المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حريديون في مسار التجنيد. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 62
  • برهوم جرايسي

افتتح الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع، دورته الصيفية، التي من المقرّر أن تستمر 12 أسبوعا، حتى الأيام الأخيرة من شهر تموز المقبل، في ظل استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني، وأيضا في ظل استقرار الائتلاف الحاكم. وحتى نشر هذا التقرير، ليس على أجندة الدورة، ما هو ساخن يهدد تماسك هذا الائتلاف، لكن الملف الأكثر سخونة سيكون قانون فرض الخدمة العسكرية على الشبان المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذي بصيغته المطروحة تطلق عليه وسائل إعلام إسرائيلية تسمية "قانون إعفاء الشبان الحريديم"، إذ إن الخلافات بشأنه لا تتوقف عند أطراف من الائتلاف، واعتراض المعارضة البرلمانية عليه، بل أيضا لدى المستشارة القانونية للحكومة، وأكثر منها، ما تراه الحكومة، تهديدا من المحكمة العليا، في حال لم يرتكز القانون على مبدأ المساواة.

قانون تجنيد الحريديم

نظريا، وصل الائتلاف إلى خط النهاية، تقريبا، لينجز هذا القانون، العالق في أروقة الكنيست منذ سنوات طوال جدا، وكل حكومة تدحرجه للحكومة التي تليها. وهي قضية بدأت تطرح بقوة على الأجندة السياسية الإسرائيلية، في النصف الثاني من سنوات الثمانين من القرن الماضي، وكانت تحتد كلما تقدمت السنين. وهذا بسبب ارتفاع نسبة الشبان الحريديم من بين الشبان اليهود، الأمر الذي انعكس في التراجع المستمر في نسبة المجندين من الشريحة العمرية الملزمة.

حتى عشية هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان التوجه السائد في قيادة الجيش الإسرائيلي هو تقليص القوة البشرية، الجيش النظامي الثابت، وأيضا تقليص فترة خدمة الاحتياط السنوية، والارتكاز على ما سمي بـ "الجيش الإلكتروني". وعلى أساسه صاغ الجيش في العام 2021 توجهات لمشروع قانون لتجنيد الحريديم، كان فيه نوع من التساهل معهم، ودخل هذا القانون مسار التشريع في العام ذاته، وكان الحريديم يعارضونه.

إلا أنه، كما ذكر، أظهرت هجمات السابع من أكتوبر حجم النقص في القوة البشرية، ما جعل قيادة الجيش تتراجع عن مشروع القانون الذي صاغته، وباتت تطالب عمليا بتجنيد شبه كامل لشبان الحريديم، وبشكل يكون فيه نسبة المعفيين منهم قليلة جدا، مقارنة مع مشروع القانون الأول.

أمام هذا الواقع، وأيضا نظرا للأجواء في الحلبة الإسرائيلية، باتت غالبية ممثلي الحريديم في الكنيست تؤيد مشروع القانون الذي رفضوه قبل أربع سنوات، ويطالبون بإقراره مع بعض التعديلات.

في المقابل، فإن عددا قليلا من نواب الائتلاف، وخاصة من الليكود، يطالبون بقانون يضمن تجنيدا أوسع للحريديم، وحتى الفرض الكامل، وليس واضحا حتى الآن ما إذا عدد هؤلاء النواب سيشكل خطرا على أغلبية الائتلاف، الذي سيواجه معارضة كاملة في صفوف المعارضة في حال كان مشروع القانون متساهلا، والمعارضة في شقين ليسا متوافقين: المعارضة الصهيونية التي تطالب بتجنيد كامل للحريديم، ومعارضة الكتلتين اللتين تمثلان الجمهور العربي، النابعة من معارضة كل قانون يقضي بتجنيد شرائح جديدة.

وفي مداولات لجنة الكنيست المختصة بهذا المشروع، تم في الأيام الأخيرة عرض عدة تقارير بشأن مدى تجاوب الشبان الحريديم مع استدعاءات الجيش للتجند. وقال أحد التقارير إنه من أصل 18 ألف استدعاء للخدمة العسكرية للشبان الحريديم، كان التجاوب من 232 شابا فقط. ونشير هنا إلى أن قانون التجنيد بشكل عام يعفي الشابات المتدينات تلقائيا، إن كان من الحريديم، أو من التيار الديني الصهيوني، إلا أن هذا التيار الأخير تنتشر فيه ظاهرة تجند شابات ضمن مسارات محددة، أو أنهن يخدمن في إطار في ما تسمى "الخدمة القومية".  

وفي تقرير سبق التقرير المذكور، جاء أنه من أصل أكثر من 10 آلاف استدعاء، فإن عدد الذين لبوا الاستدعاء من الحريديم بلغ 206 شبان فقط.

وهذا العدد، 18 ألفا، يقول الكثير عن نسبة الشبان الحريديم من أصل الشبان اليهود، من الشريحة العمرية ذاتها.

ليس واضحا أي صيغة نهائية ستكون لهذا القانون، لكن من شبه المؤكد فإنها لن تكون مرضية لمن يطالبون بالتجنيد الكامل للحريديم، وفي الوقت نفسه سيكون الحريديم أمام معضلة، إذ إنهم يرون أنهم في الحكومة المثالية بالنسبة لهم، وأن تشكيل خطر على الحكومة، إلى حد حلها والتوجه إلى انتخابات مبكرة على خلفية هذا القانون، سيكون بمثابة ضربة مرتدة، إذ قد تكون بعد الانتخابات حكومة ليست بمستوى الحالية التي تتجاوب تقريبا مع كل متطلباتهم.

 

تشريعات خلافية وقمعية متوقعة

من المفترض أن تستكمل الدورة الصيفية الجديدة عدة مشاريع قوانين، منها ذات طابع خلافي، تتعلق بتقويض جهاز القضاء، وهي قوانين خلافية، قد يكون أكثر منها، وأيضا قوانين قمعية لتقويض حرية التعبير، مثل مشروعي قانونين يتعلقان بتقويض الحريات في الجامعات والكليات الأكاديمية الإسرائيلية، خاصة في ما يتعلق بحراك الطلاب العرب. وأيضا مشروع قانون يضيق فرص الترشح للانتخابات البلدية القروية، أسوة بما هو قائم في الانتخابات البرلمانية.

وبموازاة هذا، سنرى بدايات معركة قضائية، خاصة في ما يتعلق بتعديل قانون لجنة تعيين القضاة، الذي من شأنه أي يمنح الائتلاف الحاكم أغلبية واضحة، وأيضا تغيير شكل انتخاب رئيس المحكمة العليا، ليصبح أيضا مستندا إلى الأغلبية، وليس كما هو قائم حاليا، بحيث يكون الرئيس الجديد، تلقائيا، هو الأقدم من بين القضاة، بعد انتهاء ولاية الرئيس.

ومن المتوقع أن يسعى الائتلاف الحاكم إلى البدء فعليا في مسار تشريع قانون يغير شكل تعيين المستشارين القانونيين للحكومة والوزارات، وتقليص صلاحيات المستشار القانوني للحكومة، وحتى إنهاء علاقته المهنية بالنيابة العامة، وغيرها من مشاريع القوانين التي قد تظهر لاحقا.

مسألة الاستطلاعات واحتمال الانتخابات

مع انتهاء الدورة الصيفية، وعودة الكنيست للدورة الشتوية، في الأيام الأخيرة من شهر تشرين الأول المقبل، يكون الكنيست قد أنهى عامه الثالث، في الولاية الـ 25 الحالية، ويبدأ العد التنازلي نحو الانتخابات البرلمانية، التي من المفترض، بحسب القانون، أن تجري في الأيام الأخيرة من تشرين الأول العام 2026.

ومسألة الانتخابات المبكرة رافقت الأجواء الإعلامية الإسرائيلية، قبل أن ينتهي الشهر الأول على تشكيل الحكومة، بمعنى منذ نهاية كانون الثاني 2023، على خلفية الضجة الكبيرة التي نشبت في أعقاب كشف الائتلاف الحاكم عن أجندته لسن سلسلة من القوانين، التي من شأنها أن تقوّض صلاحيات المحكمة العليا في ما يخص نقض القوانين والقرارات الحكومية، ومؤسسات الحكم، وأيضا في شكل اختيار وتعيين القضاة، والتعيينات لأكبر الوظائف في السلك المهني الثابت في الوزارات ومؤسسات الحكم، ويشمل ذلك المستشارين القانونيين للوزارات، مع تركيز خاص على المستشار القانوني لحكومة (حالية هي مستشارة).

ويومها اندلعت موجة احتجاجات شعبية، واستمرت حتى مطلع تشرين أكتوبر 2023 مع هجمات السابع من أكتوبر، وشن الحرب على الشعب الفلسطيني، وقد عادت هذه الاحتجاجات، حول هذه القضية، بشكل محدود في الأسابيع الأخيرة.

لكن أيضا هجمات السابع من أكتوبر وسير الحرب رفعا سقف التوقعات الإعلامية لحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة، لكن كل هذه بقيت في إطار الكلام الإعلامي، بينما أظهر الائتلاف الحاكم تماسكا لافتا، وحتى أنه في الدورة الشتوية الماضية عززه بأربعة مقاعد، كانت في صفوف المعارضة.

حاليا، ما تزال كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن الفريق الحاكم سيخسر الأغلبية المطلقة التي يحظى بها حاليا، من 68 مقعدا حاليا، إلى ما بين 52 وحتى 54 مقعدا. وفي حال تنافست قائمة جديدة برئاسة رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، فإن مجموع مقاعد الائتلاف الحاكم تهبط في الاستطلاعات إلى 49 مقعدا.

وبالإمكان التعامل مع هذه الاستطلاعات كتوجهات في الشارع الإسرائيلي، لكن لا يعني هذا التعامل مع الاستطلاعات وكأنها حقيقة واقعة. ومن المؤكد أن الائتلاف الحاكم، وخاصة حزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو، الذي هو الخاسر الأكبر في هذه الاستطلاعات، لن يتطوع للتنازل عن الحكم، أو على الأقل، المخاطرة في التوجه إلى انتخابات، ستعيده إلى حكومة قلاقل، في أحسن أحواله، خاصة وأنه لا يواجه أي تهديد بشأن ثبات واستمرار الائتلاف.

وعلى هذا الأساس، نواصل في طرح التوقع، الذي طرحناه منذ بدايات الأحاديث عن انتخابات مبكرة، بأن هذه الحكومة ستحافظ على حكمها حتى اليوم الأخير الذي ينص عليه القانون، لتستكمل 4 سنوات، بمعنى حتى خريف العام 2026، إلا إذا طرأت مفاجآت ليست مطروحة، ولا بوادر لها حاليا. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات