المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يقول موشيه عميراف إن "الحدود هي مكون أساسي في الدولة القومية العصرية. أهميتها تفوق قيمتها الأمنية المحضة. فهي تحول الأرض إلى وطن… وتبلور العلاقة بين الشعب والبلد" ("هآرتس"- 26/3/2006).

لكن عميراف لم يكن دقيقا: فليست الحدود هي التي تبلور العلاقة، وإنما الأرض التي تحددها هذه الحدود.

في هذا الشأن نحن نواجه مشكلة حقيقية. ففي المرة الأولى في تاريخ الصهيونية يعتزم الممثلون الرسميون لدولة إسرائيل السيادية التنازل رسميا عن سيادة الدولة على جزء من أرض إسرائيل.

صحيح أن "الييشوف" اليهودي الصهيوني في "أرض إسرائيل" الانتدابية كان قد قبل في الماضي مبدأ التقسيم. غير أن ذلك القبول كان اضطراريا وفي ظل وضع مجرد من السيادة.

إن التنازل عن جزء من "أرض إسرائيل" يخلق اليوم مشكلة أساسية في مسألة الصلة أو العلاقة بين الشعب والأرض، فالكثير من الأماكن والبقاع التي ارتبطت وانضفرت أسماؤها على مر التاريخ اليهودي بـ"أرض إسرائيل" ستصبح مستقبلا خارج المجال السيادي لدولة إسرائيل. فكيف يمكن الحفاظ على صلة الشعب بأرضه في الوقت الذي تتنازل فيه دولته عن سيادتها في مجال توجد فيه معظم المواقع والأماكن التاريخية، الدينية والقومية لهذا الشعب؟!

وكان ظهور الصهيونية كحركة سياسية قد طرح أمام عالم الهلاخاه (الشريعة الدينية) اليهودية مشكلة لا سابق لها. أحد الردود على هذه المشكلة تمثل في إعطاء مغزى ديني للصهيونية، وهو ما أصبح مقبولا لدى الذين اعتبروا في نظر أنفسهم والآخرين كـ"صهيونيين متدينين".

لكن تنازل دولة إسرائيل عن السيطرة على "القلب التاريخي" لأرض إسرائيل يقوّض الأرضية التي يستند إليها هذا التشخيص ويمكن أن يجر ردود فعل متطرفة، أحدها نزع الشرعية عن السلطة، أو - كرد فعل آخر- قطع كل صلة أو ارتباط بالأماكن التاريخية الواقعة خارج حدود الدولة. رد الفعل الأول يتخلى أو يتنازل عن الدولة، فيما يتنازل رد الفعل الثاني عن البلاد (الأرض). ويسقط كلاهما عن دولة إسرائيل صفتها كتعبير عن الاستمرارية التاريخية لليهودية.

ويدل كل واحد من هذين الردين ذاتهما، على فقدان مكونات معينة في الهوية شكلت قاسما مشتركا للسكان اليهود في إسرائيل.

مثل هذا التطور ليس قدرا حتميا، إذ يمكن تفادي الاغتراب المتطرف عن الدولة أو عن الأرض (البقعة الجغرافية) عن طريق عملية تربوية عميقة، تقوم في جوهرها على فصل الواقع السياسي عن التطلع المثالي إلى قيام سلطة يهودية مطلقة على البلاد. ولعل تأثيرات العولمة على سمات السيادة وعلى سلطة الدولة ستسهل مثل هذا الفصل.

إن وضع قيود وضوابط فيما يتعلق بالمفاهيم والحدود الدينية اليهودية للسلطة من شأنه أن يخلص إسرائيل من توقعات وتطلعات غير واقعية وأن يحررها من قيود الأفكار المسيحانية التي يقع مجالها في العالم الديني.

_______________________________________________

(*) كاتب المقال أستاذ في دائرة الجغرافيا والبيئة في جامعة "بار إيلان" في تل أبيب.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الصهيونية, المسيحانية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات