة، بسبب انخفاض دخل العديد من الأسر مقارنة بالأسر اليهودية. ويقول إن الأسر العربية في إسرائيل على نحو عام هي أسر ضعيفة اقتصادياً للغاية بالنسبة إلى الأسر اليهودية، وبالتالي فقد عانت من أضرار جسيمة تفوق غيرها خلال فترة كورونا.

وفقا لتلخيص المعطيات التي عرضها "البنك" على موقعه الشبكي، ففي العام 2018، أفاد حوالي 40% من الأسر العربية أن نفقاتهم كانت أعلى من دخلهم، من دون القدرة على استخدام المدخرات السابقة. هذا بالمقارنة مع 10% فقط بين اليهود الذين سئلوا عن المسألة ذاتها. ونحو 18% من الأسر العربية تعمل بدون حساب مصرفي أو بحساب مصرفي مغلق، بسبب مصاعب مادية وإشكاليات مختلفة ناجمة عنها.

وبسبب هذه الصعوبات التي يواجهها المجتمع العربي، كانت الأضرار الاقتصادية التي عانى منها في أزمة الكورونا شديدة بشكل خاص. فقد وصلت نسبة الأفراد العرب الذين أبلغوا عن تأثرهم اقتصادياً بأزمة كورونا (54%) ونسبة العرب الذين أبلغوا عن انخفاض كبير في استهلاك الغذاء (26%)، وهي أعلى من المعدلات المماثلة في المجتمع اليهودي.

ويشدد تقرير "البنك" على أن تأثير الأزمة الاقتصادية على السكان العرب لا يقتصر على من فقدوا وظائفهم بل تعرّض للأضرار والضائقة الأشدّ من ذي قبل، أيضاً العديد ممن واصلوا العمل في وظائفهم ومحلات عملهم.

الأسرة العربية تعتبر دائماً ضمن القطاع المعرّض للضرر والخطر

يشير التقرير إلى أنه حتى قبل تفشي فيروس الكورونا، كانت الأسرة العربية تعتبر ضمن القطاع المعرّض للضرر والخطر: فقد بلغ في العام 2018 متوسط الدخل الشهري 12 ألف شيكل في المتوسط مقارنة بـ 18 ألف شيكل لدى المواطن اليهودي - وهي فجوة تبلغ 32%. كما أن نحو 45% من الأسر العربية تتلقى أجرا لا يصل إلى الحد الأدنى للدخل. 29% فقط من العائلات العربية التي لديها أطفال يعمل كلا الزوجين فيها ويشاركان في المدخول، مقارنة بـ 66% في الأسر اليهودية، و 56% من العمال العرب هم عمال موسميون من دون عقد عمل أو تثبيت في الوظيفة، مقارنة بـ 28% من العمال اليهود الذين يعانون من المصاعب نفسها.

"البنك" سبق أن أشار في تقرير سابق استعرض الخارطة الاقتصادية للضرر الذي لحق بنشاط فروع الجهاز الاقتصادي، إلى أن الضرر كان أعلى لدى الأسر التي فيها أحد المعيلين على الأقل مستقل. على سبيل المثال، في الأسر ذات الدخل المنخفض مع معيلين اثنين فإنّ احتمال بقائها دون عمل بلغ 19% في حال كان المعيلان مستقلين، و15% في حال كان أحد المعيلين مستقلا، و12% في حال كان كلا المعيلين أجيرين. الدخل المنخفض يؤثر أيضاً على مستوى المدخرات: 40% من الأسر العربية ذكرت أنها مدينة بمبالغ مختلفة، من دون مدخرات واحتياطي مالي أو ما يوازيه، وذلك مقارنة بـ 10% من الأسر اليهودية التي تعاني الحال ذاتها.

وبالنظر إلى الأسر العربية واليهودية ذات الدخل المشابه والخصائص الديموغرافية المتشابهة يتبين أن الأسرة العربية توفر كل شهر أقل من الأسرة اليهودية بما يعادل 2100 شيكل. 12% من الأسر العربية ليس لديها حساب مصرفي، مقارنة بـ 1% فقط بين الأسر اليهودية، و 6% من أصحاب الحسابات المصرفية ممنوعون من استخدامها بسبب ديون متراكمة وتقصير في سدها وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يقابلهم بين الأسر اليهودية.

وفقاً لبنك إسرائيل هذا كله جعل من الصعب جدياً على الأسر العربية الحصول على ائتمان من البنوك التجارية بشروط مواتية في أثناء الأزمة، وجعلهم يضطرون إلى اللجوء إلى جهات يسميها "غير خاضعة للتنظيم"، والمقصود هنا الاقتراض من جهات خاصة، ويمكن الادعاء بأن قسما كبيرا منها مرتبط بأذرع جنائية تعمل فيما يُعرف بالسوق السوداء. وهكذا، ففي بداية أزمة كورونا، أفاد 46% من العرب أنه ليس لديهم سيولة نقدية أو نقود حقيقية للصرف، مقارنة بـ 23 بالمئة من اليهود، فيما لو تم استثناء اليهود الحريديم من بينهم.

26% من المعيلين العرب قللوا من استهلاكهم الغذائي!

وفق معطيات بنك إسرائيل ظهرت مكامن الضعف الاقتصادي هذا، الناجم عن فجوة على أساس قومي عملياً، خلال فترة الكورونا: 54% من العرب أفادوا بتدهور الوضع الاقتصادي، مقارنة بـ 42% من اليهود. كانت الأضرار بشكل رئيس في صفوف الرجال الذين تبلغ أعمارهم 44 عاماً أو أكثر ولديهم أطفال. بل أفاد 26% من المعيلين أنهم قللوا من استهلاكهم الغذائي، مقارنة بـ 14% من اليهود.

يقول التقرير: تتفاقم الفجوات بين البيوت العربية واليهودية نظراً لحقيقة أن الكثير من العائلات المجتمع العربي يعمل فيها أحد الزوجين فقط، هناك معيل واحد فقط، غالبا ما يكون هو الرجل وهو ما يصعّب مواجهة الأزمات الطارئة، التي تشكل الكورونا مثالا ساطعا وقاسيا عليها.

هذه المعطيات أعلاه، التي تؤكد التأثير المنهجي الحاسم للوضع الاقتصادي السابق للأزمة على مدى التأثّر السلبي منها، تؤكده مختلف الدراسات. وأقرّ "البنك الدولي" بأن دراسة حديثة حول التأثيرات التي خلفتها خمس جوائح وقعت بين عامي 2003 و 2016 توصلت إلى أن مستويات عدم المساواة في الدخل في البلدان المتضررة زادت في المتوسط بشكل مُطّرد على مدى السنوات الخمس التي أعقبت كل جائحة منها، وكانت التأثيرات أشد عندما أدت الأزمة إلى انكماش في النشاط الاقتصادي، كما هي الحال تماماً مع جائحة كورونا.

التوقعات قصيرة الأجل الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدلات الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم وعدم المساواة في الدخل للاقتصادات ذات الدخل المنخفض واقتصادات الأسواق الصاعدة من المرجح أن تزداد. وداخل البلدان ذاتها، تشير البيانات الأولية إلى أن التأثيرات الناجمة عن جائحة كورونا في سوق العمل غير متكافئة بشكل ملفت للنظر، وتتنوع حسب خصائص كل من الوظائف والعمال والشركات. وتبين البيانات والمعطيات احتمال أن توقف العاملين الحاصلين على تعليم جامعي عن العمل يقل مقارنة بمن هم أقل تعليماً في معظم البلدان، وأن النساء المشاركات في المسح الاستقصائي أكثر عرضة للتوقف عن العمل مقارنة بالرجال. وتظهر المسوح الاستقصائية الهاتفية الخاصة بالشركات زيادة احتمال تأخر المصالح الصغيرة عن الوفاء بالتزاماتها المالية مقارنة بالشركات الكبيرة. وبالتالي، فإن وقوع خسارة مؤقتة لإيرادات هذه الشركات يمكن أن يتحول إلى تآكل أطول أجلاً في الوظائف ورأس المال التجاري، الأمر الذي يؤثر بشكل غير متناسب على العمال من الشباب، أو من أصحاب المهارات المحدودة، أو ممن لا يمكنهم الحصول على رأس المال.

15% من الصفوف المدرسية لم تتمكن أبداً من التعلم عن بعد!

انعكس تأثير تفشي فيروس الكورونا أيضاً على الطلاب: 30% فقط من الأسر العربية تتمتع بإمكانية منالية عالية إلى البنية التحتية للتعلم عن بعد، مقارنة بـ 75% من اليهود (باستثناء الحريديم). أفاد 41% من أولياء الأمور أن أطفالهم لم يشاركوا بانتظام في التعلم عن بعد، وأفاد 15% من أولياء الأمور أنه في صفوف أطفالهم لم يتم التعلم عن بعد على الإطلاق.

كذلك أفاد 33% من المواطنين العرب بتدهور وتفاقم الحالة النفسية لأطفالهم، مقابل 23% من اليهود. كما سُجّلت فجوات في صفوف الطلاب الذين يدرسون في معاهد التعليم العالي: فبين الطلاب العرب، انخفض معدل المشاركة في الحصص والمحاضرات من 74% إلى 48% خلال العام الماضي المتأثر بالكورونا، وهو انخفاض أكثر حدة مما لدى الطلاب اليهود.

الجدير بالذكر أن العديد من التحذيرات صدرت بشأن محدودية الاستفادة من التعلّم عن بعد، كلما كان الوضع الاقتصادي أسوأ. وصحيفة "ذي ماركر" كانت قد تطرقت للموضوع متوقفة عند عرض السلطات لـ "التعلّم عن بعد" كحلّ سحريّ للواقع المعقّد، مشيرة إلى أنه لا يفي بالمطلوب ولا يلبّي الاحتياجات، لأن "السحر" أيضاً يحتاج إلى أفعال. فلا توجد أجهزة حاسوب كافية وملائمة للتعلّم عن بعد ولا يوجد عدد كافٍ من المعلمين. وفقا للإحصائيات الرسمية في ذروة الأزمة، لم يكن بمتناول حوالي 20% من الطلاب (375 ألفاً) جهاز حاسوب في منازلهم، وثلثا المدارس (3300) ليس لديها جهاز حاسوب واحد في الصفوف الدراسية.

مدير دائرة التعليم في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD أندرياس شلايخر قال خلال جلسة للجنة حقوق الطفل في الكنيست في أواخر 2020، أي بعد عدة اغلاقات وإجراءات تقييد واسعة، إنه: في سياق الجائحة، الكثير من المدارس تقول إنه لا يوجد لديها عدد كاف من وسائل التعلم عن بعد، ومعظمها، بالتأكيد، في المناطق التي تعيش فيها المجتمعات الضعيفة. ففي الصين 90% من المعلمين يعرفون كيف يستخدمون التكنولوجيا ضمن التعليم عن بعد. بينما في إسرائيل فإن الأمر لا يبدو كذلك!

الأقلّ فرصة للتعلم عن بعد – الأقلّ أجراً ودخلاً

لجنة متابعة التعليم للمواطنين العرب أشارت في تقرير لها، الصيف الفائت، إلى وجود نقص حاد في وسائل التعليم عن بعد، مشاكل في البنية التحتية في البلدات العربية، وواقع تكنولوجي صعب في المدارس، فبالرغم من أن وزارة التربية والتعليم أعلنت أنها تعتزم توفير أجهزة الحاسوب للأطفال الذين لا يملكون الحاسوب والاستثمار في المعدات المدرسية وتحسين أوضاعهم من ناحية الحوسبة والتكنولوجيا وشبكة الاتصالات، فإن هذا سيكون خلال العام الدراسي وليس في بدايته، في ظل النقص الكبير في المجتمع العربي، الذي يفتقر إلى حوالي 140 ألف جهاز حاسوب. بالإضافة إلى ذلك، توجد في العديد من البلدات مشاكل متعلقة بالبنية التحتية وضعف شبكة الإنترنت تتطلب حلولاً جذرية. ولغاية إيجاد حلول جذرية يجب تزويد الطلاب والمدارس بوسائل مؤقتة لضمان الاتصال بالإنترنت.

هناك أيضاً نقص في المعلمين المؤهلين إلى جانب 13 ألف معلّم جديد بدون تأهيل وتدريب. المدارس تعاني أصلا من نقص في المعلمين المؤهلين وستضطر الآن إلى تشغيل الآلاف من المعلمين غير المدربين وسيكونون مسؤولين عن تعليم طلاب الصفين الثالث والرابع في نصف اليوم الدراسي. وهؤلاء يتم توظيفهم على قاعدة أجر مقابل ساعة العمل، وهم محرومون من حقوق كثيرة متعلقة بتثبيتهم في وظائفهم، مما يدفعهم إلى وضع يتركون فيه العمل في أي وقت.

للتذكير: في أواسط حزيران الماضي، نشر بنك إسرائيل تحليلا أجراه قسم الأبحاث، فحص جاهزية جهاز التعليم في إسرائيل للانتقال للتعليم عن بعد كما تمّ تقييمها قبل أزمة الكورونا والفروق من حيث الجاهزية ما بين مختلف المجموعات السكانية في المجتمع الإسرائيلي، مع إجراء مقارنة دولية. وتطرق التحليل إلى جاهزية التعليم عن بعد من زاويتين: مدى توفر البنى التحتيّة التي تتيح التعليم الناجع عن بعد، مثل مكان هادئ للتعلم وجهاز حاسوب مع شبكة إنترنت، وجاهزية المدرسة لدمج الأدوات الرقمية في التدريس، مثل مستوى مهارة المعلمين وحجم استخدام الأدوات الرقمية خلال التدريس في الأوقات الروتينية.

وقد أظهر فحص مستوى توفر البنى التحتية للتعلم عن بعد أنّه لدى 60% من الأسر في إسرائيل هنالك مناليّة جيّدة للتعلم عن بعد، سواء من حيث توفر مكان هادئ للتعلم أو من حيث توفر جهاز حاسوب وشبكة إنترنت، بينما لدى 20% من الأسر مناليّة البنى التحتية التي تمكّن من التعليم عن بعد منخفضة جدّاً. النسبة الأعلى من الطلاب مع مستوى مناليّة منخفض ينتمون إلى المجتمع العربي ومجتمع اليهود الحريديم. وما يميّز هذين المجتمعين أنهما يعانيان من مستوى دخل منخفض!

 

 

المصطلحات المستخدمة:

ألف, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات