(*) تمثلت أول ردة فعل إسرائيلية على إسقاط نظام الأسد في سورية في التباهي بأن ما ألحقته إسرائيل بـ "محور المقاومة" من ضربات عسكرية ماحقة يُعدّ بمثابة المساهم الرئيس في التأدية إلى هذا السقوط، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في التصريحات التي أدلى بها في منطقة الحدود مع سورية أمس الأحد، والتي اعتبر في سياقها أن هذا السقوط هو "بمثابة نتيجة مباشرة للضربات التي أنزلتها إسرائيل بكل من إيران وحزب الله، باعتبارهما الداعمين الأساسيين لنظام الأسد. وهذا أحدث ردة فعل متسلسلة في أنحاء منطقة الشرق الأوسط من طرف الذين يريدون التحرّر من هذا النظام".
تلخص هذه المقالة كيف تنظر إسرائيل إلى التطورات المتسارعة في سورية، على ضوء الهجوم المفاجئ للمجموعات المسلحة، ابتداء من سيطرتها على مناطق أوسع في شمال شرق سورية وصولاً إلى دخولها إلى العاصمة دمشق والإعلان عن سقوط نظام حزب البعث. وبينما أن الحكومة الإسرائيلية والهيئات العسكرية تداولت فيما بينها بشأن هذه التطورات، وبدأت بتوجيه اهتمامها السياسي، والعسكري، والاستخباراتي إلى ما يحصل داخل سورية، فإن مراكز تفكير إسرائيلية تقدم نظرة أوسع إلى المصالح الإسرائيلية، وكذلك إلى الفرص المتاحة أمام إسرائيل لاستثمار هذه التطورات جيوسياسيا، والمخاوف التي على القيادة السياسية والعسكرية لدولة إسرائيل أن تاخذها بعين الاعتبار.
في أواخر شهر تشرين الثاني الأخير، قطعت الحكومة الإسرائيلية وائتلافها خطوة إضافية في حملتها المتجددة ضد وسائل إعلام ترى فيها عقبة أو تحدياً أمامها يعرقل استكمال انقلابها على نظام الحكم. ولا يخفي مسؤولو السلطة الحاكمة أنهم يستهدفَون بالتضييق تحديداً وسائل الإعلام التي لا تنطق من حنجرتهم السياسية والعقائدية العميقة. هذا مع أن المفارقة بالنسبة لمن ينظر للصراع من الخارج، أن بعض وسائل الإعلام المستهدفة بعيدة بعداً شاسعا عن طرح البديل الشجاع للسياسات المنتهجة من قبل هذه الحكومة نفسها، لا بل إنها من كبار مسوقيها.
"أقول وأكرر، منذ زمن طويل، إن التهديد الأكبر على دولة إسرائيل هو تهديد داخلي وليس تهديداً خارجياً. لذلك، فإن الانتصار المطلق الحقيقي يتمثل في بناء مجتمع مثالي يكون، أيضاً، مجتمعاً ذا خطاب عام مختلف... الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي آخذ في التعمق من جديد بعدما رأبت الحرب في قطاع غزة والحرب في لبنان الصدع بصورة مؤقتة. هذا الشرخ وسيرورة تعمّقه يشكلان التهديد المحلي الأكبر والأخطر على دولة إسرائيل، وهو أكبر وأخطر من أي تهديد خارجي".
الصفحة 33 من 894