المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خُيِّلَ مؤخراً كما لو أن عنقاء فكرة الكونفدرالية الأردنية- الفلسطينية قد انطلق من رماده... فقد تجدد السجال حول هذا الموضوع في أعقاب الأزمة التي عصفت بالسلطة الفلسطينية والتي بلغت ذروتها في سيطرة حركة "حماس" بالقوة على قطاع غزة. هذه الأزمة خلقت شعوراً بوجود وضع لا فكاك منه، ينبع من عدم قدرة الفلسطينيين على التقدم نحو حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بقواهم الذاتية. وقد ولد هذا الشعور بدوره اتجاهاً من الحنين للحقبة السابقة لاعتلاء الحركة الوطنية الفلسطينية خشبة المسرح، حينما كان مصير الفلسطينيين يتقرر من قبل الدول العربية، ولا سيما مصر والأردن. في البداية عبر هذا الاتجاه عن نفسه بالأفكار التي طرحت في إسرائيل بشكل أساس ومؤداها أن مصر والأردن ستقومان بإرسال قوات إلى قطاع غزة والضفة الغربية لتقوم بفرض النظام ووضع حد للعنف وبما يتيح التقدم نحو التوصل إلى تسوية، وهي الطروحات التي تعبر عن نفسها الآن بفكرة الكونفدرالية.

وكانت فكرة الكونفدرالية، التي طرحت للمرة الأولى العام 1972، قد طرحت مجدداً عدة مرات منذ قرار (العاهل الأردني الراحل) الملك حسين سنة 1988 فك الارتباط مع الضفة الغربية والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كطرف مسؤول عن مصير السكان الفلسطينيين في هذه المنطقة (الضفة الغربية). لم يرفض الأردنيون بشكل مطلق هذه الفكرة، لكنهم أكدوا أن أي كونفدرالية أردنية- فلسطينية يمكن أن تقوم فقط إذا رغب الفلسطينيون بها ولذلك فإن مناقشة هذه الفكرة ستكون ممكنة فقط بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة.

أما الآن، في هذه المرة، فإن الحديث يدور عن إنشاء كونفدرالية أردنية- فلسطينية كحل بديل منذ البدء وبالأساس لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقد اكتسبت الفكرة في هذه المرة زخماً نتيجة تضافر تطورين نابعين بصورة مباشرة من الأزمة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية. واضح أن الأردن قلق للغاية من إمكانية امتداد هذه الأزمة إلى أراضيه. ويتمثل التخوف الأساس من تدفق لاجئين من مناطق الضفة الغربية إلى الأراضي الأردنية، لينضموا إلى الأعداد الهائلة من اللاجئين الذين تدفقوا على الأردن من العراق خلال السنوات الأخيرة. وتواجه السلطات الأردنية الآن صعوبة في معالجة مشكلة هؤلاء اللاجئين الذين يثقلون كاهل البنية التحتية للبلد، لكنهم لم يشكلوا بعد عبئاً اقتصادياً وسياسياً، نظراً لحرص الأردن على الموافقة فقط على دخول لاجئين ممن يمتلكون موارد مالية وينتمون إلى الطائفة السنية. ومن وجهة نظر النظام الأردني فإن لاجئين فلسطينيين جددا سيشكلون تهديداً أكبر لأنهم سيكونون معدومي الموارد كما أنهم سيهددون التوازن الديمغرافي الحساس في الأردن بين المواطنين من أصل أردني والمواطنين من أصل فلسطيني.

وقد أثارت الهواجس الأردنية نقاشات علنية، وجدت تعبيراً لها في وسائل الإعلام الأردنية، حول انعكاسات الأزمة الفلسطينية. وممن لعبوا دوراً فاعلاً في هذه النقاشات رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، الذي طرح فكرة الكونفدرالية كطريقة لتجاوز الأزمة الفلسطينية والتقدم نحو التسوية. في مرحلة من المراحل تكوّن الانطباع بأن النقاش برمته يجري بمبادرة ودفع من جانب البلاط الملكي وأن المجالي مجرد وسيط أو مبعوث. هذا النقاش وجد أصداء له في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، وبلغ ذروته حينما نشر على أحد مواقع الإنترنت خبر لا أساس له ومؤداه أن المجالي وصل إلى إسرائيل كمبعوث للملك عبد الله الثاني ليعرض على رئيس الحكومة إيهود أولمرت خطة سلام أردنية ترتكز إلى إعادة وحدة الضفة الغربية مع الأردن.

في المقابل، ازداد التأييد في أوساط الفلسطينيين في الضفة الغربية لدور أردني أكبر وهو ما عبر عن نفسه في استطلاعاتٍ للرأي العام نشرت مؤخراً. كذلك ساهمت الأفكار التي جرى تداولها في محافل مقربة من الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والتي دعت إلى استقدام قوات "لواء بدر" التابع لجيش التحرير الفلسطيني، من الأردن إلى الضفة الغربية بغية تقوية حكومة "فتح"، في تعزيز نظرية الاستعداد الفلسطيني لقبول دور أردني أكبر، نظراً لأن لواء بدر يشكل في الواقع جزءاً من الجيش الأردني.

لكن هذا البالون تبدد عندما بادر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في بداية شهر تموز الجاري إلى إجراء مقابلات صحافية، تمحورت بدرجة كبيرة حول المسألة الفلسطينية وحمل فيها بشدة وبشكل غير مسبوق على طرح فكرة الكونفدرالية.

وهكذا فقد اتضح أن "الحل الأردني" لمسألة "المناطق" الفلسطينية، والذي دفن في العام 1988 لم يبعث إلى الحياة مجدداً. فالإستراتيجية الأردنية الأساسية تسعى إلى الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الأردنية ونظامها في ظل وضع تحاط به المملكة بدول أقوى منها، ومؤخراً بمناطق أزمات مزمنة (العراق والسلطة الفلسطينية) تهدد بتصدير مشاكلها إلى الأردن.

ولا تنظر المملكة الأردنية إلى الضفة الغربية كأراضٍ فقدتها في حرب العام 1967 وتتطلع إلى استعادتها، وإنما كمنطقة تعكس تهديدات دائمة ومستمرة لوجود المملكة، في حين أن التهديدات الرئيسة من وجهة نظر الأردنيين تتمثل في تهديد التوازن الديمغرافي في الأردن وفي الفكرة التي سادت في محافل اليمين الإسرائيلي ومؤداها أن "الأردن هو فلسطين". فإعادة توحيد الضفة الغربية مع الأردن في الوضع الراهن معناها فقدان الأردن لصبغته وهويته المستقلة التي نجح في بلورتها، وتحول المملكة الأردنية إلى دولة فلسطينية. إلى ذلك فإن الملك عبد الله يخشى أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان القيام بما هو ضروري من أجل دفع حل القضية الفلسطينية، وأنهما إنما تريدان فقط إلقاء حبة البطاطا الملتهبة في "حجر" الأردنيين.

أخيراً ومن وجهة نظر إسرائيل فإن المغزى هو أنه لا ينتظر من الأردن القيام بدور يتجاوز المعايير المألوفة والتي لا تتعدى المساعدة في تدريب قوات الرئيس عباس وتسليحها والموافقة على إرسال قوات "لواء بدر" إلى مناطق الضفة الغربية. ومن وجهة نظر الأردنيين فإن انتقال الفلسطينيين من الأردن إلى الضفة الغربية بدلاً من الاتجاه المعاكس يشكل تغييراً إيجابياً.

___________________

* باحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة.

المصطلحات المستخدمة:

دورا, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات