المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
شاطئ بلا متنزهين في تل أبيب مع لجوء الحكومة الإسرائيلية للإغلاق. (شينخوا)

دخلت إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي (الجمعة 25 أيلول 2020) إلى مرحلة قيود وإغلاق أشد، رغم أنه يبقى أخف حدة مما كان بين شهري آذار وأيار، ويأتي هذا بعد أن تضاعف عدد الحالات النشطة للمصابين بفيروس كورونا ثلاث مرات، من 20 ألفا في نهاية آب، إلى قرابة 61 ألفا في يوم بدء الإغلاق.

وينعكس هذا على كل مناحي الحياة، ولكن بالذات على الاقتصاد، الذي مع انتهاء الربع الثالث من العام الجاري، يبدو أن التوقعات الأسوأ له باتت واقعا، من حيث نسبة البطالة والعجز المالي وارتفاع الدين العام. وانضمت إلى التقديرات السيئة للاقتصاد الإسرائيلي، منظمة التعاون والتنمية للدول المتطورة OECD في تقرير جديد لها صدر قبل أيام.

وقد صدر قرار الإغلاق وسط صخب في النقاشات بين مؤيد ومعارض، وكل طرف يستعين بخبراء يعززون رؤيته. وقد تركزت المعارضة أساسا حول الأضرار الاقتصادية. كما كانت معارضة من المتدينين اليهود، وبالذات التيار الديني المتزمت للحريديم، الذين رفضوا التقييدات على صلوات الكنس اليهودية، في أكثر أيام السنة حساسية في الرزنامة الدينية اليهودية.

وأسفر الأمر عن استقالة وزير البناء والإسكان، يعقوب ليتسمان، من منصبه الوزاري، وهو يرأس كتلة يهدوت هتوراة، التي تمثل الحريديم الأشكناز، الأكثر تشددا من بين الحريديم، فيما صدرت تهديدات أيضا من الزعيم السياسي لحركة شاس، وزير الداخلية آرييه درعي. وهذه المعارضة من جانب قادة الحريديم، تأتي على الرغم من أن أعلى نسب تفشي كورونا هي بين الحريديم، بسبب كثافتهم السكانية في تجمعاتهم، ومعدل الأفراد في العائلة الواحدة ما بين 7 كحد أدنى وتصل إلى 12 شخصا وأكثر.

وورد في الصحافة الإسرائيلية، أن طاقمين من الخبراء وضعا سيناريوهين سوداويين من حيث حجم انتشار الفيروس مستقبلا، وما يتبع هذا من تزايد أعداد المرضى بحالات الخطر، والموتى، ومدى قدرة المستشفيات في إسرائيل على استيعاب هذه الأعداد.

فمثلا بدأ الحديث، في الأيام الأخيرة، عن أن مستشفى رمبام في حيفا، أكبر المستشفيات في الشمال، سيحول موقف السيارات الضخم لديه إلى مستشفى، ليكون قادرا على استيعاب أعداد أكبر من مرضى كورونا، بعد أن بدأت إسرائيل تتربع في المراتب الأولى في القائمة السوداء العالمية لانتشار الفيروس.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أنجزت في السنوات الأخيرة موقفا ضخما للسيارات (مرآب) في المستشفى، ليكون في ذات الوقت مخصصاً لتحويله إلى أقسام شفائية، في حالات الطوارئ، وكان يجري الحديث عن هجوم بيولوجي أو إصابات كثيرة في حالات الحرب، وليس صدفة أنه تم اختيار هذا المستشفى في الشمال.

وتوقع أحد طاقمي الخبراء أن يزيد عدد الموتى عما هو قائم اليوم، قرابة 1400 ضحية، بما بين ألف إلى 2500 ضحية أخرى. وقال هذا الطاقم إنه إذا كان الإغلاق مخففا في بعض النواحي، فإن هذا لن يلجم بالقدر المطلوب أعداد المصابين.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن غالبية الخبراء موحدون حول أسس الإغلاق المطلوب: الالتزام بأقصى ما يكون بأنظمة الإغلاق، وأن تعمل أجهزة تطبيق القانون على ضمان تطبيق الأنظمة في الحيز العام. كذلك إجراء استعدادات فوق العادة في جميع المستشفيات، لتكون قادرة على مواجهة ما تم وصفه بـ"تسونامي مرضى في حالات صعبة"؛ إضافة إلى أمور تتعلق بالجهاز الصحي، وكيفية تعريف وتصنيف المرضى، منعا لضغط زائد على المستشفيات.

التقديرات الاقتصادية

وتقول تقديرات وزارة المالية إن الإغلاق الجديد، الذي سيستمر حتى منتصف تشرين الأول المقبل، سيكلف الاقتصاد حوالي 20 مليار شيكل، وهو ما يعادل 5.76 مليار دولار. وهذه كلفة كلية، بمعنى كلفة الخزينة العامة والسوق، وقطاع الإنتاج.

إلا أن ما هو أخطر من ذلك، من ناحية إسرائيل، هي المؤشرات الاقتصادية، فبعد ما يزيد عن 6 أشهر من اندلاع الأزمة الصحية، وما تبعتها من أزمة اقتصادية، ومع انتهاء الربع الثالث من العام الجاري، فإن المؤسسات الاقتصادية الرسمية، وأولها وزارة المالية، باتت تميل إلى أن حصيلة الاقتصاد مع نهاية العام الجاري ستكون أقرب للتقديرات الأسوأ، خاصة مع الإغلاق الثاني، والتنبوءات باستفحال الأزمة الصحية مع نهاية الخريف وبدء فصل الشتاء.

فعلى صعيد النمو الاقتصادي، فإن تقديرات وزارة المالية تقول إن الاقتصاد سينكمش بنسبة 7.2%، وهي النسبة الأعلى من باقي التقديرات، إذ أن بنك إسرائيل المركزي كان يتحدث عن انكماش بنسبة 4.5% في الحالة الأفضل، و7% في الحالة الأسوأ. وتقول المالية إن الاقتصاد سيسجل نموا بنسبة 5.4% في حال خرجت إسرائيل من الأزمة الصحية، وسيرتفع بنسبة 2.3% في حال استمرت الأزمة. أما بنك إسرائيل فإن تقديراته متفائلة أكثر، إذ يرى أنه في الحالة الأسوأ سينمو الاقتصاد في العام المقبل بنسبة 3%، وفي الحالة الأفضل بنسبة 6%. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام بنسبة 6.8%، على أن يرتفع النمو في العام المقبل بنسبة 5.8%.

وسيسجل العجز في الموازنة العامة، في العام الجاري 2020، وفق تقديرات وزارة المالية، ذروة غير مسبوقة، وسيصل إلى 13.4% من حجم الناتج العام، وسيستمر العجز في العام المقبل، ولكن بنسبة 9.5% وهي أكثر بثلاثة أضعاف من معدل نسبة عجز الموازنة في السنوات الأخيرة. وحتى في العام 2022 تقول وزارة المالية سيكون العجز بنسبة 5.7%. وهذا العجز المتفاقم سيرفع حجم الدين العام بصورة حادة، من 60% من حجم الناتج العام مع نهاية 2019، إلى نسبة ما بين 75% وحتى 78% من حجم الناتج العام مع نهاية 2020. ولا يبدو أن حجم الدين العام سيتراجع في العامين المقبلين، 2021 و2022، على ضوء تقديرات العجز في الموازنة العامة.

والضربة الأصعب للاقتصاد الإسرائيلي ستكون البطالة، وما تخلفه من تبعات على الاقتصاد، مثل تراجع القوة الشرائية، وبالتالي تراجع الإنتاج، وارتفاع نسب الفقر. وتقول وزارة المالية في تقديراتها الجديدة إن نسبة البطالة ستصل مع نهاية العام الجاري إلى 13.6%، بعد أن كانت قد هبطت في شهر آب الماضي إلى نسبة 9.7%، ولكن عادت البطالة لترتفع في الشهر الجاري مع الإغلاق الجديد.

وقال تقرير سلطة التشغيل، في الأيام الأخيرة، إنه في الأسبوع الأول للإغلاق قبل تشديده، بمعنى ما بين 18 و24 أيلول، انضم إلى سوق البطالة 120 ألف عامل وعاملة، غالبيتهم الساحقة خرجوا إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر، وهم في عداد العاطلين عن العمل، يستحقون مخصصات بطالة، بموجب أنظمة الطوارئ التي تم إقرارها في شهر آذار الماضي، وجرى توسيعها وتمديدها لاحقا. وهؤلاء يشكلون 3% من القوى العاملة في إسرائيل.

وتتبلور في وزارة المالية خطة لتحفيز أماكن العمل على استيعاب العاملين لديها بدعم حكومي، بمعنى بدلا من دفع مخصصات بطالة، فإن الحكومة تساهم في رواتبهم لدى صاحب العمل، ما يزيد الإنتاجية، من ناحية، وترتفع مداخيل العائلات من ناحية أخرى. وتعتمد هذه الخطة مبدأ زيادة المخصصات كلما كان استيعاب العاملين أكبر من حيث النسبة المئوية.

ولكن هناك قطاعات عمل أغلقت كليا، ولن تستفيد من خطة كهذه، مثل كل قطاع الفندقة والقطاع السياحي، الذي تلقى ضربة قاصمة أشد، مع الإغلاق الذي رافق موسم الأعياد اليهودية، الذي بدأ يوم 18 أيلول وينتهي في التاسع من تشرين الأول المقبل.

وكما ذكر، فإن اتساع البطالة سينعكس على القوة الشرائية، إذ من المتوقع أن يشهد الاستهلاك العام تراجعا حادا. ففي الربع الثاني من العام الجاري، الذي شهد فترة الإغلاق الأول، تراجع الاستهلاك بنسبة 50%. وفي الربع الثالث، كما في هذه الأيام، كان موسم أعياد يهودية، ولكن في موسم أعياد الخريف فإن الاستهلاك يكون عادة أكبر، لأن عدد أيام الأعياد أكثر. وهو موسم أعياد يسبقه عادة موسم صيانة البيوت، وشراء معدات منزلية، ولكن على ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية، وحالة عدم اليقين، فإن قطاع الصرف هذا تراجع، وفق تقارير عدة.

OECD: إسرائيل على حافة هزّة

أصدرت منظمة التعاون والتنمية للدول المتطورة OECD في الأسبوع الماضي، تقديراتها للاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري والسنوات المقبلة. وحسب ما ورد، فإن هذه التقديرات تمت بلورتها قبل أن تغوص إسرائيل في الموجة الثانية لانتشار فيروس كورونا، التي ارتفع فيها عدد من أصيبوا بالفيروس بأضعاف ما كان حتى مطلع حزيران الماضي.

ورغم ذلك فإن تقديرات OECD تقول إن إسرائيل على حافة هزة اقتصادية، وحسب الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، فإن التقديرات ستكون أسوأ.

وتدعو المنظمة الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات قاسية، منها فرض ضرائب وإجراء تقليصات في الموازنة العامة، وهذا بعكس ما دعا له بنك إسرائيل المركزي، الذي قال إن على الحكومة أن لا تُقدم على أي خطوات تقشفية، في العامين الجاري والمقبل، حتى على حساب رفع حجم الدين العام.

وأبرز عناوين تقرير OECD أن حجم الدين العام في إسرائيل سيرتفع إلى نسبة 100% من حجم الناتج العام، وهذه نسبة لم تعرفها إسرائيل منذ عقود، هذا إذا وصلتها أصلا. وكما سبق أن ذكر فإن تقديرات وزارة المالية تتحدث عن نسبة دين عام ما بين 75% إلى 78%. وهذه فجوة تقديرات ليست قليلة.

ويقول التقرير إن إسرائيل ستحتاج إلى سنوات عديدة حتى تخفض الدين العام، حتى لو تراجع العجز في الموازنة إلى نسبة 1.5%. وتقول صحيفة "ذي ماركر" إن السياسيين الإسرائيليين ومسؤولين في وزارة المالية يتحفظون من هذه التقديرات.

وكما ذكر، فإن OECD تعرض على الحكومة الإسرائيلية خطوات تقشفية، وهي في أوج الأزمة الاقتصادية، ومن أبرز ما تدعو له إلغاء العديد من الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، ومن بينها إعفاءات في ضريبة الدخل، وإعفاء في ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المشتريات) مثل الإعفاء على الخضراوات والفواكه، والإعفاء الجمركي القائم في مدينة إيلات الواقعة على خليج العقبة. وتدعي OECD أنه من دون إجراءات كهذه، فإن الدين العام سيصل إلى 100% من حجم الناتج العام.

وفي المقابل، فإن تقديرات OECD للاقتصاد الإسرائيلي في الجوانب الأخرى، مثل النمو والبطالة، لا تختلف كثيرا عن تقديرات المؤسسات المالية الرسمية الإسرائيلية.

وتطرق تقرير OECD إلى جوانب عدة في الاقتصاد الإسرائيلي، بينها الفجوات الاجتماعية، وخاصة في المداخيل من الرواتب، ويقول التقرير إن 9% فقط من الأجيرين يحصلون على رواتب عالية. ويشير إلى أن الفجوات الاجتماعية تبدأ من جهاز التربية والتعليم، وتهيئة الأجيال الناشئة للمستقبل، مشيرا بشكل خاص إلى ضرورة تعميم تعليم المواضيع الأساسية. وفي هذه النقطة العينية فإن القصد هو جمهور اليهود الحريديم، الذي يمتنع جهاز التعليم لديه عن تعليم طلابه المواضيع العلمية، والرياضيات المتقدمة واللغة الإنكليزية، ما يشكل عقبة أمام من يريد مواصلة تعليمه في معاهد التعليم العالي، ومن ثم الانخراط في مجالات متطورة في سوق العمل.

 

المصطلحات المستخدمة:

آرييه درعي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات