المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"تقدّم وعرّف على نفسك!" صرخ جندي مبتدئ يقف على بوابة ثكنة عسكرية بريطانية سمع شخصا يقترب. فأجاب "الرقيب جونس!".

"تقدّم وعرّف على نفسك!" نادى الجندي المبتدئ مرة أخرى. كانت الإجابة "لقد قلت لك، أنا الرقيب جونس!".

" تقدّم وعرّف على نفسك!" صرخ الجندي المبتدئ للمرة الثالثة. "أيها الأبله، لماذا تكرر هذا ثلاث مرات؟" صرخ الرقيب في وجهه.

"هذه هي الأوامر التي تلقيتها" يردّ عليه الجندي المبتدئ. "أن أصرخ ثلاث مرات- تقدّم وعرّف على نفسك وعندها أطلق النار".

إنها نكتة عسكرية بريطانية قديمة. وهذا هو أيضا برنامج الحكومة، التي سيتم تشكيلها في إسرائيل.

كل حكومة تحتاج إلى "خطوط أساسية". صحيح، أنها لا تلزم أي شخص. لقد خرقت كل حكوماتنا السابقة خطوطها الأساسية خرقا سافرا. لكن التقاليد والأخلاقيات الجماهيرية تتطلب خطوطا أساسية، وأن يتم طرحها على جدول أعمال الكنيست، جنبا إلى جنب مع الاتفاقيات الائتلافية حول تقاسم الغنائم، وهو أمر عملي بشكل خاص.

الهدف الحقيقي من "الخطوط الأساسية"، هو إتاحة مشاركة الأحزاب التي يرغب رئيس الحكومة بمشاركتها في الحكومة، وسد الطريق أمام الأحزاب الأخرى.

يرغب الزعيم الحقيقي بتشكيل ائتلاف يتيح له تحقيق أهدافه الحقيقية. ولكن رئيس الحكومة الذي يكون سياسيا وفقط كذلك، معني بائتلاف يوفر له حياة سهلة.

ينتمي إيهود أولمرت إلى الطراز الثاني، فهو يريد أن يستلقي في وسط السرير بين شريك من اليمين وآخر من اليسار، على أن يحتلا نفس المساحة. سيؤمن له هذا الأمر حكومة مستقرة. إذا أراد دفع أمر "يساري" قدما، ستتوفر لديه في الحكومة أغلبية حتى بدون الشريك اليميني، وإذا أراد دفع أمر "يميني" قدما، فستتوفر لديه أغلبية دون الشريك اليساري.

إن الأمر سهل الآن. الشريك اليساري سيكون حزب العمل (6 وزراء على ما يبدو)، واليميني سيكون مؤلفًا من شاس، الحريديين وحزب ليبرمان (7 وزراء على ما يبدو). المتقاعدون (وزيران على ما يبدو) سيحتلون الوسط. سيتمكن وزراء كديما (10 على ما يبدو) من خلق أغلبية في الحكومة، مرة مع هؤلاء ومرة مع هؤلاء. يأمل أولمرت بأن يوفر له هذا الأمر حياة سهلة خلال طيلة الفترة النيابية للكنيست السابع عشر، والتي ستنتهي في شهر تشرين الأول من عام 2010 فقط.

ستعكس "الخطوط الأساسية" هذا الهدف. عليهم إتاحة دخول عمير بيرتس، أفيغدور ليبرمان وإيلي يشاي إلى الحكومة. ستتألف هذه الحكومة من يساريين حقيقيين أيضا، حريديم حقيقيين أيضا وفاشيين حقيقيين أيضا. لم يحلم حتى النبي إشعياء بهذا الأمر، الذي اكتفى بالرؤيا المتواضعة "ويسكن ذئب مع حمل".

علم إشعياء بأنه يمكن تحقيق رؤياه عند مجيء المسيح المنتظر فقط. أولمرت بعيد كل البعد عن كونه المسيح المنتظر، إنه في نهاية الأمر سياسي فذّ فقط. مهمته ليس بسهلة.

يريد ليبرمان تنظيف الدولة من العرب - "عرابر راين" باللغة الألمانية. إنه مستعد بهدف تحقيق هذا الهدف لتسليم مناطق كاملة في الدولة يسكن فيها العرب، وضم بدلا منها أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. بالمقابل، ينادي عمير بيرتس بمساواة حقوق المواطنين العرب في الدولة. يريد بيرتس إجراء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، أما ليبرمان فيريد تدميرها. يطلب الحريديون من الدولة أن تقوم بإعالة عشرات الآلاف من طلاب الحلقات الدينية، الذين لا يريدون العمل. ينادي حزب العمل بمنح الحوافز للعمال المنتجين. وما شابه ذلك، تناقضات لا نهاية لها. أما أولمرت بحد ذاته فإن يريد، بالطبع، تنفيذ "خطة التجميع/ الانطواء "، القاضية بأن تقوم إسرائيل بتحديد "حدودها الدائمة" "بشكل أحادي الجانب"، دون موافقة أو شراكة الطرف الآخر.

ما العمل إذن؟ نقوم بحياكة "خطوط أساسية" يمكن للجميع أن يوافقوا عليها. هل هذا مستحيل؟ على العكس. ليس هناك أسهل من ذلك. ما نحتاج إليه هو محام يهودي متمرس. ولا ينقصنا كهؤلاء.

لن يتم الحديث في الخطوط الأساسية عن "خطة الانطواء" بتاتا، ولا عن خطوات "أحادية الجانب". سيتم الإعلان، إجمالا، بأن الحكومة ستعمل وفق الخطاب الذي ألقاه أولمرت بعد انتهاء يوم الانتخابات. من شأن هذا أن يكفي الجميع.

توجد في إسرائيل الآن ثلاثة معسكرات:

(أ) من يريد إجراء مفاوضات فعلية مع الفلسطينيين، بهدف تحقيق حل الدولتين.

(ب) من يريد انسحابا "أحادي الجانب"، وتكون النية ضم أجزاء من الضفة الغربية وإبقاء الباقي للفلسطينيين، بعد إخلاء المستوطنات منها.

(ج) من يعارض مثل هذا الانسحاب "الأحادي الجانب"، بحجة أنه يمنح الفلسطينيين أراضي دون الحصول على مقابل. هذا لا يعني أنهم يريدون التوصل إلى اتفاقية مع الفلسطينيين، بل على العكس، منع إعادة كل الأراضي.

ينتمي عمير بيرتس إلى النوع الأول، أولمرت إلى النوع الثاني، ليبرمان وشاس إلى النوع الثالث. على "الخطوط الأساسية" أن تفي بمتطلبات الجميع.

كيف؟ الإجابة موجودة في النكتة البريطانية.

ستقضي الخطوط الأساسية بأن على إسرائيل، بادئ ذي بدء، أن تتوجه إلى الفلسطينيين وتقترح عليهم سلاما يستند إلى حل الدولتين. وبعد أن يتضح أنه ليس هناك شريك لهذا النوع من السلام فقط، ستقرر إسرائيل مصيرها بنفسها (أي بما معناه: ستحدد حدودها من جانب واحد). توجه أولمرت في خطابه الذي ألقاه بعد انتهاء يوم الانتخابات مباشرة إلى أبي مازن، بلهجة صاخبة، واقترح عليه المباشرة بمفاوضات السلام.

(لقد ذكرني هذا بما يلي: بعد حرب عام 1956، حقق أحد أصدقائي مع ضابط مصري وقع في الأسر. وقد اكتشف بأن المصريين كانوا يصغون لخطابات دافيد بن غوريون المذاعة في الراديو، وفي كل مرة أعلن فيها أنه "يمد يده للسلام" أعلنوا حالة الاستنفار القصوى. هذه هي النسخة الإسرائيلية للمقولة الرومانية: "من يطلب السلام، فليستعد للحرب").

اقتراح أولمرت لأبي مازن مرفق بغمزة عين كبيرة للجمهور الإسرائيلي. الجميع يفهم بأنها مرحلة يجب اجتيازها بهدف الوصول إلى الأساس. إنها حيلة متعددة الأهداف: من المفروض أن تكون بمثابة غطاء لبيرتس، عندما سيطلب منه دعم الخطوات الأحادية الجانب، وإشباع رغبات الأميركيين، عندما سيطلب منهم الموافقة على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، وكذلك منح ليبرمان وشاس سنة أو سنتين للبقاء في الحكومة، قبل أن يقوم أولمرت بتنفيذ (إذا نفذ فعلا) "خطة الانطواء".

وللتأكيد: أي منهم، وحقا أي منهم، لم يتباحث حول الاقتراح الذي اقترح على أبي مازن، ولكنهم جميعا تباحثوا حول موضوع ضم الأراضي الذي سينفذ بعد ذلك.

مثلهم مثل الجندي المبتدئ البريطاني: الصراخ، الصراخ، الصراخ وعندها إطلاق النار.

رغم ذلك كله، يبقى السؤال: كيف يمكن لعمير بيرتس وزملاؤه المشاركة في حكومة واحدة أسوة برجل مثل أفيغدور ليبرمان؟

ليبرمان هو رجل اليمين الأكثر تطرفا. يمكنه أن يلقن جان ماري لابان ويورغ هايدر دروسا في العنصرية. إنه زعيم وحيد لحزبه، كلامه عنيف وهمجي، رسالته عنصرية. يعلن على الملأ عن نيته إخراج كل المواطنين العرب من الدولة.

وعد بيرتس، قبل الانتخابات، بألا يشارك أبدا في حكومة واحدة مع ليبرمان. وعندها حدث أمران. دعا زعيم ميرتس، يوسي بيلين، ليبرمان إلى تناول وجبة فطور حظيت بتغطية إعلامية في منزله، اشتملت على "السمك المملح اللذيذ"، حسب أقوال الصحفيين، وبالغ في مديحه بشدة. بهذا الشكل منح الشرعية للشخص، الذي كان حتى ذلك الحين خارج نطاق المجتمع السياسي.

بعد الانتخابات حدث أمر أكثر مهانة. أعلن زملاء بيرتس بأنه، وليس أولمرت، سيقوم بتشكيل الحكومة القادمة. سيكون هذا "ائتلاف اجتماعي"، بدون كديما. أثبت حساب بسيط أن هذا الائتلاف لا يتطلب ضم شاس فحسب، بل حزب "هإيحود هلئومي" (حزب المستوطنين) أيضا، الحزب المنافس لحزب ليبرمان على عرش العنصرية. هذه المناورة منحت الشرعية لكل اليمين العنصري. إذا كان بإمكان بيني إيلون وإيفي إيتام أن ينضما إليهم كوزيرين، فلماذا لا ينضم ليبرمان أيضا؟

ماذا حدث لبيرتس؟ لقد كان من الواضح أن ذلك كان بمثابة رد فعل متهوّر لتصرفات كديما. فور انتهاء الانتخابات كان على أولمرت دعوة بيرتس وتحويله إلى شريكه الأول. من تلك اللحظة، بدأ أتباعه بكيل الإهانات لبيرتس والتصريح بأنه ليس أهلا ليشغل منصب وزير المالية، حسب طلبه. غضب بيرتس وقام بالمناورة لينتقم من أولمرت ولإخافته. من الممكن أن نتفهّم ذلك ولكن من الصعب أن نسامح. رد فعل بشري، ولكنه أدى إلى أضرار جسيمة. هذا الأمر جعل ليبرمان مؤهلا، ومنح الشرعية لمحاولة ضمه إلى الحكومة. لقد أثار ذلك غضبا شديدا بين أوساط المواطنين العرب أيضا وخلق انطباعا بأن موضوع السلام ليس هو الذي يقض مضجع بيرتس.

هذا كله يثير القلق. من المؤكد أن الحكومة القادمة ستكون أقل سوءا من حكومة الليكود. السؤال هو فيما إذا ستكون أفضل بكثير أو أنها ستمتاز بتوجيه غمزات العيون لكل حدب وصوب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات