المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 30
  • وليد حباس

بعد نحو شهر من هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دعا رئيس الولايات المتحدة في حينه، جو بايدن، إلى "إعادة هيكلة" السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف الأنسب لإدارة قطاع غزة بعد الحرب. ويُستخدم مصطلح "إعادة هيكلة" السلطة الفلسطينية بشكل واسع في الخطابات السياسية والدبلوماسية بعد حرب غزة 2023–2024، إلا أن هذا المصطلح يفتقر إلى تعريف موحد، إذ تُحمّله كل جهة معاني وأهدافًا مختلفة.

يقدّم هذا التقرير تلخيصًا لما ورد في مراكز أبحاث إسرائيلية، ومراكز تفكير استراتيجية، حول معنى "إصلاح" السلطة الفلسطينية من وجهة نظر الولايات المتحدة، إسرائيل (بالتركيز على ثلاثة تيارات: اليمين البراغماتي، اليمين التوراتي، واليسار)، والاتحاد الأوروبي.

  1. الولايات المتحدة الأميركية

كانت الولايات المتحدة أول من أطلق مفهوم "إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية"، حيث فُسرت الدعوة الأميركية على أنها رغبة في تحويل السلطة إلى كيان أكثر كفاءة وشرعية واستقلالًا إداريًا، يكون قادرًا على لعب دور في غزة بعد الحرب ويشكّل بديلًا لحركة حماس.

سعت إدارة بايدن إلى إحداث تحولات هيكلية داخل النظام السياسي الفلسطيني، ودعت إلى تمكين رئيس وزراء تكنوقراطي يمتلك صلاحيات تنفيذية واسعة، بدلًا من تمركز السلطة حول مؤسسة الرئاسة (وليس المقصود الرئيس أبو مازن تحديدًا، بل توزيع السلطات بين الرئاسة ومجلس الوزراء). كما شملت الأجندة الأميركية إصلاح نظام مخصصات الأسرى والشهداء، وتعزيز كفاءة الأجهزة الأمنية عبر دعم غير مباشر، إلى جانب الدفع باتجاه الشفافية ومكافحة الفساد.

ومع انتهاء ولاية إدارة بايدن، لم تُعلن إدارة ترامب الجديدة عن رؤية واضحة تجاه السلطة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن السياسة الخارجية الأميركية عادةً ما تتأثر بضغوط الكونغرس والديناميات الداخلية، حيث يلعب اللوبي الصهيوني دورًا فاعلًا فيها. ومع ذلك، فإن التدخل الأبرز لإدارة ترامب حتى الآن تمثل في تجميد تمويل "مكتب منسق الأمن" (OSC)، وهو بعثة أمنية تقودها الولايات المتحدة ومقرها القدس، أُسست العام 2005 لتطوير قدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتنسيق عملها مع الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن التجميد استمر 90 يومًا فقط، أعلنت الإدارة في نيسان 2025 نيتها إغلاق المكتب بشكل دائم.

  1. إسرائيل

بالنسبة إلى إسرائيل، لا تعني فكرة "إحياء السلطة الفلسطينية" دعم تحوّل ديمقراطي أو مشروع وطني مستقل، بل تُختزل في إعادة تشكيل سلطة وظيفية ذات طابع أمني، تُسهم في الحفاظ على الاستقرار القائم من دون أن تشكّل تحدّيًا سياسيًا. ولهذا، تتعامل إسرائيل إجمالًا مع هذه الفكرة كمشروع تقني يركّز على تحسين كفاءة الأجهزة الأمنية والإدارية، بعيدًا عن أي ربط بإمكانية التقدّم السياسي أو استئناف مسار حل الدولتين.

مع ذلك، ينقسم الطيف السياسي الإسرائيلي بشأن الدور المستقبلي للسلطة الفلسطينية إلى ثلاثة معسكرات:

  • المعسكر البراغماتي (يضم المؤسسة الأمنية والتيار اليميني المعتدل)

يرى هذا التيار أن بقاء السلطة الفلسطينية ضرورة استراتيجية، خصوصًا للحفاظ على الاستقرار الأمني في الضفة الغربية وربما في غزة أيضًا. ويعتبر أن أزمة السلطة ليست نتيجة لقصور مؤسسي، بل لغياب "الإرادة السياسية" لدى قيادتها. وعليه، يدعو هذا التيار إلى إصلاح إداري وأمني من دون أن يرافقه أي تنازل سياسي من الجانب الإسرائيلي. يركّز هذا المعسكر على: 1) دعم قوات الأمن الفلسطينية؛ 2) التعامل مع السلطة كأداة وظيفية تحمي إسرائيل من عبء الإدارة المباشرة للفلسطينيين؛ 3) قبول دور للسلطة في غزة بشرط إثبات كفاءتها وفصلها التام عن حركة حماس.

  • المعسكر اليميني المتطرف (بقيادة شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش)

يرفض هذا المعسكر تمامًا فكرة إحياء السلطة الفلسطينية أو تعزيز دورها، ويعتبرها تهديدًا وجوديًا لمشروع "إسرائيل الكبرى". ينطلق من عقيدة قومية- دينية ترفض أي شكل من أشكال الكيانية الوطنية الفلسطينية بين النهر والبحر. لذلك يعمل على تفكيك السلطة أو إضعافها إلى أقصى حد، وتحويلها إلى إدارة مدنية محدودة الصلاحيات وغير قادرة على التعبير عن أي مشروع وطني. وتتجلّى أدوات هذا التيار في: 1) تجميد تحويل أموال المقاصة؛ 2) سنّ تشريعات تُتيح مقاضاة السلطة أمام المحاكم الإسرائيلية؛ 3) منع دخول العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلية؛ 4) تسريع عمليات الاستيطان وشرعنة البؤر العشوائية. يسعى هذا التيار إلى تقويض السلطة الفلسطينية أو، في الحد الأدنى، تحويلها إلى جهاز إداري فاقد للفعالية والشرعية. وقد أدّت هيمنته على الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى تسريع الخطوات الهادفة إلى تفكيكها فعليًا.

  • المعسكر الداعم لحل الدولتين (يشمل أحزابا إسرائيلية، ولوبيا صهيونيا أميركيا "يساريا")

يدعو هذا التيار إلى رؤية شاملة لإصلاح السلطة الفلسطينية، وتتلخص هذه الرؤية في عشرة أعمدة أساسية، تشمل:

  • تعزيز الحوكمة والشفافية: تطوير مؤسسات فعّالة، شفافة وخاضعة للمساءلة، تكافح الفساد وتُحسّن الأداء الإداري.
  • إصلاح المالية العامة: ضبط الإنفاق، زيادة الإيرادات، تقليص الاعتماد على المساعدات، وتحقيق الاستدامة المالية تدريجيًا.
  • تعزيز سيادة القانون والقضاء: تقوية استقلال القضاء، وتحديث المنظومة القانونية لضمان العدالة وحماية الحقوق الأساسية.
  • إعادة هيكلة المؤسسات: دمج الهيئات المتداخلة، ترشيد الموارد، وتحقيق التنسيق بين الوزارات لتقوية الأداء الحكومي.
  • تمكين الحكم المحلي: دعم البلديات والمجالس المحلية، ونقل الصلاحيات إليها لتحسين الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين.
  • الديمقراطية وحقوق الإنسان: ضمان الحريات السياسية، تفعيل الانتخابات، وتوفير بيئة قانونية تحمي الحقوق المدنية والإنسانية.
  • تطوير التعليم والصحة: تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، وضمان الوصول العادل إلى الخدمات الأساسية.
  • إصلاح القطاع الأمني: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، توحيد القيادة، وربط الأداء الأمني باحتياجات المجتمع لا بالنظام السياسي.
  • التحول الرقمي: رقمنة الخدمات الحكومية، وتحسين البنية التحتية التكنولوجية لتسهيل الإدارة وتعزيز الشفافية.
  • النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص: تمكين الاستثمار المحلي، تحسين بيئة الأعمال، وتحفيز الاقتصاد بعيدًا عن الريع السياسي.

لا تقتصر خطة الإصلاح على الجوانب التقنية، بل تشمل أيضًا الحاجة إلى معالجة الخلل السياسي والمؤسسي في العلاقة بين السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح. ويشير تقرير على شاكلة "خارطة طريق" صادر عن Israeli Policy Forum، إلى ضرورة إعادة التوازن داخل النظام السياسي الفلسطيني، وتحقيق تجديد سياسي عبر الانتخابات وإشراك المجتمع المدني. ويقترح التدرج في الإصلاحات السياسية ضمن ما هو ممكن في ظل استمرار الرئيس محمود عباس في الحكم، مع وضع خارطة طريق لمراحل ما بعده. ويوصي التقرير بضرورة عقد السلطة لانتخابات محلية (بلديات ومجالس محلية)، من خلال انتخابات ديمقراطية، وبناء شراكات دولية لضمان تمويل الإصلاحات وربط الدعم الدولي بتحقيق مؤشرات أداء ملموسة.

ورغم تباين المواقف بين التيارات، فإن هناك إجماعًا واسعًا داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية (يشمل اليمين وأحزاب الوسط واليسار الصهيوني) على ضرورة "نزع التطرف" من المجتمع الفلسطيني، لا سيما في: 1) المناهج التعليمية؛ 2) وسائل الإعلام؛ 3) المساجد؛ 4) المخيمات. ويُنظر إلى هذه العملية باعتبارها شرطًا مسبقًا لأي إصلاح أو إعادة تأهيل للسلطة الفلسطينية.

  1. الاتحاد الأوروبي

ينطلق الاتحاد الأوروبي في رؤيته لـ "إحياء السلطة الفلسطينية" من منظور براغماتي يركّز على تعزيز الاستقرار، دعم حل الدولتين، وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد. إلا أن هذه الرؤية ليست ذات طابع سياسي مباشر، بل تُركّز على الأبعاد المؤسسية والإدارية، وتُحمّل مصطلح "الإحياء" دلالات تقنية مشروطة بإصلاح هيكلي، يشمل: 1) تقوية مؤسسات السلطة، خاصة في القطاعات المالية، القضائية، والإدارية؛ 2) تعزيز الشفافية، المساءلة، وسيادة القانون؛ 3) تطوير الخدمات العامة مثل التعليم، الصحة، والحوكمة الرقمية؛ 4) دعم استقلالية القضاء ومكافحة الفساد؛ 5) إصلاح الأجهزة الأمنية لضمان الانضباط المهني والابتعاد عن التسييس.

ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أحد أبرز الممولين والداعمين للسلطة، ويتبنى نهج "المشروطية الإيجابية"، أي ربط استمرار الدعم المالي بتنفيذ إصلاحات ملموسة قابلة للقياس، مع تركيز خاص على: 1) تعديل المناهج التعليمية الفلسطينية لضمان خلوّها مما يُعتبر "تحريضًا"؛ 2) إعادة النظر في نظام مخصصات الأسرى والشهداء ليتماشى مع ما يراه الاتحاد "معايير حقوق الإنسان الدولية".

ورغم انتقاده لبعض سياسات السلطة الفلسطينية، لا يدعو الاتحاد الأوروبي علنًا إلى تغيير القيادة السياسية الحالية، ويتعامل مع رئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى كشريك إصلاحي تقني، ويعتبر الرئيس محمود عباس شريكًا شرعيًا ما لم يتم انتخاب بديل. وبهذا المنطق، لا يعارض الاتحاد دورًا مستقبليًا للسلطة في غزة، شرط أن تكون "مؤهلة إداريًا ومؤسسيًا"، ويفضل نموذجًا يتم فيه نشر أجهزة السلطة هناك بغطاء دولي، كبديل إنساني– مدني لحكم حماس، وليس عبر تدخل سياسي مفاجئ.

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات