في 11 تشرين الثاني 2025 نُشر تحقيقٌ صحافي مشترك بين موقع "شومريم" وصحيفة "يديعوت أحرونوت" كشف عن شروع الولايات المتحدة الأميركية في إقامة قاعدة عسكرية في منطقة "غلاف غزة"، بتكلفة تقديرية تصل إلى نحو نصف مليار دولار.
بحسب مسؤولين إسرائيليين اطّلعوا على التصوّر الأولي للمشروع، فإن القاعدة المزمع إنشاؤها ستُخصّص لتمركز قوات دولية يُفترض أن تعمل داخل قطاع غزة للحفاظ على ترتيبات وقف إطلاق النار، مع قدرة استيعابية لعدة آلاف من الجنود. وتشير المعطيات المنشورة إلى أنّ الحكومة والجيش الإسرائيلي شرعوا بالفعل في فحص مواقع محتملة لإقامة المنشأة.
من المفيد الإشارة إلى أنّ جنرالين من قوات المارينز شاركا، لمدة عشرة أيام في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في اجتماعات هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي. ويأتي هذا ضمن إطار انتقال إسرائيل منذ العام 2021 إلى نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) التي تتخذ من تامبا، فلوريدا، مقراً لها.
يطرح هذا الكشف مجموعة من التساؤلات حول طبيعة الوجود العسكري الأميركي في إسرائيل؟ وتسعى هذه المساهمة إلى استعراض أنماط الحضور العسكري الأميركي في إسرائيل التي تنقسم الى ثلاثة أنواع: القواعد العسكرية، مخازن الأسلحة، المباني الخاصة داخل القواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي؛ مع ضرورة التأكيد على ندرة المعلومات العلنية المتاحة حول هذا الموضوع، وشحّ المصادر التي تتناول تفاصيله.
قاعدة عسكرية على مشارف غزة!!
كشف موقع "شومريم" وصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 11 تشرين الثاني 2025 أن الولايات المتحدة تعمل على الدفع نحو إنشاء قاعدة عسكرية واسعة في منطقة "غلاف غزة"، مخصّصة لاستيعاب قوات دولية يتوقّع أن تنتشر داخل القطاع للإشراف على تثبيت وقف إطلاق النار. وتشير تقديرات وفق التصوّر الأوّلي إلى أنّ هذه القاعدة ستكون قادرة على استيعاب آلاف الجنود، مع تكلفة بناء قد تصل إلى نصف مليار دولار. وقد جرت محادثات بين الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لدفع المشروع قدماً، وبدأت بالفعل في فحص مواقع محتملة لإقامة القاعدة داخل منطقة الغلاف. [1]
يقدّر مسؤولون أمنيون أنّ هذا المشروع يحمل دلالات استراتيجية عميقة، إذ يمثّل تحوّلاً جوهرياً في موقف إسرائيل التقليدي منذ حرب 1967، والذي سعى إلى الحدّ من أي وجود أو دور دولي في الأراضي المحتلة. ويوضح هؤلاء أنّ إنشاء قاعدة أميركية بهذا الحجم داخل إسرائيل ونشر قوات على أراضيها يعكس إصرار واشنطن على لعب دور مباشر وفاعل في إدارة المشهد داخل غزة وفي مسار الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
يأتي هذا التوجّه – وفقاً للتقرير - في ظل حساسية داخلية في الولايات المتحدة نفسها، حيث يعارض تيار واسع داخل الحزب الجمهوري أي توسّع في الانتشار العسكري الأميركي خارج الحدود. إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى مسار تصاعدي؛ فبعد وقف إطلاق النار وصل نحو 200 جندي أميركي للعمل من مركز القيادة الأميركية في كريات غات (CMCC)، إضافة إلى نشر بطارية "ثاد" خلال الحرب لاعتراض الصواريخ الإيرانية.
ترى مجموعة من الباحثين الإسرائيليين من بينهم ميخائيل ميلشتاين، بأن مركز القيادة الأميركية في كريات غات يتجه إلى السيطرة على معظم العمليات المتعلقة بغزة، بما في ذلك توزيع المساعدات الإنسانية، وهو ما يهمّش دور إسرائيل الذي كان مركزياً في هذا المجال. وفي ظل هذا، نفت الجهات الأميركية رسمياً وجود خطط إنشاء القاعدة.
موقع 512: القاعدة الأميركية في قلب النقب
يُعدّ موقع 512 (Site 512) قاعدة عسكرية أميركية سرّية تعمل في إسرائيل، وقد جرى افتتاحه العام 2018 في منطقة النقب ضمن منشآت مدرسة الدفاع الجوي التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، أو بوصفه منشأة مستقلة متاخمة لها. ويضمّ الموقع منظومة رادار متقدّمة من طراز AN/TPY-2 المخصّصة للإنذار المبكر من الصواريخ الباليستية.
في إطار التوسّع الذي شهدته بنيته التحتية العام 2023، رُفعت طاقته الاستيعابية بحيث يمكنه في حالات الطوارئ استيعاب نحو 1000 جندي أميركي، بالرغم من أنّ الطواقم الموجودة فيه فعلياً لا تتجاوز حالياً عشرات إلى عدة مئات من أفراد الجيش الأميركي.[2]
تتمثّل الوظيفة الاستراتيجية للموقع في تشغيل رادار AN/TPY-2 ضمن وضعيّتَي ما قبل الإطلاق (Forward-based) والنهائية (Terminal):
- في وضع ما قبل الإطلاق، يقوم الرادار باكتشاف الصواريخ الباليستية بعد لحظات من إطلاقها.
- في الوضع النهائي، يساعد الرادار في توجيه الصواريخ الاعتراضية نحو الصاروخ الهابط لاعتراضه وإحباط التهديد.
ومع ذلك، أوضح موقع "ديفِنس نيوز" أن الجيش الأميركي كان يُشغّل منذ نحو عقدٍ من الزمن منشأةً مستقلةً في المنطقة نفسها من صحراء النقب، من دون أي وجودٍ إسرائيلي فيها. تضم تلك المنشأة رادار AN/TPY-2 الأميركي العامل بتقنية X-Band، وهو مدمج مع رادارات البحث والتعقّب الإسرائيلية لتعزيز قدرات الإنذار المبكر في حال وقوع هجوم صاروخي باليستي.[3]
القواعد العسكرية السرّية الخمس
كشف ويليام أركين - وهو ضابط استخبارات أميركي سابق وصحافي حالي - عن تفاصيل العلاقات العسكرية السرية بين إسرائيل والولايات المتحدة في كتابه "أسماء رمزية: فكّ شيفرات الخطط والعمليات العسكرية الأميركية" (Steerforth Press، 2005) وتحدث عن وجود أنماط متعددة من أشكال الحضور العسكري الأميركي داخل إسرائيل. [4] ويشير أركين إلى أن وجود الولايات المتحدة في إسرائيل ليس ظرفياً، بل يتخذ شكل انتشار دائم في خمسة مواقع عسكرية سرّية تحمل الأرقام الرمزية من 51 - 56.
هذه المواقع هي: مطار بن غوريون، قاعدتا "نيفاتيم" و"عوفدا" الجويتان في النقب، مواقع في تل أبيب وهرتسليا بيتواح. وإلى جانب ذلك، تقوم السفن والغواصات الأميركية بزيارات دورية إلى مينائي حيفا وإيلات لتعزيز الحضور البحري الأميركي في المنطقة.
يوضح ويليام أركين أن اتفاق التعاون الاستراتيجي الموقع بين واشنطن وإسرائيل في عهد إدارة ريغان تضمّن السماح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بمخزون طوارئ عسكري داخل إسرائيل، إلى جانب تنظيم مناورات مشتركة بين سلاحي الجو والبحر لرفع جاهزية الطرفين.
في السياق نفسه، وإضافة إلى القواعد الخمس التي ذكرها أركين في كتابه فقد كشفت صحيفة "هتسوفيه" في تقرير نُشر العام 2007 عن إقامة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة إلعاد، في إطار نمط أوسع من توسيع البنية التحتية العسكرية الأميركية في إسرائيل.[5]
وقد أُنجزت عملية البناء عبر شركة ألمانية وبتمويل أميركي كامل، فيما تولّى فيلق الهندسة في الجيش الأميركي الإشراف المباشر على إنشاء القاعدة. وإن معظم المقاولين المشاركين في المشروع كانوا من الجانب الأميركي، مع مساهمة محدودة لجهات إسرائيلية في الأعمال التنفيذية، إلا أنّ إجراءات الفحص والمراقبة الأميركية اتّسمت بدرجة عالية من الصرامة والدقة.
ما هو مجمّع جينيفر؟
في أيلول 2006، جرى الكشف عن واحد من أكثر الأسرار المحصّنة في إسرائيل: سلاح الجو الأميركي يقوم ببناء قاعدة داخل النقب. وقد أعلنت شركة "أ. دوري" فوزها بمناقصة تابعة لـ فيلق الهندسة الأميركي لتنفيذ مشروع إنشاء تبلغ قيمته 80 مليون شيكل فيما سُمّي رسمياً "قاعدة سلاح الجو الأميركي في نيڤاتيم". وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي في "نيڤاتيم" قائمة منذ العام 1981، وقد أُنشئت عقب الانسحاب من سيناء وتهجير جميع السكان البدو من المنطقة.[6]
داخل القاعدة الإسرائيلية نفسها يعمل منذ نحو عقد مجمّع أميركي مغلق بالكامل يُعرف باسم "مجمّع جينيفر" (Jennifer Compound). يضمّ المجمّع مساكن دائمة، ومسبحاً، وصالة لياقة بدنية، ويُمنع دخول الضباط والجنود الإسرائيليين إليه، فيما تبقى القاعدة الإسرائيلية مفتوحة أمام الأميركيين بلا أي قيود. وابتداءً من العام 2001، بدأت الأنشطة المشتركة بين سلاحي الجو الإسرائيلي والأميركي في "نيڤاتيم"، إلا أنّ إنشاء قاعدة أميركية مخصّصة داخل النقب مثّل قفزة نوعية في مستوى التنسيق وترسيخ الوجود العسكري الأميركي المباشر في إسرائيل.
وفي أواخر كانون الأول 2012، نشر فيلق الهندسة في بالجيش الأميركي على الموقع الرسمي للعطاءات الحكومية مناقصة جديدة لأعمال بناء في منشأة سرية جزئياً تحت الأرض تُعرف باسم الموقع 81 - المرحلة الثانية، ووفقاً لما أورده موقع Business Insider، قُدّرت تكلفة المشروع بعشرات ملايين الدولارات، ويشمل استكمال بناء منشأة تحت أرضية بمساحة نحو 6,000 متر مربع تقع أسفل مبنى قائم حالياً.
موقع 911: المشروع السري تحت الأرض
في تشرين الثاني 2012 كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن مشروع عسكري أميركي - إسرائيلي سرّي يُعرف باسم موقع 911 (Site 911)، يتمثل في إنشاء مجمّع تحت أرضي يضم خمس طبقات لصالح الجيش الإسرائيلي، بالقرب من إحدى قواعد سلاح الجو في منطقة تل أبيب، يُرجّح أن تكون قاعدة "سديه دوف" أو "تل نوف" أو "بلماحيم".[7]
وفق الصحيفة فقد تجاوزت تكلفة المشروع حاجز المائة مليون دولار، مع تحديد فترة تنفيذ تمتد لعامين، ونصّت خطته الهندسية على أن تجري أعمال البناء عبر شركات أميركية حصرياً، مع تشغيل عمال من جنسيات مختارة تشمل الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا الغربية وغيرها. وتم تنفيذ الأعمال تحت حراسة عناصر سابقين من سلاح الجو الأميركي، ومن المحتمل وفقاً للتقديرات، أن يكون المشروع مخصّصاً لبناء غرفة عمليات محصّنة تُستخدم لإدارة عمليات قتالية محتملة بالتنسيق بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي.
أنماط أخرى للتواجد العسكري الأميركي في إسرائيل
أولاً: مخازن الطوارئ، إذ يحتفظ الجيش الأميركي في صحراء النقب بمخزون استراتيجي من الذخائر والمعدات ضمن منظومة الانتشار المسبق، يُستخدم عند الضرورة لتعزيز الجاهزية العملياتية في الشرق الأوسط. وتعود جذور هذه الفكرة إلى مطلع الثمانينيات عندما اقترح أريئيل شارون – وزير الدفاع آنذاك – إقامة مخزون طوارئ أميركي مُسبق الانتشار داخل إسرائيل، على غرار المخازن الأميركية في أوروبا والسعودية، بحيث يشمل دبابات وذخائر ومعدات طبية جاهزة للاستخدام في حال نشوب مواجهة في الخليج، مع إمكانية استخدام إسرائيل لهذا المخزون في حالات الطوارئ. [8]
ثانياً: مشاريع البناء العسكرية الأميركية لصالح الجيش الإسرائيلي، فخلال صيف 2025، نفّذت وحدات من سلاح الهندسة الأميركي مشروعاً لبناء حظائر للطائرات وملاجئ ذخيرة لصالح الجيش الإسرائيلي، وذلك بقرار صادر عن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. ويضاف إلى ذلك وجود مستودعات أميركية أخرى في مواقع عدة داخل إسرائيل، تُستخدم لتخزين منظومات قتالية ومعدات دعم لوجستي. [9]
ثالثاً: الأنشطة البحرية واللوجستية في ميناء حيفا، حيث يستخدم الأسطول السادس الأميركي ميناء حيفا كميناء لقطع البحرية الأميركية، فيما جرى تحويل أحواض السفن الإسرائيلية - التي خضعت لاحقاً إلى الخصخصة - إلى ورش صيانة للسفن الحربية الأميركية، ما يعكس مستوى متقدماً من الاندماج اللوجستي بين الجيشين. [10]
بالإضافة إلى ذلك كله، تمتلك وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حضوراً استخباراتياً نشطاً داخل إسرائيل، يشمل عمليات تشغيل مصادر، وتحليل معلومات، وتنسيقاً وثيقاً مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
[1] أوري بلاو، وميلان تشيرني. "كشف: الولايات المتحدة تخطّط لإقامة قاعدة عسكرية كبيرة على حدود القطاع"، شومريم، 11 تشرين الثاني 2025. https://www.shomrim.news/hebrew/american-base-gaza-border
[2] باربرا أوبال - روم، "الولايات المتحدة تضع حجر الأساس لأول قاعدة دائمة لها في إسرائيل"، ديفِنس نيوز، 18 أيلول 2017. https://www.defensenews.com/breaking-news/2017/09/18/us-breaks-ground-for-new-permanent-base-in-israel/
[3] المصدر السابق.
[4] القناة 7، " للجيش الأميركي خمس قواعد ثابتة في إسرائيل"، 11 شباط 2005. https://2h.ae/jdqhF
[5] إفرايم دفيدي. "السرّ غير المحفوظ بتاتاً: الأرض كلّها قواعد… قواعد أميركية"، زو هديرخ، 20 أيلول 2015. https://2u.pw/FXuDGt
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق.
[8] المصدر السابق.
[9] إيتمار آيخنر، "نحو 800 قاعدة في أكثر من 80 دولة، وواحدة في كريات غات: هكذا يبدو الوجود العسكري للولايات المتحدة"، يديعوت أحرونوت، 22 تشرين أول 2025، https://www.ynet.co.il/news/article/bjboymurgl#google_vignette
[10] إفرايم دفيدي، مصدر سبق ذكره.