المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

السرية التي رافقت قرار رئيس الحكومة تعيين تساحي هنغبي وزيرًا للأمن الداخلي - بينما شيَّع مقربوه اسم تسيبي ليفنه كمرشحة لهذا المنصب - تعيد الى الأذهان طريقة تعيين روني بار أون لمنصب المستشار القضائي للحكومة. وزير القضاء آنذاك، تساحي هنغبي، عرض الترشيح على الحكومة في العام 1997 لبحثه تحت بند "متفرقات"، دون ان يكون بار أون قد حظي بانكشاف اعلامي مسبق.التخديرالإعلامي، عن وعي أو بدونه، منع اجراء نقاش جدي قبل اصدار قرار التعيين، الذي يبدو - في الظاهر ، على الأقل - قرارًا غير معقول. المستشار القضائي للحكومة استطاع، في اللحظة الأخيرة، نقل تحفظاته الى رئيس الحكومة على تعيين هنغبي في منصب له علاقة بتطبيق القانون، لكنه اعلن انه سيدافع عن التعيين امام الألتماس الذي قدم الى المحكمة العليا، التي أمرت النيابة العامة بتقديم ردها على الألتماس خلال 14 يوما.

النيابة العامة سارعت الى الأعلان انها ستدافع عن التعيين لأن قانون أساس الحكومة يمنع تعيين شخص لمنصب وزير، فقط اذا كان قد ادين بمخالفة تشكل وصمة وحكم عليه بالسجن، واذا لم تمر 7 سنوات على يوم انهاء محكوميته وحتى يوم تعيينه. تعيين شخص لمنصب قيادي في سلك الخدمة العامة، يجب ان يخضع لاختبارين: الصلاحية (الأهلية) والمنطق. فقط التعيين الذي يلبي مطلبي الصلاحية - باستجابته لمتطلبات القانون الرسمية - والمنطق - بعدم مسه بثقة الجمهور في الخدمة العامة - فقط مثل هذا التعيين هو الذي يفترض بالنيابة العامة ان تدافع عنه.

هذا التمييز بين الصلاحية والمنطق ترسخ في القرار الصادر عن المحكمة العليا في العام 1993، حين ألغت تعيين يوسي غينوسار لمنصب المدير العام لوزارة البناء والأسكان. فقد اكدت المحكمة في قرارها ذاك، انه حتى تعيين شخص صالح من الناحية القانونية يمكن ان يعتبر غير معقول، ولذلك فهو لاغ. وقد ألغت المحكمة تعيين غينوسار، على الرغم من العفو الذي كان حصل عليه من رئيس الدولة على خلفية ادانته باختلاق الأدلة وتشويش إجراءات قضائية في قضية الباص رقم 300. المبرر العام لذلك القرار كان التخوف من ان يمس التعيين بثقة الجمهور في قطاع الخدمة العامة بأنه من الصعب على صاحب المنصب "ان يشكل قدوة ونبراسًا لمرؤوسيه".

بروح ذلك القرار، الزم رئيس الحكومة بنقل الوزير ارييه درعي ونائب الوزير رفائيل بنحاسي من منصبيهما، بعد اعداد لائحتي اتهام خطيرتين ضدهما، وعلى الرغم من ان استمرار تسلمهما منصبين رفيعين كان صالحًا من الناحية الرسمية.

وفي كانون الأول / ديسمبر 2001 ألغت المحكمة العليا تعيين ايهود ياتوم لمنصب رئيس هيئة مكافحة الإرهاب، ليس فقط بسبب خطورة المخالفة التي اعترف بها ياتوم - قتل "مخربين" اثنين في قضية الباص رقم 300، والتي حصل فيها على عفو من رئيس الدولة - وانما بسبب حقيقة ان هذا المنصب اشتمل ايضًا على دور في مجال فرض القانون والذي يستلزم "صلاحية أخلاقية". وقد أكدت المحكمة العليا ان قرارها ذاك لا يمنع ياتوم من ان ينتخب لعضوية الكنيست او ان يعين في وظائف اخرى في الخدمة العامة.

خلافا لياتوم وغينوسار، لم يعترف هنغبي بارتكاب اية مخالفة جنائية، ولم تقدم ضده اي لائحة اتهام. ومع ذلك، فان تعيينه في منصب الوزير المسؤول عن الشرطة هو أمر إشكالي حيال "الصلاحية الأخلاقية" الخاصة اللازمة لهذا المنصب. وتبرز الأشكالية اكثر حيال حقيقة ان الشرطة هي التي اوصت بتقديمه الى المحاكمة، سواء في قضية بار أون المذكورة او في قضية جمعية "ديرخ تسلحا" ("طريق النجاح") التي اقيمت لدفع تشريعات خاصة لمكافحة حوادث الطرق.

في قضية بار أون أوصت الشرطة بتقديم وزير القضاء آنذاك الى المحاكمة بتهمة الغش وخيانة الأمانة. اما النيابة العامة فرأت ان ليس ثمة أدلة كافية لتقديم لائحة اتهام جنائية، لكنها اكدت، بالمقابل، ان هنغبي "تجاوز الأنظمة والأعراف السلوكية السليمة". وامتنعت المحكمة العليا عن اعتبار هذا التأكيد اساسًا كافيًا لإلزام رئيس الحكومة بنقل هنغبي من منصب وزير القضاء. اما في قضية "ديرخ تسلحا" فقد اوصت الشرطة بتقديم هنغبي الى المحاكمة بشبهة ارتكاب مخالفات تشمل: الغش وتلقي الرشاوى والتسجيل الكاذب في وثائق جمعية والحصول على شيء بالخداع.

المستشار القضائي قرر، بداية، تقديم هنغبي الى المحاكمة، لكنه عاد وتراجع معلناً في نهاية الأمر انه لم تكن ثمة قرائن قاطعة تتيح ادانة هنغبي واثبات انه كان مدركًا لتصرفاته "الفاسدة". كل هذا لأنه عندما كان رئيسًا للجنة الأقتصاد التابعة للكنيست، اضطلع ايضًا بمنصب مركزي في جمعية "ديرخ تسلحا" التي حصل منها على عوائد وامتيازات لقاء دفعه مشروع قانون كانت الجمعية معنية به. لجنة الآداب التابعة للكنيست ادانت هنغبي على تصرفه في حالة من تناقض المصالح.

هذه الأرضية من الحقائق المتراكمة هي التي كان على رئيس الحكومة التمعن بها وأخذها بالحسبان. وهكذا، مثل، فان ترقية الضابطة ميري غولان، رئيسة وحدة التحقيقات في قضايا الغش، قد تكون مرهونة بقرار الوزير هنغبي، علماً بأن غولان هي التي أشرفت شخصيا على التحقيقات في قضية "ديرخ تسلحا".

هنغبي حاز على تقدير الكثيرين في الجهاز القضائي إبان اشغاله منصب وزير القضاء. ومن المحتمل ان يكون كذلك ايضًا في وزارة الأمن الداخلي. لكن مسألة سلامة التعيين وانعكاسها على ثقة الجمهور بالخدمة العامة، ثم معقولية هذا التعيين من الناحية القضائية، لا تزالان بحاجة الى فحص واجابة شافية. هذا كله، حتى وان اختارت المحكمة العليا عدم التدخل في قرار التعيين، لعدم توفر سبب قانوني - رسمي لإلغائه، لتمتنع بذلك عن دفع وترسيخ قيم الأخلاق والآداب في السياسة، خلافا لروح قراراتها السابقة.

(هآرتس، 4 آذار، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, تساحي هنغبي, الكنيست, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات