المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعريف:
يأتي المقال التالي لمحرر الشؤون التاريخية في صحيفة وموقع "هآرتس"، عوفر أديرت، متزامنا مع حلول ذكرى 100 عام على تأسيس منظمة الهاغناه، أكبر ميليشيا مسلحة صهيونية قبل نكبة عام 1948. وتعود بداياتها الى منتصف حزيران 1920، وكانت بمثابة الذراع العسكرية لما يُعرف بـ"حركة العمل" الصهيونية، التي تعتبر "يسار" الصهيونية. خلاصة حجج الكاتب أن هناك كتابة انتقائية لتاريخ هذه المنظمة، نظراً لهيمنة "حركة العمل" في بدايات الدولة، حيث جرى شطب الملفات القاتمة والإبقاء على واجهة مؤلفة من بطولات ومآثر ومزاعم "طهارة السلاح".                                                                                                                                                          

                                                                                                                                                                                                                                                            [المحرّر]

 

التسلل عبر البحر للبلاد، السور والبرج [أسلوب استيطاني استخدمه الصهاينة في فلسطين الانتدابية خلال الثورة الفلسطينية 1936– 1939 وأنشئت من خلاله نحو 57 مستوطنة يهودية من بينها كيبوتسات وموشافات. كان التبرير القانوني هو قانون عثماني نصّ على أنه لا ينبغي هدم أي بناء غير قانوني إذا كان السقف قد اكتمل - المترجم]، وكذلك المظليون والمقاتلون النخبويون- هذا هو تاريخ الهاغناه، جيش الدولة لاحقاً الذي أسسته حركة العمل، والمليء بالأفعال البطولية التي تم تعليمها لأجيال من الإسرائيليين. أما الاغتيالات والاعتداءات الإرهابية فعادة ما تُنسب إلى منظمتي "ليحي" و"إيتسل" السريّتين في الجانب الأيمن من الخريطة السياسية [الصهيونية]. فمن هو الذي لم يسمع عن مجزرة دير ياسين أو تفجير فندق الملك داود؟ بالمقابل، من الذي سمع عن مجزرة عناصر الهاغناه في قرية لوبية وقرية عين الزيتون وعن تفجير فندق سميراميس؟

اليوم، في الذكرى المئوية لتأسيس منظمة الهاغناه، الذي يعود الى منتصف حزيران 1920، يدعو بيلغ ليفي، عضو المشروع الوثائقي "تاريخ إسرائيل"، لتحديث كتب التاريخ والتحدّث أيضاً، دون تردد، عن الفصول الأقل لطافة في تاريخ المنظمة. ليفي، الذي أجرى مقابلات مع مئات من أبناء جيل 1948، من اليمين واليسار على حد السواء، سمع منهم عن الاغتيالات والانتقامات والهجمات الإرهابية – وقد نُسبت جميعها إلى أعضاء الهاغناه، ولكنها أحداث ومعطيات تم اقصاؤها واستبعادها من كتب التاريخ الرئيسية وعن متاحف الدولة والمناسبات الرسمية وامتحانات انهاء الدراسة الثانوية.

يقول ليفي: "إذا عُقدت ندوة دراسية حول منظمة ليحي ولم يكن فيها حديث عن اغتيال برنادوت (فولكا برنادوت، وهو دبلوماسي سويدي قتله أعضاء في المنظمة)، فسيتعرض المنظّمون والمتحدثون في الندوة للحجج المعارضة. وإذا عقد الإيتسل ندوة مشابهة دون الحديث فيها عن تفجير فندق الملك داود (الذي قتل الإيتسل فيه 91 مدنياً، بمن فيهم يهود وبريطانيون وعرب وغيرهم) فسوف يسارع المنتقدون للوقوف لهم بالمرصاد. فلماذا إذاً تسمح الهاغناه بكتابة التاريخ دون الحديث عن ممارسات مماثلة قام بها عناصرهم؟".

في وقت لاحق من المحادثة، يذكر أن حركة العمل وصفت أعضاء المنظمات اليمينية السرية بـ "الإرهابيين"، في حين أنهم، من جانبهم، تبجحوا بطهارة سلاح الهاغناه، مشددين على أن هذا ليس طريقهم.

تستُّر على اللطخات في ماضي الهاغناه

يكشف فحص وقراءة مواد من أرشيف جريدة "هآرتس" ومجموعة مختارة من كتب التاريخ والمذكرات أن معظم اللطخات في ماضي الهاغناه لم يتحمل عناصرها وأنصارها المسؤولية عنها حتى اليوم. في حالات أخرى، اكتفوا بإدانة عامة ورفضوها مكتفين بالقول إنها من صنع "الأعشاب الضارة" [في إشارة الى أنها هامشية استثنائية لا تعبّر عن المنظمة - المترجم].

ومن الأمثلة البارزة على ذلك المجزرة التي اقتُرفت في إحدى ليالي صيف عام 1939 في قرية لوبية العربية. جاء رجال الهاغناه إلى هذه القرية الواقعة في الجليل السفلي، ودخلوا منزلاً قاموا باختياره عشوائياً وأطلقوا النار فيه على رجلين وامرأة فقتلوهم. وأصيبت طفلة ورضيع صغير. كان جميع الضحايا مدنيين أبرياء.

الهجوم الإرهابي، الذي عُرض على أنه "فعل انتقامي" على قتل يهودي نُسب الى أشخاص من القرية، نفذه "أفضل أبناؤنا" من عناصر "العمليات الخاصة" في الهاغناه. ويحظى كل منهم بمكانة مرموقة محترمة في كتب التاريخ المحلية. أبرزهم كان يغئال ألون، الذي صار لاحقاً قائد البلماح ["كتائب السحق" القوة الهجومية الراجلة الخاصة التابعة للهاغناه] جنرالا في الجيش الإسرائيلي، وزيرا للخارجية، ووزيرا للتربية والتعليم. في ذلك الوقت، وُصفت جريمة القتل في لوبية بكلمات قاسية على صفحات صحيفة "دفار"، صحيفة حركة العمل الصهيونية. فكتبت: "إن ذكرى الفعلة في لوبية، مثلها مثل ذكرى الفعلات البشعة التي سبقتها، سوف تُدين للأبد الفاعلين المخرّبين". ولكن هوية الجناة بقيت غير واضحة في التقرير الصحافي. وتابعت الصحيفة: "كان المسؤولون من كانوا، فإنهم اقترفوا عملا مرعبا يدل على أن أصحابه فقدوا ما تبقى من قدرة التمييز بين أفعالهم وفقدوا آخر ومضة من الحس الإنساني". إن هذه الطلقات، كتبت الصحيفة "تدلّ على أننا قُذِفنا في منحدر مظلم، متدهور نحو الهاوية".

بعد ذلك بتسع سنوات، في كانون الثاني 1948، تورط عناصر الهاغناه مرة أخرى في عمل إرهابي، ومن الصعب القول اليوم بعد مرور نحو 70 عاما عليه إنه تم التحقيق فيه بشكل معمق. ومن المشكوك فيه أن أحدا من قرّاء هذه السطور قد سمعوا عن تفجير فندق سميراميس في القدس، من قبل عناصر كتيبة موريا في الهاغناه.

كان هدف التفجير الأصلي هو تدمير مقر القيادة لعبد القادر الحسيني قائد الميليشيات العربية. دخلت وحدة من كتيبة "حديرا" قبو الفندق ودفنت المتفجرات هناك. لم يكن الحسيني في المبنى. أما عدة عشرات من المواطنين فقد كانوا فعلا في الواقع هناك. حتى الآن لم يعرف بعد العدد الدقيق للقتلى والجرحى. وبحسب أحد التقارير، قُتل 26 شخصاً وجُرح 60 آخرون، معظمهم من أفراد عائلة أبو صوان المسيحية، بمن فيهم نساء وأطفال، هذا بالإضافة إلى نائب القنصل الإسباني في القدس، الذي كان يعيش في هذا الفندق. في اليوم التالي، أفادت صحيفة "دفار" أن "الهاغناه نسفت مقر العصابات في القدس"، لكنها لم تقدم لقرائها الصورة الكاملة.

عناصر الهاغناه كانوا قد فجروا مبنى آخر قبل ذلك بعامين، في شباط 1946، في الليلة التي سمّيَت "ليلة الشرطات"، وشرع فيها عناصر البلماح في ضرب مراكز الشرطة البريطانية في جميع أنحاء البلاد، وأصيبت في الهجمات ثلاث نساء بريطانيات وطفل. "طوال السنين اتهمنا قادة الهاغناه والاستيطان بانعدام المسؤولية وباعتداءات من هذا النوع، ولكن ها هم عناصر الهاغناه أول من اعتدى على نساء بريطانيات"، كتب نتان يلين مور، أحد قادة "ليحي"، الذي أصبح فيما بعد داعية سلام.

"كتائب السحق" قامت بإخصاء "بتوجه إنساني"

لقد شاعت في الفترة نفسها بين أعضاء البلماح أغنية عنوانها "خصيناك خصيناك يا محمد"، كانت كتبت عن عربي من بيسان اشتُبه به بأنه حاول اغتصاب عضوة كيبوتس. وبسبب ازدياد حوادث الاغتصاب التي تعرضت لها يهوديات من قبل عرب في تلك الفترة، قرر البلماح "السلوك وفقا للقاعدة التوراتية"، مثلما كتب في فترة لاحقة العنصر في جهاز المخابرات "الموساد" غملئيل كوهين في كتابه "المستعربون الأوائل".

وُصف هذا الفعل في موقع البلماح، بأنه أحد "الأعمال الأكثر مغالاة في وحشيتها" التي ارتكبها أعضاء المنظمة. بادر الى العملية يغئال ألون، وأوكل تنفيذها إلى يوحاي بن نون (قائد سلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي لاحقاً)، عاموس حوريف (لاحقاً جنرال في الجيش الإسرائيلي ورئيس معهد التخنيون للعلوم والأبحاث التطبيقية)، ويعكوبا كوهين (الذي صار لاحقا من عناصر الشاباك، ثم الموساد وسلاح الاستخبارات العسكرية). وقال موقع البلماح على شبكة الإنترنت "كان المبدأ التوجيهي للفريق أنه بعد الإخصاء، سيظل المغتصب على قيد الحياة ويتجول مع عاهته حتى يراه الجميع ويخافوا ويرتدعوا". هذه الخلية تلقت إرشادا من أحد الأطباء حول كيفية إجراء "العملية".

في موقع البلماح يؤكدون أنه "من وجهة نظر متخذي القرار في عملية الإخصاء، فإن الاستعدادات لها عكست اتجاه تنفيذه مع الحفاظ على نهج إنساني". الثلاثة وصلوا الى المشتبه به في بيته وجرّوه الى منطقة مفتوحة وقاموا بإخصائه هناك. وجاء في كتاب كوهين الذي نشرته وزارة الدفاع الإسرائيلية أن أصداء هذه الفعلة وصلت إلى جميع مناطق سهل بيسان وتركت رعبا "سليماً" في صفوف عرب البلاد.

في غضون عدة أشهر، تحل الذكرى الثمانون لحدث يعتبر من أكثر الأحداث دموية في تاريخ الحركة الصهيونية، التي يتحمل المسؤولية عنها يهود. هذا الحادث، تفجير سفينة الترحيل البريطانية باتريا، في 25 تشرين الثاني 1940، لم يتسبب هو الآخر في قيام الهاغناه بالتعبير عن أي أسف، على الرغم من أن الذين ارتكبوا فعل التفجير هم عناصر المنظمة. كانت خطتهم، في الأصل، تأجيل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين في السفينة التي رست في ميناء حيفا. ومع ذلك، كان الضرر الناجم عن الانفجار كبيرا جدا لدرجة أنها غرقت ومعها أكثر من 200 مهاجر.

وبدلاً من التعامل مع الحادث على أنه كارثة يتعين التحقيق فيها، أصرت حركة العمل على تحويلها إلى رمز وتحويل قتلاها الى شهداء تمت التضحية بهم على مذبح حماية البيت القومي أثناء القتال، دون أي ذكر للجهة المسؤولة مباشرة عن موتهم. فقد كتب بيرل كتسنلسون، الزعيم الأيديولوجي لحزب العمل، في اليوم التالي لعملية التفجير، إلى شاؤول أبيغور من منظمة الهاغناه: "اعلم أن يوم باتريا بالنسبة إلينا مثله مثل يوم تل حاي" [معركة تل حاي وقعت بين عناصر الهاغناه وثوّار عرب من سوريين ولبنانيين، إذ ناصرت الهاغناه الاستعمار الفرنسي، وقد قُتل عدة عناصر من الهاغناه، أحدهم قائد بارز فيها هو يوسيف ترومبلدور] وبذلك، حاول كتسنلسون إعطاء هذا الحادث مكانة الأسطورة الوطنية والمؤسِّسة. وأشار أيضا إلى أن باتريا كان "أعظم عمل صهيوني تم القيام به في الآونة الأخيرة". إيليا غولومب، قائد الهاغناه غير المتوّج، تحدث أيضاً في سياق مماثل عن عملية التفجير، قائلاً: "بالنسبة لي، يوم باتريا ليس يوما أسود ولا اليوم الأسود. كان هؤلاء ضحايا من أجل الهجرة العبرية، من أجل حقنا في الهجرة. هؤلاء ضحايا يوجد لهم معنى".

حتى المذبحة التي نفذتها الكتيبة الثالثة للبلماح في قرية عين الزيتون العربية خلال "حرب الاستقلال" نجحت في التعتيم عليها في الفترات التالية. بعد 72 عاماً، تعرّف الكثيرون على وقائع مذبحة دير ياسين التي نفذها أعضاء يمينيون من المنظمات السرية اليهودية، لكن القلائل فقط قد سمعوا بمذبحة أخرى، نُفذت في تلك الأيام في أيار 1948، حيث استولت الهاغناه على القرية العربية عين الزيتون بالقرب من صفد، وأسرت عشرات المقاتلين العرب، وبعد يومين، أعدمتهم المنظمة بالرصاص وهم مكبّلون.

وفي هذا السياق، كتب المؤرخ البروفسور يوآف غلبر في كتابه "الانبعاث والنكبة" أن حماسة اليسار الإسرائيلي على "التلويح بقضية دير ياسين وتوجيه الاتهامات" إلى منظمتي إيتسل وليحي، "نابعة من الشعور بعدم الارتياح على حصّة ضباطه وجنوده في البلماح... على الأقل في نظره - في ممارسات مماثلة، مثل قتل عشرات الأسرى في عين الزيتون".

خلافاً لخصومها، فعّلت الهاغناه وحدات اغتيال سرّية

أصدرت الوكالة اليهودية، في العام 1939، بيانا بعنوان "لا تقتل" نقلت فيه تحذيراً من جرائم قتل داخلية ليهود على أيدي يهود. كان الإعلان موجهاً ضد الإيتسل، الذي قتل يهودا قام بإدانتهم على أنهم "خونة"، ولكن، كما يشير د. جيلي حسكين، الذي كتب أطروحة حول "طهارة السلاح" في المجتمع الاستيطاني اليهودي حينذاك، "فقد تجاهلوا حقيقة أن منظمة الهاغناه كانت تقوم هي الأخرى بإعدام خونة ومخبرين، من يهود وغير يهود". وتحت عنوان "الانتقام على الجبهة اليهودية الداخلية" كتب حسكين: " عمليات الإعدام التي نفذها الإيتسل والليحي جرت بشكل علني وحتى تم النشر عنها في بيانات، بينما تم تنفيذ عمليات الإعدام من قبل الهاغناه سرّاً من قبل فرق اغتيال خاصة". وتشمل قائمة ضحايا الهاغناه العديد من اليهود بينهم: باروخ واينشل ووالتر شتراوس وأوسكار أوبلر وموشيه سفيتاني وإسحاق شرانسكي وباروخ مانيفيلد، الذين اشتبهت الهاغناه في تعاونهم مع البريطانيين.

استمرت مثل هذه الممارسات حتى عشية إقامة دولة إسرائيل. ففي آذار 1947، قُتل في زاوية شارعي أرلوزوروف وبن يهودا في تل أبيب، مردخاي بيرغر، الذي كان يعمل في قسم المرور في شرطة إسرائيل، واشتبه به من اغتالوه في أنه نقل أخبارا عن الهاغناه للشرطة البريطانية. والبروفسور يهودا لبيدوت، عضو الايتسل الذي تخصص في دراسة تاريخ الانتداب، وصف القتل: "أغلق المهاجمون فمه وضربوه بالهراوات على رأسه. فسقط بيرغر غارقاً في دمائه".

كما توثق كتب التاريخ جريمة قتل أخرى ارتكبتها منظمة الهاغناه والتي تم الاعتراف بها كأول جريمة قتل سياسية في البلاد في العصر الحديث. كان الضحية هو الدكتور يعقوب دي هان وهو شاعر مثلي أصبح حريدياً ومعادياً للصهيونية، وقد وقف أبراهام تاهومي وأعضاء آخرون في المنظمة وراء اغتياله عام 1924.

"الهاغناه - الميليشيا الصهيونية الرئيسية - تدربت إلى حد كبير على يد القوات البريطانية"!

بين الردود الغاضبة على مقال أديرت أعلاه، جاء تعقيب أبراهام زوهر، من معهد دراسة الحروب الإسرائيلية، وكتب:

يؤسفني أن شخصين طيبين وجديرين، مثل عوفر أديرت وبيلغ ليفي، يتعاملان مع حالات "طهارة الأسلحة" كسندان لضرب المنظمات القتالية التي كانت في الطريق لإقامة الدولة. ترافق حالات الإخلال بطهارة الأسلحة كل مجتمع وأمة خلال الكفاح من أجل الاستقلال والوجود. في بحثي عن البلماح والحروب الإسرائيلية، لم أتجاهل هذه المسائل الصعبة التي تحدث في الحروب الإسرائيلية حتى الآن، ليس فقط على الجانب العربي ولكن أيضاً على الجانب اليهودي الإسرائيلي. والسؤال الأكثر أهمية هو هل كانت قيادة المنظمات والجيش بعد قيام الدولة تتعامل مع مثل هذه الأحداث.

ويضيف الباحث أنه في الماضي واليوم كان التعامل مع مثل هذه الأحداث أمراً ضرورياً، ولكن لا يوجد مبرر للإساءة للمنظمات القتالية التي تعاملت بشكل صارم مع تلك الحالات والمخالفات في مجال الأخلاق الأخلاقية، رغم أن ذلك لم يكن دائماً بالسرعة المطلوبة.

أما الباحث د. شمعون جات فكتب:
كشخص يقدّر مقالات عوفر أديرت، شعرت بالحزن بسبب هذا المقال، لسببين: أولاً، جميع الأحداث الموضحة هنا، باستثناء مذبحة عين زيتون، كانت تحركات فردية وليست ناجمة عن سياسة، على عكس أفعال ليحي وإيتسل. ثانياً، تضمن المقال مسائل ليست في سياق ما يتناوله. وهنا أشير أولاً إلى اغتيال يعقوب دي هان، من قبل مجموعة سرية تعرف باسم "المعمل"، والتي كانت مجموعة سرية داخل الهاغناه وكان عناصرها يميلون بوضوح إلى زئيف جابوتنسكي [زعيم التيار المعروف بالتيار التنقيحي الذي ضمّ من اعتُبروا يمينيي الحركة الصهيونية].

ويتابع المعقّب قائلا إن تفجير السفينة باتريا ليس بالتأكيد جزءاً من القصة. لم يقصد أحد أن يغرق السفينة. وهذا من دون الخوض في مسألة تسبب عبوة ناسفة غير كبيرة في الإغراق المأساوي للسفينة. وبالتالي فليس هناك مكان لدمجها مع أعمال إرهابية كبيرة.

ما مدى العداوة بين الهاغناه وبريطانيا؟

يكتب عضو هيئة تحرير Electronic Intifada ديفيد كرونين، متوقفا عند خطابات حديثة لسياسيين بريطانيين حول "القيم المشتركة مع إسرائيل"، أن "الجزء المهم الذي يتم حذفه من الخطاب حول "القيم المشتركة" هو أن إسرائيل وبريطانيا تتحملان مسؤولية مشتركة. فبينما كانت القوات الصهيونية مسؤولة بشكل مباشر عن النكبة - التطهير العرقي لفلسطين في العام 1948- كان الذي سهل جرائمها، وحرَّضها على ارتكابها في بعض الحالات، هو السلطات البريطانية".

ويشير بالتحديد الى الهاغناه بالقول: "النقطة الأولى المهمة هي أن الهاغناه -الميليشيا الصهيونية الرئيسية في ذلك الوقت- كانت قد تدربت إلى حد كبير على يد القوات البريطانية عندما حكمت بريطانيا فلسطين في الفترة بين الحربين العالميتين. على الرغم من أن الهاغناه كانت غير قانونية، فإن البريطانيين اعتمدوا عليها عند القيام بعمليات نصب الكمائن ضد الثوار الفلسطينيين في فترة الثلاثينيات. كما قدمت الهاغناه الآلاف من الرجال الذين انضموا إلى قوة الشرطة الموازية "بدوام جزئي" التي جمعها البريطانيون أثناء محاولتهم سحق الثورة الفلسطينية. وتم جلب قادة الهاغناه إلى "فرق ليلية خاصة" بقيادة أوردي وينجيت، الضابط البريطاني المعروف بعنفه بشكل خاص".

ويذكّر كيف "عمل وينجيت عن كثب مع إسحاق سديه، قائد عصابات البلماح الذي أصبح فيما بعد شخصية عسكرية رئيسية خلال النكبة وأحد مؤسسي الجيش الإسرائيلي. ويعزى الفضل في تعاون الثلاثينيات بين الطرفين إلى يغئال ألون، وهو جنرال أصبح سياسياً رفيع المستوى، والذي أخرج قوات الهاغناه من خنادقها ومن وراء أسلاكها الشائكة إلى الحقل المفتوح، وهو ما جعلها تتبنى نوعاً أكثر نشاطاً من الدفاع".

"بريطانيا الراعي الإمبراطوري للمشروع الصهيوني"

يقول الكاتب عوفر أديرت في ختام مقاله المنشور على هذه الصفحة، إنه تم تنفيذ معظم اغتيالات مسؤولي الانتداب البريطاني طوال سنوات من قبل منظمتي ليحي وإيتسل. ولكن هناك أيضاً بريطاني واحد على الأقل على قائمة القتلى: الضابط وليام بروس، الذي أطلق عليه الرصاص في القدس عام 1946. وقتلته فرقة البلماح انتقاماً من إساءة معاملته المعتقلين اليهود من المنظمة في السجن البريطاني.

وقال أهارون سبيكتور، قائد فريق الاغتيال، في مقابلة أجريت معه عام 2010 من ضمن مشروع "تاريخ إسرائيل": "لقد تعقبته، لمعاقبته". وتحدث عن حكم سابق على بروس بالإعدام أصدرته محكمة البلماح. يقول محاورُه بيلغ ليفي: "لم يكن الاشخاص أنفسهم خائفين من سرد هذه القصص، في حين أن التنظيم الذي كانوا ينتمون اليه لم يسارع الى المجاهرة" بهذه الممارسات.

وعن الحاصل خلف الكواليس كتب كرونين في مقاله المُشار اليه أعلاه أن "العلاقة بين بريطانيا والحركة الصهيونية كانت معقدة بوضوح. فمن خلال إعلان بلفور في العام 1917، تولت بريطانيا دور الراعي الإمبراطوري للمشروع الصهيوني. وتم تنفيذ سلسلة من الإجراءات لتعزيز جهود الاستعمار في فلسطين. ومع ذلك، لم يكن إيقاع الأحداث سريعاً بما فيه الكفاية في نظر العناصر الأكثر تطرفاً في الحركة الصهيونية. ولما كانوا غير سعيدين بأن دولتهم اليهودية المبتغاة لم تتأسس بعد، بدأت مجموعتان صهيونيتان مسلحتان -إيتسل وليحي- في شن حرب عصابات ضد بريطانيا في أربعينيات القرن الماضي. وأدت الاضطرابات التي تلت ذلك والضعف الأكثر عمومية الذي أصاب الإمبراطورية إلى جعل بريطانيا تقرر التخلي عن الولاية (الانتداب) التي منحتها لها عصبة الأمم وحكمت فلسطين بموجبها. لكن النكبة كانت جارية فعليا قبل وقت طويل من الموعد الذي حددته بريطانيا لإنهاء حكمها في فلسطين: 14 أيار 1948".

النخب الحاكمة في بريطانيا أطالت أمد معاناة الفلسطينيين

كان على البريطانيين، طالما ظلوا في فلسطين، التزام بحماية الفلسطينيين. لكن كرونين يرى أن "البريطانيين نكثوا بالتزاماتهم. وفي 9 نيسان من ذلك العام، نفذت القوات الصهيونية فورة من عمليات القتل في دير ياسين، القرية الفلسطينية القريبة من القدس. وأقر آلان كانينغهام، المفوض البريطاني السامي في فلسطين، بأن "عمليات قتل جماعي متعمد ضد المدنيين الأبرياء" قد وقعت، ولكنه قال إن القوات البريطانية "لم تكن في وضع يمكنها من اتخاذ إجراء في هذا الشأن بسبب قوتها المتلاشية والتزاماتها المتزايدة". ومن "بين حوالي 800 ألف فلسطيني الذين سيطردون أو يفرون من منازلهم بسبب الهجوم الصهيوني في العام 1948، كان أكثر من 400 ألف قد شُردوا ونزحوا عن قراهم مسبقا بحلول الوقت الذي غادر فيه البريطانيون".

وعودة الى الرّاهن يقول: "لم تكتف النخب الحاكمة في بريطانيا بدورها في تمكين تجريد الفلسطينيين من أراضيهم في العام 1948 وإنما أيضاً قامت بإطالة أمد معاناة الفلسطينيين وتفاقمها، بينما تواصل الزعم أنها تؤمن بالعدالة".

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات