المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قريبًا، سيصطحب رئيس الحكومة أريئيل شارون، وزراءه الجدد، في نزهة على طول خط التماس. وذلك لكي يقف عن قرب على وتيرة التقدم في بناء المعوّق في خط التماس، ذلك الجدار الفاصل الذي أخّرت بناءه حكومته السابقة، وعادت إلى العمل عليه تحت ضغط جماهيري كبير.


وسيشمل مسار الجولة رسم التخطيط للجدار، الذي أنتهوا من تخطيطه، ويعملون عليه اليوم - من حاجز سالم (شمال غرب جنين) وحتى شرقي "روش هعاين" ("راس العين"). السؤال الجوهري سيكون ما إذا كان بناء الجدار الأمني الاسرائيلي يسير بحسب الجدول الزمني الموضوع، وذلك بهدف تقليص دخول <<المخربين الانتحاريين>> من "السامرة" عن طريق الخط الأخضر، إلى أقل حد ممكن. ولكن سؤالا آخر – مشحونًا أكثر بكثير- من المفروض أن تحسم فيه الحكومة الاسرائيلية، يطفو على السطح: كيف سيكون مسار الجدار من "ألقناه" في الجنوب وحتى منطقة القدس، ومن بعد ذلك حتى النقب الشمالي؟

وإذا كانوا في اليسار رأوا في إقامة منطقة التماس خطوة أولى نحو العودة الاسرائيلية إلى الخط الأخضر، فإن هذا التوجه مُني بصدمة في مرحلة تخطيط القسم الشمالي من الجدار؛ فبالنسبة للمخططين في الجيش الاسرائيلي، فإن الخط الأخضر كان بمثابة توصيةً ليس إلا. وفي أحيان متقاربة، يشذ الجدار بكيلومترات عديدة إلى الشرق من الخط الأخضر، لاعتبارات ميدانية. تفسير بارز لهذا الأمر هو القرى الفلسطينية التي يقسمها الخط الأخضر إلى قسمين - قسم فلسطيني وقسم إسرائيلي. في هذه الحالات، مثلما في برطعة، يمر الجدار شرقي القرية ما يجعلها كلها في الجانب الاسرائيلي.

ولكن، هناك سابقة أكثر أهمية من ناحية القسم الجنوبي للجدار، وهي سابقة <<ألفيه منشيه>>. فبعد فترة قصيرة من المصادقة على التخطيط الأصلي، بدأ سكان المستوطنة بالضغط لكي يشملهم الجدار أيضًا. شارون، الذي كان واحدًا من الضاغطين المركزيين لإقامة المستوطنة، لم يستطع الرفض. وطُلب من الجيش الاسرائيلي تغيير المسار المخطط، مما أدى إلى تحويل قلقيلية المجاورة إلى <<جزيرة>>، محاطة كلها بجدار.

لكن <<ألفيه منشيه>> هي مسألة بسيطة، قياسًا بالمعضلات المتوقعة الآن. شارون يملك عددًا من <الأسهم> في إقامة سرب مستوطنات على طول شارع الساحل القديم، جنوبي قلقيلية: على رأس القائمة مدينة "أريئيل" الاستيطانية، ومستوطنات أصغر مثل "ألقناه"، "عيتس أفرايم"، "بركان"، "كريات نطفيم" و"رففاه". من وراء الكواليس، هناك عناصر نافذة التأثير في اليمين، من بينها قيادة المستوطنين، تدير حملة ضغوطات لضم هذه المستوطنات، في المنطقة الواقعة غربي الجدار.

وفيما لو استحقت "أريئيل" إزاحة الجدار عن الخط الأخضر بعشرين كيلومترًا، لتحظى بحمايته، فإنه سيكون من المحتم فحص قضية ضمّ كتل إستيطانية قريبة أكثر إلى الخط الأخضر - مثل "بيت أرييه" و"عوفريم" الواقعتين شمالي غربي رام الله، وخاصةً المدينة الحريدية "بيتار عيليت" الواقعة غربي بيت لحم. ولا يبدو البعد الآن بين ضم "بيتار عيليت" وبين ضم سائر مستوطنات "غوس عتصيون" – "إفرات"، "نافيه دانيئيل"، "إليعازر"، "روش تسوريم"، "ألون شفوت"، "كفار عتصيون" و"بات عين" - كبيرًا بشكل خاص.

وحتى لسكان مستوطنات صغيرة في منطقة الخليل ("تيلم" و"أدوره"، "شمعاه"، "طنّا" و"يتير") هناك طموحات مشابهة. وستضطر الحكومة للحسم أيضًا في موضوع مسار الجدار في المنطقة الواصلة بين "ألكناه" وبين "بيت أرييه"، مع منطقة "محيط القدس": هل سيمرّ الجدار على طول الخط الأخضر، أم أنه سيشذّ شمالا، بما يطابق شارع رقم 443.

وعلى الرغم من أن الحكومات الاسرائيلية حرصت على القول إنه لا أهمية سياسية للجدار، وإن كل الهدف من ورائه هو أمني، فإنه لا يجب تجاهل الاسقاطات بعيدة المدى للمسار الذي سيتم. وعلى الرغم من الانكارات الاسرائيلية، فإنه من المتوقع أن يرى الفلسطينيون، والأمريكيون والأوروبيون أيضًا، في الجدار المقام سابقة بشأن الخط الحدودي مع الدولة الفلسطينية. ويُعتبر ضم "أريئيل"، "بيتار عيليت" ومستوطنات "غوش عتصيون"، ترسيمًا لخط يمر بين مقترحات براك وبين مسار كلينتون. في هذه الأيام، التي يمرر فيها الرئيس الأمريكي بلاغًا عن إلتزامه بالعملية السلمية (وإخلاء المستوطنات)، فإنه من الصعب تجاهل أهمية هذا المسار.

وحتى اليوم، وعلى الرغم من الإزاحات عن الخط الأخضر، فإن إسرائيل حرصت على عدم إدخال عدد كبير من الفلسطينيين غربي الجدار. وصحيح أن تبني مسار يشمل "أريئيل" و"غوش عتصيون" سيضيف حوالي (60) الف إسرائيلي إلى المناطق غربي الجدار، إلا أن ذلك سيضيف 7,000 فلسطيني أيضًا.

وفي مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية أجروا في الآونة الأخيرة بعض المداولات التحضيرية مع مندوبين من الجيش الاسرائيلي، تحضيرًا للنقاشات التي ستجري في الحكومة حول المسار الجنوبي. وقد حضر الطاقم الذي يركّز المقترحات في الجيش الاسرائيلي، عدة بدائل لكل منطقة، ستُعرض لحسم المستوى السياسي. ومن المتوقع بحسب مصادر أمنية اسرائيلية أن يُعقد اللقاء الأول مع شارون خلال أسابيع قليلة.

ولكن مصدرًا حكومياً ضالعًا في الموضوع يشكّك في تسريع شارون للحسم. <<هناك سبب لتخطيط الجدار حتى ‘ألقناه‘ فقط، حاليًا>>، يقول لصحيفة <هآرتس> (16/3)، <<فمن هناك وإلى الجنوب تبدأ المناطق الصعبة، الأيديولوجية. ليس هناك أي سبب يبعث على التصديق أن شارون سيسارع إلى الحسم>>. وبعد القرار أيضًا، سيمرّ وقت إلى حين بدء التنفيذ: فمرحلة التخطيط الأرضي، المنوطة بمصادرة أراضٍ خاصة مثلا، ستبدأ فقط بعد إختيار البديل.

وبحسب تقدير مصادر مختلفة، فإن أكثر المناطق إشكالية للحسم هي منطقة "أريئيل". مقابل ذلك، يمكن للمستوطنات التالية مثلا أن تتوقع ضمها داخل الجدار: "بيت أرييه" (في أعقاب التلال المطلة على مطار بن غوريون الدولي)، "كريات سيفر" وأيضًا "بيتار عيليت" ومستوطنات "غوش عتصيون" (القريبة من الخط الأخضر).

ومن ناحية الجدول الزمني والميزانية المخصصة لإتمام الجدار، هناك قناعة في الجهاز الأمني الاسرائيلي بأنه من الممكن الالتزام بالتخطيط الأصلي. وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى للجدار، من "ألقناه" وحتى سالم، وستُسلّم للجيش في حزيران القادم. وحتى كانون الأول سيتم الانتهاء من القسم الثاني، الشمالي، من سالم شرقًا وحتى "طيرات تسفي". وتصل التكلفة المقدرة للمرحلة "أ" إلى 1.27 مليار شيكل. ولم يتم الاتفاق بعد على تكلفة المرحلة "ب".

حاليًا، صادقت وزارة المالية الاسرائيلية على دفعة بقيمة 70 مليون شيكل. وعلى الرغم من أن المالية لا تُكثر من الحديث عن ذلك علانيةً، إلا أن المشكلة في إنهاء إقامة الجدار ليست مادية. المشروع يحظى بأفضلية قومية وسيحصل على النقود المطلوبة. وسيصل طول الجدار في حده الأدنى إلى حوالي 420 كلم، ولكن من المفترض أن يطول نتيجة إضافات مختلفة، تهدف لضم مستوطنات. وتصل تكلفة الكيلومتر الواحد إلى حوالي 5 ملايين شيكل؛ وبعد زيادة الاستكشافات والوسائل، تصل التكلفة إلى حوالي 8 ملايين شيكل. وتصل التكلفة الكلية المقدرة للمشروع إلى حوالي 4 مليارات شيكل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات