المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما يجري في العراق يمكن تسميته، ايضًا، أسرلة امريكا. اذا اغمضنا عيوننا يبدو احيانًا ان جنود المارينز في كربلاء هم جنود جولاني في طولكرم. ولا عجب في ان معسكرين سياسيين في البلاد، مواقفهما متناقضة، يعتقدان بأن شيئاً جيدًا سوف ينتج عن هذه الحرب. انهما يرقبان، مثلاً، بفضول كبير، نحو كل جندي امريكي يتفجر هناك في عملية فدائية وعلى رد فعل الجيش. عندما قتلت سيارة اجرة الجنود الذين توجهوا اليها، قضى جنود المارينز على السيارة التالية، بكل من كان فيها من المدنيين. اليسار واليمين لا يهتمان تحديداً بما يتعلمه الجيش الأمريكي من الحرب. ما يهمهما، بشكل خاص، هو العبرة السياسية التي سيستخلصها البيت الأبيض منها. لم يسبق ان كانت هناك حرب لم تشارك اسرائيل فيها وكان يفترض بها ان تؤثر الى هذا الحد على مصيرها.

السبب في ذلك هو ليس المقارنة التي يعقدها العقل الاسرائيلي بين مصيره وبين المحاولة الأمريكية الجديدة في حيّنا القاسي هذا. التأثير نابع، بالطبع، من الحاجة الأمريكية الى العمل في المنطقة بشكل مكثف بعد ان تخبو النيران. من وجهة النظر الاسرائيلية، يمكن القول عن هذه المصلحة الأمريكية شيئين متناقضين جوهرياً. وفقاً للتعريف الرسمي، المطبوع بختم اليمين، هذه المصلحة تتناقض مع المصلحة الاسرائيلية، بالمقدار نفسه الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الى تسوية وتمارس ضغوطًا من اجل فرضها. اليسار يرى ان ثمة فائدة قومية واضحة في ذلك السعي الأمريكي. تحت ستار الحرب، وخلافاً لإعلان النوايا الأمريكي بشأن التصميم في موضوع خارطة الطريق، بدأت اسرائيل تفعل كل ما تستطيعه من اجل احباط المؤامرة.

هل ستنجح في ذلك؟ ليس لدى اليسار اساس كاف لتنمية الآمال بأن شارون سيفشل في هذه المرحلة الجديدة من جهود الاحباط التي يبذلها. صحيح ان امريكا مرتبكة ليس اقل من اسرائيليين كثيرين بدأوا يدركون الخطر القومي الكامن في التورط مع اندفاع وتاريخ شعب غريب. وهنالك الكثير من الوهم والخداع في المقارنة بين الحربين، طغى على الساحة الاسرائيلية. الضفة ليست العراق. واشنطن لا تريد ضم اجزاء من الدولة ولم تزرع المستوطنات هناك. متسرّع كل من يخمن بأن التعامل مع اسرائيل المتصارعة سوف يتحسن في امريكا بسبب دروس الحرب. ومن السابق لأوانه ايضًا التصديق بأن الكراهية تجاه يهود العالم المؤيدين لممارساتها سوف تخبو. لكن من الناحية السياسية، لن تكون الولايات المتحدة الخارجة من الحرب هي الولايات المتحدة ذاتها التي دخلت اليها. سوف تبدأ استعداداتها لانتخاب الرئيس. الحلبة السياسية فيها ستكون حساسة جداً، بشكل خاص، لأي مجموعات ضغط يمكنها التأثير على النتائج.

بدأت منذ الآن الحملة الدبلوماسية الاسرائيلية على الساحة السياسية سعيًا الى التخريب على خارطة الطريق، تلك الوثيقة غير المبلورة نهائيًا والتي ترعب الاسرائيليين. الكونغرس سيكون له حساب عسير مع الرئيس بوش الذي دفعه الى الحرب دون ان يسأل رأيه. وضع بوش السياسي سيتحسن كلما حقق جنرالاته نجاحات في العراق، لكن لن يُنسى له التحضير المتأرجح الذي سبق اعلان الحرب. وسيشتد هذا، بالتأكيد، كلما اوقعت الحرب خسائر مقلقة في الأسابيع الحاسمة. كل الضغط الدولي، والأوروبي والعربي، من اجل التوصل الى تسوية بيننا وبين الفلسطينيين، قد يتقزم امام حاجة الرئيس الفورية والملحة لإعادة انتخابه رئيسًا.

الى اسرلة امريكا هذه يمكن النظر، ايضًا، بروح وصف كيسنجر الشهير للسياسة الاسرائيلية، هذه التي تقتصر على السياسة الداخلية فقط. وكما الحال عندنا هنا، كذلك في الولايات المتحدة تغطي السياسة الداخلية، احياناً كثيرة، على السياسة الخارجية. وعلاوة على هذه الميزة المنتشرة بين انظمة الحكم، يتعزز في اوساط القيادة الأمريكية ميل محافظ وقوي من شأنه ان يساعد رئيس الحكومة في جهوده التخريبية على مبادرة التسوية. اولئك الذين ارسلوا امريكا الى الحرب في العراق - اشخاص كدونالد رامسفيلد، مثلا - كانوا يسخرون دائما بسخرية واحتقار من التطلعات الوطنية الفلسطينية (في ما يسميها وزير الدفاع، عادة، "المناطق التي كأنها محتلة"). ثمة اذن تناقض داخلي، من الصعب الآن توقع تفاعلاته ونتائجه، بين نزعة الادارة الأمريكية لفرض نظام جديد في المنطقة وبين ايديولوجية أوساط قوية في داخلها لا تكنّ أي ود خاص للقضية الفلسطينية.

ومن هنا، فليس من السابق لأوانه القلق من احتمال تفوق مدرسة شارون - نتنياهو - رامسفيلد - تشيني في الصراع المر المتوقع الآن على تسوية اسرائيلية - فلسطينية. يكفي حكومة اسرائيل ان تنجح تلك المبادرة، التي يجري نسجها الآن بشكل حثيث خلف غيوم الحرب، والرامية الى تجنيد دعم سياسي في الكونغرس للتفسير الاسرائيلي لخارطة الطريق. هذه الأسرلة للمبادرة الأمريكية تطمح الى استعادة اسلوب جرّ الأرجل الذي أفشل، حتى الآن، أي تقدم في الطريق نحو استئناف المفاوضات. لا تضعوا اموالكم في الرهان على انها ستفشل.

( هآرتس ـ 4/4، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات