المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة حدثاً دراماتيكياً له انعكاسات على العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، غير أن له أيضاً عدة أبعاد وتداعيات إقليمية. فسيطرة حركة إسلامية بالقوة على كيان سياسي عربي مسألة من شأنها أن تثير أصداء وصدمة في العالم العربي. هذا التطور يضع الأطراف المختلفة- إسرائيل والدول العربية والمجتمع الدولي- أمام سؤال: كيف يمكن مواجهة هذا الوضع الجديد؟ وهل ينطوي هذا الوضع على مخاطر فقط، أم أنه يضمر فرصاً جديدةً أيضاً؟ [تقدير موقف بقلم خبير إسرائيلي في الشؤون الأمنية والإستراتيجية]

يتسم الوضع الجديد بعدد من السمات والملامح أهمها:

- تعزيز الفصل بين قطاع غزة ومناطق "يهودا والسامرة" [الضفة الغربية] ووجود كيانين سياسيين مختلفين في المنطقتين. ومن هنا بات باستطاعة إسرائيل الفصل بشكل واضح بين أي تحرك أو نشاط مقابل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة حركة "فتح" وبين أي تحرك أو نشاط مقابل قطاع غزة.

- أضحت حكومة "حماس" للمرة الأولى في وضع تمتلك فيه سيطرة تامة على بقعة جغرافية محددة ومسؤولية كاملة عما يحدث فيها. هذا الوضع يبدو لا رجعة فيه وأقله على المدى القريب.

- قيام حكومة منفصلة لـ "فتح" في الضفة الغربية سيؤدي، وهو يؤدي منذ الآن فعلياً، إلى رفع العقوبات الدولية عن مناطق السلطة الوطنية في الضفة.

- سيطرة "حماس" على قطاع غزة تثير قلقاً بالغاً في مصر من شأنه أن يعزز دافعية السلطات المصرية نحو إحكام السيطرة بصورة فعّالة أكثر على الحدود مع قطاع غزة، وإن كانت الشكوك ستبقى قائمة بشأن قدرتها العملية (أي السلطات المصرية) على منع عمليات التهريب (تهريب الأسلحة) عبر هذه الحدود.

- من جهة أخرى فإن سيطرة "حماس" على المنطقة المتاخمة للحدود مع مصر من شأنها أن تسهل عمليات تهريب الأسلحة على الجانب الفلسطيني من الحدود.

- بات باستطاعة "حماس" تعزيز لحمتها نظراً لأنها خلقت وضعاً تتمتع فيه بمسؤولية عما يحدث في قطاع غزة، وبالتالي ستقف الحركة أمام الجمهور الفلسطيني في وضع من المقارنة الدائمة مع سلطة حركة "فتح" في الضفة الغربية. غير أن "حماس" لن تستطيع النجاح في هذا الاختبار دون توفر هدوء واستقرار في غزة كما أنها تحتاج إلى إسرائيل من أجل إدارة شؤون الحياة اليومية في القطاع بصورة منتظمة.

- من جهة أخرى، وإذا ما تصاعد، نتيجة لهذا الوضع، الضغط على "حماس" باتجاه حشرها في الزاوية، فإن الحركة يمكن أن تلجأ إلى المَخرَج الأسهل المتمثل في استئناف المواجهة والصراع مع إسرائيل وتحويل أنظار الجمهور الفلسطيني نحو هذا الصراع.

- يعتبر الوضع الجديد (الناشئ في غزة) مريحًا أيضاً، إلى حد ما، بالنسبة لإسرائيل، نظراً لأنه أصبح هناك للمرة الأولى عنوان واحد فعّال في قطاع غزة يمكن لإسرائيل العمل إزاءه سواء بطريقة عسكرية أو مدنية/ دبلوماسية.

- السيطرة على قطاع غزة لم تكن كما يبدو نتيجة قرار اتخذته القيادة السياسية لحركة "حماس"، وهي تعكس وجود انقسامات داخل الحركة.

الأسئلة المركزية التي تواجهها إسرائيل

§ كيف يتعين على إسرائيل التعامل مع الكيانين السياسيين الجديدين، الكيان المتشكل في قطاع غزة والكيان المتشكل في مناطق الضفة الغربية؟ وهل يتعين عليها تشجيع الفصل بين الكيانين؟ هل ينبغي التعامل معهما على قدم المساواة أم بطريقة مختلفة؟

§ استناداً للفرضية المرجحة القائلة بأنه ستكون لسلطة "حماس" في غزة مصلحة في الحفاظ على الهدوء مع إسرائيل بغية توطيد أركان سلطة الحركة والتأكيد للشعب الفلسطيني بأنها قادرة على توفير واقعٍ أفضل من الواقع الذي كان قائماً في ظل سلطة حركة "فتح"، هل يتعين على إسرائيل التعاون مع هذا الاتجاه والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع وخلق واقعٍ طبيعي إلى هذا الحد أو ذاك على الحدود مع القطاع (السماح بمرور البضائع وما شابه) أم يتعين الوقوف في وجه هذا الاتجاه نظراً لأنه يمكن أن يضر بمصلحة إسرائيل على المدى البعيد؟

§ هل أصبحت الفرصة مواتية لإيجاد شريك فلسطيني للحوار، نظراً لازدياد تماثل المصالح بين السلطة الفلسطينية التي تقودها "فتح" في الضفة الغربية وبين إسرائيل؟ أم أن الحوار الجاد ليس ممكناً في ظل واقعٍ لا توجد فيه جهة واحدة تستطيع الإدعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني؟

إن أية إجابة على أي من هذه التساؤلات يجب تفحصها بناءاً على جدواها وبمقدار ما تسهم في تحقيق أهداف إسرائيل، مع الأخذ بالحسبان حدود قدرة إسرائيل على التأثير على التطورات في الجانب الفلسطيني. إن الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل على المدى البعيد هو التوصل إلى اتفاق مع شريك فلسطيني موثوق قادر على تطبيق الاتفاق القائم على حل الدولتين لشعبين. أما على المدى الأقرب فإن هدف إسرائيل هو درء أية تهديدات على أمنها مصدرها في المناطق الفلسطينية.

هناك خمسة طرق عمل ممكنة متاحة لإسرائيل، يمكن أن تجيب على الأسئلة أعلاه. وهي ليست بالضرورة متعارضة فيما بينها بل يمكن حتى الجمع بين عددٍ منها، كذلك هناك إمكانية للانتقال من طريقة عمل إلى أخرى في بُعد الزمن.

طرق عمل ممكنة

طريقة العمل الأولى هي تشجيع الفصل بين المنطقتين، وتقوية سلطة "فتح" في الضفة الغربية مقابل معاقبة سلطة "حماس" في غزة وإضعافها. وهذه هي الطريقة المفضلة تقريباً ذلك لأن حركة "حماس" المسيطرة في قطاع غزة هي منظمة إسلامية مسلحة، لا تعترف بإسرائيل بل وتتطلع إلى تدميرها. في المقابل تسيطر في الضفة الغربية منظمة اعترفت بإسرائيل وترغب في التوصل إلى تسوية معها. من هنا ينبغي على إسرائيل إذن دعم الأولى (فتح) والعمل على إضعاف الثانية (حماس). هناك من يقول إنه يمكن بهذه الطريقة تحويل مناطق "يهودا والسامرة" [الضفة الغربية] إلى قصة نجاح عن طريق تشجيع توسيع وتنمية النشاطات الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة، وذلك عقب رفع العقوبات الاقتصادية وتدفق أموال المساعدات الدولية وتحويل عوائد الضرائب التي تحتجزها إسرائيل، إضافة إلى ما يمكن أن تسهم به إسرائيل من خلال إزالة بعض الحواجز وتسهيل حركة التنقل وغيرها من الأعمال والخطوات التي من شأنها تعزيز مكانة حركة "فتح"، كالإفراج عن أسرى ومعتقلين فلسطينيين.

في المقابل فإن قطاع غزة، الذي سيبقى خاضعاً للعقوبات الإسرائيلية والدولية، إضافة إلى ازدياد الضغوط عليه، سيتحول إلى حكاية فشل. والرهان هو أن الجمهور الفلسطيني، الذي سيشاهد الأداء المختلف للحكومتين (حكومة "حماس" في غزة وحكومة "فتح" في الضفة الغربية) سيبتعد عن حركة "حماس" ليعود إلى دعم وتأييد حركة "فتح".

هناك عدة أسباب تدعو للشك في فرص نجاح طريقة العمل هذه. أولاً، إن سلطة "فتح" في مناطق الضفة الغربية لا تستند إلى تأييد السكان الفلسطينيين وإنما تعتمد على حراب إسرائيل. فـ "فتح" تسيطر لأن إسرائيل تقوم بضرب بنية حركة "حماس" بصورة مستمرة. ولا تستطيع إسرائيل، في نهاية المطاف، مساعدة "فتح" طالما أنها لا تساعد نفسها. إلى ذلك فإن حركة "فتح" لا تظهر حتى الآن أية نوايا تشير إلى اعتزامها القيام بإصلاح حقيقي يمكنها من ترميم مكانتها في نظر الجمهور الفلسطيني واستعادة دورها كحركة سياسية فاعلة. في الواقع باستطاعة إسرائيل المساعدة إلى حد ما عن طريق إطلاق سراح مروان البرغوثي وتشجيع استبدال جيل القيادة في "فتح"، غير أن قدرتها على التأثير (أي إسرائيل) تبقى محدودة للغاية كما أن تدخلها يؤدي في الكثير من الأحيان إلى نتائج عكسية. وبالقدر ذاته فإن عناقاً حاراً أكثر من اللازم لـ "أبو مازن" من جانب إسرائيل يمكن أن يضر بمكانته. فضلاً عن ذلك، ثمة احتمالات بأن لا يفسر الجمهور الفلسطيني الضائقة في غزة على أنها فشل وإخفاق لحركة "حماس"، وأن يلقي باللائمة على إسرائيل والولايات المتحدة و"عملائهما العرب وفي مقدمتهم فتح".

هنالك مشكلة جوهرية أخرى تعترض طريقة العمل هذه وهي رد الفعل المتوقع من جانب حركة "حماس". فالحركة ستلجأ إذا ما حُشِرَت في الزاوية، إلى طريقة العمل الوحيدة المتاحة من وجهة نظرها وهي اللجوء للعنف.

وفي هذا السياق يمكن للحركة تكثيف جهودها في شن هجمات مسلحة في مناطق الضفة الغربية إضافة إلى القيام بمحاولات لتنفيذ هجمات انتحارية انطلاقاً من هذه المناطق. وعلى الرغم من النجاحات الكبيرة لقوات الأمن الإسرائيلية، فإن "حماس" ما زالت تمتلك قاعدة عمليات قوية في مناطق الضفة الغربية وبالتالي لا بد من الافتراض بأن عناصر الحركة ستنجح في تنفيذ عدد من الهجمات. وفي هذه الحالة ستضطر إسرائيل، رغم كل النوايا الحسنة، إلى إعادة نشر شبكة حواجزها العسكرية، بل وتعزيزها، بما يؤدي إلى تشديد القيود على حركة التنقل وانهيار النشاطات الاقتصادية.

ويطرح كذلك السؤال: إلى أي حد يمكن لاستئناف العملية السياسية مع أبو مازن وحكومته في الضفة الغربية أن يخدم أهداف طريقة العمل المذكورة؟

من جهة ثمة شك في أن يتمكن "أبو مازن"، في ظل ضعفه والمنافسة المحتدمة بينه وبين "حماس"، من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول المسائل الجوهرية كقضية اللاجئين، وحتى إذا استطاع التوصل لهكذا اتفاق فإنه لن يتمكن من تنفيذه في الوقت الذي تقتصر فيه سلطته وسيطرته على جزء من الجمهور الفلسطيني، وفي الوقت الذي يوجد فيه أيضاً استئناف على شرعيته (كرئيس وسلطة).

من جهة أخرى يمكن الإدعاء بأن الحوار مع أبو مازن وإمكانية التوصل إلى اتفاقيات مع إسرائيل كفيلان في حد ذاتهما بتعزيز مكانته في صفوف الجمهور الفلسطيني. لذا فإن الاستنتاج هو أن استئناف المحادثات السياسية سيكون مجدياً إذا لم تُعَلَق عليه آمال كبيرة.

طريقة العمل الثانية تتمثل في محاولة خلق منافسة إيجابية بين الحكومتين (حكومة "فتح" في الضفة الغربية وحكومة "حماس" في القطاع) عن طريق الاستعداد للعمل مع كلتا الحكومتين.

في هذه الحالة أيضاً ستكون الأفضلية لحكومة "فتح" في الضفة الغربية نظراً لأن الحكومات تحاكم أو تختبر بناء على أدائها وسلوكها، ومن الواضح أن الحكومة في الضفة ستعمل أكثر وفقاً لتوقعات إسرائيل والمجتمع الدولي، ولكن مع بقاء الاستعداد للعمل مع حكومة "حماس" وتمكينها من ممارسة عملها، وسوف تختبر هذه الحكومة بناء على أفعالها وما تحققه على أرض الواقع. فإذا ما تمكنت من المحافظة على الهدوء والاستقرار على الحدود مع إسرائيل فسوف تكافئ بناء على ذلك، وستتاح النشاطات الاقتصادية بصورة طبيعية مع إسرائيل إضافة إلى مساعدات دولية معينة.

يمكن الافتراض بأنه ستنشأ في هذه الظروف منافسة بين الحكومتين على من التي تستطيع أن توفر أكثر حكماً وحياة أفضل للسكان الذين يعيشون تحت سلطتها. في نطاق طريقة العمل هذه ستتعاون إسرائيل مع حركة "حماس" في تثبيت وقف إطلاق النار وتوطيده.

إن من يؤيد طريقة العمل هذه سوف يقدر بصورة عامة بأنه سيكون بالإمكان من خلالها تشجيع عملية تحول حركة "حماس" نحو البراغماتية والتي يمكن أن تجعلها في المستقبل البعيد جزءاً من الشريك الفلسطيني.

يُشار إلى أن أية محاولات فلسطينية عربية للتوصل مجدداً إلى تفاهم بين "فتح" و"حماس"، لا تتناقض مع طريقة العمل هذه.

هذه الطريقة تنطوي أيضاً على عدة مشاكل تعيق نجاحها. فهي أولاً يمكن أن تضر بحكومة "فتح" وأن تؤدي إلى إضعافها أكثر. ثانياً، قد تُفَسَر على أنها تقدم مكافأة لحركة إسلامية استولت على السلطة بالقوة. ثالثاً، إن اختيار هذه الطريقة سيتيح لأطراف في المجتمع الدولي تغيير موقفها من حركة "حماس" الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تقويض العقوبات بما لا يترك مجالاً لممارسة ضغط حقيقي على الحركة إذا لم تغير مواقفها. فضلاً عن ذلك فإن كل من يعتقد أن حركة إسلامية من طراز "حماس" لا تستطيع اجتياز عملية تحول حقيقية نحو البراغماتية، سوف يقول إن طريقة العمل هذه تضمن في الواقع هدوءاً على المدى القصير لكنها تتيح لـ "حماس" توطيد سلطتها وتعزيز قوتها العسكرية وتهيئة نفسها لمعركة مع إسرائيل تبادر بها الحركة حينما تُقدِّرُ أنها جاهزة لذلك. وفي ضوء الانقسامات الحاصلة في "حماس" يطرح أيضاً السؤال: ألا تعكس السيطرة على غزة سيطرة الجناح العسكري لـ "حماس" على الحركة ذاتها؟! وحيث أن اعتبارات هذا الجناح (العسكري) يمكن أن تكون مختلفة عن اعتبارات الزعامة السياسية للحركة فإنه قد يفضل بالتالي استئناف المواجهة العسكرية مع إسرائيل على تثبيت الوضع والاستقرار في غزة وتحسين ظروف معيشة السكان.

طريقة العمل الثالثة هي استغلال الوضع الجديد من أجل تعزيز الانفصال عن غزة. والمقصود هو السعي إلى خلق وضع لا تكون فيه أية علاقات أو صلات بين إسرائيل وقطاع غزة وأن يتلقى القطاع كل ما يحتاجه عن طريق مصر. الفرضية المطروحة هنا هي أن إسرائيل ستزيل بهذه الطريقة عن عاتقها المسؤولية عما يحدث في غزة. لكن المشكلة هي أن طريقة العمل هذه لا تقدم أية إجابة للمشاكل الحقيقية المتمثلة بالوضع الأمني والقدرة على التقدم نحو حل ما أو على الأقل إدارة معقولة للنزاع مع الفلسطينيين. ولكن الفرضية بأن إسرائيل ستعفي نفسها من أية مسؤولية عن غزة، تبدو عديمة الأساس لأنه طالما كانت إسرائيل تفرض حصاراً على قطاع غزة وتسيطر على المجال الجوي والبحري فإن المجتمع الدولي لن يعفي إسرائيل من مسؤوليتها. إلى ذلك فإن الانفصال التام عن قطاع غزة يعني التخلي عن وسائل ضغط وتأثير تمتلكها إسرائيل في مواجهة قطاع غزة.

طريقة عمل رابعة تتمثل في استغلال الوضع الجديد لشن حملة عسكرية متواصلة ضد "حماس" في قطاع غزة، تؤدي إلى إضعاف قوة الحركة. الفرضية المطروحة هنا هي أن هناك الآن، في أعقاب سيطرة "حماس" بالقوة على غزة، مناخا دوليا مُواتيا أكثر للقيام بعمليات عسكرية (إسرائيلية) ضد حركة "حماس"، وأنه حتى الدول العربية وحكومة "فتح" في الضفة الغربية سوف تنظر بإيجابية لهذا التحرك (العسكري الإسرائيلي) حتى وإن لم تقل ذلك جهاراً.

تنطلق طريقة العمل هذه من فرضية مؤداها أنه يتحتم على إسرائيل شن حرب لا هوادة فيها ضد "حماس" لأن الأخيرة حركة إسلامية متطرفة تتطلع إلى تدمير إسرائيل، وأنها (حماس) لن تغير أبداً توجهها هذا. وبحسب المنطق ذاته فإن أي وقف لإطلاق النار إنما يصب في صالح "حماس" نظراً لأنه يتيح للحركة استجماع قوتها والعودة إلى المعركة بقوى معززة.

المشاكل الكامنة في طريقة العمل هذه هي الأثمان المباشرة المترتبة على عمل عسكري من هذا القبيل، وإمكانية أن تنجر إسرائيل إلى إعادة احتلال قطاع غزة مع كل ما يترتب على ذلك من انعكاسات على قدرة الانفصال عن الفلسطينيين واستئناف الاحتكاك الدائم معهم.

إلى ذلك من المشكوك فيه أن تتوفر شرعية دولية لعمليات عسكرية تشنها إسرائيل في ظل وضعٍ تبدي فيه "حماس" الاستعداد للمحافظة على الهدوء، بل وتُثبت أنها تقوم بذلك.

طريقة العمل الخامسة تتمثل ببساطة في عدم القيام بأي عمل. والفرضية هنا هي أن أي تدخل من جانب إسرائيل سيضر أكثر مما ينفع، والسؤال هو: هل ثمة خيار كهذا؟!

إن تبعية وتعلق المناطق الفلسطينية بإسرائيل هو تعلق كبير جداً بحيث أن أي عمل أو لا عمل من جانب إسرائيل يؤثر على تلك المناطق. وعلى سبيل المثال فإنه لا يمكن التهرب من السؤال: هل يجب السماح باستيراد وتصدير البضائع من وإلى غزة عن طريق إسرائيل؟ إن أية إجابة على هذا السؤال سيكون لها تأثير على الفلسطينيين.

لقد طرحت أيضاً أفكار تدعو إلى نشر قوة دولية في قطاع غزة تتولى فرض النظام. وجرى الحديث في شكل أساس عن نشر قوة دولية على حدود قطاع غزة مع مصر تكون مهمتها منع عمليات تهريب الأسلحة. غير أن هذه الأفكار لا تبدو جادة أو حقيقية. فباستطاعة المجتمع الدولي أن يقرر نشر قوات لحفظ السلام عندما تكون هناك حربٌ أهلية ويكون الهدف تجنب كارثة إنسانية، وهذا غير قائم في قطاع غزة. فقد انتصرت "حماس" وبات الوضع في غزة مستقراً. ثمة خيار آخر وهو نشر مثل هذه القوات كقوة فصل بين جيوشٍ متحاربة ولكن ذلك يبقى مرهونًا بموافقة هذه القوات المتنازعة، أي إسرائيل وحركة "حماس". وبالقطع فإن حركة "حماس" لن توافق على نشر قوة دولية هدفها منع عمليات تهريب الأسلحة إلى عناصر الحركة. إلى ذلك فإنه ما من فرصةٍ في أن تتوفر دول توافق على إرسال قواتها بينما ترفض حركة "حماس" هذا الأمر.

خلاصة

ربما تكون السياسة الأسهل والأفضل في الوقت الراهن هي عدم اتخاذ قرارات ما عدا الضرورية، ومراقبة التطورات في الجانب الفلسطيني.

ومن الواضح أن إسرائيل لا يمكنها المساهمة في خلق أزمة إنسانية، بل يتعين عليها السماح بإيصال المساعدات الإنسانية والبضائع الحيوية إلى قطاع غزة. كما يتعين على إسرائيل مواصلة تزويد القطاع بالماء والكهرباء. ولكنه سيتعين عليها آجلاً أم عاجلاً أن تختار إستراتيجية، أو خليطًا من الإستراتيجيات، تخدم بأفضل شكل مصالحها. ويمكن في هذا السياق أيضاً إيجاد تدرج زمني في انتهاج الإستراتيجيات الملائمة، وعلى سبيل المثال من الممكن محاولة خلق حالة من الهدوء والاستقرار على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة والانتقال إلى طريقة عمل أخرى إذا ما اتضح أن الأمر غير ممكن أو أن الأثمان باهظةٌ جداً.

_________________________

* شلومو بروم- باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقالة ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات