المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يخيل أن الاستنتاج المؤكد بالنسبة للصيف الحالي هو أنه سيكون صيفًا ساخناً على الأرجح، فاحتمالية أن يتبدد هذا التوقع تقارب الصفر. أما فيما يتعلق بالتوقعات الأخرى فلا بد من التحلي بدرجة ملائمة من الحذر.

قبل عدة أيام أعلن نائب رئيس هيئة الأركان العامة، الجنرال موشيه كابلينسكي، في مؤتمر صحافي (الأربعاء 11 تموز 2007) أن الجيش الإسرائيلي "لا يتوقع نشوب حرب مع سورية في الصيف الحالي". لا ريب في أن هذا الإعلان مطمئن، ولكنه قد يكون مخطئاً مع ذلك. كابلينسكي أضاف قائلاً "نحن لا نستطيع التغاضي عما نراه: فهناك ضلوع متزايد لإيران في تشجيع العناصر المتسببة في زعزعة الاستقرار الإقليمي، وفي ضلوع سورية في إعادة تنظيم وتقوية صفوف حزب الله بعد الحرب في لبنان، إضافة إلى رفع درجة الاستعداد والجهوزية في صفوف الجيش السوري".

لعل الخطورة تكمن بالذات في هذه النقطة، إذ لا تتوفر لدى نائب رئيس هيئة أركان الجيش وسواه من المحافل العسكرية الإسرائيلية معلومات عما يدور بين أُذني (في رأس) الرئيس الأسد، وأية محاولة لتخمين ذلك ما هي إلا محاولة عقيمة، بل وخطيرة.

الردع لا يمنع الحرب...

بعد مرور عام على اندلاع حرب لبنان الثانية، خليق بنا أن نعود ونُذكِّر الجميع بحقيقة بسيطة، وهي أن أيا من قادة وجنرالات هيئة الأركان العامة لم يفكر أو يخطر في باله في صيف العام الماضي بأن حرباً ستندلع. على العكس، فالمستشف من الشهادات والأبحاث المنشورة هو أن المعلومات القوية التي توفرت لأجهزة الاستخبارات أشارت إلى محاولات اختطاف (لجنود إسرائيليين) سيقدم عليها "حزب الله". ثم تدحرجت الحرب كما يعرف الجميع. حتى "حزب الله" نفسه لم يتوقع اندلاع حرب تستمر 34 يوماً. والاستنتاج المترتب هو أن الحروب تندلع أحياناً دون أن يتمكن أحد من توقعها مسبقاً.

لقد حان الوقت كي نستوعب، بعد سنوات طويلة من التجربة المريرة، أن تحركات القادة العرب غير قابلة للتكهن، فهم يتحركون بدافع مصالح غير مفهومة لنا. علاوة على ذلك، فإن قدرة ردع الجيش الإسرائيلي، مهما تكن، لا يمكنها أن تمنع الحرب. وقد أكد ذلك بوضوح رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي (كديما)، في مقابلة تلفزيونية أذيعت في 11 تموز الجاري. واقعياً لم يرتدع القادة العرب عن جرنا للحرب حتى بعد أقسى الهزائم. دافيد بن غوريون تحدث عن "الجولة الثانية" مباشرة بعدما وضعت حرب العام 1948 أوزارها مؤكداً أن الزعماء العرب لن يسلموا بالوضع الناشئ عقب الحرب، وقد صدق في ما قاله. حرب "الأيام الستة"- حزيران 1967- كانت من ناحية عسكرية، أكبر هزيمة تمنى بها الدول العربية المجاورة، غير أن قدرة الردع الإسرائيلية لم تجدِ نفعاً حتى بعد هذه الهزيمة.

ففي غضون فترة وجيزة انهالت علينا "حرب الاستنزاف" التي استمرت فترة طويلة جداً، ثم باغتتنا بعد بضع سنوات حرب "يوم الغفران" (تشرين الأول 1973).

بناء على ذلك فإن الجهوزية للحرب يجب أن تكون على رأس سلم أولويات المؤسسة العسكرية. وكان نائب رئيس هيئة الأركان العامة قد صرح حسبما نقل عنه بأن "المشكلة الرئيسة التي شخصت لدى الجيش الإسرائيلي في أعقاب الحرب تمثلت في النقص في التدريبات، ولذلك كانت هذه المسألة هي المسألة المركزية التي سارع الجيش إلى معالجتها. فقد جرى منذ بداية العام الحالي تدريب نحو نصف وحدات الاحتياط، ومن المنتظر أن تتلقى جميع وحدات الاحتياط تدريبات مماثلة حتى نهاية هذا العام، أسوة بالتدريبات التي تلقتها الوحدات القتالية في الجيش النظامي". وأشار الجنرال موشيه كابلينسكي إلى أن هذه التدريبات ستتيح للمرة الأولى تفحص ومعرفة مدى جاهزية الوحدات العسكرية البرية للقيام بمهامها.

لا شك في أن هذا الكلام يثلج الصدور... فمن واجب الجيش الإسرائيلي أن يستعيد قدرته القتالية، التي فقدها بمرور السنوات نتيجة لأخطاء جسيمة. جنباً إلى جنب فإن من واجب قباطنة السفينة العسكرية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع، تفحص وتحري ما إذا كانت أقوال رئيس هيئة الأركان ونائبه (عن جهوزية الجيش) دقيقة تماماً، خاصة وأن ثمة ما يدعو إلى ذلك. فقد نشر أخيراً في الصحف (العبرية) الخبر المقلق التالي: "الضباط الذين أنهوا نشاطاً ميدانياً أبلغوا عن وجود إهمال وحالات خلل في العتاد ولا مبالاة (في صفوف الجنود) على الحدود مع لبنان... ولو كان يرغب "حزب الله" فإنه لن يجد صعوبة في العودة إلى اختطاف جنود إسرائيليين مجدداً". ووفقاً لنفس التقرير فقد "أبلغ الضباط عن سلسلة من الثغرات من ضمنها نقص في القوى البشرية والتدريبات إضافة إلى معدات رديئة أو غير ملائمة".

هذه الأقوال ينبغي تفحصها جيداً وأن لا يترك كل شيء في يد الجيش. يجب الإصغاء جيداً لأولئك الضباط الذين يتحدثون عن وضع غير سليم. يقول ضابط خدم في قاطع آخر (من جبهة الحدود مع لبنان) إن "من الأهمية أن نوضح بأن الحديث لا يدور عن جملة أخرى من إدعاءات أفراد قوات الاحتياط المتذمرين. هذه مشكلات جوهرية. الثغرات التي تم إصلاحها بسيطة جداً... أنا متأكد، بعد خدمتي على خط الحدود، بأنه ستقع عملية اختطاف أخرى، على الرغم من التواجد القريب لقوات اليونيفيل. حاولنا بالطرق الرسمية، ولكن ثمة أمورًا لم يجر تصحيحها كما يجب. لقد ضقنا ذرعاً بالتبريرات الممجوجة التي يسوقونها لنا". إذا كان الوضع هو حقاً كما وصف هنا فلا ريب أنه وضع في منتهى الخطورة.

الصواريخ والجبهة الداخلية... المهم الأفعال لا الأقوال

كشفت حرب لبنان الثانية عن بُعد شديد الأهمية، وهو أن إسرائيل لم تكن مستعدة للهجمة الصاروخية التي انهالت عليها. لا شك في أن التدريبات العسكرية هي أمر له أهمية قصوى، ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو إيجاد حل ملائم، ولا نقول حلاً تاماً وإنما ناجعاً أكثر، لهذا التهديد. ينبغي إعداد وتهيئة الجبهة الداخلية التي ما زالت مهملة، وهذه مسؤولية جسيمة تقع على كاهل حكومة إسرائيل. فلو قام المسؤولون في هذه الأيام بجولة تفقدية على الملاجئ في الجبهة الداخلية لكانوا قد شاهدوا بأم عينهم أكواماً بل جبالاً من القمامة وشتى أنواع الحاجيات والمخلفات، من فترة ما قبل التاريخ، والتي يطيب للناس الاحتفاظ بها!!

_____________________________

* أستاذ جامعيّ متخصص في الشؤون العسكرية. ترجمة خاصة (المصدر: شبكة الانترنت).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات